Skip to main content

الإصحاح الأربعون: أثر كلام الرب على أيوب - بهيموث – القوة التي لا تقاوم

الصفحة 4 من 5: بهيموث – القوة التي لا تقاوم

(ع 15- 24) بهيموث – القوة التي لا تقاوم.

وبهيموث هو المعروف باسم "هيوبوتومس" أو المعروف عند العامة باسم "سيد قشطة" وقد يطلق عليه أيضاً "فرس النهر"، أو ثور النهر والتسمية الثانية هي الأرجح لأنه يشبه الثور أكثر مما يشبه الفرس.

لا شك أن له خصائصه الخاصة التي يتميز بها ولكنه كثير الشبه بالثور من حيث الشكل والعادات والحيوانان المشار إليهما كانا معروفين في مياه نهر النيل وكذلك في بلاد العرب في الصحراء حيث كانت تقطن الشخصيات المتحدثة في سفر أيوب والتي لا بد كانت تعرفهما عن طريق الأخبار إن لم يكن بالزيارة الفعلية لمصر. ولقد أخطأ الكثيرون من العلماء في تفسير المقصود بهما فأطلقوا عليهما أسماء غريبة. فمثلاً: قال البعض أن البهيموث هو الفيل ولكننا إذا قرأنا الوصف نجد أنه لا يشبه الفيل إطلاقاً سوى أنه حيوان ضخم ذو قوة هائلة، أما غير ذلك فلاشيء "هوذا بهيموث الذي صنعته معك، يأكل العشب مثل البقر".

يتضح من هذا أننا على حق في تسميته ثور النهر وليس فرس النهر. "ها هي قوته في متنيه وشدته في عضل بطنه، الذي صنعه أعطاه سيفه (أو منجله – سيف الحصاد)". وهذا بالضبط هو شكل ناب ثور النهر الذي له قوة هائلة في الشق والتقطيع.

"لأن الجبال تخرج له مرعى". فهو يستطيع أن يذهب إلى الجبال إن أرادوا وإلى ما يجاورها أو يحيط بها. "وجميع وحوش البر تلعب هناك، تحت السدرات يضطجع في ستر القصب والغمقة". أي حيث يحلو له. "هوذا النهر يفيض فلا يفر هو. يطمئن ولو اندفق الأردن في فمه".

ها نحن نستمع إلى الرب في تطبيقه درس قوة المخلوق وكبريائه كما نرى في بهيموث ولوياثان. والجزء الذي أمامنا يتناول الحيوان بهيموث الذي يعيش على اليابسة والثاني لوياثان حيوان مائي وهما معاً، يشتملان – رمزياً – الخليقة كلها.

يتفق الدارسون على أن الحيوان الأول هو (ثور النهر) (سيد قشطه) عنوان القوة الجامحة. هو أحد المخلوقات الذي صنعه الله مع أيوب، ولكن ما أرعبه قوة. كل جزء من تشريحه يتحدث عن القوة – متناه وجسمه، ساقاه وعظامه، حتى ذنبه.

كلها تنبئ عن هذه الشدة. فبأسنانه الشبيهة بالسيف والتي زوده بها الخالق يمضغ العشب كالثور، وهو غير مؤذ ما لم يستفزه أحد. لأن جميع الوحوش تلعب في ذات المرعى الواحد هو يرقد في حماية الظل، ليرتاح، لا يخشى شيئاً ولو حاول الفيض الغاضب أن يجرفه. أيؤخذ في شرك مثل الحيوانات الأقل منه؟ أو يؤخذ بحبالة أو بخزامة تثقب في أنفه؟

وبعبارة أخرى هو حيوان غير مروّض، ولا يضبط، ولا نفع منه للإنسان وإنما الوصف كله صورة للقوة المطلقة، مستخدمة لأغراض أنانية. بمعنى أن هذا الحيوان يعيش لذاته ويأبى أن يستغلً الآخرون قوته لخدمتهم.

ومع ذلك فليس هو سوى مخلوق زوده الله بالقوة الخارقة للطبيعة لأغراض كلية الحكمة. ألا فليتأمل أيوب وكل من يثقون بقدرتهم البدنية أو قدرة القلب أو قوة الفكر: ليتأملوا هذا المخلوق الجامح المكتفي بذاته. عندئذ كم تبدو تافهة قوتهم.

ظن البعض أن هذا المخلوق لابد أن يرمز إلى الشيطان، في صفته كالأول بين مخلوقات الله (حزقيال 28) وفي سمو القوة والكبرياء. وهو تعليل يمكن أن يصدّق كذلك على لوياثان في الإصحاح التالي، فالاثنان يمثلان القوة والكبرياء. فليس من الوهم إذاً أن يقول كاتب مثل "وردز ورث" يبدو من المحتمل أن يمثل بهيموث شخصية الشرير عاملاً في عناصر تكوين الإنسان الحيوانية والجسدانية. كما أن لوياثان يرمز إلى الشرير منشطاً كعدوه الخارجي. أي أن بهيموث هو كناية عن العدو الداخلي، ولوياثان عن العدو الخارجي.

ولكن من حيث أن "الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" نستطيع أن نرى في هذين المخلوقين تشبيهاً للناس الأشرار ينشطهم الشيطان ويتحكم فيهم – دون أن ينصرف التشبيه إلى الشيطان ذاته. ولمجرد اقتراح نتساءل عما إذا كنا نرى في بهيموث الذي هو المخلوق البري أو الأرضي صورة "إنسان الخطيئة" أي الوحش الصاعد من الأرض. فهو إذاً رمز لضد المسيح، الأثيم. الذي هو خلاصة كل شر فيما يتعلق بشعب الله المعترف بهم.

على أنه "قد صار الآن" أو "حتى الآن يوجد أضداد للمسيح كثيرون" وقد لا نلمس في هذا المخلوق المرعب "سر الإثم الذي الآن يعمل". ذلك التطور المخيف الذي لابد أن يتطور الشر الذي (وإن كان يدعى ظاهراً بمكانة بين مخلوقات الله العائشة والموجودة لخدمة الإنسان) هو في الواقع يرفع نفسه حتى إلى درجة إنكار كل ما يدعى إلهاً. هذا هو روح ضد المسيح الشائع في اعتراف اليوم من حيث أنه ينكر الآب والابن، والذي يفاخر بكفايته لذاته، وبقوته وبأعماله، عائشاً لنفسه. هذا هو ما يجري اليوم، متغذياً جنباً إلى جنب مع الخراف الرعديدة والثيران الخادمة. لكن يختلف عنها جميعاً كل الاختلاف.

ولا يدهشنا أن يتكلم الله هكذا عن الشر في أيام أيوب الباكرة إذ للخطيئة هذا الطابع منذ البداية، فقط هو يتطور إلى أكمل مظاهر طبيعته بتطور الإعلام. ففيما يتعلق بأيوب إذاً نرى أن بهيموث يمثل مخلوقات الكبرياء التي تزدهر وسط شعب الله المعترف بهم. فإن هو سأل عن صورة أصلية (طبق الأصل) لهذا الحيوان الشرير. فإنه لا يتعزى بالنظر إلى أليفاز أو صاحبيه. لأنه في كبرياء بره الذاتي "مظهراً نفسه أنه إله" سوف يتبين لمحات من هذا الشيء الشرير ظاهرة ناضجة في يوم من الأيام. متطورة إلى أقصى درجات تطور الارتداد المخيف. وياله إعلاناً مرعباً عن شر الكبرياء، إعلاناً حصل عليه أيوب وحصلنا عليه نحن! إن البر الذاتي، السعي وراء مطالب الذات لإرضائها، الكبرياء مسلكاً وطبيعة: ينكر حاجته إلى المسيح وإلى الله. هذه هي الخطيئة في الجسد – فاسدة مرعبة من يذللها، من يخضعها، من يغير طبيعتها؟.

ومع ذلك فقد أمكن السيطرة على بهيموث، ولو عن طريق الإنسان. فإن الله فوق الكل، فقط يوجد الآن "ما يحجز" (2 تسالونيكي 2). فالروح يتحكم في الجسد، يضبطه، وإذ هو ماكث في الكنيسة فلن يسمح للإثم أن يتطور إلى آخر صورة. وكذلك أيضاً – ولو بصورة مخففة – يضبط الروح ويعطل نشاط الجسد "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد".

هكذا الحال في يوم أيوب، فقد كان في مقدوره أن يميز في داخله مبدأً شريراًَ يستطيع الله وحده أن يردعه، مبدأ تعلم أيوب أخيراً أن يرفضه ويحكم على ذاته. بغض النظر عن إحساسه بالثقة في الله، وعن ثمار النعمة في قلبه، على أن هذا سوف يبرز قدامنا بأكثر تفصيل في الصفحات التالية – إن أذن الله - .

معاني الكلمات الصعبة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14178