Skip to main content

الدرس الرابع والثلاثون: أومن بالروح القدس

عندما نشرع بدراسة المعتقدات الكتابية نستطيع أن نُقسمها إلى ثلاثة أقسام: 1- فيما يتعلق بإيماننا بالله الآب خالق السماء والأرض، 2- فيما يتعلق بابن الله يسوع المسيح الذي جاء إلى العالم لتتميم الفداء، 3- فيما يتعلق بالروح القدس وبسائر النعم والبركات التي يأتي بها روح الله القدوس لسائر الذين يخضعون له ويؤمنون بالفادي ويصبحون عبيدا لله. وفي الدروس الكتابية التي شرعنا بدراستها تعلمنا عن إيماننا بالله الآب وكذلك انتهينا في درسنا الماضي من دراستنا لعقيدة  الابن وبأنه سيعود في نهاية التاريخ البشري إلى العالم لإظهار نظام ملكوته الأبدي ولدينونة الجميع ولفصل الأبرار عن الأشرار بصورة نهائية. وسائر هذه المعتقدات الكتابية إنما لخصها لنا آباء الكنيسة في العصور القديمة فيما نُسمِّيه عادة بقانون الإيمان الذين يدين به جميع مسيحيو العالم إن كانوا بالحقيقة أوفياء وأمناء لربهم ومخلصهم والكلمة المقدسة.

أما اليوم فإننا نأتي إلى دراستنا لموضوع الروح القدس وهو الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس. وفي نص قانون الإيمان نقول ونعترف: وأومن بالروح القدس الرب المحيي أي أننا لا نكتفي بالإعتراف بالآب الخالق والابن الفادي بل أيضا بالروح القدس الذي يصلنا بالآب والذي يجعلنا نكسب شخصيا جميع نعم الله وخاصة فوائد الفداء العظيم الذي أتمه المسيح يسوع على الصليب.

وأثناء حياة الرب يسوع المسيح على الأرض تكلم له المجد عن الروح القدس وأخبر تلاميذه الأوفياء بأنهم لن يكونوا وحيدين أثناء عملهم التبشيري الخلاصي بل إن روح الله القدوس سيكون معهم وبذلك يكون المسيح ذاته معهم بصورة حقيقية وروحية وإن لم تكن جسدية. قال السيد المسيح قُبيل موته على الصليب لتلاميذه:

" لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن اُنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أُرسله إليكم ومتى جاء ذاك يُبَكّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر فلاني ذاهب إلى أبي ولا تَرونني أيضا، وأما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين.

" إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يُرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يُمجدُّني لأنه يأخذ مما يأخذ لي ويُخبركم. كل مل للآب هو لي قُلتُ أنه يأخذ مما لي ويُخبركم" (الإنجيل حسب يوحنا 16: 7- 15).

وإيماني بالروح القدس إنما يساعدني جدا لأنه بواسطة ذلك إنما أنال من الله اليقين التام بأن الروح القدس يُعطى لي ليجعلني شخصيا مشاركا للفداء والخلاص اللذين كسبهما لنا ربنا وفادينا يسوع المسيح. بدون شهادة الروح القدس ضمن قلوبنا بأننا قد نلنا الخلاص لا نستطيع أن نتمتع بالفرح الروحي العميق الذي ينبعث من الخلاص لأننا نحتاج إلى من يشهد مع ضمائرنا بأننا قد نلنا الخلاص لأن شعورا شخصيا محضا بدون شهادة روح الله القدوس هو غير كاف. الروح القدس هو الذي يمكنني من الإيمان بالمسيح إيمانا خلاصيا. عندما أومن بالمسيح وأشعر بأنني قد خلصت من خطايا عليّ أن أُرجع ذلك لا إلى اجتهادي الخاص ولا إلى رغبة طبيعتي البشرية الساقطة الملوثة بالثورة والعصيان، بل إلى روح الله القدوس. إن كتابات الرسل القديسين مُشبعة بالتعاليم العديدة عن عمل الروح القدس في قلوب الناس أفراد وجماعات وذلك يتفق بصورة تامة مع نبوة المسيح التي قرأناها منذ لحظات بخصوص إرساله الروح القدس المعزي لتعاليم التلاميذ ولإعطائهم الإنجيل بعد صعوده إلى السماء. لأنه بدون الروح القدس ليس هناك أي عمل روحي ولا خلاص ولا كنيسة. " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أعمال الرسل 1: 8).

وهكذا فإن الكنيسة المسيحية في العصور الأولى دَعَتْ السفر الثاني الذي كتبه الطبيب لوقا بسفر الأعمال أي أعمال الرب يسوع المسيح المنتصر، بواسطة الروح القدس. وطبعا من الناحية البشرية الثانوية كانت تلك الأعمال هي أعمال رسل المسيح ولذلك يدعى السفر في كثير من الأحيان كما هي الحالة في الكتاب المقدس بلغتنا العربية باسم أعمال الرسل. ولكنه يجب علينا ألا ننسى هذه الحقيقة الهامة بأنه لولا الروح القدس الذي حل على التلاميذ في يوم الخمسين أي بعد عشرة أيام من الصعود أو خمسين يوما م القيامة لما استطاع هؤلاء الجليليون بأن يُجابهوا زعماء اليهود غير المؤمنين بالمسيح وإمبراطورية رومية الكبيرة وأن يؤسسوا بالرغم من عَداوة الناس الشديدة لهم كنيسة مسيحية مؤمنة في قلب المدينة المقدسة وفي سائر أنحاء العالم المتوسط، وحتى في العاصمة رومية. وفي هذا العصر الذي أُلِّهت فيه المادة الصماء العمياء علينا نحن المؤمنين أن ننادي بالروح القدس الرب المحيي ولكننا لا نقدر أن نقوم بذلك إن لم نكن قبل كل شيء قد خضعنا له خضوعا تاما وسمحنا له بأن يستلم زمام حياتنا لنكون دوما تحت قيادته ولننال تلك القوة الروحية الشديدة التي هي أشد فعالية من القوى المهلكة المنبعثة من التجارب النووية.

وهذه بعض الآيات الكتابية التي تُرينا أهمية عمل الروح القدس في قلوب المؤمنين:

قال الرسول بولس في رسالته إلى مؤمني رومية منذ نحو ألفي سنة:

" نفتخر أيضا في الضيقات عالمين أن الضيق يُنشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يُخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (5: 5).

وفي رسالته الثانية إلى مؤمني كورنثوس قال الرسول بولس:

" ولكن الذي يُثبتنا معكم في المسيح وقد مَسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضا وأعطى عُربون الروح في قلوبنا" (1: 21و 22).

  • عدد الزيارات: 2813