إصحاح 1، آية 15
15-"ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان"
أليس عجبا ان يتغنى العريس بجمال عروسه التي شهدت عن نفسها بأنها سوداء؟ "ها أنت جميلة. ها أنت جميلة" فمن أين أتاها هذا الجمال؟ هل ورثته عن أبويها؟ "هأنذا بالأثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي"(مز51: 5) أهو جمال طبيعي فيها؟ "كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية. . . "(أش1: 5و 6) "فأني أعلم أنه ليس ساكن في أي في جسدي شيء صالح"(رو7: 18) إذا كيف استطاع العريس ان يراها جميلة؟ الجواب واضح وبسيط فهو قد مات لأجلها وحمل خطاياها في جسده على الخشبة، ودمه قد طهرها "أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل مقدسة وبلا عيب"(أف5: 25-27) "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه"(رؤ1: 5و 6) ولا ريب ان الله يبرر الفاجر الأثيم بالإيمان بربنا يسوع المسيح وبعمله المبارك فينال قبولا كاملا فيه، وإذ يلبس المسيح فالله يراه فيه كما يرى المسيح نفسه "اختارنا فيه لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة"(أف1: 4) والمسيح له المجد، لأنه أحبنا وقد صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا لا يمكن ان يرى فينا شيئا من صورتنا القديمة "الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا"(2كو5: 17) وسنرى عند التقدم في تأملاتنا في هذا السفر كيف ان الصفات التي يصف بها العريس عروسه هي نفس الصفات التي تصفه هي بها.
ثم لنلاحظ قوله "ها أنت جميلة" فهو لا يقول أنك ستكونين جميلة في المجد ولكن ها أنت جميلة من الآن. صحيح أننا كنا أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكنا فيها قبلا ولكن الله الغني في الرحمة أحيانا مع المسيح وأقامنا معه وأجلسنا معا في السماويات في المسيح يسوع (أف2: 5و 6) "لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله"(كو3: 3) هذه هي الحالة التي صرنا فيها الآن أمام الله وبنعمته، ولولا أنه لم تبق فينا ذرة من الصورة البغيضة الأولى بل صرنا في كمال الجمال _ جمال المسيح نفسه (حز16: 14) لما كان ممكنا ان يرانا الله في نفس الكمال والقبول الذي للمسيح الجالس عن يمينه. ما أمجد وما أسمى هذا الحق الثمين، وما أحوجنا ان نتحققه وان نتمتع به من الآن!
"ها أنت جميلة يا حبيبتي . . . . ها أنت جميلة" فهي خاصته التي أحبها إلى المنتهى وبذل حياته الكريمة لأجلها، وهو جالس عن يمين العظمة لأجلها وسيأتي بنفسه ثانية ليأخذها إليه ويدخلها إلى بيت أبيه حتى حيث يكون هو تكون هي أيضا معه، أفلا يستحق هذا الحبيب ان ننحصر في محبته وان نتعبد له ونعيش لمجده. لقد أحببتنا بالحق أيها العريس المبارك فهبنا ان نحبك أكثر وان نـزداد تعلقا بك، وان نكرس كل كياننا لخدمتك إلى ان تأتينا من المجد.
يا رب قد أحببتني بحبك العجيب
حبي إزاء حبك لا شيء يا حبيب
* * *
واضح ان العروس أصبحت جميلة في عيني عريسها على أساس عمله المبارك إذا أسلم من أجل خطاياها وأقيم لأجل تبريرها، فقد صار هو برها، غير أننا نرى من الوجهة العملية صورة أخرى لجمالها، فهي لأنها كانت قريبة منه متمتعة بالشركة معه، ومتكئة على مائدته، وقد أفاح ناردينها رائحته العطرية، فأنعشت به حبيبها ولأنها تمتعت بحبيبها وبمحبته بين ثدييها وحلوله بالإيمان في قلبها، ولأنها ترنمت بمحبته وصفاته الكاملة وحملته في يديها كطاقة الفاغية مخبرة بفضائله وبغنى نعمته فقد أكسبها كل ذلك جمالا خاصة إذ انعكس نوره وبهاؤه عليها فملأ قلبه فرحا بها "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما في الرب الروح"(2كو3: 18) فهلا نطيل المكوث في حضرته والتفرس في جماله حتى ينطبع هذا الجمال في حياتنا؟
* * *
بقيت لي ملاحة مختصرة من جهة محبة العريس لعروسه الأرضية _ البقية التقية التي ستكون وقتئذ مجتازة في أشد الآلام "ضيق يعقوب"، فأنه وان كان قد أحب الكنيسة التي هي جسده، فقد أحب شعبه الأرضي أيضا، وبالرغم من الحالة التعيسة التي هم عليها الآن كأعداء من جهة الإنجيل فهم أحباء من أجل الآباء لان هبات الله ودعوته بلا ندامة، وان كانت القساوة قد حصلت لهم فأنما جزئيا إلى ان يدخل ملؤ الأمم وهكذا سيخلص جميع الباقون منهم، كما هو مكتوب سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب (أقر رو11: 25-36) فلا بد ان يأتي الوقت _ وهو قريب جدا – إذ تتم كل النبوات المتعلقة برجوع البقية التقية والتصاقهم بالرب إلههم وتمتعهم به وبمحبته لهم وبالبركات الخاصة بهم.
* * *
"عيناك حمامتان" سنرى فيما بعد ان هذا الوصف نفسه قد وصف به العروس عريسها، فنفس الجمال الذي له يراه هو في عروسه. "عيناك حمامتان" أو لك عينا الحمام. أما كنا أولا في حالة العمى الروحي؟ "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين"(2كو4: 4) ولكنه قد أعطانا بصيرة لنعرف الحق "كنت أعمى والآن أبصر" والبصيرة التي أعطاها لنا لها صفات الحمام الجميلة أي الطهارة والبساطة والإخلاص، ليتنا إذن في كل حين نستخدم عيوننا وأبصارنا في النظر إلى جماله والتفرس فيه، وكلما أطلنا الشخوص إليه كلما ازدادت عيوننا استنارة "بنورك نرى نورا". ولا شيء يؤثر على عيوننا ويضعف بصيرتنا الروحية سوى النظر إلى أباطيل الحياة الكاذبة "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى لان التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية"(2كو4: 18) أما إذا انحصرنا في النظر إلى رئيس إيماننا وتأملنا في كمال سجاياه فأننا نكتسب منها وتصبح صفاته السامية صفاتنا التي تظهر في حياتنا العملية "أما الذي ليس عنده هذه فهو أعمى قصير البصر"(2بط1: 9) هبنا يا إلهنا ان نكتحل عيوننا باستمرار برؤيتك فنبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد.
يا رب حول نظري عن كل منظر هنا
فكل منظر سواك فيه المرار والعنا
* * *
ان ما نعرفه في كلمة الله عما يرمز إليه الحمام له أهميته البالغة، فمن الإصحاح الثامن من سفر التكوين، حتى في أزمنة العهد الجديد تشغل الحمامة مكانا هاما في الكلمة، فنراها أولا في صلتها بفلك الله وورقة الزيتون، والأول رمز للخلاص والأخرى لسلام الله، فلما كانت مياه الدينونة لا تزال على الأرض لم تجد الحمامة مقرا لرجلها فرجعت إلى الفلك لان العالم الذي تحت الدينونة ليس مكان راحتها، كما أنها رجعت إليه في المرة الثانية وفي فمها ورقة زيتون خضراء، ثم إذ نتقدم في التاريخ نرى الحمامة كانت بمقتضى حكم الناموس تقدم ذبيحة لله، فهي من هذه الناحية رمز للرب يسوع المسيح، كما أنها رمز للروح القدس (يو1: 32) ويقال أيضا ان الحمامة إذا غابت عن أليفها تجلس في وحدتها وتهدر نائحة "أهدر كحمامة" (أش38: 14) ثم "كحمام هدرا نهدر"(أش59: 11) من هذا كله نرى ان الحمامة ترمز إلى البساطة والطهارة والتسامح والأمانة فحينما تكون عين المسيحي بسيطة كعذراء مثبتة أبدا على المسيح، حينئذ يمكن ان يقال "لك عينا حمام" _ "فكونوا بسطاء كالحمام" (مت10: 16).
- عدد الزيارات: 4158