Skip to main content

الأصحاح الخامس

"يُسْمَعُ مُطْلَقاً أَنَّ بَيْنَكُمْ زِنًى! وَزِنًى هَكَذَا لاَ يُسَمَّى بَيْنَ الأُمَمِ حَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلإِنْسَانِ امْرَأَةُ أَبِيهِ. أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ وَبِالْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسَطِكُمُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ؟" (ع 1، 2).

يريهم الرسول هنا خطية كبيرة كانت موجودة في وسطهم تستلزم القضاء. "يسمع مطلقاً"- يعني خبر ذائع الانتشار، وأصبح يسمع في كل مكان عن حادثة زنى وليس معنى ذلك أنه كان يوجد زنى مطلق بينهم لكن خبر حادثة زنى تناقلته الألسن.

"وزنى هكذا لا يسمى بين الأمم": كانوا قبلاً بين الأمم منغمسين في الزنى والشر ويقول لهم الرسول: "هَكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لَكِنِ اغْتَسَلْتُمْ بَلْ تَقَدَّسْتُمْ بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا" (ص 6: 11). لكن نوع هذا الزنى كان نوعاً شاذاً لا يعرف حتى بين الأمم لأنه أمر غير مستساغ أن تكون للإنسان امرأة أبيه.

يظهر أن شخصاً اغتصب امرأة أبيه وعاش معها ويظهر أن أباه كان حياً، والدليل على ذلك أن الرسول يقول في الرسالة الثانية الأصحاح السابع "إِذاً وَإِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ، فَلَيْسَ لأَجْلِ الْمُذْنِبِ وَلاَ لأَجْلِ الْمُذْنَبِ إِلَيْهِ، بَلْ لِكَيْ يَظْهَرَ لَكُمْ أَمَامَ اللهِ اجْتِهَادُنَا لأَجْلِكُمْ" أي أن المسألة ليست اعتداء الرجل على أبيه المذنب إليه لكن على وجود الشر في وسط كنيسة الله.

"أفأنتم منتفخون وبالحري لم تنوحوا": يقول الرسول في (ص 4: 6): "لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ". فكأن بينهم انتفاخ واحد يقول أن تبع بولس العظيم وآخر يقول أنا تبع أبلوس الفصيح وهكذا كان هناك افتخار وانتفاخ وغضوا النظر عن الشر الذي في وسطهم. انتفخوا بالانتساب إلى البشر وتركوا هذا الأمر المشين بدون علاج وكان يجب أن يرفع من وسطهم.

"فَإِنِّي أَنَا كَأَنِّي غَائِبٌ بِالْجَسَدِ وَلَكِنْ حَاضِرٌ بِالرُّوحِ قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِرٌ فِي الَّذِي فَعَلَ هَذَا هَكَذَا بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ- إِذْ أَنْتُمْ وَرُوحِي مُجْتَمِعُونَ مَعَ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ" (ع 3- 5).

لم يكن لديهم ذلك كلام موحى به من الله عن تصرف الكنيسة في مثل هذه الحالة. وبكل أسف حتى الآن توجد كنائس تترك هذا الأمر بدون علاج ويقولون كل واحد مسئول عن نفسه ليمتحن الإنسان نفسه ويتقدم إلى مائدة الرب فإن أكل وشرب بدون استحقاق يأخذ دينونة لنفسه ظانين أن المسئولية فردية فقط. لكن ليس هذا هو المبدأ الإلهي لجماعة الله. سبق أن قال لهم في ص 3: 16: "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" وهيكل الله مقدس. فالمؤمنون في العهد الجديد هم بيت الله وهيكل للروح القدس. وهم جسد واحد- جسد المسيح- وأعضاء بعضهم لبعض. ليس كل مؤمن منفصلاً عن غيره. وهذا الحق مرسوم في عشاء الرب "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد". هذه الحقيقة وإن كان موضعها في العهد الجديد لكن كان لها ظل في العهد القديم.

فشعب الله كان وحدة في نظره، ولما أخذ عخان من الحرام في السر وطمر اعتبر الرب ذلك خيانة من الشعب كله وكسرهم أمام أعدائهم القليلين مع أنه كان قد نصرهم على أريحا المدينة العظيمة الحصينة. فبكوا أمام الرب وقالوا لماذا كسرتنا أمام عاي؟ قال الرب: "قَدْ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ, بَلْ تَعَدُّوا عَهْدِي الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ, بَلْ أَخَذُوا مِنَ الْحَرَامِ, بَلْ سَرِقُوا, بَلْ أَنْكَرُوا, بَلْ وَضَعُوا فِي أَمْتِعَتِهِمْ. فَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. يُدِيرُونَ قَفَاهُمْ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ لأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ, وَلاَ أَعُودُ أَكُونُ مَعَكُمْ إِنْ لَمْ تُبِيدُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ" (يش 7: 11، 12).

ويقول الرب: "وتكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لا 11: 44). ويقول الرسول بطرس في العهد الجديد " بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَباً الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ" (1 بط 1: 15- 17). يا أحبائي توجد مسئولية فردية كنسية. يعترض البعض علينا قائلين لماذا لا تسمحون لنا بالاشتراك معكم في مائدة الرب؟ أليست هي مائدة الرب وليست مائدتكم أنتم؟ ألسنا نحن مؤمنين ولنا حق في الاشتراك في مائدة الرب؟

لكن الحقيقة أن الذين يشتركون في مائدة الرب هم جسد واحد، وخطية الرفد تُنسب للجماعة وعلينا أن نلاحظ بعضنا بعضاً لكي ننقي الخمير من بيننا- سواء في السلوك أو في التعليم. إن كانت خطية الفرد سرية لا يعرفها أحد تكون المسئولية شخصية إذا اشترك بدون استحقاق فإنه يأكل ويشرب دينونة لنفسه (1 كو 11) لكن إن عرفت وكشف الرب الخطية للجماعة وسكتت الجماعة فالتأديب يقع على الجماعة أيضاً من أجل تساهلها في ترك الخمير في فرد من جماعة الرب وأساس ذلك هو وحدة المؤمنين كجسد المسيح.

في هذا الأصحاح نرى مبدأ التأديب الكنسي. وقد سبقت الإشارة إلى هذا المبدأ على لسان الرب يسوع المسيح له المجد في مت 16 عندما اعترف بطرس الاعتراف الحسن: "«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»، وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" أي أن الرب يحمي كنيسته من الاعتداء من الخارج- (الشيطان وجنوده) والرب أيضاً ينقيها من الداخل. وفي (متى 18: 15- 20): "«وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ.... لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ»".

فالكنيسة تجتمع باسم الرب وبسلطان حضور الرب في الوسط تنصح المخطئ فإن سمع من الكنيسة انتهى الأمر وإن لم يسمع تحكم عليه الكنيسة وإذ تحكم عليه في الأرض يصادق الرب على الحكم في السماء. وإذا تاب ورجع تحله الكنيسة على الأرض ويكون محلولاً في السماء.

أما المفاتيح التي أخذها بطرس فقد فتح بها ملكوت السموات لليهود في يوم الخمسين وللأمم في بيت كرنيليوس. وبعد ذلك كل من يأتي بالإيمان يقبل في ملكوت الله. والسلطان الرسولي بإمساك الخطية على المخطئ هو تأديب زمني كما سبقت الإشارة وقد استخدم بطرس هذا السلطان في حالة حنانيا وسفيرة فسقط كل منهما ميتاً. وهذا السلطان لم يأخذه بطرس وحده لكن أُعطي لبقية الرسل ففي يو 20: 21- 23 نقرأ: " فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»".

هل هذا هو الغفران الأبدي؟ هل كان للرسل سلطان أن يغفروا الخطايا الغفران الأبدي؟ لا. لكن الكلام هنا عن الغفران الزمني حتى لا يقع التأديب على المخطئ. أما الذي له السلطان أن يغفر الخطايا الغفران الأبدي فهو الرب وحده. "لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أع 10: 43). فسلطان الحل والربط الذي كان للرسل وأعطي للكنيسة هو سلطان وقوع التأديب أو رفعه كما أوقع بولس التأديب على عليم الساحر الذي كان يفسد الوالي عن الإيمان وجعله لا يبصر الشمس إلى حين (أع 13). وحيث أنه لا يوجد الآن رسل فلا يوجد إنسان في يده الحل والربط. لكن هذا السلطان في يد الكنيسة مجتمعة باسم الرب يسوع المسيح. إذن لا يوجد تأديب كنسي. تجتمع الجماعة باسم الرب وتصدر الحكم والرب يصادق عليه في السماء. وفي حالة التوبة تجتمع الكنيسة باسم الرب وترفع الحكم والرب يصادق في السماء. وهذا ما حدث في موضوع المخطئ في كنيسة كورنثوس.

لكن بالأسف يا أحبائي لقد أهمل التأديب الكنسي في الجماعات المسيحية الآن ولذلك انتشر الخمير وأصبح الناس يأتون ليسمعوا العظة ويخرجون كما دخلوا وليس من يسأل عن السلوك أو التعليم، ومن غير الممكن أن يبارك الرب جماعة في وسطها خمير من أي نوع.

طأن يسلم مثل هذا الشيطان لهلاك الجسد": هذا الحكم كان بسلطان رسولي وليس من حق أي أحد ولا من حق الكنيسة أن تصدر مثل هذا الحكم الآن فقد انتهى السلطان الرسولي بانتهاء عصر الرسل. يقول الرسول: "فإني أنا كأني غائب بالجسد (لأنه كان في أفسس في ذلك الوقت) لكن حاضر بالروح قد حكمت كأني حاضر. فهنا حكم الرسول بمقتضى السلطان الرسولي الذي أعطاه له الرب.

ويعطينا هنا نص الحكم "باسم ربنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع". توجد سلطة قضائية لإصدار الحكم وتوجد سلطة تنفيذية لتنفيذه.

عندما تجتمع الكنيسة للنظر في قضية أخ وترى عزله هل تقول يسلم للشيطان لهلاك الجسد؟ كلا. هذه العبارة كانت من سلطة الرسول لكن سلطة الكنيسة الآن تنحصر في القول: "فاعزلوا الخبيث من بينكم" (ع 13). فالكنيسة تبرئ نفسها من هذا الرجل الذي أنذرته عدة مرات ولم يسمع والرب يتصرف معه.

ونلاحظ أن الرسول بولس يقول في (2 كو 12: 7) "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ" هذا لم يكن تأديباً على بولس. لكن أحياناً يستخدم الرب الشيطان في وضع المرض على الجسد لغرض في فكره كما في حالة أيوب.

والرجل المخطئ المعاند الذي أنذر ولم يستفد ومرض ولم يستفد ينفذ فيه حكم هلاك الجسد. لكن طالما كان مؤمناً حقيقياً فالروح تخلص في يوم الرب. هل يوجد دليل أقوى من ذلك على أن المؤمن لا يهلك؟؟ كلا. لكن هل في هذا تصريح للمؤمن بأن يخطئ؟ كلا. الذي يخطئ يؤدبه الرب. "ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31). كيف أدّب الرب داود عندما سقط في الخطية؟ هل تساهل معه؟ كلا. لنفترض أنه نما إلى مسامعنا أن أخاً وقع في خطية هل نقول لبعض ونذيع الخبر ونعمل له اجتماعاً خصوصياً ونطلب عزله؟ هل هذه هي الطريقة الكتابية؟ لا. الطريقة الإلهية هي أولاً: عدم إشاعة الخطية. ثانياً: "إن انسبق أحد فأخذ في زلة ما فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة". ويقول الكتاب في موضع آخر "ناظراً إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً". فبالتذلل والانكسار نحاول أن نربح المخطئ "من رد خاطئاً (مؤمناً أخطأ الطريق) عن ضلال طريقه يخلص نفساً من الموت (تحت التأديب) ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20) لأنه لو استمر في هذا الطريق سيؤدب حتى الموت.

فالأخ الذي يسمع في أول الأمر يصلي ويتذلل أمام الرب ويحاول أن يصلح أخاه وإن لم يقدر يحاول الروحانيون أن يصلحوه. ففي الأول يذهب واحد ثم اثنين أو ثلاثة وعندما تفشل هذه الوسائل يعرض الأمر على الكنيسة. على الحكم الذي تصدره الكنيسة ليس انتقاماً وليس المقصود عزلة والتخلص منه ولكن ربح الأخ. إن أمكن ربحه دون إشاعة الأمر فهذا حسن وإن لم يمكن فالكنيسة هي المرجع الأخير عندما يفشل كل علاج وليس أول شيء. والكنيسة لا تصدر حكماً بمجرد سماعها الخبر لكن بعد تقديم النصح والإرشاد. فإذا لم يسمع من الكنيسة تحكم بعزله والسماء تصادق على الحكم.

"لَيْسَ افْتِخَارُكُمْ حَسَناً. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟ إِذاً نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ لِكَيْ تَكُونُوا عَجِيناً جَدِيداً كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ" (ع 6- 8).

"خميرة صغيرة تخمر العجين كله": يقول الرسول في هذا الكلام في (غلا 5: 9) لأنه كان هناك خمير التعليم في خلط الناموس بالنعمة. أما هنا فيقول هذه العبارة خمير الشر الأدبي وكلاهما يخمر الجماعة.

"إِذاً نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ": يرجع بنا هذا الكلام إلى سفر الخروج حيث كان الإسرائيلي يفتش البيت تفتيشاً دقيقاً لكي ينقي كل فتات الخمير لكي يستطيع أن يأكل الفصح مع فطير. والتنقية يلزمها بصيرة حادة ومناظرة لكي تبصر مكان الخميرة لتنقيه.

"لِكَيْ تَكُونُوا عَجِيناً جَدِيداً كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ": المؤمنون حسب مركزهم ومقامهم أمام الله منظوراً إليهم في الطبيعة الجديدة التي أخذوها من الله بالولادة الثانية- طبيعة الله الأدبية.

"لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا": إن كان أكل الفصح الرمزي استدعى بصيرة قوية لتنقية الخمير، فكم بالحري نحن المؤمنون بموت المسيح لأجلنا لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا إذ قدم نفسه مرة واحدة على الصليب فعبرت عنا الدينونة إلى الأبد إذاً فلنعيِّد ونفرح.

هل يوجد عند المسيحيين في العهد الجديد عيد؟ في الواقع نحن في عيد مستمر من وقت أن آمنا بالمسيح فصحنا الذي ذُبح لأجلنا وخلصنا من الهلاك الأبدي. ومفهوم العيد ليس كما عند البعض مجرد فرح وأكل وشرب لكن نعيد بفطير الإخلاص والحق أي ننقي أنفسنا من خمير الشر والخبث، فإن كان الخمير يشير إلى الشر فالفطير يشير إلى الحق. وفي العهد الجديد يذكر عيد الفصح وعيد الفطير باعتبارهما شيئاً واحداً "وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ" (لو 22: 1)، انظر (مر 14: 1).

"كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي الرِّسَالَةِ أَنْ لاَ تُخَالِطُوا الزُّنَاةَ. وَلَيْسَ مُطْلَقاً زُنَاةَ هَذَا الْعَالَمِ أَوِ الطَّمَّاعِينَ أَوِ الْخَاطِفِينَ أَوْ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ وَإِلاَّ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الْعَالَمِ" (ع 9، 10).

ظن الناس أنه توجد رسالة أخرى كتب فيها الرسول هذا الكلام. لكن لا يوجد داع لهذا الفكر على الإطلاق. فقوله في هذا الأصحاح "لَمْ تَنُوحُوا حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسَطِكُمُ الَّذِي فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ؟" (ع 2) يعني لا تخالطوه. وقوله: "نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ" (ع 7) يعني لا تخالطوه. فقول الرسول "كتبت لكم في الرسالة" يقصد هذه الرسالة عينها لا غيرها.

لكن لا يقصد الرسول عدم مخالطة زناة هذا العالم عموماً فقد يكون التاجر الذي أشتري منه حاجتي زانياً والزميل في المكتب قد يكون زانياً هل يمكن عدم مخالطة هؤلاء أو التعامل معهم؟ نحن نتعامل معهم تعاملاً عادياً ومع كل الناس لكن ليست لنا شركة معهم وإلا وجب علينا الخروج من هذا العالم.

"وَأَمَّا الآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخاً زَانِياً أَوْ طَمَّاعاً أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّاماً أَوْ سِكِّيراً أَوْ خَاطِفاً أَنْ لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هَذَا. لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِلٍ. أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللَّهُ يَدِينُهُمْ. فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ" (ع 11- 13).

"إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخاً": أي إن كان واحد في وسطكم محسوباً أخاً منكم فهذا نحن مسؤولون عنه. كان في الكنيسة في البداية أخوة كذبة والرسول يوحنا يقول كانوا معنا لكن لم يستمروا "مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا" (1 يو 2: 19).

فطالما هو موجود بيننا وسمعنا عنه أنه زانٍ أو طماع فلا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. فواجب الكنيسة هو أن تعزله وألا تكون في شركة معه إطلاقاً لأننا إذا ابتسمنا في وجهه يفقد حكم الكنيسة هبته كما يقول الرسول في مناسبة أخرى "سموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل" (2 تس 3: 14)[1] ليست هذه قائمة محددة أي لا يعزل غير هؤلاء. لكن بحسب إرشاد الرب الروح القدس الموجود في وسط الجماعة.

"لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ": الذين من خارج هم خارج دائرة اختصاصنا وليس لنا عليهم سلطان والله يدينهم. نحن نبشرهم ونحاول أن نجذبهم للمسيح. ولكن إن بقوا في خطاياهم فيكونون مسؤولين أمام الله.

يقول البعض أليس مكتوب "لا تدينوا لكي لا تدانوا" (مت 7: 1)؟ المقصود بذلك هو أن لا ندين الغير ونتغاضى عما فينا. يقول الرسول: "أَفَتَظُنُّ هَذَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟" (رو 2: 3). كما انه لا يجب علينا أن ندين البواعث الداخلية فنقول هذا مدفوع بحب الظهور مثلاً لكن ندين الأعمال الظاهرة.

ثم يقول هنا صراحة "ألستم أنتم تدينون الذين من داخل"؟ (ع 12). فهذه مسؤولية الكنيسة وإن لم تقم الجماعة بمسؤوليتها هذه في إدانة مثل هؤلاء تقع تحت طائلة التأديب. والنتيجة النهائية "فاعزلوا الخبيث من بينكم". نقوا الخمير. فليرفع من بينكم الذي فعل هذا الشر. وعندما تعزلونه فيكون هذا ليس بروح الكبرياء لكن بالتذلل والنوح، وليس بروح العداء لكن بروح المحبة والوداعة. ونصلي من أجل هؤلاء لعل الرب يرد نفوسهم.

الرب يحفظنا يجعلنا ساهرين منتبهين لكي نحكم على الشر إذا ظهر في وسطنا ونكون مرضيين أمامه لكي يمطر علينا تعزيات وأفراح السماء.

ولإلهنا كل المجد....

[1]- هذا مكتوب بخصوص الشخص الفضولي الذي لا يريد أن يشتغل.

  • عدد الزيارات: 4207