Skip to main content

غفران متجدد- عند رد النفس

هناك فرق بين عدم المقدرة على البصر وبين فقدان البصر. فالشخص الذي تدخل جزئيات من التراب في عينيه ليس بمقدوره أن يتمتع بالنظر أكثر من الضرير. ومع هذا فلا يُفهم أنه قد فقد بصره فمتى أزيلت جزئيات التراب من العين تعود الرؤية بكل وضوح. وهكذا بنفس الطريقة فقد يكون المؤمن بسبب دخول الشر محاولاً بصورة عملية من التمتع بالعلاقة مع الآب وكأنه لم يكن متمتعاً بها من قبل. ومن المهم أن نرى تلك العلاقة باقية دون أن تتعكر. فالعلاقة لا تعتمد على تمتع الشخص بها, بل أن تمتعه بها يعتمد على سيره بما يتفق مع هذه العلاقة.

وعندما نتناول هذه النقطة في موضوعنا فهناك ما يقودنا إلى التواضع العميق ومع ذلك ففيه الكثير من الإنعاش لنفوسنا. فإننا إزاء فشلنا المخجل نشعر بالندم في ضوء محبة المسيح الغامرة وبدلاً من أن تتناقض محبته لنا إزاء فشلنا المتكرر, فإنها تفتح طريقاً جديداً لتُظهر نفسها. وهكذا نقرأ "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار" (1يو2: 1). إنه لا يكتفي بأن يأخذ مكاننا في القضاء الإلهي بل إنه يتبنى مطالبنا في المجد. إنه لن يتخلى عن شعبه مطلقاً, يا لها من نعمة!.

إن عمل الصليب لن يتكرر أبداً, فهو كالمخلص الذي أخذ على عاتقه مسألة دينونة الخطية. إن هذه المسألة قد حُسمت إلى الأبد لدى المؤمن, عندما صرخ "قد أكمل" ومن الناحية الأخرى فإن عمله كالشفيع السماوي لم ينته بعد, ولن ينته حتى تعبر كل الكنيسة المفدية خارج مشهد الخطية إلى الأبد.

وتجب ملاحظة أن المسيح يمارس وظيفته كالشفيع البار عندما نخطئ, لا عندما نتأسف على الخطأ. وقد يبدو هذا الأمر صعب الفهم لدى النفوس, إن توبتنا ورد نفوسنا كمؤمنين هي من نتائج شفاعته, وليست سبباً لها.

هذا هو الجانب الذي يقوم به المسيح لرد نفوسنا. ولنأتِ الآن إلى دورنا نحن: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 9). هل هناك أكثر سهولة من هذه الكلمات إنها تعلمنا بكل وضوح أن أخطاءنا المُعترف بها هي مؤكدة للغفران.

وكم هي مؤكدة وراسخة هاتان الكلمتان: "أمين" و"عادل". إنها تذكرنا بذلك البار الذي استوفى كل مطاليب عدالة الله، وبذلك لن يتكرر الصليب مطلقاً. وما لم يكن المسيح قد حسم بعدل مسألة خطايانا على الصليب، فلا يكون بمقدوره أن يدافع بعدل عن قضيتنا أمام العرش. وكونه يطالب بالعفو عن المعاصي دون أن يكون قد اجتاز آلام الموت، معناه أنه يطالب الله أن يتجاوز عن خطايانا بدون دينونة لها –وهذا مستحيل مطلقاً! ولكنه "تألم لأجل الخطايا، البار لأجل الأثمة، لكي يحضرنا إلى الله". ولذلك فإن الله "أمين وعادل" لكي يغفر لنا خطايانا في اللحظة التي نعترف بها أمامه.

ويا للأسف فإننا نتباطأ في الوصول إلى رد النفس. فالخطأ غير المحكوم عليه والذي لا نعترف به ينشئ برودة كامنة في قلب من سقط. وبدلاً من الاعتراف الصريح والواضح يكون هناك سكوت مخادع مع أنه خلال كل هذا ربما يتعامل الله بوضوح معه ليأتي به إلى رد النفس الحقيقي. ويبدو أن هذه الحالة كانت مع داود أيضاً (انظر مزمور 32). تأمل قصته المؤسفة: "لما سَكَتُّ بليت عظامي مع زفيري اليوم كله. لأن يدك ثقلت عليَّ نهاراً وليلاً. تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ". إنه شابه مريضاً محموماً متقلباً في فراشه ولكنه لا يجد راحته.

ألم يكن تعب داود وتعب الكثيرين من القديسين بسبب خطايا غير محكوم عليها، وغير معترف بها وهي في طي الكتمان؟ ولكن عندما ينفتح القلب والفم في النهاية كم يكون الغفران كاملاً. "قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مزمور 32: 5).

  • عدد الزيارات: 3478