Skip to main content

الرسالة الأولى: الإصحاح الأول

"اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ." (عدد 1)

عرفنا أن "البدء" هنا هو بدء ظهور الابن له المجد في الجسد أي بدء تجسد المسيح وهو يطابق يو 1: 14 حيث يقول الإنجيل "والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا". وهو يطابق أيضاً لو 1: 2 حيث نقرأ عن "الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة" فعبارة "منذ البدء" هنا تعني من بدء حياة المسيح على الأرض. لذلك يتكلم لوقا دون غيره من البشيرين عن طفولة المسيح – عن ولادته وختانه عندما تمت له ثمانية أيام, وعن صعود أبويه به إلى الهيكل لتقديم ذبيحة حسب الناموس حيث أخذه سمعان الشيخ وحمله على ذراعيه وبارك الله وقال " الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام " وحيث وقفت حنة النبية أيضاً تسبّح الرب وتتكلم عنه.

ونقرأ عنه أيضاً أنّه لما كان له اثنتا عشر سنة كان جالساً في الهيكل في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. ونقرأ عنه أيضاً أنه كان خاضعاً لأبويه. وفي إنجيل مرقص ص1:1 ونقرأ " بدء أنجيل يسوع المسيح ابن الله " – هذا بدء خدمة الرب يسوع هنا على الأرض أما في انجيل يوحنا ص1: 1 فنقرأ عن بدء آخر "في البدء ( أو في بدء ) كان الكلمة ... وكان الكلمة الله" هذا البدء هو الأزل – أي وجود الله الكلمة أزليا. وفي ع3 نقرأ "كل شيء به نقرأ" متى؟ نقرأ في تلك1: 1"في البدء خلق الله السموات والأرض" – هذا بدء آخر – بدء معين عندما ابتدأ الله خالقاً. وكلمة "الذي" في عبارة "الذي كان من البدء" (ايو1: 1) تعني الأمور الخاصة بشخص المسيح الكريم وأقواله التي يشهد الرسول قائلاً أننا سمعناها, وأعماله التي يقول: رأيناها بعيوننا, وجسده الحقيقي الذي يقول: شاهدناه ولمسته أيدينا.

وتتكرر كلمة "الذي" خمس مرات منها أربع مرات في هذا العدد.

ظهر في أيام الرسول معلمون كذبة كثيرون قالوا أن الرب يسوع لم يأخذ جسداً حقيقياً بل صورة جسد, لذلك يؤكد الرسول أن جسده حقيقي وقد عاشوا معه حيث قال لتلاميذه جسونى فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.

"الذي رأيناه بعيوننا" – كلمة "بعيوننا" هي لتأكيد ما قد رأوه. قال موسى للشعب: "وأمرت يشوع في ذلك الوقت قائلاً عيناك قد أبصرتا كل ما فعل الرب إلهكم .... "(تث 3: 21)

وفي تث 4: 3 يقول "أعينكم قد أبصرت ما فعله الرب." وفي تث 11: 7 يقول "لأن أعينكم هي التي أبصرت كل صنائع الرب العظيمة التي عملها"

ونقرأ في زكريا 9: 8 "فأني الآن رأيت بعيني".

"الذي شاهدناه" – أي تأملناه وتفرّسنا فيه وقتاً طويلاً

"َإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا." (عدد 2)

يبين الرسول هنا أن الحياة الأبدية أظهرت فعلاً لأننا رأينا هذه الحياة مجسمة في الإبن الذي جاء في الجسد.

في أيام حياة الرب يسوع المسيح على الأرض جاء أناس كثيرون وسألوا عن الحياة الأبدية وقالوا: ماذا نعمل لنرث الحياة الأبدية؟ وكان أغلب هؤلاء ناموسيين فقال لهم الرب: ماذا يقول الناموس؟

"افعل هذا فتحيا".

كم واحد حصلوا على الحياة عن هذا الطريق ؟ ولا واحد, لأن الحياة عن طريق حفظ الناموس مشروطة: إن فعلت تحيا وإن لم تفعل تقع تحت طائلة الموت واللعنة ولذلك جميع الذين هم من أعمال الناموس (أي الذين وضعوا أنفسهم تحت هذا المبدأ) هو تحت لعنة.

الناموس ينشئ غضباً وينشئ موتاً. فليس هذا هو الطريق للحياة الأبدية. لا تتعب نفسك يا أخي في البحث عن الحياة الأبدية فإنك لن تجدها في الناموس ولا في أعمالك.

الحياة الأبدية كانت عند الآب وأتت إليك, فأقبلها. ويقول الرسل: لقد رأيناها بكل خصائصها. وقال فيليبس للرب "أرنا الآب وكفانا". قال له الرب "أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب". فالرب يسوع في حياته أظهر الآب وذلك في أقواله وأعماله وصحبته وكل صفاته.

"الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" – أي أعلن الآب. وطبعاً لم يكن ممكناً لأحد أن يعلن الآب إلا هو لأنه ابن صحبته الذي في حضنه (أي موضوع محبته) الحياة الأبدية أظهرت وبعد أن أظهرت أعطيت لنا ونحن قد تحققنا أن الحياة الأبدية هي في شخصه.

والرسول يشهد مع بقية الرسل ويخبر جميع الناس بالحياة الأبدية.

الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (عدد 4)

يقول الرسول "ما سمعناه ورأيناه نخبركم به والغرض من ذلك لكي تكون لكم شركة معنا وهذه الشركة هي مع الآب ومع الابن. كيف يمكن أن تكون لنا هذه الشركة؟ ينبغي أن تكون لنا طبيعة الله التي هي نور ومحبة".

يقول الرسول بطرس أن "قدرته الإلهية قد وهبت لنا... المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 3، 4).

هل يمكن أن تكون لنا شركة مع الله ونحن ظلمة؟ لا يمكن. لأنه "أية شركة للنور مع الظلمة؟" (2 كو 6: 14)، لكن يقول الرسول بولس "لأنكم كنتم قبلاً ظلمة أما الآن فنور من الرب" (أف 5: 8).

فنحن قد أخذنا طبيعة النور وبهذه الطبيعة صارت لنا شركة معه، وقد أخذنا منه الحياة الأبدية. ويقترن بهذا الامتياز مسئولية السلوك المتوافق مع طبيعة الله في النور وفي المحبة.

"الذي رأيناه وسمعناه" – الرؤية والسمع مقترنان معاً كما يقول الرسول يوحنا في (رؤ 22: 8) "وأنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا" وأيضاً "وحين سمعت ونظرت خررت لأسجد..." ثم يقول هنا "شاهدناه ولمسته أيدينا" وهذان مقترنان معاً كما قال الرب للتلاميذ بعد قيامته من الأموات "جوني وانظروا" (لو 24: 29).

ليس الرسل فقط هم الذين رأوه وسمعوه، وشاهدوه ولمسوه في حياته لكن كل الناس حتى الخطاة حتى المرأة السامرية (يو 4) والمرأة الخاطئة (لو 7).

وحتى العشارون والخطاة كانوا يدنون منه ليسمعوه حتى تذمر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا يقبل خطاة ويأكل معهم (لو 15: 1، 2).

وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. (عدد 4)

من أغراض كتابة هذه الرسالة أن يكون لمن يكتب إليهم "الفرح الكامل". وأي فرح نظير الفرح الناتج عن الشركة مع الآب ومع الابن ومع القديسين! إن أفراح العالم مزيفة كلن كل الذين تعرفوا بالرب مضوا في طريقهم فرحين كالخصى الحبش، وزكا، وسجان فيلبي الذي تهلل مع جميع بيته.

"فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفس بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص كساني رداء البر..." (اش 61: 10)

ونلاحظ الفرق بين أسلوب الرسول يوحنا وأسلوب الرسول بولس – الرسزل بولس لم يتعرف بالمسيح في الجسد مثل يوحنا وباقي الرسل الذين يقولون رأيناه بعيوننا وشاهدناه ولمسته أيدينا لكن رآه في المجد وسمع صوته قائلاً له "شاول شاول لماذا تضطهدني؟" ولذلك يكتب عنه كرأس الجسد. الكنيسة التي يشعر بما يقع عليها من اضطهاد. أما بقية الرسل فرأوا الحياة الأبدية وقد أظهرت هنا ويكتبون ويشهدون بهذا.

وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. (عدد 5)

يخبرنا الرسول في هذا العدد أن طبيعة الله هي نور. الأعداد الأربعة: الأولى تبين محبة الله لأنه أرسل لنا ابنه لكي نحيا به. الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا – هذه محبة.

ويتكلم أيضاً عن "الله محبة" في ص3، ص4.

"انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (ص 3: 1).

"بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا" (ص3: 16).

"ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (ص 4: 8).

"بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (ص4: 9، 10). لكن الله نور أيضاً. وكيف توافقت المحبة مع النور؟

نشكر الله لأنه في الصليب توافقت صفات الله معاً. "الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلائما" (مز 85: 10). يستريح الناس على الفكر أن الله محبة وأن رحمة الله واسعة ويغفلون أن الله نور. وأنه قدوس وبار "وعيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشر" "حب 1: 13".

يقول الرسول يوحنا هذا "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤ 1: 5). لا يستطيع الخاطئ أن يقترب إلى الله ما لم يغتسل من خطاياه بدم المسيح لأن "دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية".

"الله نور وليس فيه ظلمة البتة" – هذه طبيعة الله ولكي نتمتع بالشركة معه يجب أن نكون نوراً وهذا ما فعله معنا. يقول الرسول بولس "كنتم قبلاً ظلمة وأما الآن فنور من الرب" (أف 5: 8).

ويقول الرسول بطرس "لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1 بط 2: 9).

"شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته" (كو 1: 12، 13).

إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. (عدد 6)

"إن قلنا" – تتكرر هذه العبارة في هذا الإصحاح ثلاث مرات:

في عدد6: "إن قلنا أن لنا شركة معه".

في عدد8: "إن قلنا أنه ليس لنا خطية".

وفي عدد10: "إن قلنا أننا لم نخطئ".

يوجد قول وادعاء كثير في المسيحية الإسمية، واكتفاء بالمظهر الخارجي وصورة التقوى مع إنكار قوتها. ليس كل من قال أنه مسيحياً حقيقياً لكن المسيحي الحقيقي هو الذي له شركة مع الآب ومع الابن والذي يسلك في النور وليس في الظلمة.

الذي يسلك في الظلمة هو غير مؤمن. أما المؤمن الحقيقي فقد انتقل من الظلمة إلى النور. الله نور وشركتنا مع الآب والابن هي في النور فإن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة أي كانت دائرة سلوكنا ظلمة نكذب لأن الظلمة لا شركة لها مع النور.

ويقول الرسول بولس "أية خلطة للبر والإثم وأية شركة للنور مع الظلمة" (2 كو 6: 14). وقال الرب يسوع: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12).

وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. (عدد 7)

"إن سلكنا في النور" – المؤمنون عائشون في النور باستمرار أي في حضرة الله، أمام الله.

يوجد فرق بين السلوك في النور، وبين السلوك بحسب النور. فالمسألة هنا ليست كيف نسلك لكن أين نسلك؟ النور هو الدائرة التي يعيش فيها المؤمن ويسلك فيها لأننا إذا أتينا إلى الرب أصبحنا في حضرته في نور الله. والظلمة بالنسبة لنا مضت.

المؤمن لا يسلك في الظلمة. قد يخطئ لكن لا يعيش في الظلمة. وإذا ظهر منه نقص فالنور يكشف هذا النقص ويصححه. إذ يعترف المؤمن بخطأه والرب يغفر له ويرد نفسه.

السلوك في النور هو الصفة الدائمة الملازمة للمؤمن لأن هذا مقامه، أما السلوك بحسب النور فهو الكيفية التي يسلك بها المؤمن، وفيها درجات. لكن السلوك في النور هو المكان العام لكل المؤمنين.

عندما نسلك في النور أمام الله نأخذ قوة لنطبق النور في حياتنا (وهذا هو السلوك بحسب النور).

أما غير المؤمن فيسلك في الظلمة ولا يعلم إلى أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه. عبادة الأوثان من ورائها الشيطان، والشيطان هو الكذاب. لكن عبادة الله هي في النور وفي الحق.

"فلنا شركة بعضنا مع بعض" – أنا في النور, وأخي في النور, فلنا شركة معاً في النور وأصبحت شركتنا مع الآب ومع الابن وهذا شيء عظيم.

"ودم اليسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطيّة" – نحن في النور – هذا مقامنا الثابت وإذاً نسلك في النور بضمير مستريح لا يبكتنا لأن المؤمن ليس له ضمير خطايا فيما بعد (عب 10: 3) لأنه مطهر بدم المسيح.

متى تطهّر المؤمن بدم المسيح؟ عندما آمن. التطهير بالدم مرة واحدة في حياة المؤمن كما يقول الرسول بولس " فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة "(عب 10: 10) أي بتطبيق الدم مرة واحدة.

يقول البعض أننا عندما نخطئ دم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية. لكن هذا يعني أننا أنزلنا دم المسيح إلى مستوى الذبائح الحيوانية! لأن الذبائح الحيوانية كان يقدمها اليهودي كلما أخطأ وعندما يقدم الذبيحة يصفح عنه. لكن حاشا. فإن دم يسوع المسيح طهرنا نحن المؤمنين. كلمة "يطهرنا" هنا في هذا العدد معناها هو المطهر الذي طهرنا. فصفة الدم هي أنه المطهر من كل خطية – هذا عمل ثابت, فالاعتقاد بأن دم المسيح علاج عندما نسقط في الخطية اعتقاداً خاطئ لو كان الدم علاجاً عندما نخطئ لكانت العبارة تأتي هكذا: إن لم نسلك في النور .... فدم المسيح يطهرنا من كل خطيّة أي من سقوطنا. لكن العبارة جاءت: إن سلكنا في النور .... فدم يسوع المسيح يطهرنا ....." فكيف نكون سالكين في النور ودم المسيح يطهرنا؟

لكن المقصود هنا أننا ونحن سالكون في النور نسلك بضمير مستريح لأن دم المسيح طهرنا من كل خطية لا يشتكى علينا الضمير, ولا شيء يعيق شركتنا مع الله ولا بعضنا البعض.

إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا.(عدد 8)

سبقت الإشارة أنه توجد ادعاءات كثيرة وتتكرر العبارة "أن قلنا" في ص2 ثلاث مرات أيضاً.

القول سهل لكن إذا لم يستند على الحق فهذا يكون أمراً خطيراً. يقول اللاودكي أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء "لكنه كاذب لأن المسيح واقف خارجاً يقرع. والله يكشف كذبة ويقول له "لست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان "رو 3: 17".

ما أبعد الهوة بين ما يقوله المدّعى وبين ما يكشفه له الله! وبهذه المناسبة أرجو أن نفحص أنفسنا نحن المؤمنون في ضوء هذه الامتحانات الموجودة في الإصحاحين الأول والثاني لكي نتأكد: هل نحن قوّالون أم جادون وسالكون في النور فعلاً.

قال الرب يسوع عبارة جميلة: "أنا من البدء ما أكلمكم به" أي إذا أردت أن تعرفني تستطيع ذلك من كلامي, فكلامي يطابق شخصي. كلامه حق وهو الحق.

يجب أن نفحص أنفسنا هل اعترافنا وقولنا يتفق مع سلوكنا, وهل نحن سالكون في النور أمام الله؟ وهل يقترن اعترافنا بالحكم على كل ما يدينه النور لأنه إن كان يوجد شيء مخالف يكشفه النور، ويجب أن نعترف به وندينه وننزعه من حياتنا. ونتيجة ذلك تكون لنا شركة متبادلة نحن المؤمنين الذين لنا أب واحد ورب واحد وفينا الروح القدس الواحد وغرضنا شخص المسيح الواحد.

"إن قلنا أنه ليس لنا خطية" – الذي يقول ذلك ليس سالكاً في النور لأن النور يقول لمثل هذا: أنت كاذب ويكشف له أن الخطية موجودة. صحيح أن الخطية التي فينا محكوم عليها ومدانة وليست عذراً لأن نخطئ، ولكن لا ننكر وجودها ولا نقول ولا ندعي أنها استؤصلت منا، فهذا تعليم خطر.

الكلام هنا عن الخطيّة الأصلية. يقول البعض أننا نزعنا الإنسان العتيق. لما جاءت الطبيعة الجديدة نزعت الطبيعة العتيقة تماماً!

إن الذي هذا ليس سالكاً في النور لأن النور يبيّن أنه ليس على حق. والأفضل أنه يواجه الحقيقة ولا يكون مثل النعامة التي تخفي رأسها في الرمال وتظن أنه لا يوجد صياد. الواقع أن عوامل الطبيعة القديمة تتحرك ويشعر بها إن عاجلاً أو آجلاً. ونعرف أنه يغشّ نفسه.

"نضل أنفسنا وليس الحقّ فينا" – صحيح أن الطبيعة القديمة موجودة فينا لكن لا تسود علينا. يقول الرسول بولس "إذا لا تملكن الخطيّة في جسدكم العائت (العادي) ... فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة "(رو 6: 12,14)

فوجود الطبيعة القديمة فينا ليس عذراً أن نخطئ لأن الخطية مدانة وفي حكم الموت ويجب أن ننفذ حكم الموت باستمرار. لأجل ذلك يقول الرسول "بالروح (القدس) تعيتون أعمال الجسد" (رو 8: 14).

وأيضاً "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض (أعمال الجسد)" (كو 3: 5).

إن إنساننا العتيق صلب مع المسيح وانتهى من أمام الله شرعاً بالنسبة للمؤمنين لكن الطبيعة الفاسدة موجودة فينا وتحاول أن تظهر, ومن الخطر أن نخفي ونخبئ ذلك فننام ولا يوجد عندنا احتراس ولا سهر ولا جهاد روحي. لكن عندما يعرف المؤمن أن الطبيعة الفاسدة موجودة يجاهد ويسهر ويقمع الجسد (الخطية) التي فيه باستمرار.

يقول الرسول وإنما أقول اسلكوا بالروح فعلاً تكملوا شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غلا 5: 16, 17).

يقول الرسول بولس في رو 7: 17,18 "فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيَّ فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح". فبدلاً من أن نخفي وجود الطبيعة الفاسدة التي فينا ونضل أنفسنا, يجب بالأحرى أن نعترف بخطايانا وهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا كما يقول في العدد التالي.

إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. (عدد 9)

الكلام هنا للمؤمن وليس لغير المؤمن الذي كله خطايا فبماذا يعترف؟ أما المؤمن فالخطيّة بالنسبة له استثناء. "إن انسيق إنسان فأخذ في زلّة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة" (غلا 6: 1).

أنسيق أي أن الزلة سبقت احتراسه ولم يدركها. فأخذ يعني وقع في فخ لما تغافل. لكن له علاج وهو أن يعترف بخطيّته والرب يغفر له.

والغفران هنا ليس الغفران الأبدي لكن الغفران الزمني في سياسة الله ومعاملاته مع أولاده حيث يرفع عنهم التأديب.

الخاطئ ينال الغفران لجميع خطاياه عندما يأتي للمسيح بالتوبة والإيمان قائلاً له: اللهم ارحمني أنا الخاطئ. يقول الرسول بولس "مسامحاً لكم بجميع الخطايا" (كو 2: 13). قال الرب للمفلوج "مغفورة لك خطاياك" (مر 2: 5) وقال عن المرأة الخاطئة "غفرت خطاياها الكثيرة" (لو 7: 47).

ويقول الرسول بطرس "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أع 10: 43).

ويقول الرسول يوحنا "أكتب لكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم خطاياكم من أجل اسمه" (ايو 2: 12).

لماذا إذاً يقول الرسول هنا "إن اعترفنا بخطايانا ... يغفر لنا ... "؟ هل نأخذ غفران

الخطايا على دفعات؟ كلا. الغفران هنا من نوع آخر.

الإنسان تغفر له كل خطاياه مرة واحدة عند إيمانه بالمسيح ويصبح ابناً لله. ثم كابن سالك في النور عندما يقصّر ويخطئ يعترف والله كالآب يغفر له ولا يؤدبه كما يقول الرسول بطرس "إن كنتم تدعون أبا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فيروا زمان غربتكم بخوف "(ابط 1: 17) فالآب يحكم ويأدب أولاده. متى يؤدبهم؟ يقول داود "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله" (مز ) – داود مؤمن وأخطأ وسكت عن الاعتراف لذلك بليت عظامه من زفيره بسبب التأديب المر فقال "قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 5) بمجرد أن اعترف رفع آثام خطيته. هكذا كل مؤمن.

الخاطئ ينال غفران خطاياه بالإيمان بالنعمة غفراناً أبدياً على أساس سفك دم المسيح الكريم, لكن إذا أخطأ وهو مؤمن يعترف ولا يحتاج إلى التطهير بالدم مرة أخرى بل يعترف بخطيته, والله كأب يغفر له خطيته أي يرد شركته ولا يؤدبه.

كلام الرسول هنا "أن قلنا" عدة مرات يصف أخطاء وقعت فيها المسيحية فعلاً, فهناك فريق يقولون ليس لنا أي نزعنا العتيق وعندما يقعون في خطأ يبكون ويظنون أنهم فقدوا الإيمان والخلاص لأنهم يعتقدون أن المؤمن ليس فيه طبيعة فاسدة. فيطلبون من الرب أن يعطيهم الإيمان والخلاص من جديد. لكن الواقع أن الخلاص لا يفقد وعطايا الله وهباته هي بلا ندامة. وإنما تتعطل شركة المؤمن مع الله إذا أخطأ ويفقد بهجة الخلاص. ماذا قال داود؟ قال "رد لي بهجة خلاصك (ولم يقل رد لي الخلاص)" (مز 51: 12).

عندما لا يخطئ أبني أدخل البيت ومعي هدية له وأبتسم في وجهه وهو يأتي بثقة ويرتمي في حضني فرحاً. لكن عندما يخطئ، فلما أدخل البيت أجده مختبئاً مثل آدم الذي اختبأ بين أشجار الجنة عندما سمع صوت الله لأن الخطية التي عملها كانت على ضميره. إن بقي ابني مختفياً يحرم من الهدية ومن الابتسامة. لكن إن أتى باكياً قائلاً: يا أبي قد أخطأت، فإني أسامحه. وهكذا إن اعترفنا بخطايانا فالله يغفر لنا. عندما أخطأ ابني لم يفقد بنوته لكن عندما اعترف بخطئه أخذ قبلة المصالحة وتمتع بالابتسامة كالعادة.

إِنْ قُلْنَا إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِباً، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا. (عدد 10)

قال بعض المفسرين أن هذا الكلام يصدر من غير المؤمن الذي يقول "لم نخطئ" فهو كأنه يكذب الله. وقال البعض أنه قد يكون مؤمناً ولكنه مخدوع ولا يعرف ما هي الخطية. "كل أثم هو خطية" سواء بالفكر أو بالقول أو بالعمل. "وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية" "وكل من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" فليس من الضروري أن يعمل الإنسان خطية بالفعل لكن يكفي أنه كان أمامه فرصة أن يعمل حسناً ولم ينتهز الفرصة وقصَّر، فهذه خطية.

(1) لنفرض أن الذين يقولون "لم نخطئ" غير مؤمنين، فهم يكذبون الله لأن الله قال "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23).

كذلك الذي يقول أنه يقدر أن يأخذ الحياة الأبدية بأعماله الصالحة يكذب الله لأن الله شهد أن الحياة الأبدية هي في ابنه "ومن لا يصدق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه" (1 يو 5: 10، 11).

إن كنت لم تخطئ فلماذا جاء المسيح إلى العالم؟ حينئذٍ يكون المسيح جاء بلا سبب لأن المسيح جاء لأجل الخطأة وقدم نفسه فدية عن الخطأة، وتكون قد هدمت المسيحية كلها!

وهذه يا أحبائي أقوال بعض العصريين في هذا الجيل الشرير فهم يريدون أن يستبعدوا كلمة "خطية" من القاموس وهذا من عمل الشيطان.

يا لها من استهانة! العالم يقول عن الخطية "مدنية" وعن الأشياء الخليعة "ثقافة" والرقص والتمثيل وغير ذلك يقولون عنها "فنون". يطلقون على كل خطية اسماً آخر خلاف خطية لكي يبعدوا كلمة خطية عن أفكارهم لأن الشيطان من وراء ذلك.

لكن الأفضل يا أحبائي أن أعترف بالخطية وأجد الغفران في الحال لأن دم المسيح هو المطهر من كل خطية. أما القول "لم نخطئ" فهذا خداع وضلال وكبرياء.

(2) أما إذا كان الذي يقول "لم نخطئ" مؤمناً فهو يدعي أنه وصل إلى الكمال وهذا مستحيل في أجسادنا التي نحن فيها الآن، إنه مسكين ومغرور وسيكتشف إن عاجلاً أو آجلاً أنه غير معصوم عن الخطأ، ولكنه معرّض أن يخطئ.

ربما يتبادر إلى الذهن أن في الإقرار بعدم العصمة تشجيعاً على الخطية، ولكن الرسول يوحنا يقول "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (ع 8) ويقول أيضاً "إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا" (ع 10) وبأقواله هذه لا يصرح بالخطية، بل يقول: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (ص 2: 1). وكأنه يقول: إن كلامي في الإصحاح الأول لا يجعل عذراً لمن يخطئ فالمبدأ الثابت للمؤمن أنه لا يخطئ. ويوضح ذلك تفصيلياً في الإصحاح الثاني.

المؤمن مفروض ألا يخطئ مع وجود الطبيعة الفاسدة فيه فهي ليست عذراً إذا أخطأ لأن عنده طبيعة جديدة، وعنده الروح القدس، وبالروح القدس يميت أعمال الجسد (رو8). وعنده عرش النعمة ووسائط النعمة التي بها يحفظ الجسد في حكم الموت.

ليس من الضروري أن المؤمن يخطئ لكنه معرّض أن يزل. قد ينسبق ويؤخذ في زلة. وإن أخطأ أحد هل يذهب إلى جهنم؟ كلا. لأن الخلاص الذي صنعه المسيح ثابت ولا يضيع. لكن المؤمن يعترف بخطيته، والرب يغفر له فلا يؤدبه بل يرد نفسه ويهديه إلى سبل البر من أجل اسمه. والبنوة لا تفقد فهو لا يزال ابناً. والآب هو أبوة يؤدبه إذا لزم الأمر ولكن لا يهمك.

يقول الرب يسوع "خرافي... أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي" (يو 10: 27، 28).

فالخلاص لا يفقد لكن الذي يفقد هو بهجة الخلاص والتمتع بالشركة. والشفيع الوحيد الذي لنا في السماء هو الرب يسوع الذي يرد نفوسنا ويجعلنا نعترف بخطيتنا فتغفر لنا.

هذه هي المسيحية الحقيقية. لا أغالط ولا أخدع نفسي بل أواجه الحقيقة بدون أن ألتمس لنفسي عذراً للسقوط من الخطية لأن الله أعطاني كل الوسائل والإمكانيات لكن لا أخطئ.

الرب يعيننا لكي نفهم الحق. دم يسوع المسيح قد طهرنا من كل خطية، والمسيح أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه. وعملية الغسل بالدم لا تتكرر، ولكن الذي يتكرر هو الغسل بالماء (ماء الكلمة) "مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5: 26) فالذي يتكرر هو غسل الأرجل كما قال الرب يسوع "الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجلية" (يو 13: 10).

  • عدد الزيارات: 5833