Skip to main content

الدرس السبعون: مقدمة الصلاة الربانية

عندما ندرس الصلاة الربانية فإننا عادة نقسّمها إلى ثلاثة أقسام: أولاً، مقدمة الصلاة. ثانياً، طلبات الصلاة. وثالثاً، خاتمة الصلاة. أما الآن فإننا نكتفي بدراسة مقدمة الصلاة الربانية.

علمنا الرب يسوع المسيح أن نتوجه كمؤمنين إلى الله تعالى وأن نقول له: أبانا الذي في السموات. هذه هي مقدمة الصلاة الربانية التي هي- كما لاحظنا سابقاً- أنموذجاً ربانياً لجميع الصلوات التي تصدر عنا.

قبل كل شيء نلاحظ أن الرب يسوع المسيح يعلمنا بأن ندعو الله "أبانا". لماذا ندعو الله أبانا؟ ندعو الله أبانا السماوي مستندين بذلك إلى تعاليم الكلمة الإلهية التي تفهمنا بأننا عندما نتقدم من الله في صلواتنا إنما نتقدم إليه ليس فقط كخالقنا وصانع الكون بأسره بل أيضاً كأبينا السماوي الذي يحبنا ويتحنن ويشفق علينا. كلمة آب إنما تولد فينا روح الثقة والإيمان بالله وتبعد عنا في نفس الوقت كل شك لأن الذي نذهب إليه في صلواتنا هو أبونا السماوي الذي يرغب في الاستماع إلينا وفي إعطائنا جميع الأمور والأشياء التي تؤول إلى مجد اسمه القدوس وإلى خيرنا الزمني والأبدي. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تبحث في موضوع الله، الآب السماوي لجميع المؤمنين.

قال الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في رومية:

لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله، إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: يا أبا الآب. الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله، فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح، إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه" (8: 14- 17).

وقال الرب يسوع المسيح في عظته المعروفة بالعظة على الجبل والواردة في الإنجيل حسب متى:

"فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألون" (7: 11).

وكتب الرسول يوحنا في رسالته الأولى إلى المؤمنين في آسيا الصغرى قائلاً:

"انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (3: 1).

وفي رسالته إلى غلاطية كتب بولس الرسول عن موضوعنا قائلاً:

"ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب" (4: 6).

ونلاحظ هنا أن الكتاب يعلمنا بكل وضوح أننا لا نقدر أن ندعو الله أبانا إن لم نكن قد قبلنا الخلاص العظيم الذي أعده لنا بواسطة يسوع المسيح وعمله الكفاري الفدائي على الصليب. لأن هذا الامتياز العظيم هو فقط للذين تصالحوا مع الله الخالق والذين تخلّصوا من عبودية الشر والخطية والشيطان. وهذا ظاهر من التعاليم الكتابية الآتية:

قال الرسول يوحنا في مقدمة الإنجيل المعروف باسمه:

"وأما كل الذين قبلوه (أي قبلوا المسيح يسوع كمخلّص ورب) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (1: 12و 13).

وقال بولس الرسول عن قصد الله الأزلي بخصوص المؤمنين:

"إذ سبق فعيَّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرّة مشيئته" (أفسس 1: 5)

ونلاحظ أيضاً في نص الصلاة الربانية أن المسيح يود أن نصليها بصيغة الجمع أي أننا نقول: أبانا لا أبي. مع أنه بمقدور كل مؤمن ومؤمنة أن يتوجها إلى الله كأفراد إلا أن المسيح يلفت نظرنا إلى أن حياتنا الدينية لها صبغة اجتماعية جمهورية وأننا لا نصلي إلى الله كمجرد أفراد بل كجماعات مؤمنة. وكذلك يعلمنا السيد المسيح بأن نردف قائلين: الذي في السموات لكن نرفع أرواحنا إلى الله القادر على كل شيء والمسيطر على الكون بأسره والذي لا يتوانى عن الإصغاء إلينا كأولاده المتبنين. وهكذا كما يناشدنا صاحب الرسالة إلى العبرانيين: لنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه.

  • عدد الزيارات: 4084