إصحاح 2، آية 9
9-"حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر ( 1 ) الأيائل _ هوذا واقف وراء حائطنا يتطلع من الكوى ويوصوص ( 2 ) من الشبابيك".
ترى العروس بعين إيمانها ورجائها ان عريسها وحبيبها أتيا سريعا ببهجة وفرح عظيمين. تراه قادم إليها طافرا كالظبي وقافزا مثل الغزال الصغير الممتلئ نشاطا وحيوية وسرورا. نعم سيجعل الرب مجيئه سواء لأخذ عروسه _ الكنيسة التي أحبها وأسلم نفسه لأجلها، أو لأجل لإنقاذ شعبه الأرضي من ضيقهم، أو ليعتق الخليقة التي تئن من عبودية الفساد، أو لتأسيس ملكوته المجيد. أنه سيأتي عاجلا كالظبي وكالغفر الأيائل وستراه عيوننا. سنراه "كما هو". ليتنا نكون في انتظار دائم لذلك الوقت السعيد الذي فيه نلتقي بعريسنا الحبيب حيث نكون معه كل حين.
هذا وان غياب الرب بالجسد عن عروسه لا يتعارض مع هذه الحقيقة المبهجة وهي ان الرب ساهر على سلامة خاصته، وأنه سائر معه وبرفقتها "ها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر" _ إلى ان "يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيه ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب"(مت28: 20، أف5: 27).
* * *
"هوذا واقف وراء حائطنا يتطلع من الكوى ويوصوص من الشبابيك"
ان ذلك الحائط هو "حائطنا" نحن وليس حائطه هو، فما يبدو في حياتنا من فتور وتغافل أو انحراف وفقر روحي وهو بمثابة الحائط الذي يضعف تمتعنا بطلعته البهية الطاهرة، ولكنه تبارك اسمه "هوذا (هو) واقف وراء حائطنا"، وعين الإيمان البسيطة والقلب المليء بالمحبة له يستطيعان ان يريا من "لا يرى". هل لنا الآذان المختونة لنسمع صوته "صوت حبيبي" العيون المفتوحة لنراه واقفا قريبا منا وناظرا إلينا. "هو واقف وراء حائطنا يتطلع"؟ لينا نصغي إلى صوته الذي ينادينا هأنذا واقف على الباب وأقرع ان سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي"(رؤ3: 20).
* * *
وقد تكون هذه العبارات أيضا واصفا لحالة المؤمنين في العهد القديم _ عهد الناموس والظلال، فأنه لم يكن لهم امتياز النظر إلى مجد الرب بوجه مكشوف. كانوا يرونه من خلال كوى الرموز والتقوس والفرائض، ولقد كان الحجاب بمثابة الحائط الذي من ورائه ينظر الرب إلى قديسيه في ذلك العهد، ومع أنهم كانوا بلا شك مؤمنين حقيقيين إلا أنه لم يكن لهم نور الإنجيل ولا معرفة الخلاص الكامل الذي بالمسيح يسوع _ ذلك الخلاص الذي فتش وبحث عنه الأنبياء في العهد القديم الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلنا. . الذين إعلان لهم أنهم ليسوا لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبارا بها نحن الآن بواسطة الذين بشرونا بالروح القدس المرسلة من السماء. (الأمور) التي تشتهي الملائكة ان تطلع عليها (1بط1: 10-12).
وقد أوضح الرب الفرق الكبير بين ما رآه وسمعه قديسو العهد القديم وما رأته وسمعته خاصته إذ "ألتفت إلى التلاميذ على أفراد وقال طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه. لأني أقول لكم ان أنبياء كثيرين وملوكا أرادوا ان ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وان يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا"(لو10: 23و24).
* * *
هذا ويرى البعض ان "حائطنا" هنا إشارة إلى حالتنا الحاضرة، أعني وجودنا في هذه الأجساد الضعيفة بالمقابل مع ما سنكون عليه عند مجيء الرب إلينا وتغير أجسادنا لنكون على صورة جسد مجده، "فأننا ننظر الآن في مرآة في لغز" أننا نراه الآن في الإيمان فقط كما من كوى وشبابيك ولكن بعد قليل "نراه كما هو" سنراه "حينئذ وجها لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت"(1كو13: 12) على أنه من امتيازنا أننا وان كنا لا نراه الآن في(الجسد) ولكننا نحبه ذلك وان كنا لا نراه الآن لكن نؤمن به فنبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد (1بط1: 8).
* * *
كذلك تعتبر الأسفار المقدسة بمثابة الكوى والشبابيك، فما تضمنه من مواعيد ورموز وذبائح وتقدمات ونبؤات هي قوة إلهية العديدة التي منها يمكننا رؤية الحبيب، والتي بواسطتها يعلن هو ذاته لكل قلب متيقظ وعين مكتحلة، وأنه من خلال تلك الكوى أمكن ان ترى عين الإيمان أتقيائه ثياب المجد والجلال والمسربل بها كرئيس الكهنة العظيم، والصدرة المرصعة بالجواهر الكريمة التي يحملها على صدره، والعمامة الطاهرة أو بالحري تاج رئيس الكهنة الموضوع على جبينه الطاهر.
من خلال تلك الكوى أمكن ان نرى عين إيمان قديسيه _ في أزمان مختلفة _ كحمل الله المرفوع على صليب الجلجثة، أو كملك ممسوح في أمجاد ملكه العتيد.
* * *
وكم سيكون إيمان البقية عظيما حتى أنه في وسط آلامهم يرونه قريبا منهم "وراء حائطهم" ينظر إليهم وغلى مذلتهم بعين العطف والحنان، الأمر الذي سيكون فيه عزاؤهم وفرحهم في وسط تجربتهم الشديدة، لا يرون حبيبهم فقط بل يسمعون صوته كالآتي لإنقاذهم وليمتعهم بكمال البركة في مجد ملكه عليهم.
* * *
- عدد الزيارات: 3126