Skip to main content

جولة سريعة في سفر المزامير

عزيزي القارئ

ليس قصدي أن ندرس سفر المزامير، لكني بنعمة الله أريد أن أقدم إليك هذه الصفحات القليلة كحصيلة لجولة سريعة في ذلك السفر كنت قد تحدثت عنها في بعض خدمات سجلها بعض الأحباء ثم رأيت أن أكتبها في عبارة سهلة بسيطة لكي أشركك معي فيما تمتعت به من لذائذ أثناء جولتي في هذا السفر الثمين الذي هو بحق، كما يصفه الكثيرون، قلب الكتاب المقدس. فنعرف محتوياته والموضوعات الرئيسية فيه، ونتعرف على أهدافه وآفاقه وكيف نستفيد منه ونستخدمه لتسبيح الرب وهو المستحق لكل التسبيح والحمد.

يقول الرب له المجد لتلاميذه بعد قيامته وقبل صعوده "كان يجب أن يتم كل ما هو مكتوب عني في موسى والأنبياء والمزامير" وبهذا يبين الرب أولاً _ إن كل الكتاب هو عنه وأن شخصه له المجد، هو موضوع الكتاب المقدس كله، وكما ورد في سفر الرؤيا من أن شهادة يسوع هي روح النبوة. فإذا أخرجنا الرب يسوع المسيح من النبوة، تصبح بلا روح.

والعهد القديم يشمل ثلاثة أقسام هي موسى (أسفار موسى الخمسة)، والمزامير، والأنبياء وكلها تتكلم عن الرب يسوع المسيح له كل المجد. موسى كتب خمسة أسفار: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية.

وسفر المزامير عبارة عن خمسة كتب وكل قسم منها ينتهي بخاتمة معينة تبين أن هذا هو آخر القسم. أليس هذا أمراً عجيباً أيها القارئ العزيز؟ إننا عندما نقرأ وندرس كلمة الله ونتذوق لذائذها ونكتشف عجائبها تلهج قلوبنا مع المرنم "اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك. والأعجب من تقسيم سفر المزامير إلى خمسة أقسام أو كتب أن كل قسم أو كتاب منها يقابل كتاباً من كتب موسى الخمسة وبنفي الترتيب. فالكتاب الأول يقابل سفر التكوين والكتاب الثاني يقابل سفر الخروج والكتاب الثالث يقابل سفر اللاويين. والكتاب الرابع يقابل سفر العدد والكتاب الخامس يقابل سفر التثنية.

يقول بعض المفسرين أن سفر المزامير هو قلب الكتاب المقدس. لماذا؟ لأنه يتكلم عن مشاعر وعواطف الرب يسوع أولاً، ومشاعر قديسي الرب الذين اجتازوا في الآلام ثم أنقذهم الرب منها ويتكلم أيضاً عن مشاعر البقية التقية في الضيقة العظيمة في مستقبل الأيام.

فالرب يسوع المسيح له كل المجد تألم في هذا العالم وأهين وحمل أسقامنا وأمراضنا. ماذا كانت مشاعره؟ في الأناجيل نرى أن الرب شفى الرجل الذي كان أعقد أي أخرس وأصم. والرب لم يشفه بقدرته فقط بل شاركه بعواطفه: إنسان خلقه الله. لماذا خلقه؟ لكي يسبحه. لكن هذا الإنسان الذي أتى أمام الرب كان أخرس لأن الخطية جعلته هكذا. ثم إن الله خلق الإنسان أيضاً لكي يسمع كلامه ولكن هذا الإنسان كان أصم لا يسمع لأن الخطية جعلته هكذا فتألم الرب لحال هذا الإنسان وأن المرأة المنحنية قبل أن يشفيها الرب قال لها إذ رقت عواطفه إليها يا امرأة أنت محلولة من ضعفك. كان قصد الله أن يكون الإنسان وجهه إلى أعلا وليس إلى أسفل بينما نجد أن كل البهائم وجهها إلى أسفل ولا يوجد بين خليقة الله ما يرفع وجهه إلى أعلا سوى الإنسان. لكن هذه المرأة كانت منحنية ووجها إلى أسفل، وكم من أناس بعمل الشيطان، يجعلهم منحنين، وبدلاً من أن يرفعوا عيونهم إلى أعلا ليروا الله فإنهم يخفضون وجوههم إلى أسفل فلا يرون سوى الظروف وما حولهم فيضعفوا وينحنوا.

كما أننا نرى في سفر المزامير مشاعر الرب الداخلية عندما ذهب إلى المحاكمة. ثم إلى الصلب وكل الإهانات التي وجهت إليه والآلام التي قاساها من ثقب يديه ورجليه إذ دقوا فيها المسامير ثم علقوه على الصليب.

ففي الأناجيل نقرأ أنهم أهانوه واحتقروه واستهزأوا به أثناء محاكمته كما دقوا في يديه ورجليه المسامير وعلقوه على الصليب. هذه الحوادث مذكورة في الأناجيل ولكن من المزامير نعرف مشاعر قلب الرب يسوع وأحاسيس نفسه من القول "إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاص عن كلام زفيري. إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل أدعو فلا هدوء لي وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل إليك صرخ آباؤنا صرخوا فنجيتهم إليك صرخوا فنجوا عليك اتكلوا فلم يخزوا. أما أنا فدودة لا إنسان (مز 22: 1 _ 6). هذه المشاعر الداخلية لا نجدها في الأناجيل بل في المزامير التي تكشف لنا قلب الرب وشدة آلامه فيعبر عنها بمثل هذه التعبيرات "إلهي إلهي ...."

فنرى في سفر المزامير عواطف الرب وأيضاً عواطف المنسحقين والمتألمين الذين سكبوا قلوبهم أمام الرب كما نجد كلمات التشجيع مثل توكل على الرب. انتظر الرب واصبر له ولا تغر لفعل الشر.

كما أننا نجد في المزامير اختبارات الإفراد الذين عبروا عن مشاعرهم في ضيقاتهم وكيف تدخل الرب وخلصهم وهذا يشجعنا لكي نتمثل بإيمانهم ونستفيد من اختباراتهم.

ولكن هناك مزامير لا تنطبق إلا على شخص الرب له كل المجد. فإذا سألنا كيف كتبها كاتبوها طالما أنها لا تنطبق على اختباراتهم؟ نجد الجواب في قول الرسول بطرس "الأنبياء الذين تنبأوا باسم الرب لم يكونوا يعرفون ما يدل عليه روح الرب الذي فيهم لكنه قال لهم أنه ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور.

فمثلاً مزمور 22 الذي اقتبسنا منه سابقاً القول إلهي إلهي لماذا تركتني يقول فيه أنك لم تترك واحداً ممن طلبوك.. كل الذين اتكلوا عليك نجيتهم إذن هذا لا ينطبق على داود ولا ينطبق على أي شخص آخر غير شخص الرب ويقول أيضاً ثقبوا يدي ورجلي. هل يوجد أحد من الأنبياء ثقبوا يديه ورجليه؟ كلا. وفي مزمور 69 يقول "في عطشي يسقونني خلاً وفي مزمور 22 يقول يبس حلقي فالمشاعر الداخلية هذه لا تنطبق إلا على شخص الرب له كل المجد.

كما أن المزمور الأول لا ينطبق بالتمام إلا على شخص الرب يسوع المسيح لأنه لا يوجد أحد لم يسلك قط في مشورة الأشرار. لو كان الوحي قال طوبى للرجل الذي لا يسلك في مشورة الأشرار فإنه يصبح من الممكن أن أحد المؤمنين لا يسلك في مشورة الأشرار لكن المزمور يتكلم عن شخص لم يسلك قط وفي طريق الخطاة لم يقف قط وفي مجلس المستهزئين لم يجلس قط.

إذن من هو هذا الشخص الكامل الذي له هذه الصفات؟ هو الرب يسوع المسيح له كل المجد.

والعجيب أن المزمور الأول يبدأ بكلمة طوبى. أي سعيد ومغبوط ومبارك "الرجل". وهذا المزمور يرينا الله يبارك الإنسان ويريه طريق البركة أما المزمور الأخير مز 150 فيرينا كل نسمة فليتبارك الله. كل خليقة الله تباركه وتسبحه.

داود المرنم العظيم.. وترنم اسرائيل الحلو يقول افتح فمي لينطق بتسبيحك لكن ما الذي قفل فمه؟ الخطية. فنسمعه في مزمور 32 يقول "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله" وفي هذا نجد اختبارات الإنسان.

أما الرب له كل المجد فليست له اختبارات خطية ولا سقوط لكن هذه نجدها في اختبارات داود وفي غيره من رجال الله كما نجد اعترافاتهم بأخطائهم وقبول الله لهم. أما الرب يسوع القدوس الذي بلا خطية فنجد فيه كل كمال.

عندما تكلم بطرس الرسول عن قيامة الرب قال أقامه الله من الأموات ويستشهد بما جاء في مزمور 16 "لم تترك نفسي في الهاوية لم تدع تقيك يرى فساداً ثم يقول إن رئيس الآباء داود رأى جسده فساداً إذ قد ترك جسده في القبر ليذبل ويفسد ولكن القول "لم ير جسده فساداً" لا ينطبق إلا على الرب يسوع المسيح وحده. ويتكلم داود أيضاً عن صعوده "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك".

قام المسيح من الأموات ولما قام أرسل البشارة إلى تلاميذه "اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وهذا هو إتمام لما ورد في مزمور 22" اخبر باسمك إخوتي وفي وسط الجماعة (الكنيسة) اسبحك وهذا ينطبق على شخص الرب وهكذا نرى أن كل خطوات مصورة في المزامير.

  • عدد الزيارات: 7096