Skip to main content

إصحاح 5، آية 14

14-"يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق".

( 6 ) لقد رأينا كيف ان "رأسه ذهب إبريز"(ع11) وهنا نرى ان يديه حلقتان من ذهب، وفي ع15 نقرأ بان ساقيه "مؤسستان على قاعدتين من إبريز" (أي ذهب نقي) ففي التأمل في رأسه أو يديه أو قدميه نرى فيها مجده الإلهي مضيئا بلمعان باهر، ولكنه مجد إلهي معلن في الإنسان _ الإنسان الكامل ربنا يسوع، فهو له المجد يحمل في رأسه كل أفكار ومقاصد الله بصورة كاملة، ويداه قويتان وتستطيعان ان تتمما كل هذه المقاصد لمجد الله ومسرته، وقدماه ثابتتان وراسختان ولا تستطيع قوة ان تزحزحهما أو تحولهما عن القصد والمشيئة الإلهيين. ويا له من شخص فريد بل يا له من حبيب صار لنا!

* * *

"يداه حلقتان من ذهب" أنها لتعزية قوية لنا إذ نعلم بان الله قد وضع في يدي المسيح كل مقاصد محبته ونعمته من نحو بركة نفوسنا "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده"(يو3: 35) لقد أعطاه الآب سلطانا على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل الذين أعطاهم الآب له (يو17: 2) وان كل واحد من خرافه في يده ولذا فلا يمكن ان يهلك (10: 28) لا بل ان بركة إسرائيل وكل الأمم مستقبلا وكل سلطان وقوة الملكوت العتيد _ هذه كلها قد سلمت ليد المسيح، ولذا فهي وان كانت مستقبلة ولكنها بكل يقين ستتم كما لو كانت قد تمت فعلا.

* * *

يداه. . . "مرصعتان بالزبرجد" ان هذا الوصف التشبيهي يشير بوجه عام إلى كل أعمال يديه. أعمال العناية والنعمة، ففي الذهب والحلقتين والحجارة الكريمة (أي الزبرجد) نرى جمال أعماله ومجدها وكمالها وثباتها. "أعمال يديه أمانة وحق. . . ثابتة مدى الدهر والأبد مصنوعة بالحق والاستقامة"(مز111: 7و8).

ان يديه المرصعتين بالزبرجد * ترسمان أمامنا كيف أنه ممسك بزمام أمور وأحوال شعبه بكيفية إلهية مباركة، وان كان كل شيء حولنا في حالة التشويش والفساد حتى المسيحية الاسمية، ولكن من تحمله هاتان اليدان لا بد ان تصلا به إلى المجد الأبدي "الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد"(يو17: 12) نعم ان كل ما تبينه يدا المسيح ثابت وأبدي "على هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"(مت16: 18)، ولا بد ان تعلن هذه الحقيقة في المجد فان المدينة السماوية _ أورشليم المقدسة _ العروس امرأة الخروف، سترى في قياسها الكامل بواسطة "القصبة من ذهب" التي بيد الملاك، فلا يرى حجر واحد ناقصا أو مفقودا (رؤ21) يا لها من بركة وتعزية لنفوسنا إذ نرى أمامنا بناء إلهيا مكونا من حجارة حية وكل حجر موضوعا في مكانه بواسطة هاتين اليدين المرصعتين بالزبرجد.

* * *

لقد كانت بركة عظمى وفرح للتلاميذ عندما أراهم الرب "يديه" بعد قيامته من بين الأموات. وأننا _ في إنجيل لوقا _ نرى يدي الرب ممتدتين للبشر لخدمة أعوازهم بنعمة غنية، وفي إنجيل يوحنا نرى هاتين اليدين ممسكتين ورافعتين خاصته لله أبيه (يو17) ولا زالت هاتان اليدان مملوءتين من النعمة والبركة كما كانتا عند قيامته، وهو له المجد يريد ان تنشغل قلوبنا دائما بهاتين اليدين اللتين رفعتا للبركة عنده صعوده للسماء (لو24).

* * *

( 7 )"بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق" وهذا يحدثنا بكل يقين عن حاسيات ومشاعر الرب الباطنية. ان كلمة "بطن" هنا هي نفس الكلمة المترجمة "أحشاء" في ع4 حيث تقول العروس "أنّت عليه أحشائي" فقد كانت أحشاؤها تئن حنينا إلى عريسها، أما الآن فقد سما تفكير العروس فهي ليست مشغولة بأحشائها هي بل بأحشائه هو. لقد استطاع له المجد ان يقول بروح النبوة "صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي (أي أحشائي)"(مز22: 14) فآلامه كمن حمل دينونة الخطية لا يمكن إدراك عمقها ولكن تلك الآلام هي التي أظهرت عطف أحشائه من نحو الخليقة الساقطة. لقد أظهر الله عطفه بكيفية عجيبة في العهد القديم من نحو شعبه الأثيم "هل أفرايم ابن عزيز لدي أو ولد مسر؟ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكرا من أجل ذلك حنّت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب"(أر31: 20) ولكن في المسيح وحده استطاع الله ان يظهر حنينه وعواطفه الإلهية بكيفية كاملة _ لقد أظهرها في الإنسان المبارك الذي تألم هنا فوق الأرض "هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا"(مت8: 17) لقد امتلأ قلبه حنانا عندما رأى الجموع "إذ كانوا منـزعجين منطرحين كغنم لا راعي لهم"(مت9: 36) وتحنن أيضا عندما رأى الجموع إذ قال "إني أشفق على الجمع لان الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون"(مر8: 2) وتحنن الرب أيضا على أرملة نايين التي أثكلت في ابنها الوحيد فأقامه وأعاده إليها حيا(لو7: 13-15) وان السامري _ وهو صورة لربنا يسوع _ تحنن إذ رأى الإنسان الذي كان بين حي وميت واعتنى به (لو10: 33) وقد تكلم المسيح بأسلوب جذاب وبديع عن الآب الذي تحنن إذ رأى ابنه الضال راجعا إليه "فركض ووقع على عنقه وقبله"(لو15: 20) ويجب ان نلاحظ في كل هذه الإشارات المتقدمة ان كلمة "تحنن" تعني تحرك الأحشاء، ولنلاحظ أيضا ان حنانه في كل هذه المرات لم يجيء نتيجة لتوسل أو استعطاف من غمرهم هذا الحنان، بل من فيض القلب المليء دائما بالشفقة والحنو.

* * *

وكم هو مؤثر ان نفكر في الحنان والشفقة الإلهيين اللذين لنا في ابن الله الذي صار إنسانا _ الإنسان الوحيد المبارك، فان أنات وزفرات ودموع ربنا يسوع ترينا فيه إنسانا حقيقيا كاملا، كما ان حنوه وشفقته وعواطفه هي سجاياه الإلهية والسماوية فهو تبارك اسمه _ قد نـزل من السماء ليعلن كل عواطف وحنان قلب الله في عالم الآلام والحزن والموت "والياقوت الأزرق" كما تصفه كلمة الله في مكان آخر بأنه "كذات السماء في النقاوة * " (خر24: 10)، يؤيد هذه الحقيقة، أعني ان حنان الرب وعواطفه لها صفتها السماوية.

* * *

بطنه "عاج أبيض" لقد عمل سليمان الملك "كرسيا عظيما من عاج. . لم يعمل مثله في جميع الممالك"(1مل10: 18-20) وغنى عن البيان ان عرش الملك له سموه وجلاله، ولكنه في الوقت نفسه عرش الشفقة والحنان والرحمة. تأمل في (مز72: 4و12-14، وأش32: 2و42: 3، 61: 1-3، زك6: 13) فذلك الشخص الفريد الذي سيجلس بعد قليل على عرشه المجيد هو بعينه الذي بكى عند قبر لعازر والذي بكى على أورشليم التي كانت ستشهد صلبه بعد قليل. ان مشاعر الملك وعواطفه الرقيقة مرموزا إليها "بالعاج * الأبيض المغلف بالياقوت الأزرق" نراها واضحة في العرش الذي يجلس عليه الآن، فهو "عرش النعمة" الذي منه تنسكب الرحمة الآن، وفي يوم قادم وقريب سيرى ذلك العرش المجيد الذي كان كرسي سليمان بكل أجزائه رمزا له. "فالذهب الإبريز" في عرش سليمان يرمز إلى المجد الإلهي الذي لربنا يسوع، "والدرجات" تحدثنا عن السمو والرفعة، "والأثنا عشر أسدا" عن القوة والجبروت، أما العرش نفسه فكان مصنوعا من "العاج" فهو عرش ذاك الذي ظهر عطفه وحنانه الإلهيين في اتضاعه وآلامه، وهذا ما يجعل هذا العرش متميزا عن كل العروش الأخرى، وقد عرفت العروس مشاعر عريسها الباطنية وعواطفها ولذا تتحدث عنها وتشيد بها.

* * *

لقد اختبر الرسول بولس شيئا من حاسيات قلب المسيح وعواطفه حتى استطاع ان يقول للفليبيين "أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح"(في1: 8) كما تمنى ان تكون لهم نفس هذه الحاسيات لذا يحثهم قائلا "ان كانت أحشاء ورأفة فتمموا فرحي. . "(في2: 1و2) كما وعظ الكولوسيين بان يلبسوا "أحشاء رأفات. . "(كو3: 12) وهذا ما يجب ان نتعلمه من المسيح وندرب أنفسنا عليه فتكون لنا روحيا "قصور العاج" التي فيها نغني أناشيد الحمد لمسرة وفرح قلب الحبيب (مز45: 8) ولا يمكن ان تبنى قصور العاج بدون ثمن أو كلفة، ففي طريق الأتضاع والآلام نستطيع ان نكون في تلك القصور الجميلة حيث ننشد ونرنم تسابيح الحمد التي تبهج قلب العريس المبارك.

* * *


* تجيء بعض الإشارات في كلمة الله إلى الزبرجد، وفيها نرى ان المقاصد الإلهية لا بد ان تتم بالرغم من حالة الفساد التي تسود كل شيء (حزقيال1: 16، 10: 9، دانيال10: 6).

* كلمة عقيق أزرق في خر24: 10 هي نفس الكلمة المترجمة هنا ياقوت أزرق Saphire

* يرمز العاج إلى الألم والموت لان الحصول عليه كان مقترنا بموت كائن حي (الفيل) الذي انتزع منه العاج انتزاعا.

  • عدد الزيارات: 3300