Skip to main content

الفصل الرابع: غاية موت المسيح (1)

كتب الرسول بطرس عن موضوع غاية موت المسيح قائلاً في رسالته الأولى "فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا, البار من أجل الإثمة, لكي يقرّبنا إلى الله." (3: 18) وكتب أيضاً: "الذي حمل هو نفسه (أي السيد المسيح) خطايانا في جسده على الخشبة." (2: 24). أما الرسول يوحنا فقد كتب في رسالته الأولى: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهّرنا من كل خطية." (13: 7) وكذلك: "وهو – أي السيد المسيح – كفّارة لخطايانا." (2: 2).

وكاتب الرسالة إلى العبرانيين لخّص تعاليم كلمة الله في أيام العهد القديم قائلاً: "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة." (9: 22) "وإذ ذاك كان – أي السيد المسيح – يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم, ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليُبطل الخطية بذبيحة نفسه." (9: 26) وعندما رأى يوحنا الرسول السيد المسيح في رؤياه (أي فيما يُعرف الآن بسفر الرؤيا وهو آخر أسفار الكتاب المقدس) وصف لنا قائلاً: "هو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله." (19: 13).

وعندما نعود إلى صفحات العهد القديم (أي الكتاب في أيام ما قبل الميلاد) نلاحظ أن النبي أشعياء وصف المسيح المنتظر بهذه الكلمات: "وهو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا, تأديب سلامنا عليه, وبحبره شُفينا. كلنا كنم ضللنا, ملنا كل واحد إلى طريقه, والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه, كشاة تُسلق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ... قُطع من أرض الأحياء, أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي: أن جعل نفسه ذبيحة إثم ... يُبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها ... وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين." (نبوة أشعياء 53: 5 – 12).

وعندما عيّن الله الحمل كالحيوان الرئيسي لذبيحة الصبح والمساء لدى بني إسرائيل في أيام ما قبل الميلاد, فإنه تعالى اختار الحيوان الذي هو ذات الوقت عديم الضرر وأكثر لحيوانات الأليفة لطفاً وجاذبية. وهكذا فإن بني إسرائيل تعلموا أن الذبيحة كانت ضحية بريئة, وخطاياهم غُفرت لأن شخصاً بريئاً وباراً أخذ محلهم ومات عوضاً عنهم. وطبعاً لم يكن ذلك الحمل بل كان الحمل يشير إلى السيد المسيح الذي كان سيموت نيابياً وكفّارياً عن سائر الذين يؤمنون به.وقد دُعي السيد المسيح باسم "حمل الله" نظراً لأن عمله الرئيسي كان ذلك التكفير النيابي عن خطايا الناس, ذلك التكفير الذي صار أمراً واقعياً لدى موت المسيح على الصليب. وعندما ظهر المسيح أمام يوحنا المعمدان قال هذا الأخير لسائر الذين كانوا بالقرب منه: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم." (الإنجيل حسب يوحنا 1: 29) وكتب بهذا الصدد الرسول بطرس في رسالته الأولى: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب ... بل بدمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس: دم المسيح." (1: 18 و19).

ويصف لنا الرسو يوحنا في سفر الرؤيا المفديين من سائر الشعوب والأقاليم والأزمان كمن قد "غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف." 7: 14) أظهر السيد المسيح إذن في سائر أيام حياته على الأرض وكذلك بعد صعوده إلى السماء بأن عمله الرئيسي الذي كان سيستفيد منه الناس كان موته الكفّاري على الصليب.

وعلينا أن نلاحظ بهذا الصدد أن كلمة "دم" التي نستعملها في هذه الدراسات العقائدية عن الكفّارة يجب أن تُفهم ككلمة رمزية. وهي تُستعمل ككلمة مرادفة لموت المسيح الكفّاري وهي تشير إلى الدم الذي سُفك لأجل فداء شعب الله المؤمن بالمسيح يسوع. وهناك الكثيرون من الناس الذين يتعثرون من كلمة "دم" ويرغبون بأن يحصلوا على الخلاص والمصالحة مع الله تعالى بواسطة جهودهم الخاصة. ولكن كلمة الله التي تحتوي على كل ما يلزمنا معرفته بخصوص علاقتنا مع الله وحصولنا على مرضاته, تُعلّمنا ليس فقط بأننا لا يمكن أن نحصل على الخلاص بواسطة أعمالنا الخاصة, بل أيضاً أن الخلاص يتم بواسطة دم يسوع المسيح المسفوك.

هناك نحو 35 إلى 40 إشارة إلى دم المسيح على صفحات العهد الجديد. أما ي العهد القديم نجد إشارات لا تحصى إلى "دم" الممسوح أو المسيح والتي كانت تُستعمل في الرسوم والطقوس والتي كانت ترمز إلى المسيح وإلى عمله الكفّاري. والخلاص في كل العصور – أي في أيام ما قبل الميلاد وأيام ما بعد الميلاد – تم بواسطة المسيح يسوع وحده. وقدّيسو أيام ما قبل المسيح الذين عبدوا الله بطريقته المعيَّنة بالذبيحة والدم المسفوك كانوا ينظرون إلى المخلّص عينه كما نفعل نحن الذين نعيش في أيام ما بعد الميلاد! وقد قال الله تعالى لموسى النبي: "أن نفس الجسد هي في الدم, فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن أنفسكم لأن الدم يُكفَّر عن النفس." (سفر اللاويين 17: 11).

وبحسب الشريعة الطقسية في أيام نظام العهد القديم كانت الضحية أو الذبيحة دائماً تموت, ولذلك فإن الإشارة إلى دم الذبيحة إنما كان يعني: موت الذبيحة. وعندما نُعطي بيناً عن الفصح فإننا نُخبر في سفر الخروج (12) عن رشّ الدم وإنقاذ أبكار بني إسرائيل من الموت. وفي يوم الكفّارة السنوية كان على رئيس الكهنة أن يرشّ دم النور وتيس المحرقة على الغطاء وعلى قرون المذبح. (انظر سفر اللاويين 16: 1 – 34) ولم تكن طقوس الدم المتنوعة في تلك الأيام إلا رموزاً نبوية تشير إلى الذبيحة العظيمة التي كان سيقدمها السيد المسيح حسب الوقت المعين له من قبل الله.

  • عدد الزيارات: 4137