٥ أهمية الإيمان وعلاقته بالعقل
أولا - أهمية الإيمان
١ - المسيح وأهمية الإيمان : إذا رجعنا الى حياة المسيح على الأرض ، نجد أن الإيمان كان يشغل جانبا كبيرا من تعليمه . . فكان يقول لسامعيه " كل ما تطلبونه حينما تصلون ، فآمنوا أن تنالوه (١) فيكون لكم " (مرقس ۱۱ : ٢٤) . و " كل شيء مستطاع للمؤمن ، (مرقس ۹ : ۲۳ ) و" ليكن لكم إيمان بالله " (مرقس ۱۱ : ۲۲). و " لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك ، فينتقل ، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (متى ۱۷ : ۲۰). ولذلك كان للايمان كل الأهمية لديه ، ليس في عمل المعجزات فحسب، بل وأيضا في منح الغفران للخطاة النادمين على خطاياهم . فالمرأة الخاطئة التى ندمت على خطاياها ، قال لها المسيح " إيمانك قد خلصك . اذهبي بسلام " (لوقا ۷ : ٥) . والمفلوج الذي أتى به حاملوه الى المسيح غفر له خطاياه وشفاه من أجل إيمانهم (لوقا ۱۷ : ۱۹) . كما أنه مع قدرة المسيح التي لا حد لها ، لم يستطع أن يعمل معجزة واحدة للذين كانوا لا يؤمنون بقدرته على عملها (مرقس ٦ : ٦، متی ۱۷ : ۲۰) (۱) ، ولذلك كان (بسبب رغبته الحارة في الإحسان الى الناس) يحرضهم على الإيمان به، حتى ينالوا ما يحتاجون إليه من ولما وجد أنها فارقت الحياة من عطاياه . فمرة استدعوه لشفاء فتاة قال لوالدها " لا تخف ، آمن فقط فهي تشفى " . ولما آمن شفيت (لوقا : ٥) . وعندما أتاه رجل يشكو من مرض فى ابنه قائلا له " ان كنت تستطيع شيئا ، فتحنن علينا "، . فأجابه المسيح على الفور " ان كنت تستطيع أن تؤمن كل شيء مستطاع للمؤمن " فلما وجد الرجل أن العيب صرخ في الحال بدموع قائلا : " أؤمن يا سيد ، فأعن عدم فيه وحده ، ایمانی ". وفى الحال شفي ابنه من مرضه (مرقس ۹ : ۳ ، ۲۳ - ۲۸) ونظرا لأهمية الإيمان وبخ المسيح تلاميذه مرة لعدم اعتمادهم على الله فيما يحتاجون إليه من طعام ، فقال لهم " لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلى الايمان ، انكم تأخذون خبزا " (متى ١٦ : ٦) ومرة أخرى لخوفهم من الغرق وهو معهم قال لهم " ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان؟"
(متى ٨ : ٢٦ ) . ومرة غيرها لعدم قدرتهم على إخراج شيطان من غلام ، قال لهم " لعدم إيمانهم لم تستطيعوا " (متی ۱۷ : ۲۰)
۲ - رسل العهد الجديد وأهمية الإيمان : وقد عرف الرسل من المسيح أهمية الإيمان ، فقال بولس الرسول " ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله ، لأنه يجب أن الذى يأتى الى الله يؤمن بأنه موجود ، وأنه يجازي الذين يطلبونه " (عبرانيين ١١ : ٦) كما أعلن أن الايمان هو العامل في التعزية أو بالحرى فى الراحة النفسية، فقال للمؤمنين لنتعزى بينكم بالإيمان الذي فينا جميعا ، إيمانكم وإيماني " (رومية ١ : ١١) . وهو العامل أيضا فى ثباتهم أمام الضيقات والتجارب ، فقال لهم " لأنكم بالإيمان تثبتون " (۲ كورنثوس ١ : ٢٤) . ولذلك قال عن الايمان انه ترس (أفسس ٦ : ١٦) وانه درع ( ۱ تسالونیكي ٥ : ۸)
وقال بطرس الرسول أن الإيمان ثمين (۲ بطرس ۱ : ۱) ، وأنه الباعث على القيام بكل الفضائل (۲ بطرس ٥:١) . وقال يعقوب الرسول " صلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه . وإن كان قد فعل خطية تغفر له " (يعقوب ٥ : ١٥) . وقال أيضا " وانما ان كان أحدكم تعوزه حكمة ، فليطلب بإيمان غير مرتاب البتة ، لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب " (يعقوب ١ : ٥ - ٧) . وقال يهوذا الرسول ان ايماننا هو الإيمان الأقدس ، وأنه الأساس الذي نبنى عليه نفوسنا وندعمها (يهوذا ۲۰) . وقال يوحنا الرسول : إن الاعتراف (بالمسيح أو بالحري الإيمان به) هو السبيل إلى الثبات فى الله فينا (١ يوحنا ٤: ١٥) ، كما أنه أيضا هو السبيل إلى الغلبة على العالم وكل ما فيه من أهواء (١يوحنا ٥ : ٤)
٣ - رجال العهد القديم وأهمية الإيمان : وإذا رجعنا الى العهد القديم ، نجد أن الإيمان كان له أيضا كل الأهمية في النجاة من الضيقات والحصول على معونة الله وتعضيده . فقال داود النبي " لولا أنني آمنت بأن أرى جود الرب في أرض الأحياء (تقضى على الأشرار) " (مزمور ۲۸ : ۱۳) . وقال إشعياء النبي لبني إسرائيل
" إن لم تؤمنوا ، فلا تأمنوا" (إشعياء ۷ : ٩). وقال يهوشافاط لهم " آمنوا بالرب الهكم فتأمنوا . آمنوا بأنبيائه فتفلحوا " (۲ أيام ۲۰ : ۲۰) .
وقال حبقوق " البــــار بايمانه يحيا " (حبقوق ۲ : ٤) كما أن بنى اسرائيل عامة لم يدخلوا الراحة التي وعدهم الله بها قديمًا الا لعدم الايمان (عبرانيين ۳ : ۱۸)، اذ ان كلمة الله لم تنفعهم لأنها لم تكن ممزوجة بالايمان في الذين سمعوا (عبرانيين ٢:٤)
٤- الإيمان والاختبارات اليومية : ان الاختبارات اليومية سواء في الأمور المادية أم الروحية، تثبت لنا أهمية الإيمان . ففى الأمور المادية نرى أنه لو كنا نقيم في منزل لا نثق فى متانته، لا يمكن أن يهدأ لنا بال للوجود فيه لحظة . ولو كنا لا نثق أن السيارة التي نركبها ستصل بنا الى غايتنا بسلام، لا يمكن أن نستخدمها . ولو كنا لا نثق في قدرتنا الجسدية ، لا يمكن أن نقوم بعمل يتطلب مجهودا . ولو كنا لا نثق في أصدقائنا ، لا يمكن أن نأمن جانبهم أو نفيد من واحد منهم . ولو كنا لا نثق أننا سنحصل على أجر لعملنا ، لا يمكن أن نعمل ، ولو كنا لا نثق أننا سننتصر على اعدائنا ، لا يمكن أن نحارب . لكن ثقتنا في منزلنا وسيارتنا وفى قدرتنا الجسدية وأصدقائنا ، وفي الحصول على الأجر الذي نستحقه والنصر الذي نريده ، هي التي تبعث الطمأنينة الى نفوسنا وتفسح أمامنا المجال للعمل في هذه الدنيا - فضلا عن ذلك فقد أثبت علم النفس الحديث بأدلة لا شك فيها ، أن للإيمان قوة عظيمة في
شفاء بعض الأمراض الجسدية وإصلاح الكثير من العيوب النفسية وفي الأمور الروحية نرى أن الإيمان هو الذي يسمو بنفوسنا فوق الأهواء والشهوات ، فننتصر عليها ونتمتع بالطهارة والقداسة . وهو الذي يفتح المجال أمامنا للاتكال على الله في أي ضيقة نجتاز فيها ، فتهدأ أفكارنا وقلوبنا للشركة ونرى سبيل الخلاص من هذه الضيقة واضحا جليا . وهو الذي يعد نفوسنا الروحية مع الله ، فنلتقى به ونتمتع بشخصه ونعيش تحت تأثيره . وهو الذي يمدنا بالقوة في الإنسان الباطن ، فننمو فى الحياة الروحية ونكون أهلا لخدمة الله وإكرامه في العالم الحاضر ، وهو الذي يحول قلوبنا عن المطامع المادية ويوجهها الاكتفاء بالله وحده ، فنكف عن الحبو على الأرض ونتهيأ للوجود في السماء التي لا مجال فيها للأمور المادية على الاطلاق - ولذلك فالإيمان يعطي الحياة معنى أدبيا ساميا ، ويعدها بثروة روحية طائلة ، ويملؤها عذوبة ليس لها نظير في العالم المادي .
٥ - السبب في أهمية الإيمان : إن السبب في أهمية الإيمان يرجع الى عاملين رئيسيين (الأول) إن الإيمان كما مر بنا هو فتح أبواب النفس لله وتهيئتها لقبول عطاياه ، أو بتعبير آخر هو الجو الروحي الذي يتناسب مع طبيعة الله وكيفية تداخله في مساعدة الناس ، ولذلك فإن في هذا الجو وفيه وحده ، تجرى عطاياه إليهم (الثاني) إن الإيمان كما مر بنا هو التصديق. ولذلك فمن يؤمن بأقوال الله ، فإنه يصدق الله ، ومن لا يؤمن بها ، فإنه (بكل أسف) يكذب الله .
جنب ، فقال : " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة ، فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثانى " (رؤيا ۲۱ : ۸) - ولذلك لا عجب اذا كان الله لا يهب الخلاص - إلا للذين يؤمنون إيمانُا حقيقيُا.
ثانيًا - الإيمان وعلاقته بالعقل
۱- سهولة الإيمان وسموه : إن الإيمان كما اتضح لنا مما سلف سهل لدى بعض الناس وصعب لدى البعض الآخر ، فبينما يراه البعض قريبًا ، يراه البعض الآخر بعيدًا . وبينما يستطيع البعض أن يتمتعوا به في لحظة ، يستغرق البعض الآخر فى بلوغه زمنًا طويلًا . ومن ثم فأبسط الناس يمكنهم أن يؤمنوا بالمسيح ، وذوو العقول الكبيرة لا يجدون أمامهم أسمى من الإيمان ، ومع ذلك فانهم اذا تواضعوا وعرفوا أنهم خطاة مثل غيرهم من الناس ، وأنهم فى حاجة الى خلاص الله مثلهم ، يمكنهم أن يؤمنوا أيضا بالمسيح ويفيدوا من الخلاص المذكور . وقد رأى المسيح هذه الحقيقة قبل أن نراها ، فقال مرة " أحمدك أيها الاب ، رب السماء والأرض ، لأنك أخفيت هذه (أي معرفته (۱) والايمان به) عن الحكماء والفهماء ، وأعلنتها للأطفال" ( متى ۱۱ : ۲۵) ، قاصدًا الحكماء والفهماء ، ليس ذات الحكماء والفهماء ، بل الذين يظنون في أنفسهم أنهم حكماء وفهماء (۱) ، وقاصدا بالأطفال ليس الأطفال في السن أو الادراك ، بل تلاميذه الأفاضل الذين كانوا يشبهون الأطفال في براءة نفوسهم وصفائها.
وإن نسيت فلا أنسى شابًا مثقفا قال لي مرة على أثر حديث لي عن الإيمان : أنه يستطيع أن يعطي الفقراء شطرًا كبيرًا من المال ، ويستطيع أن يصلي فى اليوم الواحد عدة مرات ، ويستطيع أن يصوم بضع أيام دون طعام أو شراب ، ويستطيع أن يصد الكثير من الأهواء والشهوات ، ويستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب الكثير من الآيات ، ويستطيع أن يبرهن للناس أن المسيح هو المخلص الوحيد من الخطية ونتائجها . ولكن مع ذلك يرى الإيمان بعيدا عن نفسه بعدًا عظيمًا (۲) - والحق لقد قال الصدق الذي لا يعرفه كثير من الناس ، لأنه ما أبعد الإيمان عن الذين يعتمدون على عقولهم وحدها ، كما ما أبعده عن الذين ينظرون إلى الدين نظرة سطحية فحسب ، إذ أن الايمان (أو بالحرى الإيمان الحقيقي) لا يمكن بلوغه إلا بعمل قوى النفس جميعا ، وفى مقدمتها العقل الباطن (أو الإنسان الباطن) كما ذكرنا . فضلا عن ذلك يجب أن يعلم هذا الشخص وأمثاله أنه بدون الحياة الروحية التى يعطيها الله للناس على أساس الإيمان الحقيقي به، لا يستطيع واحد منهم أن يتوافق مع الله على الإطلاق ، ومن ثم لا يستطيع أن يصلى الصلاة المقبولة لديه ، أو يعمل شيئا من الصلاح الذي يتوافق مع كماله . لذلك يجب على المرء أن يحصل ولا على هذه الحياة ، قبل أن يتيسر له القيام بأى عمل من الأعمال المذكورة بالحالة المرضية أمام الله .
۲- عدم تعارض خلاص المسيح مع العقل : يأخذ بعض الناس على المسيحيين أنهم سريعوا التصديق، وأنهم يؤمنون بعقائدهم دون بحث أو تفكير . ولكن هذا اتهام لا أساس له ، فقد اتضح لنا في الفصل الأول أنه لو كان هناك خلاص من قصاص الخطية وسلطانها (ومن المؤكد أن يكون هناك خلاص منهما للأسباب التي ذكرناها) فإنه لا يمكن أن يتأتى عن طريقنا ، بل عن طريق الله. وذلك بالفداء الذي عمله لأجلنا في المسيح ، وبالحياة التي يحياها فينا بروحه القدوس وأنه لا سبيل للتمتع بهذه الحياة أو ذلك الفداء إلا بالإيمان الحقيقي.
اننا لا ننكر أن هذا الخلاص يسمو فوق العقل ، لكنه لا يتعارض معه على الإطلاق. ولا غرابة في ذلك ، فهناك فرق هائل بين الأمور التي تتعارض مع العقل وبين التي تسمو فوق إدراكه فالأولى لا تتفق في مبادئها مع العقل ، أما الثانية فتتفق في مبادئها معه، لكنها تظهر في أعمال تسمو فوق إدراكه . فلو قلنا (مثلًا) إن الله يبغض الناس، لكان هذا القول متعارضا مع العقل ، لأن المفروض هو أن يحب الله الناس الذين خلقهم على صورته كشبهه . أما لو قلنا إن الله أحب الناس حتى احتمل في ذاته نتائج خطاياهم، فإن هذا القول لا يكون متعارضا مع العقل بل يكون أسمى من إدراكه . لأن المفروض هو أن يحب الله الناس أكثر مما يحب الأباء أبناءهم، وتبعا لذلك يمكن أن يتحمل اساءة الناس أكثر مما يتحمل الاباء اساءة أبنائهم ، لأن الاباء مهما سمت محبتهم فهى محدودة ، أما محبة الله فغير محدودة .
ومع كل فانه وان كان الخلاص الذي عمله المسيح لنا يسمو فوق العقل الواعي ، لأن محبة المسيح لنا (كما قال الوحي) تفوق المعرفة ( أفسس ۱۹:۳). ولكن العقل الباطن يستطيع أن يدرك هذا الخلاص كل الإدراك ويطمئن له كل الاطمئنان ، بل يستطيع أن يجابه اعتراض العقل الواعى من جهته أن كان له اعتراض ، ويقهر حجته ان كانت له حجة . إذ أن الحقائق الروحية التى يختبرها العقل الباطن بناء على أقوال الله ، هي أثبت وارسخ من حجج العقل الواعي جميعا ، لأن هذا العقل مع ما وصل إليه من نضوج ورقى ، لا يزال يجهل الكثير حتى من أمور الدنيا التي تقع تحت إدراكه واحساسه.
وقد اختبر الحقائق السابقة كثير من العلماء والمفكرين . فقال شلر " إننا حينما نلجأ إلى الايمان ، لا نلجأ الى أمر يسلب العقل معه بل نلجأ الى ما يجعل العقل أكثر فاعلية وأقوى تأثيرا " ، كما قال : أن البرهنة على صدق شيء تختلف كل الإختلاف عن الإيمان به .
ولكي نحيا حياة مستقيمة ينبغى ألا نسلم فقط بأن العقيدة الفلانية قد قامت عليها أدلة صادقة كثيرة ، بل أن نصدق أيضا هذه الحقيقة ونؤمن بها والإيمان ليس عملا عقليا عاديا ، بل يتطلب مقدارا كبيرا من الارادة والاختبار . وما الغرض من الفلسفة النظرية إلا أن تجعل الثورة الفكرية ، التي تحدث في عقل الانسان ، ايمانًا راسخًا . إذ أن المعرفة وحدها لا تجدى ، ان كانت مجردة من الإيمان " (۱) . وقال همرشولد (۲) " كنت في أول الأمر لا أفهم حقائق الإيمان المسيحي ، ولذلك كنت أقاومها في نفسي من وقت الى آخر . لكن عندما أدركتها ، أصبحت أعتز بها أكثر من كل شيء في الوجود ، كما أصبح فى وسعى البرهنة على صدقها دون أن أتجاوز مطالب الأمانة الفكرية " - ولولا أننا نعتمد في أيماننا على شهادة الله ، وليس على شهادة الناس ، لكنا قد ذكرنا في هذا المقام الشيء الكثير من أقوال الفلاسفة والعلماء التي تدل على اختبارهم لصدق الإيمان المسيحى وأهميته.
أخيرا يسأل بعض الناس : لماذا يطلب الله منا أن نؤمن بامور نعجز عن إدراكها بعقولنا وحدها ؟ وللإجابة عن ذلك نقول : إن العقل البشري محدود ، والمحدود لا يستطيع أن يدرك كل شيء عن غير المحدود . ولذلك اذا حاولنا أن ندرك كل شيء عن الله ، فإننا نعجز كل العجز ، كما ندخل في صراع عنيف بيننا وبين أنفسنا لا يعود علينا بخير أو فائدة . ومع كل نقول ان العالم الذى نعيش فيه يعلن لنا أيضا أن الايمان بأمور سامية تفوق العقل والادراك له أهميته وفائدته : لأننا نرى أن الزعماء والمكتشفين ، والعلماء والفنانين ، والأدباء والمصلحين ، الذين حازوا أسمى الألقاب والدرجات ، هم أشخاص أمنوا عن طريق الهام أو خاطر في نفوسهم بمبادئ لم تكن معروفة في أيامهم ، أو بقوى طبيعية لم تكن تقع تحت إدراك حواسهم ، أو …. أو ….ثم ناضلوا بكل قواهم في سبيل التمسك بما آمنوا به ، حتى حققوه للملأ علنا .
واذا كان ذلك كذلك ، أدركنا أن الله يتطلب من الأشخاص الراغبين في التوافق معه أن يؤمنوا بوحيه الذي يسمو فوق ادراكهم لأنه يريد الا يكون هؤلاء الأشخاص أطفالا قصيري البصر لا يؤمنون إلا بما يقع بين أيديهم من أمور ، بل أن يكونوا أبطالا فى عالم الروح يمكنهم أن يسموا بمداركهم فوق كل منظور ، حتى يتقابلوا مع شخصه غير المنظور. وبذلك يرون ما لا يستطيع غيرهم أن يروه، وأن يسمعوا ما لا يستطيع غيرهم أن يسمعوه ، وأن يعملوا ما لا يستطيع غيرهم أن يعملوه - هؤلاء الأشخاص وهؤلاء الأشخاص وحدهم ، هم رجال الايمان الذين يمكن أن يعاملوا مع الله وأن يتعامل الله معهم ولذلك طوب المسيح المؤمنين الذين يؤمنون دون أن يروا فقال " طوبى للذين آمنوا ولم يروا " (يوحنا ۲۰ : ۲۹) ، لأنهم بالإيمان يستطيعون أن يروا مجد الله الذى لا يستطيع غيرهم أن يروه (يوحنا ١١ : ٤٠) .
- عدد الزيارات: 3