قاموس السماء وقاموس البشر
إن قاموس السماء يختلف تماما عن قاموس الناس، وقاموس الله يختلف عن قاموس البشر، وقاموس الايمان، يختلف عن قاموس العيان... فالكلمات ذاتها تعني شيئا بحسب قاموس الناس،
اما في قاموس الله فتعني شيئا آخر... مع ان الالفاظ نفسها، لكنها تعني في كل لغة امرا مختلفا...
فكلمة كار مثلا في الانجليزية تعني سيارة، وفي العبرية تعني بارد وفي الفرنسية تعني لان او بسبب.. وكلمة بات في العربية تعني نام، اما في الانجليزية فتعني حيوان الوطواط ... وكلمة "فورتي" في الانجليزية، تعني اربعين، اما في البرتغالية فتعني قوي. وكلمة دار في العربية تعني بيت او منزل، اما في البرتغالية فتعني يعطي .... وكلمة "سمر" في الانجليزية تعني فصل الصيف، اما في العربية فتعني وقتاً ممتعاً معا...وكلمات كثيرة اخرى تعني معان مختلفة في لغات مختلفة..
كذلك ايضا هنالك كلمات كثيرة تعني امورا مغايرة ومختلفة تماما في قاموس الله عما هي في القاموس العالمي، وكثيرا ما نستخدمها ونقصد معانٍ عالمية، مع اننا نتحدث عن الايمان!.. مع انه ينبغي ان نقصد معان روحية وبحسب القاموس الالهي، عندما نتحدث عن حياة الايمان المسيحي.. فلا يمكن ان نتحدث عن الانجيل، ونستخدم كلمات انجيلية محضة، وفي نفس الوقت نقصد امورا عالمية، ونقصد معان جسدية عالمية....
فمثلا كلمة قوة... في العالم يقصدون بكلمة القوة، المقدرة الجسمانية والقوة الجسدية المتعلقة بالعضلات او القوة الاجتماعية او السياسية، ويقصدون شخصا له تأثير قوي من الناحية الاجتماعية او السياسية... اما في قاموس الانجيل فكلمة قوة تعني شيئا آخر مختلفا كليا... فالقوة في القاموس الالهي لا تعني القوة الجسمانية ولا الاجتماعية ولا السياسية... بل يقصد الانجيل القوة الروحية ومدى اعطاء الانسان المجال لروح الله للعمل في حياته ومن خلاله، ونسبة منح الله التأثير في حياتنا.. فكثيرا ما يستخدم المؤمنون كلمة القوة، ويقصدون اكتساب قوة عالمية تحت تأثير منصب اجتماعي معين، او قوة اكتساب الثروة او المجد او الشهرة، ونظنها قوة روحية. مع ان في قاموس الانجيل، كل هذه هي تصنَّف في خانة المعطلات للقوة الروحية، وهي غير لازمة للحصول على قوة من الاعالي. فالقوة في قاموس الايمان هي المقدرة على الاحتمال والمقدرة على الصبر وعدم اليأس والمقدرة على اختراق البشر وربحها وأسرها لمحبة المسيح....
كلمة اخرى لها معنى روحي محض هي "المحبة".. او "الحب".. فالحب في قاموس البشر، يعني الشهوة والتعلّق العاطفي والانجذاب الحسي والاعجاب الجنسي والميل الجسدي.. وكلمة محبة في قاموس الناس فتعني التودد والمسايرة والوجهنة والمجاملة والابتسامة والعناق والشركة الاجتماعية. اما في قاموس الله فتعني امورا مختلفة تماما... فالحب والمحبة في المعنى الروحي تعنيان العطاء والقبول للاخر رغم اختلافهن والتضحية لاجل مَن لا يستحق، والمشاركة مع مَن لا يعجبني، والتعايش مع مَن اجد صعوبة في التكيّف معه....
وكلمة اخرى يخلط الناس فيها الحابل بالنابل هي الاجتهاد ونقيضها الكسل... ففي قاموس البشر الاجتهاد عكس الكسل، ويقصدون العمل نهارا وليلا لاجل جمع الثروة وامتلاك املاكا اكثر وتوسيع المخازن، والاجتهاد للتودد للناس واستمالتهم لاجل الحصول على مركز اجتماعي مرموق، والعمل على كسب صيت عالمي وشهرة اجتماعية... اما الاجتهاد في القاموس الروحي فهو التعب والتضحية وتخصيص الوقت والمال لاجل اكتساب معرفة كتابية انجيلية، والتعب وتخصيص الساعات لاكتساب الخبرة الروحية ولاجل الحصول على مقدرة روحية، تمكنك من انجاز العمل الالهي من خلاص نفوس للمسيح وايصال الناس للحياة الابدية والتعب لاجل بنيانها الروحي وسهر الليالي لاجل تجميع وتحضير الطعام الروحي والغذاء القوي الذي يشبع ارواح البشر ويقرّبها الى الله...
هذه امثلة قليلة من امثلة كثيرة، تثبت اننا كثيرا ما نستخدم اقوالا مسيحية، ونقصدها في المعنى العالمي. وحتى المؤمنون فيتداولون هذه التعابير، ويقصدون المعان بحسب القاموس العالمي والاجتماعي، متجاهلين المعنى الروحي الانجيلي، وينقلونها الى مؤمنين جدد، فيتبنّون هم الاخرون المعاني العالمية، متجاهلين المعان الروحية، التي بحسب القاموس الانجيلي...
فكلمة كنيسة مثلا هي كلمة انجيلية محضة، وكلمة روحية بحتة، فلا يمكن استخدامها في المعنى العالمي... فالكنيسة في القاموس الانجيلي تعني جماعة او مجموعة مجتمعة لهدف ودافع وغاية وحيدة وهي تمجيد الرب يسوع المسيح. وهي جماعة تعلن انها تنتمي الى المسيح الحي، وهي تجتمع في اي مكان واي زمان على اساس ايمانها ان المسيح يسوع في وسطها. وهي تعبده بشكل حر وروحي، واساس اجتماعها هو الانجيل.. والكنيسة هي قاعدة روحية عسكرية لمحاربة الشيطان، وتحرير النفوس من براثن عدو الايمان.... اما البعض فيستخدم كلمة كنيسة في المعنى العالمي والاجتماعي، فالبعض يعتقد انها مبنى او بناية ضخمة، او مكان ديني او جماعية دينية تقليدية او جماعة تجتمع لتقضي وقتا ممتعا معا، ولتناقل الاحاديث الدينية، او مكان للتدريب على مواهب الوعظ، او مكان على غرار النادي العالمي لقضاء فعاليات مختلفة ومتنوعة معا....
والزواج ايضا هو اصلا تعبير من تأليف الكتاب المقدس، لذلك يجب تبنّي المعنى الذي يقصده الكتاب المقدس وهو جمع وعهد وقران ورباط متين بين رجل وامرأة، كتعبير عن علاقة الله مع الانسان او المسيح مع الكنيسة.. اما في قاموس البشر فالزواج هو جمع شخصين لقضاء المتع معا، واشباع اللذة معا.ز وهو مجال لتحقيق كل الطموحات والملذات الحسية. وكل واحد من الزوجين عليه ان يجد كل اشباع للشهوات والملذات.. وكلمة مسؤولية وتعهد والتزام وتضحية غير موجودة في قاموس البشر..
والمشكلة في كل هذا هي استخدام المؤمنين لكلمات انجيلية محضة، ويقصدون المعنى بحسب القاموس العالمي الاجتماعي، متجاهلين المعان التي هي بحسب القاموس الالهي..مع ان الكلمات هي اصلا انجيلية محضة وتعابير روحية كتابية، وهم يمارسون ممارسات مسيحية، الا انهم يتبنّون المعاني الاجتماعية والعالمية، ويتغاضون عن كل المعاني التي يقصدها الانجيل من هذه التعابير، مع ان الانجيل هو اول مَن استخدم هذه الكلمات... فكثيرا ما يتبنى المسيحيون اساليب اجتماعية غير انجيلية، التي هي من تأليف العالم، ويرفض المسيحيون المعنى الانجيلي، خوفا من رفض العالم لهم، بذريعة انهم اذا ساروا بحسب المفاهيم العالمية، سيتمكنون من كسب الناس للمسيح!!.. مع ان الغريب انه كيف يمكن لمفاهيم عالمية ان تخلّص البشر؟ وكيف يمكن لتعابير غير انجيلية ان تغيّر الناس؟... وكيف يتوقع البعض رغم استخدام تعابير بمعان عالمية، ان يؤيد الرب عملهم وتعبهم، ويتوقعون تغييرا في الناس، مع انهم يرفضون المعان التي بحسب القاموس الروحي....
لنأخذ مثلاا صارخا آخر.... الخدمة والقيادة في الكنيسة....نقول خدمة وقيادة في كنيسة الله، وفي نفس الوقت نضع شروطا عالمية للخدمة والوعظ والقيادة.. فمن جهة نتحدث عن القيادة في الكنيسة، ومن جهة اخرة نستخدم مقاييس ومعايير ومفاهيم اجتماعية محضة لقيادة شعب الله.. ا لا يجب ان تكون قيادة الكنيسة بحسب القاموس الانجيلي؟ وتكون المقايييس والمفاهيم انجيلية محضة وليست عالمية؟... فالقائد الروحي الانجيلي هو المملوء بكلمة الله والممتلئ بالايمان ومشبع بأفكار الهية ويقود البشر الى معرفة الله، وليس القائد في كنيسة الله هو الذي بحسب القاموس العالمي والاجتماعي، اي ذلك صاحب الثروة والمنصب والعائلة والفصاحة... فلا يقدر الشخص ان يكون خادما او واعظا او قائدا او مرشدا في كنيسة الله، مجرد لانه صاحب منصب او مركز اجتماعي او لانه فصيح اللسان، او من عائلة نبيلة، او لانه غني ويغدق بالهبات للناس. بل القائد او المرشد الروحي يجب ان يكون فقط بحسب القاموس الانجيلي الروحي، اي شخص لديه المؤهلات الروحية والكفاءة الانجيلية بتأييد الهي لكلامه وخدمته، وحكم الجميع انه كفؤ لتعليم الاخرين الانجيل وقيادة البشر الى الخلاص الابدي ومعرفة المسيح.. وتقود خدمته الى مخافة الله والتمسك بالحياة الابدية ومحبة الاخرين والتواضع.. اما القائد العالمي فيقود الى التعجرف والكبرياء والادعاء والتمثيل والتباهي والمنافسة والمقارنة، والنتيجة الروحية معدومة..
ان هذه المقالة هي دعوة عامة للعالم المسيحي للرجوع الى المعان الروحية للتعابير والمفاهيم التي نستخدمها والتي اعتدنا على استعمالها في حياتنا اليومية، وذلك عن طريق التوقف قليلا، واعادة دراسة كل التعابير المسيحية التي نتداولها، ومن ثم تبنّي من جديد المعان التي قصدها الانجيل، ورفض المعان العالمية الاجتماعية للامور والاقوال الانجيلية. لان استخدام التعِابير الالهية القوية بالمفهوم العالمي يضعف هذه التعابير ويحدّها، مما يُظهر للعالم انجيلا آخر، ضعيفا وعاجزا عن اي تأثير للخلاص ومعرفة الحق الكتابي...
- عدد الزيارات: 5501