Skip to main content

الإصحاح الأربعون: أثر كلام الرب على أيوب - دعوة لأيوب لكي يحتل العرش

الصفحة 3 من 5: دعوة لأيوب لكي يحتل العرش

(ع 6- 14) دعوة لأيوب لكي يحتل العرش.

"لعلك تناقض حكمي. تستذنبني لكي تتبرر أنت". وهذا ما فعله أيوب. "هل لك ذراع كما لله وبصوت مثل صوته ترعد. والآن "تزيّن الآن بالجلال والعز والبس المجد والبهاء". زين نفسك بجلال الله إن استطعت.

ها هو أيوب، إنسان حقير بائس مسكين، قد شاع الفساد في كل جسده وراح الدود يتغذى بلحمه قبل موته وصورة من الشقاء والمسكنة لا مثيل لها.

"فرّق فيض غضبك. وانظر كل متعظم وأخفضه، لماذا لا تخفض جميع الناس الأشرار في العالم، وتكسر شوكة المتكبرين؟ "انظر إلى كل متعظم وذله!". إن أيوب لا يستطيع ذلك، ولكنه يعيش متكلاً اتكالاً كاملاً على الله.

ثم نأتي إلى صورة عكسية، ليست صورة الضعف والمسكنة في الإنسان، بل صورة القوة الهائلة في الخليقة الحيوانية. ففي الجزء الأخير من خطابه الأول يتحدث الرب عن حيوانين – مجرد حيوانين لا غير – من الحيوانات البرمائية، أي التي تعيش في البر والماء، فهي ليست من حيوانات الأرض ولا من طيور السماء، بل خليط من الحيوانات التي تستطيع أن تعيش أينما تشاء، على الأرض، أو في البحر على السواء. أولهما "بهيموث". وثانيهما "لوياثان".

ما فتئ الرب يتحدث إلى أيوب من العاصفة، كما ظهر له بهذه الصورة من قبل. وهكذا لا تبرح صورة المجد الإلهي والجلال من أمام أيوب على أننا نستطيع أن نتبين في هذه الدعوة "شد حقويك كرجل" تشجيعاً وتقريعاً. إن الله لا يريد أن يسحق عبده الغبي وإنما هو تعالى يخاطب تفكيره وضميره، لقد تعلم أيوب من قبل – وبدرجة ما عرف – قوة الله وحكمته وصلاحه، لكن حديث الرب معه الآن كان موجهاً بصفة خاصة إلى ضميره. أفهل ينقض ويستنكر دينونة الله البارة ويدين الله لكي يثبت براً بشرياً هزيلاً؟.

فإن هذا في الواقع هو ما يكمن في قاع شكايات أيوب، كان يعاني ذلاً لم يكن يستحقه، كان، وهو الإنسان البار، يعامل كما لو كان شريراً فاجراً. إذاً فلا مفر من استخلاص هذا الاستنتاج – إن الذي يؤدبه ويذلّه بهذه الصورة ظالم! كان أليهو قد صور لأيوب هذه النتائج المرعبة لأفكاره "تبررت والله نزع حقي" (ص 34: 5) "أتحسب هذا حقاً؟ قلت أنا أبرّ من الله" (ص 35: 2). وها هو الرب يريد أن يرسم لأيوب شناعة هذه الخطيئة. فقد زعم أنه يستذنب الله: وعلى أي أساس؟ هل يملك قوة إلهية وجلالاً؟ أو يتكلم بصوت الرعد؟.

إذا كانت لديه هذه المؤهلات فها هو الرب يدعوه أن يحتل مكانه على عرش القضاء الإلهي. ليتشح بثياب الأبهة والنبالة، وليتزين برداء العظمة والجلال، ولتنقض سكائب غضبه على كل متكبر وليخفضه. تهكم لاذع، لكنه مقدس! ومن جهة أخرى هو إلهنا، حق عادل. فما دام أيوب يجلس مستذنباً الله، فمن المحقوق أنه مؤهل لإدارة مصالحه تعالى بطريقة أفضل منه! فيستطيع أن يخمد ثورة أو عصيان الأشرار المتكبرين، ويخفض الناس ويطمرهم في التراب أمامه. فهل تصرف هكذا مع قلبه المتكبر المتمرد؟ هل استطاع أن يذلل حتى أصدقاءه؟ فكم بالأقل العالم بأسره.

هل يمكن أن يقال مثل هذا الكلام عن أيوب "قد عظمت جداً، مجداً وجلالاً لبست، اللابس النور كثوب" (مزمور 104: 1، 2). أو "من يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله (أو يخفضه)" (دانيال 4: 37).

إذا كان الأمر هكذا فإن الرب سيكون أول حامديه، مادحيه، أول من يعترف له بأنه قادر أن يخلّص ويعين نفسه. ولكن هل استطاعت يمينه أن تقبض حتى على العشائر التي نهبت مقتنياته؟ أو أن تحول العاصفة التي جرفت أولاده؟ إنما هو من أسف تناول قطعة من الشقف يحتك بها، وثيابه كانت مسحاً، لا مجداً أو جلالاً وافترش رماد حياة مضروبة ذابلة، لا عرش مجد.

هل هي من الرب قسوة أن يتعامل هكذا مع مخلوق بائس كسير القلب؟ بل دعنا بالحري نتساءل: هل كان من الإشفاق في شيء أن يدعه مستمسكاً بكبريائه كثوب، وأن يفتري على القدير؟ إنما بهذه الطريقة وحدها تخفض الكبرياء. بأن تواجه تفاهتها وخواءها في حضرة وجلال وصلاح الله الذي لا حدّ له. وإلى أن يتعلم أيوب هذا، ويتعلمه تماماً فإن كل افتقادات الله لأيوب في ذله، ومناقشات أصحابه وأليهو: تكون بلا جدوى، ورديئة.

بهيموث – القوة التي لا تقاوم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14174