الأصحاح التاسع والعشرون
إن الإنسان الذي يحتقر المشورة الحكيمة؟ ويرفض التوبيخ الإلهي؟ وينغمس في خطيته؟ بالرغم من صبر الرب عليه؟ نصيبه القضاء الساحق الذي لا مردّ له.
1 الكثير التوبيخ المقسّي عنقه بغتة يكسر ولا شفاء.
إن تقسية العنق تشبيه مقتبس من حالة الثور الجامح الذي يتحول عن النير ويتجنبه. والناس في عنادهم يصرون على رفض الاستماع للتوبيخ؟ ويعاندون ما فيه صالحهم وخيرهم. وبذلك يجلبون الهلاك على أنفسهم. صحيح أن الله طيب وطويل الروح وبطيء الغضب؟ ولا يريد لبني آدم الضيق والحزن؟ ولكن لصبره نهاية إزاء الأشخاص الذين لا يتوبون. إنه يحاجج وينذر حتى يظهر أن الإنسان وضع قلبه على طريقه. وحينئذ؟ يترك المقسّي نفسه وشأنه؟ لينال هلاكه المباغت. والأمثلة الكتابية كثيرة؟ وإنما أضع أمام القارئ فرعون وقورح وإيزابل وبيلشاصر.
2. إذا ساد الصديقون فرح الشعب وإذا تسلط الشرير يئن الشعب.
راجع ص28: 12؟28. مع أن الناس كأفراد يفضلون الخطية على القداسة؟ فإنهم كمجموع يفرحون لسيادة الأبرار؟ ويئنون عندما يكون الأشرار في مراكز الحكم. وحتى أكثر الناس شراً يدرك مدى حماية الأشخاص والمقتنيات في عهد ازدهار المستقيمين. وغير المؤمن الذي يبغض المسيحية؟ يفضل أن يعيش في بلاد تُنفَّذ فيها تعاليم الكتاب المقدس بصفة عامة؟ ويُحترم فيها الإيمان المسيحي. وبقدر ما تسيطر مبادئ الكتاب على أفكار الناس الذين يخدمون الحكومة المدنية ويمارسون السلطة؟ يسود السلام والرخاء؟ والملحد نفسه يعترف بهذه الحقيقة أكثر من غيره. هكذا كان الحال في إسرائيل فيما يتصل بالشريعة والأنبياء؟ فإن حكم أمثال حزقيا ويوشيا يفضل عن حكم آخاب ومنسى.
3. من يحب الحكمة يُفرح أباه ورفيق الزواني يبدد مالاً.
راجع ص28: 7. إن الاستهتار؟ والانطلاق؟ شرك يتعرض له الشاب بصورة ظاهرة. والحكيم يهرب منه كما من أفعى تسعى لقتله. وكذلك الفساد متلف للجسد والنفس معاً. ونتائجه المرعبة تفوق كل وصف. والنصيحة المعروفة: «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها»؟ هي نصيحة نافعة ولازمة جداً. انظر 1كورنثوس6: 15-20.
4. الملك بالعدل يثبّت الأرض والقابل الهدايا يدمرها.
يوم أنشد داود «إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله»؟ أسرع وتسائل «أليس هكذا بيتي؟» (2صم23: 3؟5). إن المسيح هو الذي سيظهر كالملك الذي بالعدل يثبت الأرض؟ قضيب استقامة قضيب ملكه. ومن امتياز كل حاكم أرضي أن يجاهد لكي يكون صورة للمتسلط الممسوح من الله. لكن قابل الهدايا (على سبيل الرشوة)؟ بعيد عن هذه الشمائل. قدوته السيئة تؤدي إلى تدمير الجهاز السياسي كله. انظر هذا في ابني صموئيل (1صم 8: 3).
5. الرجل الذي يطري صاحبه يبسط شبكة لرجليه.
راجع ص 28: 23. إن المديح الصادق؟ والاعتراف الأمين بما في الآخرين من فضائل ومحاسن؟ شيء سليم وفي محله. وقد يكون وسيلة للترفيه والتعضيد للشخص الذي يستحقه حينما يخور. لكن الإطراء؟ بمعنى أن تنطق بما لا يعنيه قلبك حتى تضلل من تطريه؟ هو شبكة وشرك لأقدام مَنْ يصغي إليك؟ الملاحظات الخالية من الإخلاص قاتلة جداً. والرجل المتواضع يتحول عمن يريد أن يتقرب إليه بهذه الوسيلة. ذلك أن القلب البشري ينـزع باستمرار إلى أن يفكر عن نفسه حسناً؟ حتى بدون الاستماع إلى كلمات الإطراء التي ليست سوى وقود للكبرياء. وياله من إنذار يدوي في آذاننا من القضاء الذي حل بأبشالوم؟ فكم زاد مديحه وكم زادت خيبته! (2صم14: 25).
6. في معصية رجل شرير شرك أما الصديق فيترنم ويفرح. 7. الصديق يعرف دعوى الفقراء. أما الشرير فلا يفهم معرفة.
إن معصية الرجل الشرير تحطمه وآثامه التي يُسر بها؟ هي مهلكته. وبينما يهتف الصديق ويغني فرحاً؟ يُطعن الشرير بأوجاع كثيرة. لأن الشرير إنما يعيش لذاته؟ ولا تعنيه صرخة المعوزين. أما الصديق فإنه؟ إذ يعترف بمديونيته للنعمة الحافظة؟ يسارع إلى إظهار الشفقة للملهوف الذي يصرخ في طلب الإغاثة؟ وهو في ذلك يتمثل بذاك الذي كان أبداً «يجول يصنع خيراً». وازن بين روح الرسولين بطرس ويوحنا؟ وروح الفريسيين (أع3: 1-8؟ مت23: 23-28).
8. الناس المستهزئون يفتنون المدينة. أما الحكماء فيصرفون الغضب.
يوحنا داربي يترجم الشق الأول هكذا: "الناس المستهزئون يشعلون المدينة". فالحاكم الذي يواجه الأزمة بالعنف؟ ويثير المواطنين بالتهكم الجاف والسخرية اللاذعة؟ إنما يضاعف الغضب؟ ويعمل على زيادة اشتعال الانفعالات. ولنا خير مثال في جواب رحبعام على رجال إسرائيل (1مل12: 13؟14)؟ لو كانت مشورة الحكماء قد نجحت وتغلبت فإنها كانت تسترضي الشعب وتحوّل سخطه.
9. رجل حكيم إن حاكم رجلاً أحمق فإن غضب وإن ضحك فلا راحة.
باطلاً تحاول أن تقنع الأحمق بأخطائه. فإذ هو متصلف بقلبه؟ معجب بنفسه وبآرائه؟ فإنك تحاول عبثاً وتجاهد باطلاً لكي تحمله على التسليم؟ سواء تحمس أو غضب؟ أو ظهر بمظهر من يقبل النصيحة ضاحكاً بفرح أو ساخراً؟ فالنتيجة واحدة: لن يصل الأمر إلى نهاية مرضية؟ لأن الأحمق يأبى التوبيخ والتقويم. وأمامنا خصومة نحميا مع سنبلط الغاضب خير مثال (نح2: 10؟19؟ 4: 1-10؟ 6: 1-9).
10. أهل الدماء يبغضون الكامل أما المستقيمون فيسألون عن نفسه.
إن محبي سفك الدماء يبغضون الكامل؟ وذلك بسبب اختلاف حياة هؤلاء عن أولئك؟ تماماً كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة (1يو3: 12). وذلك أن القداسة والتقوى تثيران خبث الأشرار؟ لأن ما هو حق ونافع يوبخ طرقهم الشريرة. أما المستقيمون فيسرّهم أن يكونوا حراساً لأخوتهم (بعكس قايين)؟ فيهتمون بحفظ حياتهم ورعاية نفوسهم. والاهتمام ببركة الآخرين هو أول وأقوى برهان على أنك مولود من الله.
11. الجاهل يظهر كل غيظه والحكيم يسكّنه أخيراً.
الجاهل على استعداد أن يسكب جام غضبه لأقل سبب؟ بغض النظر عن النتائج التي تصيبه وتصيب الذين يغتاظ منهم. هكذا فعل قايين وقتل أخاه (تك4)؟ وهامان الذي أمر بقتل اليهود (إس5)؟ ونبوخذنصر عندما اغتاظ من الفتية الثلاثة (دا 3: 19). وكلنا نعرف عاقبة التصرفات الناتجة عن غيظ الجاهل.
أما الحكيم فيسكن غضبه ويهدئه في داخل نفسه؟ حتى يصرفه عنه؟ ويجنب نفسه والآخرين عواقبه المريرة. كما يمكنه أن يعالج الشخص الغاضب بأسلوب حكيم وكلمات ليّنة؟ حتى يصرف غضبه (ص1: 15). وما أحوجنا إلى طاعة وصية الرسول «لا تغرب الشمس على غيظكم» (أف4: 26) فإننا بذلك نمجد إلهنا ونجنّب أنفسنا متاعب كثيرة.
12. الحاكم المصغي إلى كلام كذب كل خدامه أشرار.
إن الحاكم الفاسد يحيط نفسه بأناس فاسدين؟ لأن قدوته الشريرة تؤثر تأثيراً بالغاً في تكوين مقومات رعاياه. ومن هنا أهمية الكمال والاستقامة من جانب الذين يشغلون مراكز الثقة والكرامة. وقد كانت فترة محزنة في تاريخ يهوذا حينما كان رعاته وحكامه قدوة لهم في عصيان الله (إر2: 8؟ 10: 21).
13. الفقير والمربي يتلاقيان. الرب ينوّر أعين كليهما.
راجع ص22: 2. من المؤسف كثيراً أن يوجد من يظلم الفقير؟ إذ أن كليهما يعتمد على المحسن الجواد الذي «يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين» (مت5: 45)؟ والذى عيناه على كل أعماله؟ ويلاحظ حاجات وسلوك خلائقه؟ وهو باعث الحياة والنور في عين الفقير وعين من يتسلط عليه.
14. الملك الحاكم بالحق للفقراء يثبت كرسيه إلى الأبد.
إن الملك الأمين يفكر في الضعفاء ويقضي بالاستقامة للفقراء. وبهذا يتمثل بالعلي الذي يسود على الكل بالبر. ولذلك يثبت كرسيه في سلام. ولاحظ أن العبارة «إلى الأبد» يقصد بها معنى محدود؟ أي باستمرار (على الدوام) ولا يقصد بها الأبدية كما نفهمها من العهد الجديد. انظر ما يقال عن عرش سليمان الذي هو رمز لحكم المسيح (مز89: 19-29).
15. العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق إلى هواه يخجل أمّه.
راجع ص19: 18 و23: 13؟14. إن الطفل عديم التربية يجلب عاراً على أمه وإتلافاً لنفسه. وعدم الرغبة في تأديبه (حرصاً على عدم إيلامه)؟ دليل الكراهية لا المحبة. فإن التوبيخ والتقويم بالصورة المقبولة؟ هما لصالح الطفل ويفتحان قلبه للحكمة. ولينتبه الآباء المفرطون في التعاطف الكاذب إلى ما حل بأدونيا؟ فلم يسجل الله عبثاً هذه الحقيقة: «ولم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا؟»؟ ولا عجب إذا صار أدونيا متمرداً ثائراً! (1مل1: 6؟2: 13-25).
16. إذا ساد الأشرار كثرت المعاصي. أما الصديقون فينظرون سقوطهم.
راجع ع2. هو مبدأ في سياسة الله الأدبية؟ إنه لو بدا نجاح الأشرار وسيادتهم إلى أعلى الجبال؟ فمن المحقق أنهم سيسقطون ويزولون؟ ويسود البر في آخر الأمر. وحينما يتسلط الأشرار؟ تزدهر المعصية وتنسحق الاستقامة؟ ولكن إلى حين. إن هتاف الأشرار قصير وفرح الفاجر إلى لحظة؟ كما يقول صوفر؟ ولو أنه أخطأ في تطبيق هذه الحقيقة على أيوب؟ حين كان يطلب معرفة سبب نكباته (أي 20: 5).
وطوال التدبيرين؟ الماضي والحاضر؟ جلس الأشرار على كراسي السلطان بدرجة كبيرة؟ وقد سمح الله بذلك حتى يمتحن ويختبر؟ في ظروف قاسية؟ مدى صبر الصديقين. على أن سقوطهم المحقق قريب؟ حين يأخذ الملك المعيّن من الله سلطانه ويملك؟ حين تأتي مملكة إلهنا ومسيحه. يومئذ يسود الصديقون في صباح بلا غيوم؟ حين يغطي البر ومعرفة الرب كل الأرض كما تغطي المياه البحر (إش9: 11وحب14: 2).
17. أدّب ابنك فيريحك ويعطي نفسك لذات.
ما أحوج الأب إلى الحكمة؟ حتى يكون تأديبه لابنه في محله؟ حتى ينشأ أهل بيته في خوف الله! ولعله لا يوجد ما يجعل الآباء يلمسون أخطاءهم وتقصيراتهم؟ مثل رؤيتهم لتلك الأخطاء والنقائص وقد انعكست على أولادهم. ولذلك فإن هذه العيوب تجعلهم يحسون بالحاجة إلى النعمة والحكمة الإلهية في معاملاتهم. لكن الكلمة صادقة؟ فكما أنه لزام على الوالدين أن يمارسا التأديب الحازم الشفيق مع أولادهما؟ كذلك الله قد تعهد بأن يجعل لهذا التأديب ثمراً صالحاً. لأن الابن الذي يفيد من توبيخ أبيه يعطي راحة لقلبه ولذة لنفسه. وهذا عين ما تجلى في اسحق الذي لم يقصر في طاعته حتى وهو مساق إلى المذبح. وجدير بالملاحظة أن الله سبق فرأى في إبراهيم الكفاية لأن يسيطر على بيته قبل أن يجعله مستودع المواعيد (تك18: 19).
18. بلا رؤيا يجمح الشعب. أما حافظ الشريعة فطوباه.
المقصود بالرؤيا الاستنارة الروحية والبصيرة في الأمور الإلهية. ولعله ما يوضح هذا العدد؟ أن نشير إلى 1صم3: 1؟ حيث نقرأ «وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام. لم تكن رؤيا كثيراً». وحتى يسد هذه الحاجة؟ أقام الله صموئيل الذي دُعي "الرائي"؟ أى الرجل المفتوح العينين؟ كما وصف بلعام نفسه.
ومن الأهمية بمكان؟ أن توجد الاستنارة الروحية بين شعب الله في كل الأجيال. ومرة قال موسى «يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء» أي مستنيرة عيون أذهانهم (أو قلوبهم)؟ لكي يميزوا ما هو من الله؟ وما ليس منه. وهذه هو عين ما وضعه الرسول أمام الكورنثوسيين الجسديين؟ حيث أراد لهم أن يجدّوا للمواهب الحسنى وبالحري أن يتنبأوا. أي أن يعرف القديس فكر الرب ويقدمه لأخوته جديداً قوياً؟ ليواجهوا الظرف الذي يوجدون فيه. وليس المقصود أن يتنبأ عن حوادث مقبلة؟ وإنما هو يتكلم بوعظ وبنيان يصل إلى الضمير ويحرك المشاعر.
وإذا انعدمت الخدمة الروحية بين الجماعة؟ فسرعان ما يجمحون؟ إذ يستعيضون عن نشاط الروح بحركات الطبيعة؟ ويفتحون الباب لكل ما هو من الإنسان في الجسد.
لكن لا ننسى الشق الآخر. وإن عزّت الخدمة البانية؟ فإنه حيث تسيطر كلمة الله فهناك البركة. ومن يحفظها فهو سعيد مطوَّب في وسط الفوضى الراهنة؟ يتمتع بالشركة مع ذاك الذي أوصى بها. ونحن نذكر لبولس أنه وهو يفارق قسوس كنيسة أفسس في ميليتس؟ لم يستودعهم لأحد من الناس؟ ولو للرسل أنفسهم؟ إزاء المعلمين الأشرار الذين كانوا عتيدين أن يظهروا؟ بل استودعهم لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيهم. وهي نعمة باقية إلى اليوم؟ وستبقى لإرشاد وتعزية القديسين في كل الظروف. ولكن تعوزنا العين الممسوحة لنميز ما هو معلن فيها. ونقص الروحانية يتجلى في أيامنا الباردة هذه؟ التي يتعامل فيها الناس مع الكتب المقدسة بالأساليب البشرية والفلسفية؟ كما لو كانت هذه الكتب مسلمة لتغذية وتهذيب الذهن؟ وليس لتدريب القلب والضمير. وصلاة بولس في أف 1: 15-23 تنطبق علينا كلنا في مشهد التجربة والامتحان.
19. بالكلام لا يؤدَب العبد لأنه يفهم ولا يُعنى.
الترجمة السبعينية تقول: "العبد العنيد"؟ وهو ما يوضح الفكرة الصحيحة. وذلك أن التوبيخ الكلامي لا يجدي إلا قليلاً مع مثل هذا الإنسان؟ إذا كان عنيداً خبيثاً. لذلك فلا بد من التأديب الحازم حتى يقوم بالخدمة الصحيحة؟ وهي ما تعنيه كلمة "يُعنى" في هذا العدد. وهكذا الحال مع الذين صاروا منا خداماً لربنا يسوع المسيح. ألم تظهر خيبتنا كثيراً في طاعة كلمته وقبول توبيخه؟ الأمر الذي أذاقنا آلام التأديب؟ إنه درس ما أبطأنا في تعلمه! فإن كثيرين منا يتصرفون على غرار تصرف يونان؟ الذي لم يظهر الطاعة إلا بالحزن الساحق والمشقة المريرة.
20 أرأيت إنساناً عجولاً في كلامه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به.
في ص26: 12رأينا الشق الأخير من عددنا هذا ينطبق على الرجل الحكيم في عيني نفسه؟ وكلتا النقيصتين قد توجدان في شخص واحد. الرجل الممتلئ غروراً عرضة لأن يكون عجولاً في أقواله. ومكتوب عن إلهنا «لايرجع بكلامه (في كلامه)» (إش31: 2). وليس ما يدعو لذلك لأن «كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاة في بوطة في الأرض ممحوصة سبع مرات» (مز12: 6). لكن الرجل الواثق في ذاته ينطق دائماً بأقوال يرجع فيها؟ بسبب مبالغاته وتسرع لسانه. والأمل قليل في إصلاح مثل هذا الإنسان؟ ما لم يحكم على ذاته ويندم على هذه الخطية الخطيرة؟ التي غالباً ما يُنظر إليها كمجرد ضعف يوبَّخ عليه. إن الكلام العجول دليل على روح لم تنكسر. وقد اتصف الملك شاول بهذه النقيصة؟ التي في مناسبة مشهورة كادت تقضي بالموت على يوناثان لولا تدخل الشعب لخلاصه (1صم14). كما أن يفتاح هو الآخر مَثَل على الكلام العجول (قض11: 21).
21. من فنّق عبده من حداثته ففي آخرته يكون منوناً.
جاءت ترجمة الجزء الأخير من هذا المثل هكذا "يكون له ابناً في النهاية". ويبين يوحنا داربي أن كلمة "ابن" تعني حرفياً "ابن البيت". ويفسر الشق الأخير أن هذا الابن؟ سيرث كل مقتنيات سيده. وهذا هو ما كان يحز في نفس إبراهيم؟ فمع أنه كان يقدّر خدمات لعازر الدمشقي؟ لكنه لم يكن يحتمل الفكرة أن عبداً يرثه بدلاً من الابن.. وما أغناها نعمة؟ تلك التي جعلت العبيد أولاداً وارثين مع ربنا يسوع المسيح في المجد (رو17: 8).
22. الرجل الغضوب يهيّج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصي.
راجع ص28: 25. إن الرجل الذي لا يتحكم في طباعه يثير خصاماً دائماً؟ ومن الخير أن نتجنبه. إن غضبه إنما يصدر عن طبيعة شريرة لا ترتدع؟ ولذلك يكثر نقضه لكل قانون؟ بشري كان أم إلهي. على أن من يعيش في شركة مع ربنا يسوع المسيح؟ لا يمكن أن يظهر روحاً غاضبة ساخطة؟ لأن الأمرين لا يسيران معاً. انظر الابن الأكبر (لو15) الذي كان سخطه غير المعقول؟ هو صوت النشاز الوحيد فى حفل الفرح برجوع أخيه.
23. كبرياء الإنسان تضعه والوضيع الروح ينال مجداً.
إن الكبرياء تسبق الكسر؟ وهي نذير الدينونة القادمة. أما الوديع المتواضع الروح؟ فينال كرامة؟ إنه لا يسعى إليها؟ ولكنها تلقي بنفسها عليه؟ أما الذي يستهدفها فإنه يفشل في الحصول على غرضه. وازن بين هامان و مردخاي في سفر استير.
24. من يقاسم سارقاً يبغض نفسه يسمع اللعن ولا يقرّ.
إن من يقاسم السارق يشترك في أعماله الشريرة؟ ويجلب على نفسه قضائه. ومن يفعل ذلك يعمل ضد مصلحته الخاصة؟ حتى من الناحية الزمنية؟ لكنه لا يستطيع أن يقرّ بشيء. ومن ثم يجلب على نفسه حكم من يخفي السرقة (لا5: 1). والواقع أنه أمر خطير أن يشترك الواحد في خطايا الآخرين. والروح القدس يحذرنا ضد هذا؟ ويبين لنا أن الشركة مع الشر تدنس. انظر 2يوحنا10؟11؟1تي5: 22. هذا مبدأ كثيراً ما ننساه؟ مع أنه في غاية الأهمية لمن يريد أن يراعي قداسة بيت الله على الأرض.
25. خشية الإنسان تضع شركاً والمتكل على الرب يرفعّ.
رأينا في ع14 من الأصحاح السابق؟ غبطة الرجل المتقي الرب دائماً. وهنا نقرأ عن خوف ينبغي أن نحذره؟ لأنه خطر وشرك للنفس. إن خوف الله يليق بالقديس؟ أما خوف الإنسان فإنه يهدم حياته الروحية وشهادته. وكم تهدمت حياة كثيرين بهذا السبب! ولكن الأمن والرفعة هما نصيب المتكل على الرب وحده. فمن يخشى الله لا يخشى الناس؟ ومن يخشى الناس لا يخاف الله كما ينبغي. انظر بولس في غلاطية 1: 10؟ وقارن لوقا12: 4؟5 ويوحنا12: 43.
26. كثيرون يطلبون وجه المتسلط أما حق الإنسان فمن الرب.
هذا تعزيز للعدد السابق. فالذين يطلبون رضاء المتسلط هم الذين يخشون وجه الإنسان؟ وسوف يتعلمون بالاختبار القاسي بطلان الثقة في الرؤساء. أما الرب فهو وحده صاحب الحكم الصحيح. ومرة صاح أحد دهاة السياسة العظام "وُلسي" "لو أنني خدمت الله بأمانة مثل ما خدمت الملك؟ لما ألقاني الله في غياهب النسيان في شيخوختي". وهذا في الواقع حقيقة عظيمة.
وبينما نرى رجل الله يطيع الحكام؟ فإنه لن يتملقهم. ذلك أنه لا يرى في السلطات الأرضية سوى ممثلين وخدام للعلي المتسلط في مملكة الناس. ولنا في إيليا قدوة عظيمة يوم واجه آخاب الشرير كما نقرأ في 1مل18.
27. الرجل الظالم مكرهة الصديقين والمستقيم الطريق مكرهة الشرير.
كل منهما يناقض الآخر الآن وإلى الأبد. فالصديق يبغض ما يحبه الشرير؟ والعكس صحيح. وذلك شيء قديم منذ تخاصم قايين مع هابيل وذبحه. وسيبقى الوضع هكذا حتى يُطْرَح إبليس ومن يأتمرون بأمره في بحيرة النار. ولن تكون هدنة أو معاهدة سلام بين أجناد الخير وأجناد الشر. وتبقى الحرب مستمرة إلى أن يسكن البر في السماوات الجديدة والأرض الجديدة؟ ويكون الله الكل في الكل. وحتى يجئ ذلك الوقت ينبغي على من يعرفون إلههم أن لا يتهادنوا مع الشر؟ ولا ينفروا من الكفاح والجهاد؟ بل يقبضون على سيف الروح ويلبسون سلاح الله الكامل ويمضون قُدُماً؟ وفي شجاعة لمواجهة العدو؟ معتمدين على قوة ذاك الذي قال «دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض.. . وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (مت28: 18-20).
* * * *
هذا الأصحاح؟ كما نرى خاتمة لمجموعة الأمثال التي نقلها أو جمعها رجال حزقيا. ونهاية للأقوال المنسوبة إلى سليمان. أما الأصحاحان التاليان اللذان يختمان السفر كله؟ فهما يُنسبان إلى أجور ابن متقيّة؟ وإلى الملك لموئيل. وفي اعتقادي أن الملك لموئيل هو الملك الحكيم؟ أما أجور فهو شخصية مختلفة كما سنرى.
وليس من شك في سلامة وحي هذين الأصحاحين؟ بغض النظر عن حقيقة الكاتبين؟ ذلك لأن السفر كله؟ مؤلفاً من نفس الأقسام والأجزاء التي نعرفها اليوم؟ كان موجوداً في أيام ربنا يسوع المسيح؟ يوم قال تبارك اسمه «لا يمكن أن ينقض المكتوب»؟ كان يضم بالضرورة كل جزء من سفر الأمثال.
وسواء كان سليمان نفسه؟ أو شخص آخر جاء بعده؟ هو الذي جمع الأمثال في مجلد واحد؟ فليس لنا وسيلة من التأكد من ذلك إلا فيما يتعلق بالخمسة الأصحاحات (من25-29) التي كنا نتأمل فيها. فهذه لم تكن منضمة إلى السفر إلى عهد المصلح العظيم حزقيا.
- عدد الزيارات: 3802