Skip to main content

السفر الرابع

يبين لنا الكتاب الرابع من المزامير (مز 90 - 106) بشكل واضح مجيء الرب (ظهوره) بقوة ومجد لينقذ ويخلص البقية ويؤسس مملكته. ومفتاح هذا لكتاب هو رؤيا 11: 15 "صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الآبدين". هذا الكتاب يرينا التمهيد لدخول البكر إلى العالم بصراخ البقية. ن مجيئه للحكم يذكر غالباً في كل مزمور من هذا الكتاب (مز 90: 13، مز 93: 1، مز 96: 1 و13، مز97: 1، مز 98: 9، مز 99: 1، مز 103: 19، مز 104: 31، مز 105: 7 ). تصف لنا مزامير الكتاب الرابع مشاعر البقية إذ يختبر الفرح لاستجابة صلواتهم بمجيء المسيا الذي انتظروه طويلاً.

ويشار إلى الكتاب الرابع من المزامير باعتباره أنه يمثل سفر العدد. ونعرف أن سفر العدد يتكلم عن رحلة البرية لإسرائيل حتى كنعان. وهكذا نرى في هذا الكتاب إشارات عديدة لاختباراتهم في البرية. ويرينا مزمور 90 الجيل الذي أثار غضب الرب فأماتهم في البرية بسبب عدم إيمانهم (عد 14: 26 – 35، عب 3: 17 - 19). ومزمور 91 من جهة أخرى يعطينا الحماية الإلهية والعناية بالجيل الآتي (وهم الأولاد دون سن 20) إذ يستحضرون في الطريق آمنين إلى أرض الموعد وهناك إشارات عديدة مباشرة إلى رحلات إسرائيل في البرية (مز 95: 7 – 11، مز 99: 7 – 8، مز 102: 6، مز 103: 7، مز 105: 39 – 43، مز 106: 13 - 33). وكذلك موسى وهرون الذين استخدماهما الله ليقود بني إسرائيل في البرية يتكرر أسموهما 7 مرات (مز 90 العنوان، مز 99: 6، مز 103: 7، مز 105: 26، مز 106: 16 و 23و 32).

وهناك سلسلة مختلفة في الكتاب الرابع وهي (مز 90 – 93، مز 94 – 101، مز 102 - 106). وفي نهاية الكتاب (مز 106: 47) صرخة للرب ليجمع إسرائيل. وهناك إشارة للعشرة أسباط بصفة خاصة، وهي عينة لمقدمة موضوع الكتاب الخامس وهو عودة واسترداد العشرة الأسباط من إسرائيل بشكل واضح وكامل.

مزامير 90 – 93[60]

مزمور 90:

يسجل هذا المزمور صلاة البقية التقية وهي ترى الأمة تموت بسبب ما يحيطها من قسوة الضيقة وظروفها، وإدراك ما يجب أن يعمل مع الله الأبدي فإنه يتكلم عن بني آدم "ترجع الإنسان إلى الغبار" (ع 1 – 6 ترجمة داربي) ويتتبع سبب الخطية – قارن رومية 5: 12 ("وبالخطية الموت"). ولكنه يتحقق بأنهم يقطعون هم أيضاً في أية لحظة، ولذلك يرغبون في إحصاء أيامهم لكي يتصرفوا بحكمة أمام الله (ع 7 – 12. وهذا يقودهم أن يدعوا الرب ليعود ويخلصهم (ع 13 - 17).

مزمور 91:

بمقارنته مع المزمور السابق إذ نجد فيه الرجال والنساء يموتون ولكن ليس بسبب الضيقة، فإن هذا المزمور يرينا العناية الإلهية والحماية للبقية التي تختبر اجتيازها فترة السبع سنوات من الضيقة العظيمة[61]. ومع أن الكثيرين سيموتون في الضيقة فإن الله سيحفظ البقية من الأتقياء له أثناء اجتيازهم الضيقة[62]. ونجد في هذا المزمور أربعة أسماء لله: "العلي" – "إيل عليون"، "القدير" – "إيل-شداي". "الرب" – "الرب"، "الله" – "إيلوهيم". لكي يرينا العناية الأبدية لله لحماية خاصته (ع 1 - 2). وتوصف أخطار الضيقة باثني عشر شكلاً ولكنها لا تقدر أن تمس من كان الرب سترهم (ع 3 - 13).

مزمور 92:

ترفع البقية نفسها بالحمد للرب ويعبرون عن ثقتهم الكاملة فيه كما يتوقعون مجيئه ليخلصهم (ع 1 - 4). وهم يتكلمون بكل. وهم يتكلمون بكل يقين وثقة عما سيفعله بالقضاء على اليهود المرتدين الذين يتبعون ضد المسيح (ع 5 - 8) وشعوب الأمم (ع 9 - 11) بينما هم يباركون في الملكوت (ع 12 - 15).

مزمور 93:

يأتي الرب ليحكم إجابة لصراخ البقية. وهو يتخذ عرشه في صهيون جهراً لإظهار جلاله (ع 1 - 2) وقد أخضع الأمم المتمردة (أمواج البحر – رؤ 17: 15، مز 65: 7، أش 17: 12 – 13، الخ....) بقوته وسلطانه (ع 3 - 5).

مزمور 94 – 101

مزمور 94:

يبدأ هذا المزمور مجموعة أخرى ليأخذنا إلى الوراء إلى الضيقة التي تسبق مجيء الرب (ظهور المسيح) وتعاني البقية من الظلم الذي يسود الأرض تحت حكم ضد المسيح. وهم إذ يضطهدون من إخوتهم المرتدين الذين يتبعون ضد المسيح فإن البقية التقية تدعو الرب أن يأتي ويظهر نفسه اعتباره "ديان الأرض". (ع 1 - 7)... وتلتمس البقية من الأمة المرتدة لكي تعي بأن الرب يعرف ويرى كل شرورهم وتطلب منهم التوبة. ويحرضون من بنيهم لكي يجدوا طريق الرجل المغبوط وأن يتعلموا من ناموسه (ع 8 - 15). ويدعونهم لكي يقفوا بثبات في طريق الإيمان ضد فعلة الإثم مشجعين إياهم أن الرب في رحمته سيحفظهم كما فعل للبقية (ع 16 - 19). وهم ينتظرون ويتحققون بأن الرب سيأتي ليثبت مملكته بالبر، وأن "كرسي (أو عرش) المفاسد" (أي حكم ضد المسيح) لا يمكن أن يستمر. ويتساءل "حتى متى الخطاة يشمتون (أو ينتصرون)؟" (ع 3). كانوا واثقين أن ترتيب الأشياء بقيادة ضد المسيح لا يمكن أن يدوم كثيراً (أي 20: 5)وسيفنى الرب الأشرار إذ يدينهم (ع 20 - 23).

مزمور 95:

مزمور 95 ومزمور 96 يصفان البشارة الأبدية (رؤ 14: 6 - 7) التي سيكرز بها البقية في الأيام الخيرة. إنها النداء الأخير للعالم للخضوع للملك الآتي[63]. وفي مزمور 95 نجد الكرازة للأمة اليهودية، وفي مزمور 96 يكرز للأمم الوثنية[64]. وتدعوا البقية كل إخوتهم ليأتوا إلى الرب صانعهم بالإيمان مقدمين الترنيم والحمد (ع 1 - 6). ويقدم لهم التحذير لكي لا يكونوا مثل آبائهم في البرية الذين لم يدخلوا إلى راحة الموعد بسبب عدم إيمانهم (ع 7 - 11).

مزمور 96:

يمتد نداء البقية إلى العالم الأممي. إنهم يبشرون بخلاصه وبمجده وبأعماله العجيبة بين الأمم الوثنية (ع 1 - 3)... قارن متى 24: 14، ويدعون الأمم أن تخشى الرب وتخضع له وتعطيه الكرامة والمجد والسجود (ع 4 - 9) لأنه أتى ليدين العالم بالبر (ع 10 - 13).

مزمور 97:

الرب يظهر[65] ويأتي في ملء قوته للحكم (ع 1). ويصف المزمور الحكم الذي سيجريه عندما يأتي كديان. ونتيجة هذا الحكم أن كل المقاومين سيتعامل معهم. ولن يعبر الشر في أي مكان على الأرض دون دينونة. وكل شيء سيظهر بنوره (ع 2 - 7). وهذا القضاء الذي سيجري على أعداؤه الرب سيأتي بالخلاص إلى صهيون. وتفرح صهيون وتبتهج بسبب أحكامه. ويتمجد المسيح فوق جميع الآلهة فهو الحاكم الأعلى (ع 8 - 12).

مزمور 98:

يفرح إسرائيل بنتائج مجيئه. في الماضي ترنمت إسرائيل ترنيمة الحمد للرب لأنه قهر أعداءه (خر 159. والآن تترنم الأمة ترنيمة جديدة للرب لأنه يتدخل مرة أخرى ويدين أعدائها ويخلصهم من أيديهم. إن خلاص الرب ونصرته على أعدائه وخلاص إسرائيل يراه العالم (ع 1 - 3). ويمدح إسرائيل الرب[66] (ع 4 - 6) أما الأمم (الفيضان أو الأنهار floods) التي رفضت نفسها بالتمرد على الرب فإنها ستترنم بجوقة تسبيح له (ع 7 - 9).

مزمور 99:

ويتخذ الرب على عرش صهيون باعتباره القدس ملك إسرائيل ويؤسس حكمه بالبر على كل الأرض (ع 1 - 4). وتتشفع البقية لأجل الأمة (معبراً عنها بموسى وهرون وصموئيل الذين يتشفعون لأجل الأمة في يومهم عندما كانت بعيدة عن الله) وقد استجيبت شفاعتهم وجاء الرب إلى مملكته بحسب وعده (ع 5 - 9).

مزمور 100:

تتأسس الآن المملكة ودعي الأمم (كل الأرض) إلى أورشليم ليعبدوه. انظر أش 2: 2 – 3، زك 14: 16.

مزمور 101:

يكمل المزمور هذه السلسلة ويختم المبادىء العظمى التي ستحكم بها مملكة المسيح، وفوق كل شيء فإن المملكة ستضيف إلى تسبيح الرب شيئاً آخر إذ ستقيم الرحمة والحكم. أن هذين المبدأين العظيمين النعمة والحكم هما قاعدة المملكة (ع 1 ترجمة داربي). وسيتميز ملكوت المسيح بالانفصال عن كل شيء (ع 2 - 3). وفضلاً عن ذلك فإن الشر لن يحتمل في المملكة وسيتعامل معه عند حدوثه. وسيقطع الشرير كل يوم "كل صباح" من الأرض (ع 4 – 8 ترجمة داربي).

مزامير 102 – 106

مزمور 102:

في المجموعة السابقة من المزامير (94 - 101) رأينا مجيء المسيح لتأسيس ملكه، أما في هذه المجموعة فنرى نتائج ملكه المؤسس في قلوب المفديين من إسرائيل، وبصفة خاصة في فيض تسبيحهم. ولكن قبل أن ترتفع قلوبهم بالتسبيح والحمد فإنه يجب أن يتعلموا معنى آلام المسيح على الصليب. وهذا المزمور يستحضر أمامنا شكوى آلام المسيح أمام الله باعتباره "رجل الأحزان"، إنه يرى نفسه متروكاً من تابعيه (ع 1 - 7)، ومعيراً من أعدائه (ع 8). وهو يعاني من سخط غضب الله على الخطية (ع 9 - 11). وهذا الرجل المائت يرى مستقبل بركة الله عندما تستحضر إسرائيل كنتيجة لآلامه على الصليب. إنه يفكر في المواعيد التي لا بد لها أن تتحقق من جهة إعادة بناء صهيون لتصبح مركزاً لكل الأمجاد الأرضية. وهو يتوقع تأسيس الملكوت بحسب فكر الله والبركة الممتدة للأمم (ع 12 - 22). أما هو (أي المسيح) الذي بلا خطية الذي ترتكز عليه كل المواعيد فلا بد أن يموت. إنه يؤخذ من نصف أيامه (ع 23 - 24). ويتكلم الله مجيباً المسيح بالقيامة على الرغم من أنه يوضع للموت هنا في هذا العالم ولكنه لا يكمل إلى الأبد في عالم آخر. هذا العالم الذي ليس سوى عمل يديه الذي سيلبى أما هو فسيبقى إلى أبد الآبدين (ع 24 - 28).

مزمور 103:

يتضمن تسبيح إسرائيل للرب باعتباره الفادي. فهو إذ يتحقق من عمل المسيح على الصليب ومن البركة التي نالها كنتيجة لذلك (مز 102) فإن إسرائيل المفدى يسبح الرب. إنهم يكررون في موضوع تسبيحهم البركات (أو الفوائد) التي صارت لهم كنتيجة لفدائهم. إنهم يباركون الرب سبع مرات (ع 1 – 2 و 20 - 22).

مزمور 104:

عبارة عن تسبيح إسرائيل للرب كالخالق. ويبدأ المزمور بالإنشاد لعظمة الرب (ع 1) ثم يعيد ذكر أيام الخليقة الستة (تك 1) مشيراً إلى عظمة قوته. ويبدأ بالنور ويختمها بالإنسان في الشركة مع من كونه. يذكر النور (اليوم الأول) وتكوين الجلد (اليوم الثاني) ع 2 – 4، ويتبعها باليابسة التي تظهر من الماء بخضرتها لأجل إطعام خليقة الله (اليوم الثالث) ع 5 – 18. وبعد ذلك تذكر الأنوار السماوية (اليوم الرابع) ع 19 – 24 والبحار التي تعيش فيها المخلوقات المائية الحية (اليوم الخامس) ع 25 – 30. وفي النهاية نرى إنساناً (أي إسرائيل) في شركة مع صانعه (اليوم السادس) ع 33 – 34. ولا يذكر السبت (اليوم السابع) لأنه يرمز للراحة الألفية التي لم تعلن بعد. وينتهي المزمور ببقاء هذا العمل.

أما الخطاة والأشرار فلا يزالوا في الأرض التي تحتاج إلى أن تتطهر من وجودهم (ع 35). وحتى الآن فلا يزل الشر غير محكوم عليه، كما أن الخليقة نفسها لم تعتق بعد من عبودية الفساد (رو 8: 20 - 23)[67]. والأسود لم تزل تخطف الفريسة بعد (ع 21 ولعنة الموت باقية إلى الآن في الأرض (ع 29)). وهذا يرينا أن تلك المزامير هي التعبير عن قلب الإسرائيلي عندما يستحضر الملكوت الآتي قبلما يقام هنا[68]

مزمور 105:

تعبير عن تسبيح إسرائيل للرب لأجل نعمته، إذ يتتبع طرق الله معهم بالنعمة قبل إعطاء الناموس. ولا يذكر هنا أي فشل من جانب إسرائيل.

مزمور 106:

هو تسبيح إسرائيل للرب لأجل طرقه في الحكم. ويتتبع تاريخهم تحت الناموس فلا يرينا سوى التمرد والفشل. ومن هنا خلال كل هذا يروا يديه في حكمة تامة وبدلاً من فشلهم فإنهم استحضروا إلى أرض الموعد بما فيها من بركات.

[60] مع انه في ترجمة داربي يضع نجمة عند مزمور 93، إذ يعتبر أن من مزمور 90 – 92 هي المجموعة الأولى، غير أنه في كتابه "ملاحظات وتعليقات" المجلد 3 ص 186 يقول أن مزمور 93 يدخل في المجموعة الأولى، أما المجموعة الثانية فتبدأ من مزمور 94. انظر أيضاً ويجرام دراسة في المزامير ص 124، أيضاً جبلين "كتاب المزامير" ص 354، جرانت "الكتاب العدوي" ص 356.

[61] انظر "هاي هو" -. "عشرة أسباب كتابية لعدم اجتياز الكنيسة الضيقة العظيمة"

[62] نتحدث هنا عن البقية التي ستنجو وتظل عائشة في فترة الضيقة العظيمة وستدخل إلى الملك الألفي. غير أن هناك مجموعة من البقية ستستشهد، أولئك الذين لم يحبوا حياتهم حتى الموت (رؤ 12: 11) وسيستشهدون من اجل شهادتهم ليسوع ولكلمة الله التي يكرزون بها (رؤ 6: 9 – 11، 15: 2 – 3، 20: 4). وعند نهاية الضيقة التي سيقامون ليشاركوا المسيح المرتفع نصيبه السماوي.

[63] انظر يوحنا داربي "ملاحظات وكلمات مختصرة" ص 131

[64] مزمور 95 يخاطب أولئك الذين عرفوا الرب. وتربط البقية نفسها معهم وتقول "هلم let us" أما المزمور 96 فيخاطب كل الأرض التي تضم الأمم.

[65] انظر عب 1: 6 "متى ادخل البكر إلى العالم" فعندما أشار كاتب العبرانيين إلى مجيء المسيح (الظهور) فإنه اقتبس من هذا المزمور. وهذا يرينا أن مزمور 97 يختص بظهور المسيح. انظر يوحنا داربي في "ملاحظات وكلمات مختصرة" ص 131.

[66] "كل الأرض" وهي ترجمة "All the Land" وليس "All the earth" وهي تشير إلى أرض إسرائيل.

[67] ستعتق الخليقة من عبوديتها في وقت لاحق عن استعلان الملك الألفي (مزمور 146 و 147 و148)

[68] هذا هو المزمور الأول الذي ترد فيه كلمة "هلليلويا" وكلما اقتربنا من ختام المزامير تجد تكرار كلمة هلليلويا التي ترد في تسبيحات إسرائيل. وتعني اقتراب تأسيس حكم الرب بالبر والسلام. وهناك 15مزمور إما أنه يبدأ أو ينتهي بكلمة "هلليلويا" وتسمى أحياناً "مزامير هلليلويا".

  • عدد الزيارات: 3833