Skip to main content

الفصل الثاني والعشرون: دروس من العلم

فأخبرها سليمان بكل كلامها... فقالت للملك:... ليكن مباركاً الرب إلهك" (2 أخبار9: 2، 5، 8).

علّمني الرب خلال دراستي لهذا الموضوع على مرّ السنين أن أقبل كل شيء في الكتاب المقدس من دون تفسيره بشكل يلائم أفكاري وآرائي مهما كان مصدرها.

لقد تعلّمت أنه عندما أنظر إلى الكتاب المقدس بجدية، لا أعود أواجه أية صعوبة في قبول الحقائق المدونة داخله: لقد خلقنا  الله على صورته لكي نعيش معه. لقد تم ذلك قبل آلاف السنين واستغرق حصوله  ستة أيام، بالمعنى الحرفي للكلمة. ونحن ننتمي إلى الجميع الذين "أخطأوا  وأعوزهم مجد الله" (رومية 3: 23). لكن الله أحبنا محبة عظيمة حتى أرسل الرب يسوع ليموت على صليب الجلجثة بديلاً منّا. والكتاب المقدس يخبرني بحاجتي إلى التوبة وإلى قبول الرب يسوع مخلصاً شخصياً حتى أحصل على غفران خطاياي والحياة الأبدية. وعندئذِ فقط، يترتب عليّ أن أطيع أمره وأعتمد. وبعد معموديتي، وعلى أثر شهادتي للعالم عن أن المسيح أصبح الآن الأول في حياتي الجديدة، يجب أن أتذكره دائماً وبالطريقة التي عينّها هو، وهكذا أكسر الخبز مع المؤمنين: "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19).

إذا قبلنا كلمة الله بمعناها الحرفي، فعندئذٍ سنعرف أن الرب تركنا في العالم لسبب رئيس، هو ربح النفوس. فلماذا بات هذا الاختبار نادراً بهذا الشكل؟ ولماذا أصبحت كنائسنا المحلية تعاني انخفاضاً حاداً في عدد أعضائها، بل تُقفل أبوابها في بعض الحالات المأساوية؟ ولماذا ينقطع بعض شبابنا عن حضور اجتماعات الكنيسة، ولا سيما بعد التحاقهم بالجامعات؟

إن الجواب عن هذه الأسئلة كلّها يكمن، في نظري، في توقفنا عن قبول الكتاب المقدس بحرفيته. فنحن نسرّ في المساومة مع العالم على كل جانب من جوانب حياتنا الجديدة تقريباً. لكن الرب يريد أن يباركنا. كما أنه يرغب في صنع عجائب في وسطنا، بل أعظم عجيبة على الإطلاق: خلاص النفس البشرية. فلنكن مخلصين مع أنفسنا أمام الرب: متى كانت آخر مرة أتينا بنفس إلى المخلّص؟ ومتى حصلت أمامنا آخر ولادة جديدة؟

كيف نفسّر ندرة حدوث هذا الأمر؟ فالرب هو هو ولم يتغيّر. وإرادته من جهة الناس هي آن يخلصوا، وهذا ما جعله يمشي الدرب كله حتى الصليب. لكن المشكلة تكمن فينا. ففي يشوع 3: 5 تطالعنا العبارة التالية: "تقدسوا لأن الرب يعمل غداً في وسطكم عجائب". إذاً القداسة شرط ضروري يجب أن يسبق حصول المعجزات.

لقد دخل وروحه جميع أوجه حيواتنا، في حين يريد لنا الرب أن نأخذ كلامه بكل جدية قبل أن يصنع أية عجائب في وسطنا. "إن محبة (صداقة باللغة الأصلية) العالم عداوة لله" (يعقوب 4: 4). ونحن كثيراً ما نتجاهل هذه الكلمات العنيفة، وهكذا نسمي مذنبين إذ نقف عائقاً في سبيل حصول نهضات وانتعاشات.

لنعمل الآن على توضيح ما سبق بواسطة مثل أو مثلين. ولنطرح أولاً موضوع اللباس. غالباً ما يكون حالنا أن هذا الأمر ليس على قدر كبير من الأهمية. ثم ينتهي بنا المطاف ارتداء ملابس تجلب العار على اسم المسيح ربنا. لكنْ نعلم أن الله قتل أول حيوان في التاريخ بقصد تأمين مآزر لآدم وحواء عوضاً عن أوراق التين:"وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا" (تكوين 3: 21). وهذه اللفظة "أقمصة" استُخدمت في ثياب هارون التي تغطي الجسد كله. إذاً يذكر لنا سفر التكوين الأساس وراء الثياب، ثم يعود العهد الجديد ويسهب عنه في سياق تعليمه عن الحشمة (1 تيموثاوس 2: 9). وما أكثر المسيحيين المؤمنين اليوم الذين استعادوا اعتماد أوراق التين، متجاهلين جميع تعاليم الكتاب المقدس المختصة بالحشمة، وذلك كلُّه لأننا لا نريد أن نوجد مختلفين عن سائر أفراد المجتمع.

أو لنتحدث قليلاً عن المشروبات الكحولية حيث نجد الكثيرين، بمن فيهم أولئك الذين يُفترض عليهم أن يكونوا أمثلة للآخرين، يسوغون تناولها. وإن كنا نحن المؤمنين نرغب في تجاهل جميع الآيات التي تحذرنا من شرب الكحول ومن التواجد مع شريبي الكحول، فكيف باستطاعتنا تجاهل تعليم الرب الصريح عن ضرورة تجنب إلقاء معثرة أمام الآخرين حين قال: "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ" (مرقس 9: 42). إن هذه الكلمات لسامية وجليلة، إنها كلمات الله المدونة في الكتاب المقدس. ونحن نحاول مجاراة العالم ومسايرته لكي نكون بحسب تعبير بعضهم: "أناس طبيعيون". وهكذا ننسى أننا كأولاد لملك الملوك ورب الأرباب علينا أن نتصرف "كسفراء عن المسيح" (2 كورنثوس 5: 20)، "وكجنس مختار وكهنوت ملوكي أمّة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1 بطرس 2: 9). من هنا ضرورة أن نسلك "بحكمة من جهة الذين هم من خارج مفتدين الوقت" (كولوسي 4: 5).

يبين هذان المثلان أننا نتحدى سلطان كلمة الله حين نعمل ما تمليه علينا طبيعتنا القديمة، وهكذا نشاكل العالم. فلنفحص إذاً حيواتنا في ضوء مقاييس الله وليس في ضوء ما هو مقبول في المجتمع. فعندما نتواضع أمام الرب، كأفراد وجماعات نخصّ الله، ونسأله تعالى، أن ينظر إن كان فينا طريقاً باطلاً وأن يهدينا طريقاً أبدياً (المزمور 139: 24)، وعندما نحن شعب الله نقبل كلمته بمعناها الحرفي، ونعمل بها في جميع جوانب حيواتنا، راجين منه أن يغفر لنا ويسيطر علينا بروحه القدوس، فعندئذٍ سيصنع الله عجائب في وسطنا، والنفوس ستخلص بأعداد غفيرة كما وعدنا الله في كتابه، وليس نفس واحدة في السنة. وفي هذه الحال، ستنمو الجماعات ويزداد عددها من طريق الولادة الجديدة وليس من طريق نزوح المؤمنين من منطقة إلى أخرى؛ كما أن حضور الرب سيبرز بشكل واضح في وسطنا.

ولنبدأ نحن المؤمنين بحيواتنا الخاصة، مسلّمين كل شيء بين يدي الرب الذي أحبنا إلى المنتهى. وكجماعات من شعب الله، لنخصص المزيد من الوقت على ركبنا سائلين الله إرشادنا ومساعدتنا على العيش في حياة مقدسة، "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم" (1 تسالونيكي 4: 3). وفي حال سقطنا أو أخفقنا أحياناً، لنحرص على عدم إنزال مقاييس الله إلينا تبريراً لأوضاعنا، بل لنسقط بالحري على ركبنا طالبين إلى الرب الغفران والقوة لكي نعود ونعيش في الحياة المنتصرة بقوة الروح القدس الساكن فينا. وبعد ذلك، لنتوسل إلى الرب من أجل النفوس التي تمضي كل يوم إلى أبدية مظلمة، ومن جملتهم أفراد من عائلاتنا وأصدقاء وأشخاص نحبهم. وكم مرة وضب الرب نصب عيني التحدي التالي: كيف باستطاعتي أن ألزم الصمت حيال الناس الذين أحتك بهم يومياً، ما دمت أؤمن فعلاً بوجود جهنم حقيقية؟

وبوصفنا مؤمنين، لنَفْتَدِ الوقت (أفسس  5: 16)، ونكرز بالإنجيل في وقت مناسب وغير مناسب. والوقت هو دائماً ملائم للكرازة بالإنجيل "فويل لي إن كنت لا أبشر" (1 كورنثوس 9: 16). لكن واأسفاه، استعضنا أحياناً كثيرة عن الكرازة بالإنجيل بالنشاطات الاجتماعية و"وببناء الجسور". كما أن أولوياتنا وأساليب خدمتنا تتحول أكثر فأكثر عن الأساس الكتابي إلى التنظيمات البشرية والمهارات التسويقية. ثم نعجب لماذا لا يخلص الناس. تراودني باستمرار أفكار حول الضيقات التي كان سيكابدها جميع من كانوا على متن الفلك مع نوح لو أن هذا الأخير عزم على استخدام منطقه البشري ومهارته لإدخال بعض "التحسينات" على مقاييس الله للفلك. فلا بديل إذاً لإطاعة كلمة الله بالتمام إن كنا نرغب في العيش بموجب مشيئته تعالى. وفي حال اختلطت علينا الأمور، ينبغي لنا ألاّ نجازف بل نرضى بالحري بتضحية كل شيء في سبيل الرب متجنبين مغبّة إحزان الروح القدس. "إكليل المجد" (1 بطرس 5: 4) في انتظارنا، وسيأتي وقت حين "كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله" (رومية 14: 12). فلنبدأ الآن، لأن اليوم هو وقت مقبول. ففي نظري أن الله يجعل أمامنا، نحن شعبه، تحديات عظمى في نهاية هذا القرن. وهو يتوقع منا تجاوباً. فلنقدم له أجسادنا بكل محبة وخضوع  "ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله" (رومية 12: 1)، لأنه لن يبقى إلى ما لا نهاية واقفاً عند باب قلوبنا يقرع. ولنثبت عيوننا على الرب يسوع، لكي ترتفع قلوبنا في العبادة بكل خشوع "للذي أحبنا وقد غسّلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا 1: 5).

  • عدد الزيارات: 3200