Skip to main content

الدرس الثاني والستون: طهارة الجسد والنفس

عندما أعطانا الله تعالى الوصايا العشر كانت غايته أن يظهر لنا الطريق الذي يجب أن نسير عليه إن كنا بالحقيقة راغبين في تكييف حياتنا بمقتضى إرادته السنية. ومع أن الناس يعيشون في هذه الدنيا وهم مثقلون بالخطايا والذنوب وعاجزون عن المعيشة حسب الوصايا الإلهية إلا أن ذلك لا يعني أن الله عليه أن يتراجع عن وصاياه أو أن الإنسان يستطيع أن يتنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقه كمخلوق عاقل. فعجز الإنسان عن الحياة حسب الوصايا العشر لا يعود إلى الله بل إلى الإنسان الذي ثار على الله في بدء التاريخ وجلب على حياته الشقاء والتعاسة. وقد أصبحت الوصايا الإلهية تعمل على إظهار طبيعة الداء الوبيل الذي ألمّ بالإنسان وتدفعه إلى اللجوء إلى الله لينال منه الخلاص والانعتاق من داء الخطية. وحتى بعد أن يختبر الإنسان الخلاص عليه أن ينظر إلى الوصايا الإلهية كدليل للحياة لأنها من صلبها لا تتغير على مدى الأجيال لأنها إنما تعبر عن إرادة الله المختصة بحياة الإنسان. وإن ظن البعض بأن هذه الوصايا تضع حدوداً كثيرة حول حياة الإنسان أو أنها تضيق من نطاق الحياة فإن ذلك يعود إلى سوء فهم كبير لغاية الوصايا التي هي قوانين سنها الله لتكييف حياة الإنسان وتؤول إلى خيره الزمني والأبدي. ومع أن الناس لا يفكرون ولا إلى لحظة بأن يثوروا مثلاً على قانون الجاذبية إلا أن الكثيرين يثورون على قوانين الحياة الأخلاقية الواردة في وصايا الله العشر. من المهم بأن نذّكر القراء الكرام بهذا الأمر ونحن لازلنا نقوم بدراستنا لوصايا اللوح الثاني من الوصايا العشر أي تلك التي تنظم حياة الإنسان الاجتماعية.

وهذا هو نص الوصية السابعة: لا تزنِ.

ماذا يطلب منا في هذه الوصية؟ يطلب منا الله أن نكره كل ما هو غير طاهر كل ما هو دنس أو مخالف لروح العفة إن كان بالفكر أو القول أو الفعل. ونحن عندما نشرع بتفسير هذه الوصية متكلين على سائر تعاليم الكتاب المقدس نرى أن الله لا يكتفي بأن يحرّم فعل الزنى فقط بل كل ما يؤول إلى ارتكاب هذه الخطية الشنيعة أو خرق روح الطهارة والعفة. فإنه يجب ألا يغرب عن بالنا بأن الله روح وأنه يعلم بكل ما يدور في قلب الإنسان من أفكار رديئة وهو لذلك يود منا (وهو ينهانا عن الزنى في الوصية السابعة) أن نبعد عن أنفسنا الأسباب البعيدة لهذه الخطية. وهذه الأسباب إنما هي الأفكار الرديئة والكتب أو المجلات الخلاعية أو الأقوال المشحونة بالألفاظ الرديئة وأي شيء يؤدي الإنسان إلى الانحراف عن طريق العفة والطهارة.

وعندما ندرس كتاب الله بتمعن نرى كيف أن شعب الله في سائر العصور والأصقاع يحذرون من مغبة السقوط في خطية الزنى تلك الخطية التي تكون علامة مميزة لسائر الشعوب الوثنية التي كانت في أيام الأنبياء والرسل تقترف الخطايا الشنيعة وتجعلها جزءاً من العبادة الوثنية. ولذلك فإن طابع شعب الله المميز يجب أن يكون الطهارة والقداسة ولاسيما في مضمار الحياة الجنسية. وهذه بعض التعاليم التي نستقيها من الكتاب المقدس بخصوص روح ونص الوصية السابعة:

قال السيد المسيح في العظة المعروفة بالعظة على الجبل:

"قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم.

"وقيل: من طلّق امرأته (إلا لعلة الزنى) يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلّقة يزني" (27- 31)

وناشد الرسول بولس أهل الإيمان في مدينة تسالونيكي قائلاً عن موضوعنا هذا:

"فمن ثم أيها الأخوة نسألكم ونطلب إليكم في الرب يسوع أنكم كما تسلّمتم منا كيف يجب أن تسلكوا وترضوا الله، تزدادون أكثر، لأنكم تعلمون أية وصايا أعطيناكم بالرب يسوع، لأن هذه هي إرادة الله: قداستكم، أن تمتنعوا عن الزنا، أن يعرف كل واحد منكم أن يقتاني إناءه بقداسة وكرامة لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله" (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي4: 1- 5)

وكتب الرسول أيضاً عن موضوعنا هذا في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس قائلاً:

"ولكن الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد، والله قد أقام الرب وسيقيمنا نحن أيضاً بقوته. ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا. أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد، لأنه يقول: يكون الاثنان جسداً واحداً. وأما من التصق بالرب فهو روح واحد.

"هربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الزنى يخطئ إلى جسده. أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم؟ لأنكم قد اشتريتم بثمن، فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (6: 13ب- 20).

كلمة الله صريحة للغاية فيما يتعلق بحياة الطهارة والعفة ولذلك يجدر بكل من يُسمي نفسه مؤمناً أن يظهر إيمانه بحياة متجانسة مع تعاليم الكلمة، ومن يرى نفسه في عبودية هذه الخطية أو غيرها من الخطايا المخالفة لوصايا الله فعليه بالتوبة والإيمان بالمخلص المسيح الذي يعطينا الغلبة على سائر المعاصي والآثام بما فيها الخطايا المحرّمة في الوصية السابعة.

  • عدد الزيارات: 5802