Skip to main content

الفصل الثالث: الخطية وشمولها

القراءة من الكتاب المقدس:

"من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم. على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي. ولكن ليس كالخطية هكذا أيضاً الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين. وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية. لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جرّى خطايا كثيرة للتبرير. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببرّ واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً. وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية. ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبرّ للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربِّنا" (رومية5: 12- 21).

لغاية الآن غطيّنا فكرتين: الأولى هي "الخطية ومدلولها" والثانية "الخطية ودخولها". والآن سأتناول في البحث الفكرة الثالثة وهي "الخطية وشمولها". فالسقوط لم يكن سقوط آدم وحواء وحدهما بل سقوط الجبلة البشرية بكاملها بمن فيها أنا وأنت. يقول إشعياء النبي في الإصحاح الثاني والخمسين من سفره العظيم: "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه (أي على المسيح) إثم جميعنا". لاحظ لفظة "كلنا" و "كل واحد" و "جميعنا". وهذا يتفق مع تعليم بولس الرسول في العهد الجديد إذ يقول: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله". وفي الإصحاح الثالث من رسالة رومية يقدّم الرسول نفسُه وصفاً دقيقاً ومفصّلاً لحالة البشر في نظر الله، فيقول نقلاً عن العهد القديم: "ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" ويختم قائلاً: "لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله". وفي الإصحاح الخامس يقول: "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع". وعلى هذا الأساس نقول إن الخطية شملت الكل بلا استثناء. وهذا الشمول يتناول الإنسان كله- الجسد والنفس والروح والفكر.

إذاً كلنا خطاة وكلنا في الموازين إلى فوق، وأحسَنُنا كما يقول ميخا النبي، مثل العوسج، وأْدَلُنا شرٌّ من سياج الشوك. وهذا يصح علينا من ثلاثة أوجه.

أولاً، نحن خطاة بالولادة.

ولكي لا يسيء أحد فهمي، فأنا لا أقصد أن الزواج خطية أو أن الزواج أقلُ طهارة من عدم الزواج، بل أقصد أننا جميعاً ورثنا طبيعة الخطية من آدم، ولذلك صار لدينا ميْلٌ نحو الخطية، نحن لم نرث ذَنْبَ آدم بل ورثنا الانحراف والرغبة في الخطية، لماذا؟ لأنه لما خلق الله آدم خلقنا جميعاً فيه. ولأننا كنا في صُلبه فقد سقطنا معه عندما سقط، وهكذا تأثرنا بالخطية وصرنا نميل إليها بطبعنا وطبيعتنا. غير أن هذا لا يعني أننا مسؤولون عن ذَنبِ آدم. فهو وحده المسؤول عن ذنبه. كل ما في الأمر أن هذا المثل للشر والخطية يلازمنا منذ اللحظة التي نبدأ نتكون فيها في بطون أمهاتنا.

يقول داود النبي في المزمور الحادي والخمسين: "هأنذا بالإثم صُورِّت وبالخطية حبلت بي أمي". ويقول في المزمور الثامن والخمسين "زاغ الأشرار من الرحم. ضلوا من البطن". وهذه الحقيقة كانت مفهومة جيداً عند الناس في أيام المسيح، أي بعد داود بألف سنة. ففي الإصحاح التاسع من إنجيل يوحنا نجد الفريسيين يحققون مع المولود أعمى الذي فتح يسوع عينيه. فلما شهد لهم الأعمى عن المسيح قالوا له في العدد الرابع والثلاثين "بالخطايا ولدت أنت بجملتك وتريد أن تعلمنا؟" إذاً نحن خطاة بالولادة.

ثانياً، نحن خطاة بالإرادة.

وهنا ذنبنا ومسؤوليتنا. صحيح أن هناك خطايا نرتكبها سهواً وعن غير قصد ولكن معظم خطايانا نرتكبها عمداً وعن سابق تصور وتصميم... ولماذا يخطئ الناس بمحض الإرادة والاختيار؟ لأنهم كما قال يسوع في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا: "أحبوا الظلمة أكثر من النور" وخير صورة لهذه الحقيقة هي تلك التي قدمها لنا متى البشير في الإصحاح السابع والعشرين من إنجيله. ففي ذلك الفصل نقرأ أن الوالي بيلاطس "كان معتاداً في العيد أن يطلق للجمع أسيراً واحداً من أرادوه..." فقال لهم: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟ فقالوا باراباس. ولغاية اليوم يفضل الناس باراباس الخطية على يسوع الحياة الأبدية.

وفي الإصحاح الثالث والعشرين يخبرنا متى عن رثاء يسوع للمدينة المقدسة قائلاً: "يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا".

أما في قسم الرسائل فنجد الرسول بطرس يتكلم في الموضوع ذاته في الإصحاح الثالث من رسالته الثانية فيخبرنا عن المستهزئين في الأيام الأخيرة ويقول إن الحق الإلهي "يخفى عليهم بإرادتهم". وبما أن الإنسان يخطئ باختياره فإنه مسؤول عن ذلك الاختيار. طبعاً الله ينصحنا أن نختار الحياة لا الموت، الخير لا الشر لأنه يحبنا، ولكنه لا يرغمنا على الاختيار. قال يسوع: "من يردْ فليأخذ ماء حياة مجاناً". فهل تريد؟

ثالثاً، نحن خطاة ليس فقط بالولادة والإرادة بل أيضاً بالقيادة.

أي أن هناك قوة خفية تقود المرء إلى فعل الشر، وهذه القوة هي إبليس. قال يسوع لمقاوميه في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا". لماذا؟ لأن إبليس كما يقول بولس الرسول "قد اقتنصهم لإرادته". حتى بولس نفسُه قد مرَّ في هذا الاختبار قبل اهتدائه إلى الإيمان، فكتب يقول للمؤمنين في أفسس: "وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء (أي إبليس) الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية". ثم تابع يقول: "الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً".

نعم الشيطان يقود حياة الكثيرين في العالم يسكن في قلوب الكثيرين. قال لي أحدهم: "إن فكرة الانتحار لا تفارقني". وقالت لي سيدة: "لا أعرف لماذا أتصرف بجنون". ولكن إن كانت هي لا تعرف فالله يعرف والكتاب المقدس يعرف. وقد أخبرنا عن رجل كان يسكن القبور ويؤذي نفسه والآخرين والسبب في ذلك كله هو إبليس عدو الله والإنسان.

نظم أحدهم ترنيمة قال فيها:

كنت في سجن الخطايا عبد إبليس الرجيم

غيرَ مأمولٍ خلاصي ثم نجّاني الرحيم

(واشتراني(2) ذاك بالدم الكريم)2

نعم المسيح الفادي وحده يقدر أن ينقذنا من إبليس والخطية ومن الغضب الآتي. والقلب الذي هو أشبه بقارة سوداء يمكن أن يصير قلباً أبيض بفعل الإيمان بدم المسيح الأحمر المسفوك على الصليب. فهل تأتي إلى الرب الآن وتقول له مع داود: "ارحمني يا الله حسب رحمتك، حسب كثرة رأفتك أمحُ معاصيّ. اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرني... قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله...".

  • عدد الزيارات: 4419