مقدمة
نشكر الله من أعماق القلب من أجل كلمته العظيمة التي تشهد لنفسها بأنه لا يوجد مثلها في السمو والعمق والاتساع. "لكل كمال رأيتُ حداً أما وصيتك (كلمتك) فواسعةٌ جداً" (مز 119: 96).
هذه الرسالة فيها أسلوب فريد، وتبدأ بداية عجيبة، وتتكلم في موضوعات غاية في الأهمية، والروح القدس يقدم لنا فيها أطعمة متنوعة من الكلمة الحية.
الموضوع في افتتاحيتها هو الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. كانت عند الآب منذ الأزل وقد أظهرت لنا من بدء ظهور الابن في الجسد على الأرض الكلمة الذي كان عند الله من الأزل، وهو الله. الذي اتخذ خيمة وحلّ بيننا. هذا هو ابن الله. الكلمة، وهو الحياة الأبدية.
المتأمل في كلمات هذه الرسالة يندهش أن كاتبها هو يوحنا الذي كان صياداً بسيطاً في بحر الجليل وهو عامي غير متعلم. إن الأربعة الأعداد الأولى من الإصحاح الأول أخذ يتأمل فيها فلاسفة وعلماء أفنوا جزءاً كبيراً من حياتهم يدرسون في عمق هذه الأعداد ويقارنون كل كلمة منها بنظائرها في لغات كثيرة ويفسرون عباراتها بكل كد واجتهاد.
من هذا الفيلسوف الذي كتب هذه؟ هل يمكن أن يكون يوحنا الصياد؟ نعم. إنه يوحنا ولكن بإملاء روح الله القدوس.
كتب يوحنا إنجيله، وكتب هذه الرسالة فهل هما متشابهان؟ توجد كلمات متشابهة لكن ما أعظم الفرق بينهما! أشياء لا يمكن إلا أن يكون كاتبها هو الله نفسه.
سبق أن تأملنا في رسالة بطرس الرسول الذي كان أيضاً صياد سمك. قالوا من بطرس ويوحنا. "إنهما إنسانان عديما العلم وصاحبان" (أع4: 13), ومع ذلك فإن أكبر الفلاسفة يتأملون في أقوال بطرس وفي أقوال يوحنا ولا يستطيعون أن يصلوا إلى عمقها وقرارها. فبطرس يكلمنا عن انحلال العناصر وتفتيت الذرة، وهي ألفاظ علمية عجيبة لم يتوصل العلم إلا إلى جزء بسيط منها مؤخراً. فكانوا يقولون سابقاً أن العناصر لا تنحل والذرة لا تتفتت لكن الله الخالق هو الذي أوحى إلى بطرس بهذه المعلومات.
هذه الرسالة لا نجد مكتوباً فيها من هو كاتبها ولا إلى من كتبت ولا من أين كتبت ولا متى كتبت. لكن نستطيع أن نعرف ذلك بتأكيد من داخل الرسالة.
كاتبها:
هو يوحنا الرسول. كيف نعرف؟ من لغته. ومن الألفاظ التي يستعملها ومن المشابهة بينها وبين إنجيل يوحنا. فنقرأ في الإنجيل عن: الكلمة- الحياة- النور- الشركة- الثبات- المحبة. هذه تعبيرات محبوبة ومألوفة عند الرسول يوحنا ونجد هذه الكلمات عينها في الرسالة. ومع أنها لغة واحدة لكن التركيب مختلف تماماً.
أين كتبت؟
كتبت في أفسس لأن الرسول يوحنا عاش أيامه الأخيرة هناك.
من الذين كتب لهم؟
كتب في الغالب للكنائس التي في آسيا الصغرى لأن أفسس هي المركز الرئيسي في آسيا الصغرى. وإن كانت هذه الرسالة عامة لجميع المؤمنين لكنها كتبت في الغالب للكنائس السبع التي في آسيا التي كتب لها هو نفسه بوحي الروح القدس في سفر الرؤيا.
متى كتبت هذه الرسالة؟
كتبت بعد الإنجيل. ومتى كتب الإنجيل؟ كتب في آخر الأناجيل كلها. كتب سنة 90م أي في أواخر القرن الأول لأن يوحنا عاش بعد الرسل كلهم وكتب الإنجيل ثم كتب رسالته الأولى والثانية والثالثة وأخيراً كتب سفر الرؤيا سنة 96م.
كتبت هذه الرسالة بعد خراب أورشليم لأن أورشليم خربت سنة 70م أما هذه الرسالة فكتبت حوالي سنة 90م.
كتب يوحنا بعد انتقال الرسل كلهم وفي ظروف وجو مختلف عن الوقت الذي كتب فيه بولس الرسول. واستهلال هذه الرسالة استهلال بديع ليس فيه اسم الكاتب ولا المكتوب غليهم وليس فيه تحية ولا يوجد في الرسالة تسليمات ولا ذكر أسماء في آخرها. والسبب في ذلك هو أن موضوع الرسالة هام ومستعجل. عندما أرسل الرب السبعين قال لهم "لا تسلموا على أحد في الطريق" (لو10: 4) لأن تلك كانت رسالة نهائية أرسلها للشعب وهي مستعجلة فلا يليق أن يضيعوا وقتهم في تحيات أو تسليمات. هكذا أيضاً نجد رسالة العبرانيين التي تبدأ بالقول "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً... كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..." (عب1: 1، 2).
وهنا في هذه الرسالة يقول الرسول "من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة" (1يو2: 18). فهذه رسائل عاجلة، ولكن يوجد فرق بينهما وبين رسالة العبرانيين فرسالة العبرانيين تكلمنا عن المسيح وفي المجد "الذي يعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي". لكن رسالة يوحنا تكلمنا عن المسيح الذي أتى من المجد إلى الأرض.
الذي يقرأ فاتحة هذه الرسالة وفاتحة الإنجيل قد يقول أنها مثل بعضهما لكن الواقع ليس كذلك، بل وإن وجد تشابه، ولكن الرسالة مكملة للإنجيل، ولا تبدأ من بداءة الإنجيل، بل تبدأ من العدد الرابع عشر من الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا "الكلمة صار جسداً[1]. الإنجيل يبدأ بالقول في البدء أي الأزل أما الرسالة فتبدأ بالقول الذي كان من البدء".
في إنجيل يوحنا توجد أربع مراحل:
"في البدء كان الكلمة والبدء هنا هو الأزل. فيه يهوه الكائن بذاته. "والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (يو1: 1)- الآب والابن متميزان في الأزل- هذه هي المرحلة الولى.
بعد ذلك نقرأ "كل شيء به كان" (يو1: 3). هذا بدء ثان خلاف البدء الأول. هذا بدء الخليقة، كما في (تك1: 1) في البدء خلق الله السموات والأرض"- هذه نقطة معينة بدأ الله فيها خالقاً- هذه هي المرحلة الثانية.
بعد ذلك نقرأ عن الرب يسوع المسيح أنه "فيه كانت الحياة. والحياة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 4، 5)- هذا كلام عام عن مجيء المسيح في الجسد وأنه هو "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان" (ع9).
"إلى خاصته جاء لم تقبله وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه" (ع11، 12)- هذه هي المرحلة الثالثة. "والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" (ع14)- هذا هو التجسد بالولادة عن العذراء- وهذه هي المرحلة الرابعة.
أما الرسالة فتبدأ من يو1: 14 أي من التجسد، وقبل الرسالة، الأزل، ثم الخلق.
في بدء الرسالة نقرأ "الذي كان من البدء". وكلمة "الذي" هنا في الأصل اليوناني وفي الترجمات الأخرى لا يقصد بها شخص who بل أمور That which في الإنجيل: "في البدء كان الكلمة" عن شخص الرب يسوع المسيح. أما في الرسالة: "الذي كان من البدء" أي الأمور التي كانت من البدء. وهي الملازمة لتجسد المسيح- أمور رأيناها فيه. ومع أن يوحنا هو الكاتب ولكنه يكتب بصيغة الجمع لأنه يتكلم عن نفسه وعن الرسل الآخرين الذين كانوا معه، وعاشوا مع المسيح وشاهدوه ولمسوه. هذه شهادة رسولية عما كان من البدء أي من بدء حياة المسيح على الأرض.
نقرأ في الإنجيل "الكلمة كان عند الله" (يو1: 1) ونقرأ في الرسالة "الحياة الأبدية كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 3).
من الذي أتى إلينا بالحياة الأبدية؟ الكلمة. لذلك يقول الرسول هنا "من جهة كلمة الحياة" (ع1). كان المقصود بالذي "كان في البدء" هو شخص الرب لما قال الرسول "من جهة كلمة الحياة" لأنه هو كلمة الحياة. هو "الكلمة". وهو "الحياة". والحياة الأبدية ظهرت في كل أعمال الرب يسوع وأقواله. هذه شهادة يشهد بها شهود عيان رأوا وسمعوا وشاهدوا ولمسوا بأيديهم.
تتكرر كلمة "الذي" هنا خمس مرات، 4 مرات في العدد الأول، ومرة في العدد الثالث:
(1)-الذي كان من البدء.
(2)-الذي سمعناه.
(3)-الذي رأيناه بعيوننا.
(4)-الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.
(5)-الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به.
ويوجد فرق بين "رأيناه" و "شاهدناه".
"رأيناه" تعني مجرد رؤية. مثلاً رأيت رئيس الجمهورية أثناء مروره بعربته، لكن "شاهدناه" تعني تأملناه وتفرسنا فيه.
لكن لماذا يقول "رأيناه بعيوننا"؟ أليست وسيلة الرؤية هي عيوننا؟ نعم، لكن كأن شخصاً يجادل ويقول: غير معقول أن الكلمة الأزلي جاء إلى الأرض وأن الحياة الأبدية التي كانت عند الآب أظهرت في الأرض! فيجب الرسول يوحنا قائلاً: نحن رأينا بعيوننا. فهذا تأكيد لرؤيته.
"الله ظهر في الجسد"- يقول غير المؤمن: غير معقول أن الله يجيء على الأرض. فالرسول يوحنا يؤكد أنه جاء ورأيناه بعيوننا وأكثر من ذلك شاهدناه، وتأملنا فيه، ولمسته أيدينا، وكان الناس يدنون منه، وكانت له ألفة مع الناس الخطاة إذ كان يقبلهم ويعطف عليهم.
عندما ظهر الله في الجسد لم يكن في معزل عن الناس لكن حتى العشارون والخطاة رأوه وسمعوه. وشهد عنه الفريسيون قائلين أن هذا يخالط الخطاة ويأكل معهم. الفريسيون يحتقرون العشارون والخطاة ولا يخالطونهم لكن هذا الذي أتى من السماء أحب العشارين والخطاة وسمح لهم أن يلمسوه. فليس الرسل فقط هم الذين لمسوه لكنه سمح للمرأة الخاطئة أن تلمسه في بيت سمعان الفريسي الذي تعجب من ذلك وقال لو كان هذا نبياً لعلم من هذه أنها امرأة خاطئة. لكن الرب بيّن له أنه يعلم كل شيء وأنه جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.
هذا هو الذي جاء مملوء نعمة ومحبة وحقاً لا يستطيع أحد أن يدخل إلى أحد ملوك الأرض من غير موعد ونحن نعلم من قصة أستير الملكة أنه حتى زوجة الملك ما كانت تستطيع أن تدخل عنده ما لم يمد لها قضيب الذهب. هذا هو الإنسان لكن سيدنا رب المجد دنا منا ونحن خطاة وسمح لنا أن ندنو منه- له كل المجد.
رآه يوحنا المعمدان وعرفه وأشار إليه قائلاً: هوذا حمل الله وشهد قائلاً "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو1: 33).
سمع تلميذان من تلاميذ يوحنا المعمدان شهادته عن الرب يسوع "فتبعا يسوع" وقالا له "يا معلم أين تمكث؟" قال لهما تعاليا وانظرا. فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم.
وبعد ذلك لازم التلاميذ السيد ولما كلم الجموع كلاماً روحياً قالوا أنه كلام صعب فانصرفوا عنه. قال لتلاميذه أتريدون أنتم أيضاً أن تمضوا؟ أجاب بطرس: "يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك" (يو6: 68).
وأرسل رؤساء الكهنة أناساً ليمسكوه فذهبوا ووجدوه يتكلم واستمعوا إلى كلامه وتعجبوا منه ورجعوا دون أن يحضروه. ولما سئلوا لماذا لم تحضروه؟ أجابوا: إن كلامه أسر قلوبنا. "لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان" (يو7: 46).
في هذه الرسالة نجد أن الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا (ع2) وفي الإنجيل نقرأ "فيه كانت الحياة" (ع4).
حدثت مناقشة كبيرة بين البعض انقسموا بسببها لأن أناساً قالوا هو الحياة الأبدية. وآخرون قالوا فيه الحياة. فانقسموا إلى طائفتين لكن في الواقع لا يوجد خلاف لأنه هو الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وفيه أظهرت لنا الحياة ومنه أخذنا الحياة لأنه واهب الحياة. "من له الابن فله الحياة" (1يو5: 12).
لماذا ينبّر الرسول على ما سمعناه ورأيناه وشاهدناه..؟ لأنه يفند الضلالات التي كانت موجودة، وإن لم يذكرها بالذات كما كان يفعل الرسول بولس. كانت توجد ضلالتان رئيسيتان:
الضلالة الأولى:
أن المسيحية ابتدأت كبذرة ثم نمت وجاءت بعد ذلك الإعلانات والحقائق المسيحية تدريجياً. وهذا ما يسمونه "العلم المسيحي" Christian Science لكن يوحنا الرسول يبدأ رسالته بالقول "الذي كان من البدء" وقال الرب يسوع "أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يو8: 25). لا يوجد كلام جديد. لا نمو في إعلان الحق الإلهي، بل هو هو "الذي كان من البدء".
ويقول الرسول يوحنا: "أيها الأخوة لستُ أكتب إليكم وصيةً جديدة بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء-الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء". (1 يو 2: 7).
فالتعليم المسيحي الذي أتى به الرب يسوع المسيح هو من البدء-لا تغيير فيه بلا زيادة أو نقص.
الضلالة الثانية:
هي أن الجسد الذي أخذه الرب يسوع جسد هيولي-صورة جسد استناداً على القول "آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان...." (في 2: 7، 8).
فيقولون تهيأ للناس أنه إنسان لكنه كان في صورة إنسان أو بعبارة أخرى "خيال" وهذه الكلمة نجدها في (مت 14: 26) وهي في اللغة الإنكليزية Apparition وفي القاموس Phantom ونحن نعرف أن الفانتوم هي الطائرات الأمريكية السريعة التي تبدو كالخيال وتختفي سريعاً. فقد كان هناك أناس في عصر الرسول ينكرون ناسوت المسيح الخقيقي وأناس ينكرون لاهوته ويقولون أنه إنسان عظيم، ولكن ليس هو الله.
هاتان البدعتان لا تزالان موجودتين حتى الآن. وحيث أن أناساً أنكروا ناسوت المسيح الخقيقي لذلك يقول الرسول : "الذي لمسته أيدينا" في حياته على الأرض، وأكلنا معه. وبعد قيامته إذ ظنوا أنهم روح أو خيال (فانتوم) أكل معهم وقال "جسوني" لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.
ويقول الرسول في ص 5: 1 "كل من يؤمن بأن يسوع هو المسيح فقد وُلِدَ من الله"؟ أي يؤمن بأن يسوع الإنسان الذي كان هنا على الأرض هو المسيح المنتظر "يهوه".
قال أحدهم أن الفرق بين الإنجيل والرسالة هو أن الإنجيل يقول أن المسيح هو يسوع، والرسالة تقول أن يسوع هو المسيح الممجد. فالإنجيل يقول أن الكلمة الأزلي هو "يسوع" الذي ظهر في الجسد وحلّ بيننا.
والرسالة تقول أن يسوع المسيح الذي جاء إلى العالم هو المسيا المنتظر. والرسول في هذه الرسالة يفند هذه الضلالات، ويبيّن هنا أن جسد الرب يسوع كان حقيقياً "لمسته أيدينا".
ونلاحظ التدرج في التعبير، فيقول أولاً "رأيناه" ثم "شاهدناه" ثم "لمسته أيدينا" من جهة كلمة الحياة- من جهة شخصه الذي هو نفسه كلمة الحياة. "والذي رأيناه وسمعناه نخبركم به" (ع3)- هذا هو الغرض من كتابة هذه الرسالة ونجد أغراض الرسالة مبنية في الرسالة نفسها:
أولاً: لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا (س1: 3).
ثانياً: ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً (ص1: 4). كان هذا امتيازاً للرسل الذين شاهدوا الرب كما قال هو لهم: طوبى لعيونكم لأنها نظرت وطوبى لآذانكم لأنها سمعت، لأن أنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا (مت12: 17).
ولكنهم قد أخبرونا ونحن أيضاً نراه بالإيمان، ولنا نحن المؤمنين شركة معهم- شركة مع الرسل. وهذه الشركة هي مع الآب ومع ابنه ولذلك يكون فرحنا كاملاً.
ثالثاً: يقول الرسول في ص2: 1 يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا.
رابعاً: يقول في ص5: 13 "كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية".
في الإنجيل ص 20: 21 نقرأ "وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله. ولكي تكون لكم حياة باسمه"- هذا هو الغرض من كتابة الإنجيل. لكي يؤمنوا، وبالإيمان تكون لهم حياة أبدية.
أما الرسالة فقد كتبت لكي يعلم الذين آمنوا أن لهم حياة أبدية، لأن البعض كانت لهم الحياة الأبدية وهم يعلمون ذلك ويقولون يا رب أعطنا الحياة الأبدية.
ويجب أن نلاحظ أن الأربعة الأعداد الأولى من الإصحاح الأول من هذه الرسالة هي مقدمة الرسالة، وفيها خلاصة الرسالة. وهذه الخلاصة هي:
"لكي تكون لكم شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" هذه هي خلاصة الرسالة أن تربطنا بالله وتكون لنا شركة مع الآب في ابنه.
الابن هو موضوع سرور الآب وشبعه الذي قال عنه "هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به". والآب قد أعطاني أنا وأنت أن تكون لنا شركة معه في سروره بابنه، أي كما قال هو "أنت ابني الحبيب الذي بل سررت"، نقول نحن: أنت ربنا الحبيب الذي بك سررنا، فموضوع مسرة الآب وشبع قلبه لنا شركة مع الآب فيه.
الابن طعام الله- هذا هو "خبز الله" الذي يشبع به وقد أعطاه لنا لكي نشبع نحن أيضاً به. إنه خبز الله وخبزنا، طعام الله وطعامنا.
وأيضاً تكون لنا شركة مع الابن في الآب، يقول الابن "ليفهم العالم أني أحب الآب وكما أوصاني الآب هكذا أفعل" (يو14: 31).
ونحن لنا شركة معه ونقدر أن نقول: نحن شعب الآب- لقد أحببنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا ونحن نحسب الآب ونعمل مشيئته وكما أوصانا هكذا نفعل ووصاياه محببة وليست ثقيلة.
ليتنا نتمتع عملياً بهذه الشركة العظيمة- هذه هي المسيحية الحقيقية. ليست المسيحية كلاماً لكن شركة حقيقية مع الآب في ابنه ومع الابن في الآب.
كتب يوحنا داربي بهذه المناسبة كلمات عظيمة نقلها بعض المفسرين كما هي بالحرف، قال: "إذا نظرت إلى الرب يسوع وتأملت في كل طاعته، وكل نقاوته، وكل نعمته، وكل رقته، وكل صبره، وكل تكريسه، وكل قداسته، وكل محبته، وكل خلوه من طلب ما هو لنفسه، أستطيع أن أقول هذه هي حياتي، يا للعجب!
هذه هي الحياة التي يعطيها الله لنا. إذ كانت هذه هي حياتي شرها أي نفس نوع الحياة التي كانت في المسيح، فالمسيح هو حياتي، ويجب أن صفات هذه الحياة تظهر فيّ. وهذا شيء عظيم جداً".
هذه النعمة لا حدود لها. قد تكون هذه الحياة باهتة فيّ ولا تظهر فيّ بلمعانها كما ظهرت في المسيح، ومع ذلك فهي حياتي- هي نوع حياة المسيح.
كم أبارك الله لأجلها، كم يجب أن أتمتع بها وكم فيها من راحة لنفسي وفرح لقلبي لأن الرب يسوع نفسه هو غرض ومحور عواطفي. وكم هو مبارك أن هذه الحياة هي فيه وليست في ذاتي.
هي في داخلي بالروح القدس لكنها في المسيح الذي هو عن يمين الله ولذلك لا يتعطل فرحي. حتى إذا ضعف ظهور الحياة فيّ فالرب يقويني ويرفعني. ثم يقول داربي: الناموس وعد بالحياة على شرط الطاعة ولكن الحياة أتت في شخص الرب يسوع كما قلنا بكل كمالها الإلهي وبكل خصائصها الإنسانية الكاملة. ونلاحظ أن الكل بالنعمة. ثم يقدم الرسول لنا شخص الرب يسوع كالمخلص، وشركتنا مع الآب ومع الابن كامتيازنا وفرحنا الكامل.
الحياة قد أظهرت في المسيح وقد أعطيت لنا في المسيح فلا تتعب يا أخي العزيز، لا تتعب نفسك في البحث عن الحياة الأبدية في الناموس، أو في أعمالك بل خذ المسيح لكن اقبله بالإيمان، ومن له المسيح له الحياة.
خذه أي اعرفه وادخل في أعماق أفكاره ومشاعره وبهذا تكون لك شركة معه، نحن لا نعرفه فقط بل نشاركه في أفكاره ومشاعره ويكون هو عملياً في حياتنا.
لكن لا يمكن أن يكون لنا الابن دون أن يكون لنا الآب لأن من رأى الابن فقد رأى الآب أيضاً، ومن له شركة مع الابن له شركة مع الآب، لأن أفكار الابن ومشاعره هي نفسها أفكار الآب ومشاعره لأن الابن في الآب والآب في الابن.
إن سرور الآب هو في محبة ابنه وفي طاعة ابنه له وفي تكريسه الكامل له. وعندما تكون لي نفس المشاعر والأفكار، ونفس السرور الذي للآب في ابنه تكون لي شركة مع الآب وأستطيع أن أقول "هذا هو ربي الحبيب الذي به سررت".
ثم أن لنا شركة مع الابن في معرفة الآب، لأن الرب يسوع قال "عرفتهم اسمك وسأعرفهم". وفي التمتع بمحبة الآب قال "وأحببتهم كما أحببتني"- لنا شركة في معرفة الآب وفي محبة الآب فنستطيع أن نقول كما قال هو "إني أحب الآب وكما أوصاني الآب هكذا أفعل".
- عدد الزيارات: 6332