Skip to main content

الفصلُ التاسِع "عِظامٌ يابِسة"

هُناكَ العديدُ من رُعاةِ الكنائس الذين قضُوا حياتَهم وهُم يعِظُونَ بكلمةِ الله، يُحبُّونَ عظةَ حزقِيال التي ألقاها في حقلِ مقبَرةٍ جماعيَّة، لربَّما كانت مكاناً تمَّ فيهِ ذبحُ العديد من شعبِ الله. نقرأُ أنَّ حزقِيال اقتِيدَ إلى وادٍ مملووءٍ بالعظام اليابِسة (حزقِيال 37). فكانت مُهمَّةُ حزقِيال التي أعطاهُ إيَّاها اللهُ أن يتنبَّأَ ويعِظَ لهذه العظام.

مجازِيَّاً، هذا هو التحدِّي الذي غالِباً ما يشعُرُ بهِ القسِّيسُ عندما يقِفُ لِيَعِظَ على المِنبَر صباحَ الأحد أمامَ مُستَمِعيه. قالَ أحدُ رُعاةِ الكنائِس أنَّهُ عندما سيرجِعُ يسوعُ المسيحُ، سيكونُ أعضاءُ كنيستِهِ أوَّل من سيُلاقي الربَّ في الهواء، لأنَّ بُولُس كتبَ يقول، "والأمواتُ في المسيح سيقومونَ أوَّلاً" (1تسالونيك 4: 16). قد يتساءَلُ الواعِظُ أحياناً، أتَحيا هذه العِظام؟ وهل سيكونُ بإمكانِهِ أن يعِظَ بطريقةٍ تجعلُ الحياةَ الروحيةَ تسري فيهِ وفي عِظَتِه، وتنتَقِلُ إلى حياةِ مُستَمِعيه؟

عندما أطاعَ حزقِيالُ أمرَ الله بأن يتنبَّأَ على العظامِ اليابِسة، نقرأ، "فقالَ لي يا ابنَ آدَم أتحيا هذه العظام. فقُلتُ يا سيِّدُ الرب أنتَ تعلَمُ. فقالَ لي تنبَّأْ على هذه العِظام وقُلْ لها. أيَّتُها العظامُ اليابِسة اسمَعي كلمةَ الربّ. هكذا قالَ السيِّدُ الربُّ لهذه العظام. هأنذا أُدخِلُ فيكُم رُوحاً فتَحيَون" (حزقِيال 37: 3-5).

  ويُمكِنُنا القول روحيَّاً ومجازِيَّاً أنَّ شعبَ يهوذا كانوا عظاماً يابِسة. وكانَ التحدِّي الذي وضعَهُ اللهُ أمامَ النبي حزقِيال هو التالي: يا حزقِيال، أتَحيا هذه العِظامُ؟ نرى اللهَ يتحدَّى أنبياءَهُ في كَلِمَتِهِ حِيالَ رُؤياهُم الروحية. فالآن لا نرى حزقِيالُ يُجيب، "نعم، لديَّ كُلُّ الإيمان بأنَّ هذه العِظام ستحيا،" بل يقولُ، "أنتَ تعلَمُ أيُّها السيِّدُ الربّ." فحزقِيالُ لم يُلزِم نفسَهُ أمامَ الله لأنَّهُ لم يُؤمِن حقَّاً أنَّ العظامَ مُمكِن أن تحيا. فإذا باللهِ يقولُ له، "تنبَّأ على هذه العِظام."

  فبدأَ حزقِيالُ بالتنبُّوءِ على العِظام. وبعدَ تنبُّوئهِ عليها، قالَ حزقيال أنَّهُ سمِعَ صوتاً، وإذا رعشٌ فتقارَبَتِ العظامُ كُلُّ عظمٍ إلى عظمِه. وبعدَ أن تقارَبتِ العِظامُ كُلٌّ إلى عظمِهِ صارَ لدي حزقيال جُمهورٌ من الهياكِل العظميَّة، بدونِ لحمٍ ولا جلد. فأُمِرَ حزقيالُ ثانيةً، "تنبَّأْ!" وبينما أخذَ حزقِيالُ يتنبَّأُ، إذا بالعَصَبِ واللحمِ كسا العِظامَ وبُسِطَ الجِلدُ عليها.

  عندما أصبَحَ لدى حزقِيال هذا الجيش من الهياكِل العظميَّة التي كساها اللحمُ والجِلد، لم يكُن بعد قد وجدَ جواباً على سُؤالِ الله، "أتَحيا هذه العِظام؟" فتلكَ الجُثَث كانت لا تزالُ ميِّتَةً أمامَه. ولم يكُن فيها روح. فأتى الأمرُ من الله، "تنبَّأَ للروح." في الكتابِ المقدَّس، كلمةُ ريح، نَفَس، ورُوح، يُعبَّرُ عنها بالعبارَةِ نفسِها. والرُّوحُ هُنا هو الروحُ القُدُس. هُنا نجِدُ مبدأً عظيماً نراهُ في كلمةِ الله بأكمَلِها: وهو أنَّ الواعِظَ بدونِ الروحِ القُدُس يُحاوِلُ المُستَحِيل.

  وكُلُّ نَبِيٍّ صادِقٍ يعرِفُ أنَّهُ إن لم يأتِ الروحُ ويرفَعُهُ ويضعُ عليهِ يدَ المسحة والقُوَّة، فكُلُّ ما يُحاوِلُ عملَهُ سيكونُ مُستَحِيلاً. وهكذا فعندما تنبَّأَ حزقِيالُ للروح، دخلَ الروحُ في هذهِ الجُثَث فقاموا على أقدامِهم وأصبحوا جيشاً عظيماً.

فالتطبيقُ الأساسيُّ لما كُلِّفَ حزقِيالُ بالوعظِ بهِ كانَ التالي: اللهُ يقول لِشعبِهِ، "أنا قادِرٌ وسوفَ أردُّكُم من سَبيِكُم. أنا قادِرٌ وسوفَ أُرجِعُكُم من بابِل إلى أرضِكُم. وسوفَ أُعيدُ لكُم ثرواتِكُم."

والتطبيقُ الثاني لهذه الرسالة العظيمة لحزقِيال يُعطينا صُورةً عما هو مُتضمَّنٌ في هذه الخدمة العظيمة في بناءِ الكنيسة اليوم. فالوعظُ بالإنجيل هو الذي يبني الكنيسة. فالعِظامُ اليابِسة تُشيرُ إلى الهالِكين. يُوجدُ أكثر من ستَّة بلايين نسمةَ على وجهِ الأرضِ اليوم، ومُعظَمُهم ضالُّون هالِكون. فكم من هؤلاء البلايين الستة يعرِفونَ عن يسوع المسيح؟ وكم منهُم أحياءٌ معَ المسيح؟ وكم منهُم يعرِفُونَ ماذا يعني أن يسكُنَ الروحُ القُدُس فينا ويُجدِّدَنا؟ قليلونَ جدَّاً جدَّاً. هذا هو التحدِّي  الذي يُواجِهُ الكنيسة اليوم. فالتطبيقُ التعبُّدي لعظةِ حزقِيال للعظامِ اليابِسة هو التحدّي التالي: هل تستطيعُ كنيسةُ يسوع المسيح أن تتحرَّكَ بِقُوَّةِ الروحِ القُدُس لتُطبِّقَ المأمُوريَّةَ العُظمى، وتُوصِلَ إنجيلَ يسوع المسيح إلى الهالكين في هذا العالم؟

هل أنتَ جزءٌ من هذه العظام اليابِسة؟ هل أنتَ هالِكٌ لأنَّكَ لم تسمَعْ ولم تُؤمِن أبداً بإنجيلِ الخلاص؟ هل تنطَبِقُ هذه الرسالةُ عليكَ، لأنَّكَ تبدو حيَّاً ولكنَّكَ لا تملِكُ الحياة الحقَّة؟ هل لديكَ رُوحُ الله في حياتِكَ وخِدمَتِك؟ مهما كانت ظُروفُ حياتِكَ صعبَةً، فعلى الأرجح لن تكونَ صعبةً بمقدارِ صُعوبَةَ ظُروفِ حزقِيال التي واجهها كُلَّ يوم. فإن كانَ اللهُ قادِراً أن يجعَلَ العظامَ تحيا أمام حزقِيال، فإنَّهُ قادِرٌ أن يعملَ هذا لكَ ولي اليوم.

فإن كانَ الروحُ يحيا فيكَ، فماذا تفعلَ لكي تبنِيَ الكنيسة؟ لا تحتاجُ أن تكونَ واعظاً لكي تُعلِنَ الإنجيلَ لشخصٍ آخر. كُلُّ ما تحتاجُهُ هو أن تُؤمِنَ أنَّ روحَ الله سوفَ يمسَحُ كلمةَ الله عندما تُشارِكُها معَ الآخرين. يُقال أنَّ المُبَشِّر هو شحَّادٌ يُخبِرُ شحَّاداً آخر عن مكانِ وُجودِ الخُبز. فإن كُنتَ واحداً من الشحَّادين الذي يُخبِرُ شحَّاداً آخر عن مكانِ وُجودِ الخُبز، فعليكَ أن تفهَمَ روحيَّاً قُوَّةَ هذا الدَّمج ما بينَ الصلاة والكِرازَة بالكلمة.

في الإصحاحِ الثاني من سفرِ أعمالِ الرسُل، نجدُ أنَّ الرُّسُل عاشوا معاً في مُجتَمَعٍ رُوحِيٍّ مُشتَرَك. ولقد شارَكُوا مُمتَلَكاتِهم وتناولوا الطعامَ جميعاً معاً. لقد مارَسوا الإشتراكِيَّة الحقَّة. فأصبَحَ الرُّسُلُ يخدِمونَ موائد، مما صرفَ انتباهَهم عن خدمتِهِم الرعوية. فاتَّخَذُوا قراراً مُهِمَّاً، وانتخَبُوا لهُم شمامِسةً للمرَّةِ الأُولى وقالوا لهُم أن يهتَمُّوا هم الشمامسة بخدمةِ الموائد، لكي ينصَرِفَ الرُّسُلُ إلى الصلاة وخدمةِ الكلمة. ولقد باركَ اللهُ قرارَهم إذ انصرفَ الرُّسُلُ إلى الصلاةِ والكِرازةِ بكلمةِ الله.

هذا هو الدمجُ نفسُهُ الذي نجِدُ حزقِيال يستخدِمُهُ في وعظِه. قالَ أحدُهُم أنَّنا عندما نجتَمِعُ معاً، إن لم يتغيَّر أحدٌ، فهذا يعني أن شيئاً لم يحدُثْ. فإن كُنَّا فقط نكرِزُ بالكلمة، سنكونُ فقط نُعطي معلومات، ولكن لن يحدُثَ شيءٌ للَّذِينَ يسمَعون. ولكن إن كُنَّا نتبَعُ مِثالَ حزقِيال والرُّسُل، فسوفَ نكتَشِفُ أنَّهُ إن كانت خِدمتُنا تقومُ أوَّلاً على الصلاة، ثُمَّ على خدمةِ الكلمة، فإنَّ شيئاً ما سيحدُثُ. وسوفَ تتغيَّرُ حياةُ الذين يسمَعُونَنا للأبد.

عندما تُعلِنُ الأخبار السارَّة التي يُعطيكَ إيَّاها اللهُ، وعندما تتنبَّأُ للعظام، تنبَّأْ أيضاً لنَفَسِ الحياة، وتنبَّأْ للروح. وانظُرُ إلى الله، طِوالَ الوقت الذي تعظُ فيهِ، طالِباً القُوَّةَ والمسحةَ من الروحِ القُدُس أن تأتي على وعظِكَ، وعندما تحِلُّ قُوَّةُ الله، عندها تحيا العِظام.

  • عدد الزيارات: 4471