Skip to main content

الدرس التاسع والثلاثون: مغفرة الخطايا- الجزء الثالث

عندما ابتدأنا بدراستنا لموضوع مغفرة الخطايا لاحظنا أن هذا الأمر هو غير طبيعي بالنسبة للإنسان أي الإنسان في حالته الحاضرة كما هو تحت تأثير الخطية. لا يغفر الإنسان خطايا الآخرين ولا خطاياه ولا ينساها. الغفران إذن أمر إلهي لا بشري فعندما يغفر الله خطية الإنسان يستطيع هذا الإنسان أن يشعر بالغفران وكذلك أن يغفر خطايا الآخرين وينساها. ونظرا لأن هذا الأمر هو مخالف ومضاد لحالة الإنسان الطبيعية فإننا أتينا إلى البحث في موضوع الصعوبات التي تعترض سبيل الغفران. ووصلنا في درسنا السابق إلى القول بأن واجب الإنسان قبل كل شيء أن يؤمن بكلمة الله وبمواعيدها التي تَذكرُ الغفران قبل أن يشعر بالغفران داخل نفسه. يأتي الإيمان قبل الإحساس. هذا هو الترتيب الإلهي. تُبْ وآمن بالمسيح يسوع فتنال مغفرة خطاياك.

نستمر الآن في بحثنا في الموضوع ذاته نظرا لأهميته القصوى في حيانا فنقول: إن مغفرة الخطايا التي يعدنا بها الله في خبره المفرح أي في إنجيله ليست بمعزل عن بقية أمور الله التي يأمرنا بها في كلمته. من يود أن ينال الغفران وأن يستمر في نفس الوقت على خطاياه أو أن يحيا حياة الإهمال لا يكون بالحقيقة قد فهم المبادئ الأولى المتعلقة بالحياة الجديدة التي تبدأ بالغفران. لا بد لكل من يود أن يشعر بالغفران من القيام بجميع مطاليب كلمة الله وإن كان عالما أنه لن ينجح في ذلك بشكل تام. وبكلمات أخرى ليس هناك بديل عن إطاعة الله. المؤمن الذي نال غفران الله بواسطة الإيمان يعلم أنه لم يَقُمْ بأي شيء يستحق الغفران بل إنما وُهب هذه النعمة نظرا لموت المسيح على الصليب عوضا عنه. فأقل سيء يقدر أن يقوم به الإنسان هو أن يضع نفسه تحت تصرف الله. ومن الناحية العملية هذا يعني إطاعة الله أي العمل بما يطلبه منا تعالى في كلمته المقدسة. وهذه الطاعة لمشيئة الله المعلنة في الكتاب المقدس تظهر ليس فقط في أمور الحياة الكبيرة بل في كل شيء حتى في الأشياء التي تظهر تافهة في حياتنا اليومية.

الغفران غير ممكن بدون أن يكون الإنسان راغبا في إطاعة الله لا لأن هذه الطاعة تُشَكِّلُ أساس الغفران بل لأنها تُظهرُ فيما إذا كان الإنسان قد اختبر فعلا الغفران الحقيقي أو أنه يشعر بغفران مزيف. ومن الأوامر الإلهية ذات الأهمية العظمى هي أن تكون راغبين من أعماق قلوبنا في مغفرة الخطايا التي يرتكبها الآخرون ضدنا. فقد قال السيد المسيح في العظة على الجبل:

" فإنكم إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا أبوكم السماوي" (الإنجيل حسب متى 6: 14).

التأكد من الغفران: إن الكثيرين من المؤمنين الذين قبلوا يسوع المسيح كمخلص لهم وهكذا نالوا غفران خطاياهم من الله لا يتجاسرون بأن يؤكدوا أمر غفرانهم ولا يقين خلاصهم، وهؤلاء يخشون بأن يقعوا في خطية الكبرياء إن تأكدوا بأنهم نالوا غفران خطاياهم ويقين خلاصهم.

ولكنه ليس هناك مبرر حقيقي للاستمرار على حالة غير مستقرة من الإيمان لأن الله تعالى ذاته يؤكد لنا في كلمته المقدسة بأن كل من يؤمن بالمسيح يسوع ينال حياة أبدية وإننا نتبرر بإيماننا بالمسيح يسوع وهكذا لا خوف من وقوعنا في دينونته العادلة في اليوم الأخير. ولذلك لا بد لنا من طرح بعض الأسئلة التي تتعلق بهذه الناحية من موضوع التأكد من مغفرة الخطايا:

أولا: هل المانع الذي يقف في طريقي منبعث من تواضع حقيقي ومن عدم رغبتي في السقوط في الكبرياء؟ أم هل هو في صُلبه ينبعث من رغبة سرية عميقة في أن أحصل بنفسي على غفران خطاياي أي بواسطة أعمالي الخاصة؟ بعبارة أخرى هل أرفض راحة الضمير والسلام الداخلي للذين ينبعثان من مغفرة الله التامة لأنني لا زلت أحاول تبرير نفسي بنفسي؟ هل هناك في حياتي أية مقاومة لعقيدة التبرير المجاني بنعمة الله؟

ثانيا: هل أومن إيمانا قلبيا وحقيقيا بمواعيد الله الصريحة في كلمته أم أنني لا زلت غير مؤمن بها ولا آخذها وكأنها موجهة إلي بصورة خاصة؟ ففي كثير من الأحيان يحدث أن الذي يمنع نفسه عن قبول غفران الله التام أو التأكد بصورة تامة من غفران الله يكون هذا الإنسان غير مؤمن بوحي الله الذي يُعلمنا بأن كل من يؤمن بالمسيح يسوع يتبرر وينال سلام الله وغفرانه.

ثالثا: ألا تعلم أننا كلما أظهرنا ترددا في قبول حقيقة الغفران إنما نكون غير ممجدين لمحبة الله وَجُودِه ونعمته؟ لماذا نضع أفكارنا وهواجسنا قبل الكلمة الإلهية أو فوقها فنحرم أنفسنا السلام والطمأنينة؟

رابعا: ألا تعلم أن الشيطان يريد بأن يوقعنا أما في مطية التأكد الكاذب أو المزيف من الغفران – وهذا إن لم نكن قد تبنا توبة حقيقية عن خطايانا وآمنا بالمسيح يسوع- أو في خطية الريبة المستديمة وذلك بمنعنا من أن نجني جميع ثمار إيماننا وتوبتنا؟ هل نأخذ بعين الاعتبار الدور الهدام الذي يلعبه عدونا اللدود، الشيطان الرجيم؟

خامسا: ألا نرى هناك تناقضا كبيرا في الفكرة التي يُحبذها بعض الناس وهي أن الله سيغفر الخطايا تماما في يوم الدينونة، لا قبل ذلك اليوم؟ إن كان الله يغفر في اليوم الأخير فلماذا لا يغفر الآن؟ إن جميع مواعيد الله لها علاقة بالحاضر، باليوم، وليس فقط بالمستقبل. ألم يقل السيد المسيح في مناسبة: " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" ؟ إنه لم يقل: " ستكون له حياة أبدية" بل استعمل صيغة الحاضر وقال: " من يؤمن بي فله حياة أبدية" أي عندما يؤمن. يعلم المؤمن علم الأكيد أن حياته كما يريدها الله يجب أن تكون حياة غير دائرة على محور النفس بل رغبتها العظمى هي تمجيد الله والعمل على نشر بُشرى الخلاص بين الجميع وعلى مساعدة جميع أفراد المجتمع البشري. فمتى وصل المؤمن إلى هذه المرحلة الهامة من حياته يكون قد ترك وراءه سائر الشكوك والمخاوف الروحية التي كانت تعكر جو حياته ويعلم علم الأكيد بأن الله غفر له جميع خطاياه وأنه من الآن فصاعدا سيعمل بصورة مستديمة لخير الآخرين سائرا بذلك على الطريق الذي تركه السيد المسيح ورسله الذين عملوا على خدمة المؤمنين خدمة قلبية وتفانوا في عملهم التبشيري وحياتهم كلها دائرة في محيط مليء بنور الله ومحبته وغفرانه.

  • عدد الزيارات: 3540