Skip to main content

الدرس الخمسون: سر العشاء الرباني

كنا قد بدأنا في درسنا السابق بالكلام عن فريضة العشاء الرباني أو الاشتراك المقدس. وقد انتهينا إلى القول بأننا عندما نقول: أكل جسد الرب يسوع المسيح أو شرب دمه فإننا نكون مع الكتاب المقدس نستعمل هذه التعابير حسب معناها الروحي: وهذا يعني أنه بواسطة الاشتراك يتمسك المؤمن بعمل يسوع الفدائي الذي ينظر إليه لا كأمر عام أو مبهم بل كأمر شخصي. المؤمن الذي سيشترك في فريضة العشاء الرباني يقول: مات الرب يسوع من أجلي وجسده كُسر من أجلي ودمه سُفك من أجلي. طبعا لا يتفوه بهذه الكلمات عن روح مُشبعة بمحبة الذات بل لإظهار شُكره وامتنانه لأن الرب أنقذه فعليا وواقعيا بواسطة الصليب. ورأينا أيضا أن عبارة أكل جسد الرب وشرب دمه تُشير أيضا إلى حقيقة روحية سامية أي إلى ذلك الإتحاد الروحي الذي يجري بين المؤمن الذي لا يزال يتم بواسطة عمل الروح القدس الحال فيه والذي فيه هو يسوع المسيح أيضا.

" الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فله الحياة الأبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا، هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. وأنا هو الخبز الحي الذي نـزل من السماء، إِن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم.

"... من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه. كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نـزل من السماء، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (الإنجيل حسب يوحنا 6: 47- 51، 54- 58).

ويجدر بنا أن نتذكر أن السيد المسيح إذ أنشأ فريضة العشاء الرباني إنما أعطانا رمزين وذلك نظرا لتقوية إيماننا الضعيف ولأننا بحاجة ماسة إلى هكذا تقوية. أعطانا الرب يسوع المسيح الخبز والكأس كرمزين لجسده المكسور ولدمه المسفوك لنتأكد بصورة تامة أنه له المجد يس فقط غذاء لأرواحنا بل إنه مشربها الوحيد. كل ما بحاجة إليه روحيا في المسيح يسوع وفيه فقط.

يرمز الخبز- في فريضة العشاء الرباني- إلى جسد المسيح. هذا الجسد الذي قدم كذبيحة على الصليب مِن أجل مصالحتنا مع الله، يُقَدِّم إلينا اليوم- أي عندما نمارس هذا السر المقدس- لكي يؤكد لنا الله بأنه لنا نصيب في هذه المصالحة العظيمة التي أتمها الفادي المسيح على صليب الجلجثة.

وكما أن للخبز العادي المقدرة على تغذية أجسادنا وإعالتها في هذه الحياة هكذا أيضا يُغذينا جسد المسيح أي يُغذي أرواحنا وذلك بطريقة روحية.

أما الكأس فإنها ترمز إلى دم المسيح الزكي الذي سُفك مرة واحدة على الصليب للتكفير عن خطايانا. وفي ممارسة سر الاشتراك المقدس إنما يُقدِّم إلينا هذا الدم لنشربه روحيا فنشعر بجميع الفوائد ضمن أرواحنا وقلوبنا.

ففريضة العشاء الرباني إنما تُرجعنا إلى موت المسيح على الصليب لِتَهِبنا فوائد ذلك الموت الكفاري. على الصليب وعلى الصليب فقط تمت ذبيحة الخلاص وذلك بصورة نهائية وتامة وليس علينا الآن إذن سوى الاستفادة منها في حياتنا وذلك بقبول المسيح وعمله الفدائي هذا وبالقيام بكل ما أمر به ولا سيما بممارسة سر الاشتراك المقدس مع جميع الذين يدينون بنفس الإيمان ويَحيَون بنفس الرجاء ويعيشون بنفس المحبة.

وعندما نتكلم عن الخبز والكأس في فريضة العشاء الرباني لا نكون قائلين بأن الرمزين يتجولان إلى جسد المسيح ودمه. فكما أن ماء المعمودية يبقى ماء ولا يتحول إلى دم المسيح وكما أن ذلك الماء إنما يُشير إلى عمل الله الخلاصي في قلب الإنسان ويختم ذلك له في المعمودية هكذا أيضا في رمزي فريضة العشاء الرباني. لا يصبح الخبز جسد المسيح بذاته ولا الكأس دم المسيح بذاته بل إنما يُشيران ويرمزان إلى جسد ودم المسيح.

وهذا لا يعني أننا نقلل من حيوية أو أهمية هذه الفريضة بل على العكس إنما نؤكد أن هذه الفريضة المقدسة متى مارسناها حسب تأسيس المسيح وتعليم رسله القديسين إنما تزيد من يقين الخلاص الذي حصلنا عليه لدى إيماننا بالمسيح لأننا نعلم أن السيد له المجد الذي نشترك معه بواسطة هذا السر إنما يُعطينا ذاته ويُمكننا من النمو في الحياة الجديدة التي وهبنا إياها الله بواسطة روحه القدوس.

  • عدد الزيارات: 3496