Skip to main content

إصحاح 4، آية 4

4-"عنقك كبرج داود المبنى للأسلحة. ألف مجن علق عليه كلها أترأس الجبابرة".

يشير العنق في كلمة الله إلى العزيمة القوية والثبات في القصد، سواء للخير أو للشر، فكثيرا ما نقرأ عن أناس بأنهم "شعب صلب الرقبة" أو "قساوة الرقاب" وقصد الإنسان الطبيعي دائما في ان يفعل ويتمم إرادته الذاتية لإشباع رغباته وتمجيد ذاته، ولكن عندما تتدخل النعمة وتعمل عملها المبارك فان قصد الإنسان يتخذ طريقا جديدا مغايرا تماما لطريقه الأول، فعندما تحمل النفس بنعمة الله نير المسيح فان تغييرا كاملا وشاملا يحدث في تلك النفس، ولا يمكن ان تكون هناك صورة توضح هذه الحقيقة تماما مثل حالة شاول الطرسوسي، وإذا كان هناك إنسان "قاس وعضل من حديد عنقه"(أش48: 4) فهو شاول الطرسوسي، ولكن الرحمة أدركته من سماء المجد وأخضعته تماما، فعندما قال "يا رب ماذا تريد ان أفعل؟" كان قد حمل نير المسيح بالحقيقة على عنقه، وكان من تلك اللحظة له القصد الثابت في ان يعرف إرادة الله ويتممها.

* * *

ويذكرنا "برج داود" بان داود الذي كان رمزا لربنا يسوع هو الإنسان بحسب قلب الله والذي كان سيصنع كل مشيئته (أع13: 11) ويا له من انتصار للنعمة، فبدلا من الإرادة الذاتية التي تظهر في قساوة الرقبة وعنادها ضد الله، فان النفس تصير كبرج داود، إذ صار لها القصد الثابت والعزيمة القوية لعمل إرادة الله والانتصار على كل ما يغاير مشيئته المقدسة.

قال الرسول بولس للكورنثيين "إذا يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين" (1كو15: 58) كما أنه استطاع ان يقول لابنه تيموثاوس "وأما أنت فقد تبعت. . قصدي"(2تي3: 10) كما استطاع أيضا ان يقول "أني موضوع لحماية الإنجيل"(في1: 17) فنرى فيه شخصا كان عنقه "كبرج داود" لقد عرف إرادة الله كما هي في المسيح يسوع وقرر بعزم راسخ وأكيد ان يدافع عنها في مشهد كان بجملته مناصبا ومعاديا لها، وصفة كهذه هي صورة من صور جمال العريس التي كانت عينا حبيبها مستقرتين عليها ومتلذذتين بها.

عندما وضع بريسكلا وأكيلا عنقيهما من أجل حياة بولس كانا في ذلك مضحيين بحياتهما للدفاع عن الشهادة لله ولحق المسيح.

وقد كان استفانوس صورة جميلة للعنق الذي "كبرج داود" فقد واجه بقصد ثابت لا يتزحزح كل مجموع اليهود _ كل الجماعة العظيمة والمكرمة في إسرائيل، وجاهر أمامهم بكل قوته وبشجاعة كاملة بشهادة الله، وان كان وجهه رؤي حتى من أعدائه كوجه ملاك فكم كان ذلك الوجه جميلا في عيني ذاك الذي نظر إليه من أعالي مجده. نعم لقد كان جميلا في وجهه وفي عنقه، وكان الرب له المجد يقول له ولكل الذين يماثلونه في أمانتهم ولو في أصغر درجة أو مقياس "ها أنت جميل يا حبيبي".

ان "الجبابرة" الذين أترأسهم هي "ألف مجن" يرسمون أمامنا جيشا متحدا ومهيئا للدفاع، وهذا يوافقه ما قاله الرسول بولس للقديسين في فيلبي "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائبا أسمع أموركم أنكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل"(في1: 27) فالصورة هنا ليست صورة فرد بل صورة جماعة متحدة برأي واحد في جهادها المقدس، وأنه ليست هناك ثغرة متروكة للعدو لكي يعطل الشهادة لله ولحقه.

* * *

ثم لقد كان برج أسلحة داود مزدانا بغنائم نصراته، فهو رجل حرب خلصه الرب من يد جميع أعدائه وبذا مهد الطريق لملك السلام في عهد سليمان ابنه، ولكن ماذا تكون نصراته هذه بالمقابلة مع نصرات المسيا؟ ان الكتاب المقدس هو بمثابة سجل لنصرات المسيح في كل التدابير. فعنق العروس الشبيه بالبرج المزدان بكثير من الجواهر يرسم أمامنا ما ستجريه النعمة المنتصرة مستقبلا في البقية المختارة من شعب الرب الأرضي، فان كنا نرى إسرائيل كشعب عنيد "قاس وعضل من حديد عنفه" (أش48: 4) ولكن سيجيء عاجلا الوقت الذي فيه ستنتصر النعمة وتجري عملها في البقية المشار إليها، وعندئذ ينكسر نير الأثم عن عنق ابنة صهيون فتبدو جميلة ومزينة مثل برج داود "استيقظي استيقظي ألبسي عزك يا صهيون ألبسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة. . . أنحلي من ربط عنقك أيتها المسبية ابنة صهيون"(أش52: 1و2).

* * *

  • عدد الزيارات: 2858