Skip to main content

خراب أورشليم

موضوع كلامي هو خراب أورشليم ، وآية الموضوع موجودة في انجيل متى الاصحاح الثالث والعشرين من عدد ٣٧–٣٩

یا اورشليم یا اورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها ، كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ، هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً ، لاني اقول لكم انكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب " يستصعب بعضهم صرامة الله بسبب القصاصات التي صبها ولا يزال يصبها تعالى على بني اسرائيل لكن العجب يزول إذا عرفنا بان قصد الله ، بصرامته هذه، هو فائدة الذين يقاصهم وهو القائل " انني من أحبه أوبخه و اؤدبه فكن غيوراً وتب" فأشبه بذلك طبيباً يأخذ مبضعه ويقطع الجزء المريض من جسم مريضه ، أو مزارعاً يأخذ مقصه ويزيل به الأغصان اليابسة من أشجاره ، أو أبا محبا يؤدب ولده ليعمل منه رجلا نافعاً لذاته ولوطنه و انني بحديثي معكم اليوم لا اقصد الشماتة ببني اسرائيل أو الانتقام منهم ، فالمخلص الحنون قد صلى من أجلهم وهو في اشد حالات الالم الروحي والجسدي ولا انا ارمي الى شيء آخر سوى الاستفادة والافادة كما ةيقول المثل" تعلم من كيس غيرك "

وإنه لمن الجهل المدقع ان نرى الخطر ونقع فيه ، ولا يدخل المرء وسط النار إلا لسببين ، اما لتخليص المتضايقين ، وهذا عمل نبيل من نوع ما قام به ربنا ، او لاجل الانتحار ، وهذا عمل سافل لا يقوم به سوى الجبناء وناقصي العقول، كالذين يرتشفون الخمر فيحرقون بها اكبادهم الصحيحة او الذين يعشقون الرقص فينجسون به أجسادهم الطاهرة او الذين يخترعون الملاذ المتنوعة تكوي نفوسهم البريئة.

واوضح مثال على ذلك ما حدث لليهود ولا زال يحدث لهم وكأنه سبحانه وتعالى قد جعل منهم درساً واضحاً لنا وتحذيراً لكي لا نقع نحن بنفس الأغلاط التي وقعوا هم فيها ، فلا تأتي علينا الضربات التي ضربوا بها ان موضوع خراب اورشليم ليس غريباً جداً من الجهة الفنية فكثيراً ما حدث مثله في التاريخ كخراب بابل وقرطاجنة وغيرهما.

اذاً ليست العبرة بسقوط أورشليم من الناحيتين الحربية والسياسية ، بل هى بما نأخذه من ذلك من الدروس لنا ولا ولادنا و لبلادنا ، فنتوقى السقوط بما . سقط به سکان اورشلیم ونحذر الوقوع بما وقعوا فيه .

ان الله سبحانه وتعالى ليس عنده محاباة ، فقد بارك بني إسرائيل عندما استحقوا البركة ، وقاصهم عندما استحقوا القصاص ، وسيرضى عليهم إن هم تابوا وكما حدث لليهود ، فقد حدث لغيرهم :  فإنه تعالى قد رفع المسيحيين عندما استحقوا الرفع، واسقطهم عندما استحقوا الإسقاط وهكذا دواليك.

وما على المفكر المحرر من الخرافات والتأثيرات المغرضة الآن أن يطالع التاريخ فيرى كيف سقطت أمم عظيمة لشرها وخلفتها أمم ضعيفة لصلاحها.

 وكما استخدم الله الرومان وغيرهم لتأديب بني اسرائيل فقد سخر العرب والمغول والأتراك لاذلال غيرهم . و اننا نرى يد الله تفعل العجائب في القرون الوسطى ، فتجعل من اللهب التي التهمت يوحنا هس سبباً لا ذكاء فتيلة أوروبا المدخنة ، وتدفع أمراء الألمان الحماية عبده الامين لوثيروس ، و تستخدم السلطان سليمان لمقاومة تشارلز الخامس الذي قصد محو الإنجيلية عن الأرض.

یا اورشلیم ، یا اورشلیم ، يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها ، كم مرة اردت ان اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، ولم تريدوا ، هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً لأني أقول لكم انكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب " اورشليم المدينة الجميلة التي اختار موقعها واشتراه الملك داود من اليبوسيين ، وبنى ابنه سليمان هيكلا للرب فيها ، وهكذا أصبحت اورشليم العاصمة المحبوبة ، وملأ روح الله هيكلها ومجد الرب حل فيها واضاءها.

لكن كم قام فيها ، وقتل في وسطها من الأنبياء ، وكم رجم من الأصدقاء !

لذلك كان الله سبحانه تعالى يؤدب سكان اورشليم، و يوبخهم بطرق شتى ، ثم يعود فيصفح عنهم ويرضى عليهم.

 بقي الحال في أورشليم على هذه الوتيرة ، طلوع ونزول ، نجاح وسقوط ، انتصار وانكسار ، مرة في المنفى وأخرى في الوطن ، يحكمهم اليوم . صالح وغدا شرير ، مرة حاكم من جنسهم واخرى من اعدائهم ، الى ان جاء فادي البشر ومخلص الخطاة ، في عهد هيرودس - آخر ملوكهم هيرودس الشرير ، لا بل اشر الملوك قاطبة ، الذي قام بحملة شريرة ذبح فيها الاطفال من ابن سنتين فما دون ، ففاق بذلك الطاغية فرعون الذي القى الاطفال احياء الى النهر وكما نجا موسي من أيدي فرعون بواسطة تابوت ، هكذا نجا الطفل يسوع من يد هيرودس إذ نقل الى بلاد بعيدة لكي يتم الكتاب " من مصر دعوت ابني "

ترعرع الطفل ونما بالحكمة والقوة ، وإذ كان ابن اثنتي عشرة سنة ، أفحم علماء اليهود بأسئلته وادهشهم بأجوبته وفي مدة الثلاثين سنة التي عاشها في الناصرة ، درس أخلاق الشعب ، وعلم شر قلوبهم ، وإذ كان يزور أورشليم سنة بعد سنة سمع تظلمات بني جنسه من رؤسائهم خصوصاً و من سكان اورشليم عموماً .

ان الله كان ، ولا شك ، يحب أورشليم التي دعيت مدينة العلي ، فانه تعالى كان قد أرسل عبده ابراهيم الى احدى مرتفعاتها التي تدعى المريا ليقدم ابنه ذبيحة عليها،

 رمزاً للفداء العظيم الذي أتمه بعدئذ ابن الله في نفس المكان.

إن معنی اور مدينة ومعنى سليم سلام أي مدينة السلام فلماذا دعيت مدينة السلام يا ترى ، مع ان حروباً كثيرة قامت حواليها وفيها ، وقد تبادلتها الأيدي مرات عديدة ؟ لقد دعيت مدينة السلام ، لانه فيها قد صالح ملك السلام البشر مع خالقهم ، وهدم الحجاب الفاصل بين الحجاب الفاصل بين الله والناس ، فصار يحق لاي شخص ان يخاطب الله عز وجل بدون وساطة البشر.

لكن .. مالي اسمع صوت الرب يرن في آذان أورشليم "هوذا بيتكم يترك لكم خراباً"؟

السبب بذلك هو ان الشيطان كان قد وسوس باذان الرؤساء والمصائب دائماً من الرؤساء ، فهم أصل الشر والداء ، وسوس باذان الكهنة الأدعياء واخافهم من ذهاب نفوذهم، فصمموا على التخلص من يسوع المسيح الوريث الوحيد للملك العظيم، ظانين أنهم بعملهم هذا يرثون كل شي.

 "جاء يسوع الى خاصته وخاصته لم تقبله ، وأما الذين قبلوه فاعطاهم سلطاناً ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه"

ها قد انتصر الحق على الباطل ، ها قد سقط العدو مدرجاً بدمائه ، بضربة هائلة أصابه بها يسوع ، ، الذي بموته قد اعتق المسببين واطلق المأسورين وعزى كل النائحين ، ولم يعد احد يشتكي علينا لان الذي يحاكمنا قد عفا عنا وسامحنا.

وقف يسوع في مكان عال ، واطل على أورشليم المدينة التي كان يحبها ، ورأى بروحه و سابق علمه ، الدمار الذي كان سيحل بها ، فبكى عليها وردد قوله فيها " يا اورشليم يا اورشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها ، كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ، هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ، لأني اقول لكم بانكم لا ترونني الى ان تقولوا مبارك الآتي باسم الرب." مرة اخرى، بينما كان يسوع ماراً مع تلاميذه بجانب الهيكل ، اروه الابنية الفخمة التي كان الهيكل مؤلفاً منها متفاخرين ، متباهين، فقال لهم ما معناه " ان افتخرتم فافتخروا بالرب ، ولا تغشكم هذه البنايات الشاهقة ذات الحجارة الضخمة، فقبل أن يزول هذا الجيل ستهدم كلها ولن يبقى فيها حجر على حجر لا ينقض"

في السنة السبعين مسيحية ، قبل ان يزول الجيل المسيحي الأول ، تم خراب أورشليم على يد تيطس القائد الروماني المشهور الذي حاصر تلك المدينة وهدمها الى الاساس.

وذكر التاريخ بان امرأة يهودية قد اكلت ابنها في الحصار فاقشعر الجنود الذين شاهدوا أجزاء الولد المطبوخة وفروا هاربين .

وفي حرب اليهود مع الرومان انقسموا على انفسهم اولاً الى قسمين وثم الى ثلاثة اقسام وانشغلوا عن حرب العدو بثوراتهم الداخلية ، فتم قول يسوع « إذا انقسمت مدينة على نفسها تخرب »

كان للمدينة ثلاثة أسوار تحيط بها ، فكان إذا هدم العدو قسماً من السور الخارجي، دافعوا عن الذي يليه ، ثم عادوا ليلا فاصلحوا المهدوم . لكن ان لليهود ان يحافظوا على أورشليم ، فقد زاد عدد الموتى من الجوع ومن الاوبئة يوماً بعد يوم ، حتى انهم لم يتمكنوا من دفن موتاهم.

ضعف اليهود ووهن عزمهم من الامراض ومن الجوع و من الانقسام فتمكن العدو منهم واحتل مدينتهم .

وحدث أن أحد الجنود الرومانيين ، رمى بمشعله داخل قصر خشبي فالتهمته النيران وامتدت منه إلى جميع أبنية الهيكل ويقال بأن الجنود في تفتيشهم عن الذهب الذائب في الشقوق ، قلبوا جميع الحجارة ، وهكذا سقطت أورشليم وهدمت أبنية الهيكل ، قسمت فيها أقوال الرب بحذافيرها .

ولكي لا يرجع اليهود فيبنوا الهيكل ويقدموا ذبائح لا لها سمح الله بطردهم من البلاد إلى جميع الجهات فتمت لزوم لها . بذلك نبوة موسى كما ترونها في الاصحاح الثامن والعشرين من سفر التثنية.

ولن يستعمل اليهود الهيكل ثانية لأجل تقديم ذبائح اذ تقدم يسوع ذبيحة كافية وافية عن جميع البشر . ايها الاخوة الاحباء ، انني لا اقصد من كلامي اليوم اثبات تاريخ أنتم أدرى به مني ، ولا ابغي القيام بدعاية ليست من خصائصى.

 إن ما أرمي إليه هو تحذير نفسي وتحذيركم ، ايها الاخوة الاحباء ، من نتائج السير على الخطة التي سارت عليها أورشليم فهل مسيحيو دمشق او القاهرة او بغداد او بيروت او لندن او باريس أو موسكو أو نيويورك ورؤساؤهم هم اليوم

افضل من سكان اورشليم ؟

 أم هم يقلدون رؤساء كهنة اليهود ، فيحزمون احمالا ثقيلة وعسرة الحمل ويضعونها على اكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها باصابعهم ؟

هل هم يسلكون بالتواضع كسيدهم ام انهم يعرضون عصائبهم ويعظمون اهداب ثيابهم ويحبون المتكات الأولى في الولائم والمجالس الاولى في المجامع والتحيات في الاسواق كرؤساء كهنة اليهود ؟

هل يحب المسيحيون أن يدعوهم الناس ، معلمي ، معلمي وسيدي ، سيدي ، وابي ، ابي ، ام اخي اخي وهو اللقب الذي يتساوى فيه جميع المسيحيين أمام سيدهم ومعلمهم الوحيد يسوع المسيح أمام الله الآب الواحد ؟

هل يساعد المسيحيون على إعتاق المسبيين وإطلاق المأسورين  ام يزيدون في اغلاهم ؟ هل يمجد المسيحيون ربهم بأعمالهم وأقوالهم ، ام هم يصلبونه كما فعل سكان أورشليم ؟

هل يسمح المسيحيون ليسوع بان يعيش في قلوبهم ويطهر نفوسهم ، ام انهم لا يهتمون به فييأس منهم كما يئس من سكان اورشليم ؟

هل  يفاخر المسيحيون بأبنية هياكلهم وزخرفتها وبأعمالهم الفانية وطقوسهم البالية التي لا قيمة لها بالمرة ، أم يفتخرون بالرب وبخلاصه ؟

أخاف أن يكون المسيحيون قد اتبعوا نفس خطة سكان ، فتقذف الطائرات مدنهم وتسقط عواصمهم وناطحات سحابهم على رؤوسهم وتتهدم هياكلهم إلى الحضيض وتتكدس أشلاؤهم وتتفتت اجسادهم الى الذرات التي تتألف منها.

وأنتم أيها الانجيليون ، هل وصلت هذه الشرور اليكم ؟ هل فسد الملح القليل الباقي عندكم ؟ هل أطفىء النور المعطى لكم ؟ هل انقسمتم على ذواتكم ؟ هل ثبطت عزائمكم ؟ هل دخل الاعداء الى صفوفكم؟

اذا كان الامر هكذا ، اذاً على الدنيا السلام !

أم تظنون ان الله تهمه الجثث ، وما نفع جثة بلا روح ؟ وإذا كان الله لم يشفق على نسل إبراهيم خليله ، فهل يشفق على من يعصاه من غيرهم ؟ وإذا كان الله قد قطع أغصان الزيتونة الأصلية بسبب اعوجاجها ، فهل يترك الأغصان البرية وهي معوجة مثلها ؟ حاشا ، فليس عند الله محاباة !

" فیا اورشلیم و یا دمشق و یا بغداد و يا بيروت و يا لندن و يا موسكو ويا نيويورك ، أيتها الأرض ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا ، هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ، لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب"

  • عدد الزيارات: 22