استيقظ أيها النائم!
إذا ما تأملنا في مشكلات اليوم وتساءلنا عن كيفية معالجتها معالجة سليمة لا بد لنا قبل كل شيء من ذكر بعضها لنكون على بيّنة منها. نبدأ بالكلام عن موضوع الانفجار السكاني. وقد يقول قائل: هل يشكل هذا مشكلة وأرضنا مأهولة بالناس منذ فجر التاريخ؟ والجواب هو أن أرضنا هذه لم تكن مكتظة بالناس مثلما وصلت إليه في السنين الأخيرة من القرن العشرين. فمنذ فجر التاريخ حتى أوائل هذا القرن لم يزد عدد سكان الأرض على أكثر من مليار نسمة. أما الآن ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين صار عدد سكان الأرض يزيد على خمسة مليارات نسمة. أين وكيف نجد المسكن والغذاء والدواء والتعليم والعمل لجميع أفراد البشرية؟
زد على مشكلة تكاثر السكان مشكلة قلة الموارد الطبيعية والتصحّر أي انتشار الصحاري في أماكن عديدة من العالم وقلة الموارد المائية والتلّوث وارتفاع درجة الحرارة بشكل مضطرد وحدوث فجوة في طبقة الأوزون المحيطة بالكرة الأرضية وهذه الطبقة تقي البشرية من أخطار الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس والتي قد تحدث سرطان البشرة. ما أكثر مشكلات العصر الحاضر وما أشدّها تعقيداً!
ويمكننا الكلام عن تكاثر الأمراض المستعصية كالسرطان وأمراض القلب والوباء الحديث المعروف بالإيدز أو السيدا أي انعدام المناعة المكتسب والذي يحل بالعديدين من الناس الذين يتعاطون المخدرات أو الذين ينغمسون في اقتراف الخطايا الجنسية. وهذا الوباء الجديد الذي لم يكن معروفاً في الماضي صار يهدّد جميع أنحاء العالم وهو ينتشر بسرعة كبيرة لم يعرف لها مثيل في تاريخ البشرية.
مشكلات عالمنا متكاثرة ومتزايدة والحلول التي تعرض علينا ليست بشافية وحالة أيامنا تزداد من سيء إلى أسوأ. ما العمل؟ إلى أين نلتجئ؟ إلى من نذهب؟
يكمن الجواب في رجوعنا إلى الله وإطاعة وصاياه التي سنّها لنا لتمكّننا من السير على الطريق المستقيم, طريق الصلاح والفلاح. وقد بحث في هذا الموضوع الهام بولس الرسول في رسالته إلى أهل الإيمان في أفسس. وفي القسم الأول من الفصل الخامس من هذه الرسالة تكلّم الرسول عن أمور أخلاقية هامة:
فكونوا إذن متمثّلين بالله كأبناء أحباء. واسلكوا في المحبّة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا تقدمة وذبيحة لله, رائحة طيّبة.
بنى الرسول أخلاقيات المؤمنين على أساس عقائدي متين ألا وهو الإقتداء بالله في معاملاته معنا نحن بني البشر. وعلينا أن نذكر نحن الذين آمنا بالمسيح يسوع أننا قد افتدينا بدمه الزكيّ ومنحنا الصلاحية بأن ندعى أبناء لله. فمن اختبر الخلاص ينظر إلى سيرة المسيح التي كان طابعها الأساسي المحبة. ظهرت محبة المسيح على أوجها عندما قدّم نفسه تقدمة وذبيحة للتكفير عن خطايانا.
كان الزنى منتشراً إلى هكذا درجة في الأوساط الوثنية في أفسس وفي سائر العالم المتوسطي في القرن الأول من الميلاد, حتى كان الناس, من مثقّفين وأميّين, منغمسين في تلك الخطية. ولم يعودوا يفقهون أن الزنى هو من أشنع الخطايا وأنه كان على كل مؤمن ومؤمنة بأن يبتعدا عن الزنى وكأنه الوباء الروحي المميت. ويجدر بنا أن نذكر أن عالمنا اليوم ليس بأحسن حال من عالم القرن الأول وأن الخطايا الجنسية المتعددة أصبحت ترتكب من قبل العديدين من الرجال والنساء والشباب والشابات بدون خجل أو وجل. لكن الله لا يشمخ عليه وها إن الأمراض الجنسية العديدة القديمة منها والحديثة, صارت تفتك بالناس وكأنها الطاعون. ولكن هل يرعوي الناس من غيّهم؟ كلا. يقول العديدون من قادة الفكر للجيل الطالع أن ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج هو أمر طبيعيّ واعتيادي كالأكل والشرب وممارسة الرياضة. وفي بعض اللغات الأجنبية لا يتكلّمون عن خطية الزنى بل ابتدعوا مفردات جديدة بخصوص كاسري الشريعة الإلهية في هذا المضمار وصاروا يقولون عن مرتكبي الزنى بأنهم عاملون أو منشغلون جنسياً! لكن تغيير وتحوير المفردات لا يقلّل من فداحة هذه الخطية ولا من عواقبها الوخيمة.
لا يقبل الله هكذا أعذار واهية بل يحذّرنا بواسطة هذه الكلمات الرسولية قائلاً:
وأما الزنى وكل نجاسة أو طمع, فلا يذكرنّ اسمها فيما بينكم, كما يجدر بالقدّيسين, وكذلك القباحة والكلام السخيف والسخرية, مما لا يليق, بل بالحري الشكر. فإنكم تعلمون هذا يقيناً: أنّ كل زان أو نجس أو طمّاع- وهو عابد وثن- ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله. لا يغرّنّكم أحد بكلام باطل, فإنه من أجل هذه الأمور يحلّ غضب الله على أبناء المعصية. فلا تكونوا إذن شركاءهم. فإنكم كنتم مرّة ظلمة, أما الآن فأنتم نور في الرب, فاسلكوا كأبناء نور. فإن ثمر النور هو في صلاح وبرّ وحقّ. فاختبروا ما هو مرضيّ لدى الرب. لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحريّ اكشفوها, فإنه تقبح أيضاً ذكر الأمور التي يفعلونها سرّاً. ولكن كل ما يكشف يظهر بالنور يصبح واضحاً لأن كل ما يتّضح فهو نور. لذلك يقال: استيقظ أيّها النائم وقم من بين الأموات, فيضيء لك المسيح!
حل مشكلاتنا الأخلاقية لا يكمن مثلاً في إعطاء تعليمات للجيل الطالع عن تفادي الوقوع في الأوبئة التي تصاحب الكثير من الخطايا الجنسية, بل في التحرّر من براثنها بمعونة الله وبقوة المسيح الفدائية. يعيش الناس في ظلمة روحية دامسة وهم لا يدرون بها ويظنون أن الظلام الذي يكتنفهم هو أمر طبيعي. لكن الله من فرط محبتّه لنا نحن البشر ينادي كلاً منا قائلاً: استيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات, فيضيء لك المسيح!
وكان الرسول بولس عالماً كل العلم بأنّ الذين آمنوا بالمسيح واختبروا الخلاص في أفسس وغيرها من مدن العالم المتوسّطي, ظلّوا يعيشون في بيئتهم التي كانت بيئة متعبّدة للأوثان. ولذلك ناشدهم مراراً وتكراراً ليعيشوا كأبناء النور. ونلاحظ أن أسلوبه التعليمي كان يحتوي على كلمات سلبية تحذيرية وفي نفس الوقت كان الرسول يذكر أموراً إيجابية تشجيعية. فكتب قائلاً:
انظروا بتدقيق إذن كيف تسلكون لا كجهلاء بل كحكماء, منتهزين الفرصة لأن الأيام شريرة. لذلك لا تكونوا أغبياء بل افهموا ما هي مشيئة الرب. ولا تسكروا بالخمر التي فيها الخلاعة, بل امتلئوا بالروح, مكلّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأناشيد روحية, مترنّمين ومرتّلين بقلوبكم للربّ. شاكرين الله الآب كل حين على كل شيء باسم ربّنا يسوع المسيح.
ومن الجدير بنا أن نتعلّم من كلمات بولس هذه أن الخلاص الذي نادى به سائر أنحاء بلاد المتوسط والذي اختبره العديدون من معاصريه كان لا بدّ له من أن يطبّق في الحياة اليومية المعاشة. وهكذا أفهم المؤمنين والمؤمنات أن الرجوع إلى الحياة القديمة كان يتعارض بشكل تام مع حالتهم الجديدة أي مع كونهم خالصين. ونظراً لكثرة الشرور والآثام المنتشرة في المحيط الوثني المتفسّخ كان من واجب الذين آمنوا بالمسيح يسوع المخلّص أن يسلكوا في الدنيا كحكماء لا كجهلاء. وهذا يعني أن أعداء الله والمسيح كانوا يحاولون بأن يوقعوا حديثي الإيمان في الخطايا الجنسية, طالين إياها بطلاء يخفي شرّها وقباحتها. وبما أن عبّاد الأوثان كانوا يسكرون قبل انغماسهم في ارتكاب المحرّمات, ناشد الرسول أهل الإيمان بألا يسكروا بالخمر.
ولم يشأ الرسول بأن تكون مجمل تعليماته مصبوغة بصبغة سلبية ولذلك طلب من المؤمنين والمؤمنات بأن يمتلئوا بالروح أي بالروح القدس. وهذا يعني أن يخضعوا لتعاليم ولقيادة الروح للصمود في وجه التجارب القويّة التي كانت تكتنفهم. ولم تكن هذه التعليمات موجّهة إلى المؤمنين كمجرد أفراد منعزلين عن بعضهم البعض, بل كان عليهم أن يساهموا في تقوية إيمانهم المشترك ضمن أخوية المعتقد المسيحي وذلك بالترنم والتسبيح لمجد الله خالقهم وفاديهم ومحييهم إن كان ذلك في بيوتهم أو في أمكنة العبادة التي كانت تجري في أول يوم من كل أسبوع.
ذكرنا في بادئ بحثنا هذا موضوع تكاثر مشكلات العالم وصعوبة حلّها وذلك فيما إذا اتكلنا على حكمتنا البشرية المحدودة. ولكننا إذا ما التجأنا إلى الله القدير وعملنا بكلمته وقبلنا خلاصه العظيم الذي أتمه لنا في شخص المسيح, نكون آنئذ قد ابتدأنا في مسيرتنا على الطريق المستقيم المؤدي إلى حل معضلاتنا الحياتية.
وخلاصة القول إن الخلاص الذي أتمه لنا يسوع المسيح عندما مات عنا على خشبة الصليب وقام منتصراً في اليوم الثالث, ليس عبارة عن موضوع كلامي بحت, بل إنه واقع حياتي يترجم إلى سيرة متلائمة مع المشيئة الإلهية. ساعدنا الله جميعاً لنكي لا نكتفي فقط بقراءة كلمته المقدّسة بل نكون من العاملين بها لخلاص نفوسنا.
- عدد الزيارات: 5409