إصحاح 1، آية 9
9-"لقد شبهتك يا حبيبتي بفرس ( 1) في مركبات فرعون"
لقد عرف سليمان الملك ان جياد الخيل لا توجد إلا في مصر حتى أنه هو وجميع ملوك الحثيين وملوك أرام كانوا يشترونها من هناك (1مل10: 28و 29، 2أخ9: 25و 28) وإذا كانت أجود الخيل في مصر فان فرعون كان بلا شك ينتفي أحسنها وأكثرها جمالا ورشاقة لمركباته، هذا فضلا عما كان يزينها به لتبدو كاملة الجمال، ومما لا ريب فيه ان تلك الخيل قد تهذبت وتدربت على السير معا في انسجام تام وتوافق كامل، وفي هذا مغزى جميل، فان من واجبنا كمؤمنين ان ندرب أنفسنا على خدمة الرب سيدنا والعيشة معا لمجده في وفاق ووئام "مفتكرين فكرا واحدا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئا واحدا" في (2: 2) "مجتهدين ان تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أف4: 3).
كما أنها (أي أفراس مركبات فرعون) كانت سهلة الأنقياء فتخضع لقائدها وسيدها وتحمله إلى حيث يشاء، وفي هذا أيضا درس عملي هام، فمن واجب المؤمن الحقيقي ان يكون في الخضوع التام لسيده الذي اشتراه من "مصر العالم" فيتمم مشيئته ويسير في الطريق الذي يرسمه له، أما إذا لم يكن المؤمن في الخضوع التام للسيد الذي يعلمه ويرشده الطريق التي يسلكها فأنه يكون كفرس بلا فهم ويحتاج إلى اللجام والزمام (مز32) ليتنا نسلك سبيل الطاعة الكاملة حتى لا ينطبق علينا هذا علينا هذا الوصف المخجل.
* * *
ثم ان في هذا التعبير "فرس (أو أفراس) في مركبات فرعون" إشارة إلى الحرب والجهاد، والرب له المجد يريدنا ان يكون المؤمنون في حالة النشاط والقوة الروحية، فكما أنه من امتيازنا ان نكون برفقة الرب حيثما يرعى خرافه ويربضها فان من واجبنا أيضا ان نكون في ملء القوة الروحية الانتصار على أعدائنا الروحيين لذا يشبه المؤمن بالفرس الذي يمتاز بسرعته في الركض وبشجاعته في الحروب "هل أنت تعطي الفرس قوته وتكسو عنقه عرفا. اتوثبه كجرادة؟ نفخ منخره مرعب. يبحث في الوادي وينفز ببأس. يخرج للقاء الأسلحة. يضحك على الخوف ولا يرتاع ولا يرجع عن السيف. عليه تصل السهام وسنان الرمح والمزراق. في وثبه ورجزه يلتهم الأرض ولا يؤمن أنه صوت البوق. عند نفخ البوق بقول هه ومن بعيد يستروح (أي يشتم) القتال، صياح القواد والهتاف"(أي39: 19-25) هذه هي الصفات التي يصف بها الله الفرس والتي يجب ان يتصف بها المؤمن الحقيقي فيتقوى في الرب وفي شدة قوته (أف6: 10) وكما ان "الأفراس في مركبات فرعون" كانت بلا شك مزينة بكيفية تظهر غنى وعظمة فرعون، كذا علينا ان نلبس سلاح الله الكامل لكي نظهر عظمة وقدرة الرب سيدنا في انتصارنا على أعدائنا. أنه تبارك اسمه لا يريدنا ان نكون ضعفاء ومنهزمين ولكنه يريد أننا بنعمته نكون في كل حين أقوياء ومنتصرين.
لقد كان بولس جنديا عظيما في جيش الرب، وقد خبرنا عن نوع الأسلحة التي استعملها في جهاده "لسنا حسب الجسد نحارب. إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح"(2كو10: 3-5).
والعروس ترى في هذا السفر مرارا في لباس حربي، فهي "مرهبة كجيش بألوية"(ص6: 4و10) وهذه هي الحالة التي يجب ان يكون عليها المؤمنون في كل حين، فلا يكفي ان يعرف المؤمنون أنهم عروس المسيح ولكن عليهم أيضا ان يعرفوا أنهم أجناده وان أمامهم جهادا، وان من واجبهم أيضا أي يكون في جهادهم الروحي صفا واحدا وراء قائدهم "رئيس جند الرب" الذي يقودهم في مركب نصرته في كل حين "الخارجون للقتال المصطفون للحرب بجميع أدوات الحرب. . وللاصطفاف من دون خلاف"(1أي12: 33).
* * *
وفي يوم قادم سيرى الرب يسوع آتيا على فرس أبيض لكي "بالعدل يحكم ويحارب وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة . . . والأجناد الذين في السماء يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا أبيض ونقيا"(رؤ19: 11-14) وواضح ان هذا المنظر يرسم أمامنا نصرة الرب وقديسيه الكاملة مستقبلا، أما الآن فان من واجب القديسين ان يتبعوه في حالة النقاوة والقداسة العملية متقوين في الرب وفي شدة قوته.
بقى علينا ان نتأمل قليلا في كلمة "يا حبيبتي" الواردة في هذا العدد، فقد وجد العريس لذته في مخاطبة عروسه مرارا كثيرة في هذا السفر بهذه الكلمة "حبيبتي" ولا شك أنها هي أيضا قد وجدت لذة فائقة في سماعها منه، فاستعملت معه نفس هذه الكلمة "يا حبيبي" في مخاطبتها له. فان عشرتنا مع المسيح تكسبنا كثيرا من صفاته ومن حديثه الحلو، وكلما أطلنا الوجود معه والجلوس عند قدميه لنسمع كلامه وللتفرس في جماله، لا بد ان نتغير إلى تلك الصورة عينها. ان رؤساء الكهنة بعد ان تعجبوا من مجاهرة بطرس ويوحنا ومن حكمتها مع أنهما عديما العلم وعاميان عرفوا أنهما "كانا مع يسوع".
"يا حبيبتي" نعم لقد أحبها _ تبارك اسمه المعبود _ قبل ان يكون فيها ما يحوز إعجابه. أنها محبة إلهية "الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا"(رو5: 8).
( 1) أو أفراس A Company of horses
- عدد الزيارات: 4283