Skip to main content

الدرس السادس والثلاثون: الكنيسة المسيحية

بعد أن نعترف بإيماننا بالله الواحد المثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس نأتي إلى اعترافنا في قانون الإيمان المسيحي بالكنيسة المسيحية، فنقول: أومن أو اعترف بكنيسة واحدة جامعة مقدسة ورسولية. وعلينا أن نذكر توا أن الروح القدس هو الذي يوجِد الكنيسة المسيحية إلى الله، وبدون عمل الله الخاص لما كانت هناك كنيسة. لِنبقي هذا الأمر في عقولنا ونحن نبحث في موضوع الكنيسة المسيحية لئلا نتصور بأنها مؤسسة ذات طابع بشري محض.

ما هي الكنيسة المسيحية أو الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة والرسولية حسب قانون الإيمان؟ إن الكنيسة هي جماعة المؤمنين والمؤمنات بالمسيح يسوع في سائر بلدان العالم وفي جميع أجيال التاريخ منذ بدء العالم إلى نهايته. إن المسيح يسوع ذاته هو الذي يَجْمعُهم أي يجمع المؤمنين ويعترف بهم كخاصته ويقودهم إلى الحياة الأبدية. وفي هذا نرى العلاقة الشخصية الحيوية الواقعية بين المؤمن والسيد المسيح يسوع تلك العلاقة التي ترتكز على إيمان شخصي وحيّ لا على مجرد اعتقاد عقلي ولا على مجرد وراثة عادات أو تقاليد مسيحية مهما كانت ذات أهمية. وقد قال السيد المسيح له المجد عن المؤمنين به أي عن أعضاء كنيسته الحقيقيين عبر القرون وفي شتى الأقانيم:

" أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف... إني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب. وأنا أضع نفسي عن الخراف ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد" (الإنجيل حسب يوحنا 10: 11و 14- 16).

وفي سفر الرؤيا كتب الرسول يوحنا عن جماعة المؤمنين أي عن سائر أعضاء الكنيسة:

" بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يَعُدَّه من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سُعف النخل وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والكائنات الحية الأربعة وخرُّوا أمام العرش على وجوههم وسجدوا قائلين: آمين. البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين، آمين.

وأجاب واحد من الشيوخ قائلا لي: هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومِن أين أتوا؟ فقلت له: يا سيد أنت تعلم. فقال لي: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف، من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم" (7: 9- 17).

وكون يسوع المسيح ذاته أساس الكنيسة واضح من التعاليم الكتابية الآتية:

من رسالة بولس الأولى إلى أهل الإيمان في كورنثوس وهي مدينة في جنوبي بلاد اليونان:

" فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الذي وُضِع الذي هو يسوع المسيح" (3: 11).

خاطب الرسول بولس أهل الإيمان في مدينة أفسس بآسيا الصغرى قائلا:

" أما الآن ففي المسيح يسوع، أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين قد صِرتم قريبين بدم المسيح... فلستم إذا بعد غُرباء ونـزلاء، بل أنتم مواطنوا القديسين ومن أهل بريت الله وقد بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء، والمسيح يسوع نفسه حجر الزاوية..." (2: 13و 19و 20).

وكذلك تكلم الرسول عن الموضوع ذاته في مكان آخر من الرسالة إلى أفسس قائلا:

"إن الرب واحد والإيمان واحد والمعمودية واحدة والإله والآب واحد للجميع وهو فوق الجميع وبالجميع وفي الجميع" (4: 5و 6).

ونظرا لكون الرب يسوع المسيح غير قابل للتجزؤ أو التقسيم فإن أعضاء جسده أي المؤمنين به إيمانا حقيقيا خلاصيا يُشكلون أيضا جسدا واحدا وكنيسة واحدة بالرغم من كثرة الأقاليم والبلاد التي تُوجد فيها الكنيسة. وكل انقسام في الكنيسة المنظورة أي الكنيسة كما نشاهدها في مجرى التاريخ لا يعود إلى الرب يسوع المسيح بل إلى أعضاء الكنيسة الذين هم غير متفقين على الخضوع التام والمطلق لسيد الكنيسة  الوحيد بواسطة كلمته المقدسة والروح القدس. وأحسن طريقة لتوحيد الكنيسة المنظورة(وهذا يعني طبعا الطريقة الكتابية المبنية على كلمة الله لا على مهارة الإنسان وحكمته) هي بالعودة التامة إلى تعاليم كلمة الله تلك التعاليم التي لا تتغير ولا تتبدل مهما تبدلت ظروف وأحوال هذه الحياة.

أما كون الكنيسة جامعة فإن هذا يدل على أنها ليست منحصرة بمكان واحد ولا مُلك لشعب واحد أو لعنصر واحد. إن الله هو حسب تعليم الرسول بولس في الرسالة إلى رومية:

" هو رب واحد للجميع وغني لجميع الذين يدعون به، لأن كل من يَدعو باسم الرب يَخلص" (10: 12).

وهذا ما يفسر لنا أن الكنيسة لم تنحصر منذ أوائل عهدها في الأراضي المقدسة بل ذهبت إلى سائر أنحاء المعمورة تُنادي بخلاص الرب وتدعو الجميع للإيمان برب الكنيسة ومخلصها.

أما معنى كلمة مقدسة فإن ذلك يدل على أن الله يدعو الخطاة إلى الإيمان بيسوع المسيح وكل المؤمنين يُصبحون مقدسين ومبرَّرين فيتمجد الله فيهم. القداسة تعني الفرز التام عن الخطية وعن كل شر والابتعاد عنهما بشكل مستمر وكذلك تعني الإمتلاء بالأمور الحسنة والجيدة التي يأمر بها الله والتي يمنحها الروح القدس للمؤمنين. وهذا ما كتبه لنا الرسول بولس في رسالته إلى أفسس:

" ... أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ليقدسها، وقد طهَّرها بغسل الماء بالكلمة، ليقدم الكنيسة لنفسه، مجيدة لا دنس فيها ولا غصن ولا شيء مثل ذلك بل لكي تكون مقدسة ولا عيب فيها" (5: 25- 27).

  • عدد الزيارات: 2793