الصلب ليس عقوبة يهودية
"إن الشريعة الموسوية في مثل حالة المسيح كانت توجب الرجم، وليس فيها صلب لأحد وهو حي. وإنما يعلق المقتول على خشبة (تث 21: 21). أما الشريعة الرومانية فكان الصلب فيها للعبيد ولقطاع الطرق ونحوهم من أرباب الجرائم الدنيئة. إذن كيف صلب المسيح وعلى أية شريعة كان ذلك ... وكيف صلب معه لصان وليس في شريعة الرومان ولا شريعة اليهود صلب للصوص"[1]
التعليق:
تحت ضغط من اليهود، وفي محاولة من بيلاطس لإرضائهم صدر الحكم بصلب المسيح وهنا يثير الكاتب عدة اعتراضات تتعلق بذلك سوف نرد عليها:
1-الصلب ليس عقوبة يهودية:
وهذا صحيح فالصلب ليس عقوبة يهودية "ومن قديم الزمان عرف اليهود أربع طرق للإعدام وهي: الرجم والحرق، وقطع الرأس والشنق، وكان الرجم أكثر هذه الطرق شيوعاً ... واليهود لم يصلبوا قط رجلاً حياً، على أنهم كانوا يصلبون فقط جثث المجدفين وعبدة الأوثان، "لا يصلب إلا المجدف وعابد الوثن ولا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المعلق ملعون من الله" تث21: 23. وكانوا يصلبون جثة الرجل ووجهه إلى الجمهور، بينما كانوا يصلبون المرأة ووجهها إلى الصليب أو الشجرة التي كانت تصلب عليها"[2]
ولكن المسيح عندما صلب، كان ذلك طبقاً للشريعة الرومانية –وكما أوضحنا سابقاً- فإن سلطة إصدار حكم الموت كانت قد نزعت من اليهود، وذلك إتماماً للنبوة التي جاءت في سفر التكوين "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" تك 49: 10. وكلمة قضيب هنا تعني عصا السبط أو القبيلة. وقد كان لكل سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر عصا كتب عليها اسمه وهذه الآية تعني أن عصا سبط يهوذا لن تزول حتى يجيء شيلون، ونحن نعلم أنه خلال السبي البابلي لمدة سبعين سنة زال السلطان من سبط يهوذا، ولكن السبط لم يفقد "عصاه" وكان لهم قضاتهم ومشترعوهم حتى وهم في بلاد السبي (عزرا 1: 5، 8)
وقد توقع اليهود حدوث أمرين حالاً بعد مجيء المسيا:
1-زوال القضيب أو عصا سبط يهوذا
2-انهيار السلطة القضائية
وقد جاءت العلامة المنظورة الأولى على زوال القضيب من سبط يهوذا عندما حكم هيرودس الكبير (وهو ليس يهودياً) .... وقبل محاكمة المسيح بثلاثة وعشرين عاماً لم يعد لمجلس السنهدريم اليهودي حق إصدار أحكام الإعدام، فقد أخذت منه هذه السلطة وكان ذلك في عهد أرخيلاوس عام 11م.
ويقول التلمود: "قبل خراب الهيكل بأكثر من أربعين سنة سلب الرومان حق إصدار حكم الإعدام من اليهود"
ويقول الربى "رشمن": "إن أعضاء السنهدريم وقتها ذروا الرماد على رؤوسهم ولبسوا المسوح على أجسادهم، وصرخوا: ويل لنا. فقد زال القضيب من سبط يهوذا قبل أن يجيء المسيا"[3]
فالمسيح قد صلب طبقاً للشريعة الرومانية. فهل كان الصلب عقوبة رومانية؟
2-الصلب عقوبة رومانية:
"إن الرومان أخذوا الصلب عن القرطاجنيين، وكانوا أقسى شعوب الأرض في الزمن القديم، فعندما أخمد بومبي ثورة سبارتكوس صلب وشنق 6000 شخص في طريق إبيان، وكان الرومان يستثنون من عقوبة الصلب، على أنه في بعض الأحيان صدرت أحكام على بعض الرومان بالصلب في صقلية وإسبانيا. وعلى أي حال فقد كان الصلب عقوبة العبيد والمجرمين، وقد كثر استعمال هذه العقوبة لما زاد عدد العبيد في الإمبراطورية. وقد كانت تقام الصلبان بصفة مستديمة خارج المدن لإرهاب العبيد وكل من تحدثه نفسه بالثورة.
وفي الأقاليم الرومانية كان عقاب الصلب يوقع على المذنبين في جرائم القتل وقطع الطرق وقرصنة البحار وتدبير الفتن ضد الدولة.
وكان منظر الصلب مألوفاً لليهودية قبل وبعد المسيح، فقد صلب فاروس حاكم سوريا ألفين من الثوار بعد موت هيرودس الكبير، وكان الصلب ضريبة الوطنية المتعصبة التي بلغت قمتها أيام المكابييين.
ولما هاجم تيطس أورشليم غطى التلال المحيطة بغابة من الصلبان، ويقول يوسيفوس المؤرخ المشهور إن الجنود تعبوا من ابتكار طرق جديدة للتعذيب، لأن عقوبة الصلب أوقفت بسبب قلة الخشب الذي احتاج إليه تيطس في إقامة متاريس الحصار وفي سنة 70م خلا جبل الزيتون تماماً من الأشجار التي قطعت لاستعمال أخشابها في صنع الصلبان والسلالم لارتقاء التلال"[4] فالمسيح طبق عليه القانون الروماني كمثير فتنة ضد الدولة الرومانية، حيث أن التهمة التي وجهها له اليهود أمام بيلاطس "وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً إنه هو مسيح ملك" لو 23: 2. فالمسيح هنا يحرض على الثورة ضد الحكم الروماني.
3-لماذا طالب اليهود بصلب المسيح رغم أن هذه الوسيلة للعقاب ليست يهودية؟
ربما يتساءل أحد قائلاً: لماذا طالب اليهود بصلب المسيح وهذا العقاب ليس من الوسائل المستخدمة عندهم، ولماذا لم يطالبوا بقتله بطريقة أخرى من الطرق المعتادة لديهم مثل الرجم وغيره.
أعتقد أن هذا نتيجة جعل بيلاطس يسوع بمنزلة واحدة مع باراباس، لأن باراباس كان محكوماً عليه بالموت صلباً، فلو أجرى عليه الحكم لقتلوه صلباً، ولو طلبوا إطلاق سراح يسوع لصلب باراباس، ولكنهم طلبوا إطلاق سراح باراباس، فوقع الصلب على المسيح وقد كان غاية الرؤساء من صلب المسيح –الذي هو أقبح طرق العقاب- أمرين:
أ-التشفي والانتقام.
ب-أن يجعلوا اسم المسيح مكروهاً، حتى لا يلتفت أحد إلى دعواه بعد ورغم أن صراخهم قائلين "ليصلب" كان حدثاً غريباً أن يصدر عن اليهود، لأن الصلب كان عقوبة يطبقها الرومانيون، وكانت أمراً بغيضاً عند معظم اليهود، بيد أن ذلك كان النتيجة الحتمية لقرار إحضار يسوع إلى بيلاطس بتهمة سياسية، لأن هذه كانت الوسيلة المعتادة التي يعدم بها الرومانيون ثوار الأقاليم الخاضعة لهم[5]. وهكذا صدر الحكم صلب المسيح.
4-كيف صلب المسيح مع لصان وليس في شريعة الرومان ولا شريعة اليهود صلب اللصوص؟
الأرجح أن هذين اللصين هما من رفقاء باراباس وشركائه في الفتنة والقتل (مر 7: 15) وقد حكم عليهما قبلاً بالموت، ولو قضى على باراباس بالقتل لصلب على الأرجح بين هذين اللصين. فأخذ يسوع محله. وكان ذلك إتماماً للنبوة "وأحصي معه أثمة" (إش 53: 12). على أن بيلاطس لم يقصد سوى الإهانة[6]
وبالرجوع إلى الأصل اليوناني[7]، نرى أن الكلمة المترجمة في اللغة العربية "لصا" جاءت بمعنيين:
1-لص وتترجم في الإنجليزيةإلى
أ-Rabber وهذه الكلمة بالعربية تعني قاطع طريق أو سارق بالإكراه
ب-Insurre ctionist وهذه الكلمة تعني متمرداً أو ثائراً
وهذا المعنى جاء في:
مت 26: 25 كأنه على لص خرجتم بسيوف
مت 27: 38 حينئذ صلب معه لصان
مت 27: 34 بذلك أيضاً كان اللصان يعيرانه
لو 1: 30، 36 فوقع بين لصوص
يو 18: 4 وكان باراباس لصاً
2-لص: سارق وتترجم بالإنجليزية thief وهذه الكلمة جاءت في عديد من المواضع منها:
مت 6: 19 حيث ينقب السارقون ويسرقون
مت 23: 24 في أي هزيع يأتي السارق
يو 10: 1 فذاك لص وسارق
مما سبق نرى أن الكتاب المقدس يفرق بين لص وسارق وبين قطاع الطرق والثوار والمتمردين، ومن هنا يكون اللصان الذين صلبا مع المسيح من الثوار السياسيين وهي نفس التهمة التي وجهت للمسيح.
ولا ننسى أن نضيف في الختام أن المسيح قد صلب لأنه قد سبق وتنبأ عن كيفية موته صلباً في حديثه مع نيقوديمس. "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" يو 3: 14-16.
وما دام المسيح قد تنبأ فلا بد أن يتم المكتوب.
(89) عقيدة الصلب والفداء. ص 81.
(90) في خطوات المسيح. هـ.ف.مورتون. تعريب د.عزت ذكي ط1. سنة 1971. ص 260.
(91) برهان يتطلب قراراً. جوش ماكدويل. تعريب د.القس منيس عبد النور. ص 210-211.
(92) في خطوات المسيح. ص 260-261.
(93) الكنز الجليل. جـ1. ص 503.
(94) التفسير الحديث. متى. ص 435.
(95) أ-الفهرس العربي لكلمات العهد الجديد اليونانية. القس غسان خلف.
ب-القاموس العصري. الياس أنطوان الياس.
جـ-The Greek. N. T. dit.,
- عدد الزيارات: 1421