إصحاح 2، آية 6
6-"شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"
ما أعجبك يا ربنا يسوع وما أعجب محبتك لنا وعطفك وحنانك علينا "طيب هو الرب للذين يترجونه لنفس التي تطلبه"(مرا 3: 25). لقد شعرت العروس بحاجتها إليه وإلى مساندة نعمته، وإذ قالت بنفس متلهفة "اسندوني بأقراص الزبيب أنعشوني بالتفاح فأنني مريضة حبا" وجدته قريب منها _ قريبا جدا بل بالحري وجدت نفسها في حضن محبته مغمورة بعطفه فهتفت على الفور "شماله تحت رأسي" لترفعني من ضعفي وتحملني كوسادة أستريح عليها وتطمئن لها نفسي. أنها وسادة المواعيد الإلهية العظيمة الثمينة، التي ذخرتها محبته لنا في كلمته الغنية "ويمينه تعانقني" لتريني ما لي في قلبه من محبة أبدية غير متغيرة ولتعضيدي وإزالة ما بي من وهن.
عندما كان يوحنا الحبيب أسيرا منفيا في جزيرة بطمس "من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح" ورأى الرب في جلاله الرهيب سقط عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى عليه _ تلك هي اليد التي رآها يوحنا نفسه مثقوبة ومسمرة فوق الصليب، والتي رآها بعد ذلك المرفوعة بالبركة وقت صعوده إلى السماء، وإذ وضع يمينه عليه ملأ قلبه سلاما وبدد كل مخاوفه بان أراه أنه وان كان _ له المجد قد مات ولكنه الآن حي إلى الأبد الأبدي (رؤ1).
ولقد أختبر يوحنا هذا "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" بكيفية عملية معنى قول العروس "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" أي أنني وجدت راحتي واستقراري في حضن محبته، فقد كان في وقت العشاء الأخير متكئا في حضن يسوع وعلى صدره (يو13: 23و25) وتبارك اسم سيدنا وربنا يسوع لأنه "هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد" فان في حضن محبته الفسيح مكانا لكل واحد من خاصته، وهو يسير بنا إذ نتكئ على صدره لان هذا دليل الثقة الكاملة فيه وفي محبته الدائمة. أنه من امتياز كل مسيحي بالحق ان يختبر عمليا معنى قول العروس "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"، فقد اختبر داود ما في من يمين الرب من بركة ومعونة ففاض قلبه مترنما "التصقت نفسي بك يمينك تعضدني"(مز63: 8) "وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضدني ولطفك يعظمني"(مز18: 35) نعم ان يد الرب قوية ويمينه المرتفعة التي تحطم العدو هي التي تحنو على النفس الملتصقة به فتحتضنها "بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها" ويمتعها بغنى البركات الإلهية "في يمينك نعم إلى الأبد"(أش40: 11، مز16: 11).
تبارك اسمك أيها الرب يسوع _ يهوه المخلص، والعريس السماوي، رأس الجسد الكنيسة، فأننا لن نجد لمحبتك حدودا أو مقاييس. أنها محبة لا نهائية "محبة المسيح الفائقة المعرفة" ولن تجد النفس هنا أو في الأبدية شيئا تتمتع و تبتهج به أكثر من هذه المحبة. ما أجمل منظرا! منظر العروس وهي تسند رأسه بين ذراعي عريسها المبارك وفي حضنه حيث الإعزاز والاستقرار الأبدي. ولا يوجد أسمى وأرفع من هذا المكان، كما أنه لا يليق ان نكون في مكان أقل أو أدنى منه. حقا ما أحوجنا إلى النمو والبلوغ إلى هذا الاختبار السامي _ اختبار اليقين بأننا بين ذراعي الرب وفي أحضان محبته في كل حين.
وان محبة الرب التي تحضن قديسيه في زمان النعمة الحاضرة لا بد ان تحضن في زمان آت، وهو قريب بقية من شعبه الأرضي، فلقد أتى له المج مرة كراعي ليجمع خراف إسرائيل الضالة. ولكنهم رفضوا "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله"(يو1: 11) إذ كان مرة في الهيكل في أورشليم "مدينة الملك العظيم" وذلك قبيل رفضها له ناجاها قائلا "كم مرة أردت ان أجمع أولادك كم تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيه ولم تريدوا"(مت23: 37) فكأنه قصد ان يضمها إليه ويحتضنها بين ذراعيه ولكن رفضته مستهينة بلطفه وإمهاله وطوال أناته فحق عليها القضاء الذي نطق به "هوذا بيتكم يترك لكم خرابا" ومنذ ذلك الحين صارت (كأمة) مرفوضة من الرب ولا علاقة لها به، وأصبحت (كامرأة مهجورة ومحزونة الروح. . . وكزوجة الصبا إذا رذلت"(أش54: 6) ولكن سيأتي الوقت عاجلا عندما يشرق بنوره فترجع بقيت منهم إليه عندئذ يتمتعون بعطفه وحنانه عليهم، وان كانت تلك البقية ستجوز في ضيق مروع ولكن عين إيمانها تراه قريبا منه فتتغنى في وسط محنتها قائلة "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" أنهم سيلجأون إلى قوة يمينه فيسرع إلى خلاصهم "لكي ينجو أحباؤك. خلص بيمينك واستجب لي"(مز60: 5) "تصيب يدك جميع أعدائك يمنيك تصيب كل مبغضيك"(مز21: 8) "ميز مراحمك يا مخلص المتكلين عليك بيمينك من المقاومين. احفظني مثل حدقة العين. بظل جناحيك استرني" (مز17: 7و8) فيجيب الرب يهوه قائلا "لا تخف لأني معك. . قد أيدتك وعضدتك بيمين بري"(أش41: 10) عندئذ تتغنى تلك البقية في وسط آلامها "ان سلكت في وسط الضيق تحيني. وتخلصني يمينك. الرب يحامي عني"(مز138: 7و8) نعم ان يمين الرب التي تحطم العدو (خر15: 6و12) هي التي ستعانق تلك البقية وتعضدها فتترنم كما نترنم نحن الآن "في يمينك نعم إلى الأبد"(مز16: 14) "فأجاب (الرب) الشعب. جميع قديسيه في يدك"(تث33: 3).
- عدد الزيارات: 6209