Skip to main content

اللصّ التائب

(لو 23:39-43)

قال أحدهم في الإنكليزية ما ترجمته: "اثنان نظرا من خلف قضبان السجن، وحدا رأى الثرى والأخر رأى الثريا"

هذا هو الفرق بين اللصين المجرمين اللذين صلبا إلى جانبي يسوع. الأول رأى في يسوع إنسانا ضالا و مضلا، فانبرى يتهكم و يجدف و يرمي يسوع بلاذع الكلام. و في موقفه هذا كان يمثل الكثيرين من الناس الذين لم يروا في المسيح أكثر من شرلطان دجال.

ففي نظر الجنود كان المسيح ملكا مزيفا فاستهزأوا به.

و في نظر الرؤساء كان يسوع إنسانا لا حول ولا قوة.

و في نظر الشعب كان أفّاكا و محتالا دعيَّا.

أما اللص الثاني فقد رأى فيه ما لا تراه أعين البشر العاديين، و في موقفه هذا كان يمثل الأقلية الضئيلة التي تقف إلى جانب الحق و تعرض عن الباطل...

كيف عرف الرجل هوية المصلوب في الوسط؟ هل استطاع ذلك بذكائه و مهارته؟ أم أن أحدا أعلن له ذلك. أن الجواب عن هذا السؤال نجده في كلمات الرب لتلميذه بطرس: "أن لحما و دما لم يعلنا لك ذلك بل أبي الذي في السموات". أي أن الله أعطاه بصيرة ليعرف الحق، واشرق في قلبه لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. بكلام آخر: بالإيمان وثق بما يرجى وايقن بأمور لا ترى. فما كان منه إلا أن نظر إلى يسوع _ وهو يلهث و يعرق و ينـزف و يتألم _ و قال له: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك".

فماذا رأى اللص التائب يا ترى؟

رأى يسوع المعصوم.

كانت الجموع تحيط بالصليب -جموع هائجة، حاقدة، غاضبة، شامتة، و كأن جنونها قد جن. فراحوا يهزأون و يكيلون له الشتائم والتهم و مرِّ الكلام حتى افرغوا كل ما في جعبتهم من سهام مسمومة.و كان قصدهم أن يظهروه بمظهر المجرم المذنب الخاطئ. فكان يسوع في وسطهم كحمل تمزقه أنياب الذئاب،و كوردة تجرحها وخزات الأشواك و كعصفور تنقض عليه الكواسر.

من جهة أخرى، كان اللص التائب، ذوالرأي الصائب، يتأمل يسوع مليا و كأنه أحس أنه واقف على أرض مقدسة،وان عينيه أبصرتا رب الجنود. و من يدري فلربما قال في نفسه:

لو كان يسوع شريرا فلماذا لا يرد عليهم بالمثل؟

لو كان يسوع مجدفا فلماذا يصلي من أجلهم؟

لو كان يسوع محتالا فلماذا ينظر إليهم بأسى؟

لو كان يسوع مجرما فلماذا يقابل البغضة بالمحبة والقساوة بالرحمة؟

و لما رأى زميله ينضم إلى المجدفين و ينهال بعباراته الجهنمية على المخلص، انتهره قائلا: "أما نحن فبعدل لأننا استحقاق ما فعلنا، أما هذا (أي يسوع) فلم يفعل شيئا في غير محله.

يا للعجب: لص أدرك ما لم يدركه العلماء والرؤساء و من كان يسير في ركابهم _ أدراك أن المسيح هو قدوس الله المعصوم عن الخطية والخطأ.

رأى يسوع الملك .

فمع أن أعداء المسيح جعلوا منه الملك الأضحوكة إذ ألبسوه ثوبا ملوكيا ووضعوا على رأسه تاجا من شوك (عوضا عن تاج الذهب) و قصبة في يمينه (عوضا عن الصولجان) و رفعوه على صليب (عوض العرش) و قدموا له كأس مرارة و ولاء استهزاء.

و مع أن بيلاطس كتب هزءا و تجريحا عبارة "ملك اليهود" على الصليب، إلا أن أحد من الناس لم يكن يفكر في ذلك اليوم _ يوم الصلب _ بملك المسيح بمعناه الصحيح لكنما اللص التائب أدراك و فهم أن يسوع ملك حقيقي فصرخ من أعماق نفسه "اذكرني... متى جئت في ملكوتك (أي مملكتك").

الناس اليوم كالناس بالأمس: حفنة قليلة تعرف يسوع على حقيقته أما الباقون فمنهم من يناصبه العداء و منهم من يكرمه بشفتيه أما قلبه فمبتعد عنه بعيدا.

فليعلم الذين لسان حالهم "ليس لنا ملك إلا قيصر" إنه سيأتي الوقت الذي فيه ستجثو كل ركبة ممن في السماء و على الأرض و تحت الأرض لذاك الذي دفع إليه كل سلطان في السماء و على الأرض.

و ليعلم الذين لا يريدون أن يملك يسوع عليهم أنهم سيسمعون صوته قائلا: "أما أعدائي هؤلاء الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم ههنا واذبحوهم قدامي".

رأى يسوع المقام .

نعم هو رأى يسوع يقاسي غصات المنون وسمعه يقول "قد أكمل" و "في يديك أستودع روحي" و من ثم رآه ينكس رأسه و يلفظ نفسه الأخير. لكنه في الوقت ذاته رآه حيا... مقاما من الموت. هذا ما عناه بقوله: "اذكرني متى أتيت...." و كأن هذا اللص يقول في نفسه: لا ليست هذه نهايتك يا يسوع. أنت أقوى من الموت. و سيأتي يوم تقوم فيه و تدخل إلى ملكوتك. و عند دخولك أرجو الا تنساني. فطمأنه الرب بأنه سيكون معه في الفردوس.

نعم مات يسوع على الصليب لكنه حي مقام. و قد رأى اللص التائب القيامة قبل أن تتم. كل ذلك شوهد بعين الإيمان.

واخيرا رأى يسوع المخلص .

قال ليسوع: اذكرني (أنا شخصيا). لم يصلكما يصلي بعضهم في هذه الأيام قائلين: اذكرنا، خلصنا، اقبلنا، بل صلى بصيغة المفرد والسبب أنه نظر إلى يسوع مخلصا شخصيا. و هذه هي المسيحية في صميمه _ أنها ديانة شخصية. و هكذا رفع قلبه قائلا : "اذكرني"

اذكرني أنا الخاطئ الأثيم واللص الزنيم.

اذكرني أنا الغارق في الذنوب والعيوب.

اذكرني واقبلني و خلصني.

كل هذا ولم يكن لديه كتاب مقدس.

كل هذا ولم يحضر خدمة في كنيسة.

كل هذا ولم يقابل مبشرا أو وعظا.

كل هذا ولم يقرأ نشرة أو نبذة دينية. لكنه فتح للرب قلبه والرب فتح له فردوسه.

أخي: حين تنظر إلى يسوع بعين الإيمان ترى ما رآه هذا الرجل: ترى يسوع المعصوم، الملك، المقام، المخلص، فضلا عن أنك ستتمتع بما "لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال بشر".

صـــلاة: هبنا البصيرة الروحية لكي نراك يا يسوع و نرى أنفسنا.واعط كلا من القراء أن يطلبك شخصيا و يختبرك مخلصا لحياته. أمين.

  • عدد الزيارات: 5822