في نصوص العهد الجديد يسوع المسيح أدعى أنه الله
بما أنّ الله الواحد موجود (الفصل 3)، فالمعجزات ممكنة (الفصل 4). وبما أنّ المعجزات ممكنة، فيمكن أنْ تأتي لتأكيد رسالة من الله (الفصل 5). وبما أنّ وثائق العهد الجديد موثوقة تاريخياً (الفصل 6)، فنستطيع الآن أن نفحصها لننظر ماذا تقول وتشهد عن أن الشخص المركزي فيها، يسوع الناصري. فخلافاً للنقاد، لا يجوز إهمالها لأنها تحتوي على معجزات. كما قال سي. س. لويس: «إن كنا نقر بالله، فهل علينا أن نقر بالمعجزات؟ بالتأكيد، بالتأكيد، فليس لديك علة ضدها. وهذه نتيجة ضرورية».[142]
خلفية العهد القديم لإعلان المسيح الألوهية
إن إعلان ألوهية المسيح موجود قبل ولادته بوقت كثير. فثمة نبوءات كثيرة عن المسيح في العهد القديم (انظر في: متى 5: 17؛ 24: 27، 44؛ يوحنا 5: 39؛ عبرانيين 10: 7)، التي أشارت إلى ألوهيته أيضاً:
- المزمور 2: 7 يعلن: «قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي...».
- المزمور 45: 6: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ» (والذي ورد في عبرانيين 1: 8 لإظهار ألوهية يسوع).
- المزمور 111: 1 يؤكد: «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ» (التي اقتبسها يسوع في إعلانه أنه المسيح في متى 22: 43 ـ 44).
- أمثال 30: 4 الذي يتحدث عن اسم ابنه: «مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟».
- إشعياء 9: 6، الذي يعلن: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ».
- إشعياء 63: 7 ـ 10 الذي يذكر الأقانيم الثلاثة: «حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ الرَّبُّ [الأب] ... وَمَلاَكُ [أي رسول] حَضْرَتِهِ [الابن] خَلَّصَهُمْ[143]... وَلكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ [الروح القدس]».
- زكريا 1: 12، حيث الابن يكلم الأب: «فَأَجَابَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا رَبَّ الْجُنُودِ».
- زكريا 12: 10، والذي يسجل: «وَأُفِيضُ [أي الرب] عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ...، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ [الرب]، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ». وهذا ما أورده العهد الجديد عن المسيح (قارن: يوحنا 19: 37).
- زكريا 14: 16 الذي يدعو اللهَ مسيحاً «وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ».
إن الكلمات الُمشدد عليها في النصوص تشير إلى أن المسيح ليس فقط هو «ابن» الله، ولكن الله نفسه. وهو يدعى يهوه [الرب]، اللفظ الوحيد الوارد في العهد القديم عن الله. وهو أيضاً «ملاك الله» الذي عبده موسى، وأعلن عن نفسه «أنا هو» (في الخروج 3: 14). وقد تميّز كأقنوم مستقل عن الله الأب في نصوص مختلفة، وحتى أنه كان في حوار معه (المزمور 45: 6 ـ 7، 111: 1؛ زكريا 1: 12). وكان يدعى الله «إِلهاً قَدِيراً» (إشعياء 9: 6)، والذي «سيُطعن» ويموت «ابناً وحيداً». وبكل وضوح: المسيح هو أكثر من بشر؛ فهو الله نفسه.
دعاوي المسيح بالألوهية
وليس فقط العهد الجديد الذي يتكلم عن ألوهية المسيح فحسب، بل المسيح نفسه يكرر ذلك في العهد الجديد.
حسب النصوص الموثوقة تاريخياً للعهد الجديد (انظر الفصل 6)، أعلن يسوع الناصري أنه المسيح اليهودي. وبما أن مسيح اليهود المرتقب هو الله، فإعلان يسوع أنه المسيح يعني أنه أعلن أنه الله. وقد كان لدى اليهود في القرن الأول هذا التوقع الذي تأكد من داخل العهد الجديد وخارجه. ففي داخل العهد الجديد أعلن ملاك عن يسوع أنه «عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا» (متى 1: 23). وكما «سَجَدُ لَهُ» الحكماء (2: 11). وأعلن يوحنا المعمدان أنه يبشر «الرب (يهوه)» (لوقا 3: 2 ـ 6). وبشر جبرائيلُ مريمَ أنَّ المولود سيدعى «ابن الله» (لوقا 1: 35)، وقالت أليصابات لمريم «أم ربي» (لوقا 1: 43). وأكثر من ذلك، أن جبرائيل قال إن يسوع «وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ» (لوقا 1: 32).
وكلمات مشابهة نجدها لدى الجماعة اليهودية قرب البحر الميت، ففي حقبة المسيح، نجد «ابن الله» في نص (4Q246) من أبوكريفا دانيال: «[كما أن ابنه] سيدعى عظيماً، معروفاً باسمه. وسيُدعى ابن الله، وسيدعونه ابن العلي. ومملكتهما ستكون مملكة أبدية، وطرقهما هي الحق».[144] ويضيف سفر الرؤيا المسياني [4Q521] أنه سيتم البرهنة على ألوهيته بالمعجزات: «وسيكرم التقي على عرش مملكته الأبدي، ويطلق سراح المأسورين، ويفتح أعين العمي، ويحرر المُضطهدين. ويشفي المجروحين، ويقيم الموتى، وسيأتي بالخبر السار [الإنجيل] إلى الفقراء».[145]
وليس فقط المسيح ـ الله كان مرتقباً، بل أن يسوع أعلن بوضوح وبتأكيد أنه المسيح. فهو قال للمرأة السامرية التي قالت له: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ» (يوحنا 4: 25 ـ 26). وعندما كان يسوع تحت القسم أمام رئيس الكهنة، الذي سَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟». فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» (مرقس 14: 61 ـ 64).
وهذا أيضاً إشارة واضحة في وصف يسوع لنفسه أنه «ابن الله» لأن هذا اللقب كان لقباً مسيانياً من ألقاب الألوهية (قارن: دانيال 7: 13). وبما أن يسوع كان غالباً ما يطلق على نفسه وعلى خدمته هذا اللقب (قارن: مرقس 10: 45)، فهذا تأكيدٌ على إعلانه أنه المسيح ـ الله.
المسيح أعلن أنه «أنا هو» [من خروج 3: 14]
لقد أظهر الله نفسه لموسى بعبارة «أنا هو»، وهذا وصف نادر الاستعمال لذات لله نفسه (خروج 3: 14). ومع ذلك، فيسوع لم يتردد بأن يعلن بشكل جريء لليهود: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا 8: 58). ويظهر جوابهم بوضوح أنهم أدركوا القصد من إعلانه أنه الله الظاهر في الجسد. «فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ»، وهذا تصرف مناسب ضد شخص اعتقدوا أنه يجدف بقوله إنه الله. وعندما قام يسوع بإعلان مشابهاً في يوحنا 10: 30 على أنه والآب واحد، فإن اليهود أجابوا: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» (يوحنا 10: 33).
يسوع أعلن أنه قادر على غفران الخطايا
وحسب الايمان اليهودي، فالله وحده يقدر أن يغفر الخطايا. وإذ كان ذلك، قال يسوع لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ»، فرد عليه الكتبة، «مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» (مرقس 2: 5 ـ 7). وكما لاحظنا أعلاه يكشف جواب يسوع إعلاناً آخر على ألوهيته، أي أنه كان «ابن الإنسان»، وهو اللقب الذي ينطبق على المسيح ـ الله في العهد القديم (دانيال 7: 13).
يسوع أعلن أنه يجب أن يُكرم كما يكرم الله
بينما يعلم الكتاب المقدس أن التكريم يجب أن يعطى لمن يستحق التكريم، ولو كان للذين لديهم سلطة سياسية (رومية 13: 1 ـ 7). ولكن لم يقل قط أنه يجب «يكرم كما يُكرم الأب [الله]». ولكن هذا بالضبط ما فعله يسوع عندما أعلن عن نفسه، وأخبر اليهود: «لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ» (يوحنا 5: 23).
يسوع قَبِلَ السجود في مناسبات مختلفة
تعلن الكتب اليهودية المقدسة «فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ» (الخروج 34: 14). وقد وبخ يسوعُ الشيطانَ مقتبساً من التثنية 6: 13، فقال: «الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ» في (متى 4: 10). ويحرم الكتاب المقدس عبادة لأي شخص إلا لله (الخروج 20: 1 ـ 4؛ التثنية 5: 6 ـ 9). ورفض الكتاب المقدس عبادة البشر (الأعمال 14: 15). وحتى الملائكة أيضاً (الرؤيا 22: 8 ـ 9). ومع ذلك فإن يسوع قبل السجود في مناسبات مختلفة. فهو قبلها من:
- أم يعقوب ويوحنا (متى 20: 20)،
- والشخص الذي به روح شيطانية (مرقس 5: 5)؛
- رجل أعمى (يوحنا 9: 38)،
- توما الشكاك (يوحنا 20: 28)،
- المرأتان لدى القبر (متى 28: 9)
- المرأة الكنعانية (15: 25)،
- التلاميذ (متى 14: 33)،
- الأبرص الذي شفاه يسوع (متى 8: 2)،
- ورئيس غني شاب (متى 9: 18).
ولم يوبخ يسوع قط أي شخص قام بالسجود له. لا بل أنه أمر الناس أن يسجدوا له ويعترفوا بألوهيته (يوحنا 20: 29. قارن: متى 16: 17).
وضع يسوع كلماته على درجة مساوية مع كلمات الله
في الموعظة على الجبل، قال يسوع (متى 5: 18): «إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ». وبعد ذلك، قال إن أقواله معادلة لقول الله، «اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (متى 24: 35). وأضاف: «مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (يوحنا 12: 48).
أمر يسوع التلاميذ أن يصلوا باسمه
ومرة أخرى، في السياق اليهودي التوحيدي، فالصلاة عمل عبادة، وتعلن الكتب بوضوح «لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ» (الخروج 34: 14). ومع ذلك دعا يسوع التلاميذ للصلاة باسمه، قائلاً: «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ» (يوحنا 14: 13). وهو قبل الصلاة له من أول شهيد مسيحي[146]، الذي قال: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي» (أعمال 7: 59).
قبل يسوع ألقاباً إلهية
لم يقم يسوع باستعمال ألقاب إلهية عن نفسه فحسب، بل قبل أن يخاطبه الآخرون بها. عندما قال تُومَا ليسوع: «رَبِّي وَإِلهِي!» (يوحنا 20: 28)، فإن يسوع باركه قائلاً: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا 20: 29). وعندما أجاب سمعان بطرس قائلاً: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!»، فأجابه يسوع: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 16: 17 ـ 18).
تنبأ العهد القديم عن مجيء المسيح ـ الله، وأعلن يسوع أنه جاء ليحقق هذه النبوءة. وليس فقط أعلن يسوع أنه الله بطرق مختلفة، وأيضاً نقرأ في الأناجيل كيف أن آخرين أعلنوا أنه كان الله.
صوت الأب من السماء يعلن أن المسيح هو الله
تسجل الأناجيل ثلاث مرات صوت الله الأب يعلن أن يسوع ابنه الوحيد. أولاً، عند تعميده، فإن الآب قال: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى 3: 17). وتالياً، لدى التجلي، فإن صوت الآب أعلن: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا» (متى 17: 5). وأخيراً، قبل الصليب، أجاب الآب على صلاة يسوع: «أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ!». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضًا!» (يوحنا 12: 28). وبالفعل، في صلاته الكهنوتية قال يسوع، «وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ» (يوحنا 17: 5). وبالفعل، الله كان قد قال: «وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ» (إشعياء 48: 11). فإذا، كان يسوع يعلن بوضوح أن الآب كان يقبل الآبن على أنه الله.
وقد أعلن الملاك لمريم أنه «يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ» (لوقا 1: 32). ومجدداً، أُعلن هنا أن يسوع هو المسيح والله. وقد قال الملاك لمريم: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا 1: 35). وبالمثل أعلنت الملائكة للرعاة: «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لوقا 2: 11).
اعتراف الشياطين بألوهية المسيح
ليس فقط الملائكة البارة عرفت من كان يسوع، بل حتى الأشرار منها. فأحد الشياطين قال ليسوع: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» (متى 8: 29).
إقرار بشر آخرين بألوهية يسوع
لقد قال تُوما ليسوع: «رَبِّي وَإِلهِي!» (يوحنا 20: 28). وقال يوحنا: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ» (يوحنا 1: 1). وأَجَابَ بُطْرُسُ يسوعَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!» (متى 16: 16). وأعلن بولس: «الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا» (رومية 9: 5). وقد دعاه: «مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (تيطس 2: 1). وقال: «فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ... الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ (كولوسي 1: 16 ـ 17). و«فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا» (كولوسي 2: 9). ويعلن كاتب العبرانيين عن المسيح: «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (العبرانيين 1: 3). «لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابْنِي» (العبرانيين 1: 5). وَأَيْضًا: «مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ» (العبرانيين 1: 6). و«أَمَّا عَنْ الابْنِ: «كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ» (العبرانيين 1: 8).
وحسب نصوص العهد الجديد الموثوقة (انظر الفصل 6)، فليس يسوع من أعلن أنه الله فقط، ولكن الملائكة، الأبرار والأشرار، والله الأب نفسه، وأتباع يسوع المباشرين، الذين كان من بينهم شكاكون (مثل توما) وحتى غير مؤمنين ومعارضين (مثلاً بولس. انظر سفر الأعمال 7 ـ 9).
الرد على بعض الاعتراضات
على الرغم من الدليل القاطع على أن يسوع أعلن أنه الله، فإن البعض، اعتمداً على آيات خارج سياقها، سعى إلى خلق الشك بشأن دعوى يسوع بالألوهية. ولكن حينما يتم فهم كل آية في إطارها المناسب، يظهر منها أن يسوع لم ينفِ ألوهيته. لا بل أن بعض هذه الآيات تعطي تأكيداً على ألوهيته.
متى 19: 17: قال يسوع للشاب الغني الحاكم: «لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ». وقد افترض البعض عن خطأ أن يسوع ينفي ضمناً إنه الله.
الرد: بكل حال، هذا ليس نفياً لأي أمر، بل العبارة هي سؤال. ويسوع كان ببساطة يسأل الشاب المندفع إن كان يدرك معنى قوله. فهو كان يقول له: «هل تدرك ما تقول؟ هل تدعوني الله؟» فمن الواضح أن الشاب لم يكن يدرك معاني كلماته. وهذا ما يظهر من قوله إنه حفظ كل الوصايا. ويسوع كان يجعله يدرك بكل عمق المشكلة التي كانت لديه، وهو يلفت انتباه الشاب إلى أن إلهه الحقيقي هو المال.
يوحنا 14: 28: قال يسوع: «لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي». ويظهر أن الآية تنفي ألوهيته في خارج سياقها.
الرد: على أي حال، لم يكن يسوع فقط هو الله؛ بل كان أيضاً إنساناً. وبوصفه كائناً بشرياً، فإن الأب هو الأعظم مما كان هو. وعلى على ذلك، فيسوع الأقنوم الثاني من اللاهوت. فهو ابن الله. وبهذا يشغل مكانة ليست أقل من الأب في اللاهوت. وفي هذا المعنى، فالأب أعظم من يسوع الذي في المكانة، وليس في الطبيعة. بالضبط كما أن والدي هو أعظم مني في الموقع العائلي، ولكن كلانا لنا نفس الطبيعة البشرية، وبهذا، فلو كان الأب أعظم من الابن، فإنهما واحد في الطبيعة. فكلاهما الله.
مرقس 13: 32: قال يسوع: «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ». فكيف يمكن أن يكون يسوع هو الله الذي يعرف كل شيء في الوقت الذي يقول هنا أنه لا يعرف كل شيء؟ فكيف يمكن له أن يجهل زمن المجيء الثاني.
الرد: كإله، يسوع كالله الظاهر في الجسد كان يعرف وقت عودته. ولكن كإنسان لم يكن يعلم. وقد كانت ليسوع طبيعتان. كإله، غير محدود، ولكن كإنسان كان محدوداً، وقد كَانَ يسوع «يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ» (لوقا 2: 52). ولكن كإله «كان لِفَهْمِهِ لاَ إِحْصَاءَ» (مزمور 147. قارن: رومية 11: 33). وبهذا بوصفه المسيح الكائن البشري لم يكن يعلم وقت مجيئه الثاني، ولكن كإله كان يعرف كل شيء من البدء (إشعياء 46: 10).
كولوسي 1: 15: يقول بولس، «الَّذِي هُوَ [يسوع] صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ». وهنا يتم الاعتراض بالقول إنه وُلد وخُلق.
الرد: وهذا الاعتراض هو مثال على طريقة تناول نص خارج سياقه. ففي سياق الآيات (16 ـ 17)، يسوع هو الخالق، وفيه يقوم الكل. كما هو «بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ»، وهو الذي له الأولوية بفضل موقعه. وبهذا، فيسوع هو الأول على الخلق، وليس هو الأول في الخلق. خلافاً لأصحاب الاعتراض، فالآية شاهد قوي على ألوهية المسيح.
الرؤيا 3: 14: وفيها يُسمى المسيح: «بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ»، وهذا العبارة بالنسبة للشخص غير الخبير، تظهر أنها تعني هو أول من خُلق.
الرد: وهي ليست كذلك لعدة أسباب. أولاً، لأنه سيكون من التعارض لتعاليم الكتاب الواضحة أن يسوع هو أول من خلق (يوحنا 1: 3؛ عبرانيين 1: 3؛ كولوسي 1: 6). ثانياً، إن مصطلح مماثل «أول» يرد في خصوص «الله الرب» الموصوف «القدير» (1: 8: 18). ثالثاً. إن مصطلح «بَدَاءَة» يرد بخصوص الآب، الذي هو الله (21: 5 ـ 6). وبهذا، فيسوع هو البداية المطلقة، الأبدي. وهو بدء كل الأِشياء وليس فقط بدء الأِشياء المخلوقة (قارن: يوحنا 1: 3).
الاعتراض على أنه تناقض: يجادل البعض أن كلا الأمرين الله والإنسان تناقض. فهذا يناقض قانون عدم التناقض الذي يؤكد أنه: الله وليس الله (أي إنسان) في نفس الوقت هو تناقض.
الرد: إن هذا هو سوء فهم لطبيعتي المسيح ولقانون عدم التناقض. أولاً، هو سوء فهم لقانون عدم التناقض، الذي ينص على أن يكون الله وإنساناً ليس في نفس الوقت فحسب، ولكن بنفس المعنى. ولكن يسوع ليس الله في نفس معنى الذي هو إنسان. ثانياً، يسوع له طبيعتان، الأولى إلهية والثانية بشرية. ويمكن للمرء أن يكون أباً وزوجاً في الوقت عينه، ولكن ليس في نفس المعنى. ويسوع له طبيعتان متمايزتان، فهو الله في طبيعته الإلهية، وهو إنسان في طبيعته البشرية.
يوحنا 17: 3: يسوع صلى قائلاً: «وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ». فإن كان الأب هو الله وحده، فكيف يكون المسيح هو الله أيضاً؟
الرد: لقد قال يسوع أن الأب هو الله الحقيقي، ولكن لم يقل إن الأب فقط هو الله. في سفر التكوين (7: 23) جاء أن الله أزال العالم، فيقول، «وَتَبَقَّى نُوحٌ». من ثم يضيف في نفس الجملة: «وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ». وبهذا فاستعمال «فَقَطْ» بشأن نوح لا يعني أنه الوحيد في الفلك، وبالمثل، في إنجيل يوحنا (8: 9) يقول: «وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ» كما لو كان هو الوحيد الموجود. ولكن أضاف: «مع المرأة» التي كان قد جِيء بها بتهمة الزنى. وخلاصة القول، فالقول إن الأب هو الله الحقيقي لا يعني أن الأب هو الله وحده. وبالفعل، يكرر الكتاب المقدس القول إن يسوع هو الله (رومية 9: 5؛ عبرانيين 1: 8؛ تيطس 2: 13؛ كولوسي 1: 16؛ 2: 9).
يوحنا 10: 34: يسوع يقول: «أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟»، ولكن بالطبع لم يقصد هذا بالمعنى المطلق لأنه كان يقتبس من المزمور 82 الذي كان يتحدث عن شخصيات (ربما عن قضاة)، الذين يستمدون سلطانهم من الله. وبهذا فهم كانوا آلهة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة وليس بالمعنى المطلق.
الرد: صحيح أن يسوع استعمل كلمة «الله» (بالعبرية إلوهيم) التي يمكن أن تعني أحياناً المرء الذي أقل من الله. ولكن هذا الحجة من باب الأولى (تعني «مع قوة أعظم»). فهو يقول شيء من قبيل: «إن كان المرء الذي يمارس القضاء يمكن أن يُدعى «إلهاً» بمعنى مشتق من مصطلح أنهم يقفون في مكان الله، فكيف الأمر عندما يتعلق الأمر بابن الله الذي يدعى الله في المعنى المطلق» (كما هو أعلاه في كل الآيات). وهذا يتناسب بالضبط مع النصوص الأخرى التي أعلن فيها يسوع أنه كان قبل تأسيس العالم (يوحنا 1: 1 ـ 3؛ 17: 5؛ عبرانيين 1: 6)؛ وأن الملائكة سجدت له (عبرانيين 1: 6)؛ وأنه خلق الملائكة (كولوسي 1: 16)، وأنه خلق كل الأشياء (يوحنا 1: 3؛ كولوسي 1: 16). وهذا الأشياء لا يقدر أن يعملها إلا الله في المعنى المطلق.
تلخيص كل ما فات
بما أن الله موجود (الفصل 3)، فالمعجزات هي ممكنة (الفصل 4). وبالتالي، يمكن أن تأتي المعجزات لتأكيد دعوى من الله (الفصل 5). وبما أن وثائق العهد الجديد هي نصوص موثوقة تاريخياً (الفصل 6)، فإن يسوع أعلن حقاً أنه الله القدير في جسد بشري (الفصل 7). وقد قام بعمل ذلك بطرق مختلفة ومتكررة (كما وضحنا سابقاً). وقام اتباعه بنفس الإعلان عنه. وهذا هو الحال، وبقي أن ننظر إن كان ثمة تأكيد معجز على إعلان يسوع أنه الله. وهذا الموضوع هو محور الفصل القادم.
المسائل الاثني عشر |
· حياة يسوع الخالية من كل عيب أكدها أعداؤه وآخرون أيضاً · التأكيد غير المباشر من جانب الشهود الكذبة · عاش يسوع وعلم أعلى درجات أخلاق الموعظة على الجبل (متى 5 ـ 7) · الرد على نقاد المسيح ü الاتهام أن يسوع لم يكن «إنسانياً بالعمق» ü اتهام يسوع إنه كان لديه نزعة انتقامية ضد رؤساء اليهود ü الاتهام أن يسوع كان قاسياً · إن شخصيته الخالية من الخطيئة تضعه في فئة خاصة به وحده · إن شخصيته الخالية من الخطيئة تؤكد إعلانه أنه الله · لقد تم البرهنة على أن يسوع هو الله بالقيامة الخارقة للطبيعة ü إن يسوع مات جسدياً بالفعل ü إن يسوع قام جسدياً من بين الأموات بعد بضعة أيام ü الرد على بعض الاعتراضات على القيامة بالجسد |
|
1. الحقيقة حول الواقع قابلة للمعرفة 2. لا يمكن أن يكون كلا النقيضين صادقين 3. الله الواحد موجود 4. المعجزات ممكنة 5. يمكن أن تأتي المعجزات لتأكيد رسالة من الله 6. العهد الجديد نص موثوق 7. أعلن يسوع المسيح في العهد الجديد أنه الله 8. إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات 9. وبهذا، فيسوع هو الله الظاهر بالجسد. 10. كل ما أكّده يسوع (الذي هو الله) أنه الحق، فهو حق 11. يسوع أكّد أن الكتاب المقدس كلمة الله 12. إذاً، الحق أن الكتاب المقدس كلمة الله، ومزيف وكل ما يعارض هذا الحق الكتابي |
||
موجز الفصل: إعلان يسوع أنه الله تأكد بمجموعة فريدة من المعجزات. · لقد تبرهن أن يسوع هو الله بالنبوءة الفائقة الطبيعة ü غرض المعجزات في العهد القديم ü غرض المعجزات حسب العهد الجديد · تثبت أن يسوع هو الله بأحداث خارقة · تأكد أن يسوع هو الله بأحداث خارقة قام بها · البرهنة على ذلك بالحياة الخالية من الخطيئة بشكل فائق الطبيعة · الذين كانوا يعرفون يسوع بشكل حميم أكدوا كماله الأخلاقي الخالي من الخطيئة |
||
ملخص الفصل تظهر مختلف الحجج المتعلقة بالله أنه يوجد إله واحد فحسب، وليس آلهة متعددة. وهذا الإله يجب أن يكون سرمدياً لأنه وراء العالم المتناهي الذي صنعه. كما يجب أن يكون فرداً لأنه ذكي وأخلاقي، وكونه المصمم الذكي ومانح القانون الأخلاقي. بالإضافة إلى ذلك فهذا الإله روحي وفائق الطبيعة بما أنه وراء العالم الفيزيائي والطبيعي. وهو يقدر أن يعمل معجزات لأنه قام من قبل بالمعجزة الكبرى، وهي أنه خالق العالم. وبهذا، فالدليل يشير إلى وجود الإله الواحد، غير المتناهي، الذكي، الكامل، الفرد، وفوق الطبيعة. |
- عدد الزيارات: 879