القافلة والسراب الخادع
يحكى أن إعرابياً تأخر عن قافلته في الصحراء ، فضـل الطريق وأخذ يسير على غير هدى ، مرة الى هنا وأخرى الى هناك ، الى أن أنهكه التعب والعطش .
كانت المياه معدومة فى الصحراء، سوى في بعض الواحات التي جعلت منها القوافل محطات تستريح فيها ، فيرتوي منها المسافرون وجمالهم .. أخذ ذلك الأعرابي التائه يتلفت يمنة ويسرة ، فلمح نصف النهار شيئاً يلمع كأنه ماء وما هو بماء ، لكنه خيال البيوت والأشجار والماء على وجه الصحراء ، وهو مسبب عن انعکاس النور التام على سطح الأرض في طبقتين من الهواء مختلفتي الحرارة - وهذا ما نسميه سراباً.
أخذ الأعرابي يمشي باتجاه السراب الخادع ، فكان هو يتقدم والسراب يبتعد فتبقى المسافة التي تفصلها هي هي لا تزيد ولا تنقص ، حتى سقط الأعرابي من الاعياء والعطش، فاقد الوعي، ثم فارق الحياة.
أيها الاحباء ، ان قافلة يسوع تسير متقدمة إلى الأمام ورئيسها ذاته في المقدمة ، نوره يشع فيضيء لأحبائه فلا يعثرون انه يضمهم الى قلبه ، فتمتزج أرواحهم بروحه ، و دماؤهم بدمه ، فيصبحون واحداً كما أنه هو والآب واحد .
ان القافلة تسير و الجميع يد واحدة وقلب واحد وفكر واحد.
كلهم متمسكون بالحمل لا يحيدون عنه لا يمنة ولا يسرة ، وهم ينشدون ويسبحون الله الى أبد الابدين .
ما اجمل منظر ملايين الملايين يهزجون ويرنمون انغاماً تفوق دقة كل موسيقى عملها البشر فإن مؤلفها وملحنها هو يسوع ذاته .
لقد جذبت هذه الموسيقى جميع قبائل الأرض بحلاوتها ودقتها وطلاوتها - فجعلت من جميع سكان العالم اخوة احباء يريد الواحد منهم لنفسه ما يطلبه لغيره .
فالمحبة متبادلة ، والسلام يرفرف في كل مكان والاطمئنان يملأ القلوب . لكن (ويا للأسف) فبينما كانت القافلة تسير على الطريق التي مهدها ابن الله ، اذا بعدو حسود ، شرير ، غاظه سرور المؤمنين وبسطهم ، فأخذ يحبب اليهم اللهو الفارغ.
فجلس مرة تحت ظل بعض الأشجار الوارفة الأغصان ، بجانب الطريق العام ، وأخذ يرتشف كؤوس الخمر مع بعض رفاقه ورفيقاته الاشرار ، ليجذب إليه بعض المؤمنين .
فكان له ما اراد اذ انخدع بعضهم ومالوا اليه ، فشاركوه الشراب ومعاشرة الزناة والزواني ، وتأخروا عن قافلة يسوع التي كانت تسرع بسيرها لحضور الأفراح السماوية .
يوجد مثل عامي يقول" راحت السكرة وجاءت الفكرة" فعندما صحا هؤلاء من سكرهم وعرفوا ما أصابهم ، ندموا وتمنوا اللحاق بقافلتهم واحبائهم الذين كانوا قد سبقوهم كثيراً. وفيما كانوا على تلك الحالة رأوا بعضاً من رفاقهم القدماء ، فسروا بهم جداً وظنوا أنهم قد اهتدوا الى الطريق السوي . لكن سرورهم انقلب الى حزن عندما علموا أن رفاقهم هؤلاء كانوا قد ضلوا مثلهم ، اذ كان الشيطان قد خدعهم على طريقة اخرى.
كان ظهوره هذه المرة على مائدة خضراء مملوءة ذهباً ودولارات واوراقاً مالية اخرى كانت تنتقل من يد إلى يد بتحريك بعض الأوراق التي يدعونها ورق الشدة أو الكوتشينة او ورق اللعب التي كان يحمل بعضها رسوماً شيطانية وارقاماً .
فمنظر المال والمكسب جذبا بعض أفراد القافلة إلى تلك الزمرة للتفرج عليهم أولاً ثم للاشتراك باللعب معهم .
وهكذا تأخروا عن قافلة يسوع واتفقوا مع رفاقهم الذين ضلوا مثلهم على أن يسيروا سوية مؤلفين قافلة جديدة بقصد اللحاق بالقافلة الاولى.
وفيما كان هؤلاء سائرين ، التقوا مع بعض الفئات التي يسمونها طوائف ، والتى كان يدعى كل منها أن بإمكانها توصيل الناس الى السماء.
فأخذ الذين تأخروا عن قافلة يسوع يتشاورون فيما بينهم في أمر أولئك الناس
فقال بعضهم اذا كان حقاً يوصلنا احد هذه المذاهب الى قافلتنا والى حبيبنا يسوع فلا بأس من اتباعهم .
فأجاب الآخرون قائلين "وهل يسعد شحاد شحاداً ومن اين للجائع أن يشبع جائعاً وهل يتمكن المائت أن يعطي حياة ؟ "
و عدا عن ذلك فكل طائفة منهم تشترط على اتباعهم . بواجبات لم يأمر الرب بها تزيد على كاهل حاملها اثقالاً واحمالاً . فأجاب أصحاب القسم الأول" لكنهم لا ينكرون يسوع وقد وعدوا بأن يوصلونا اليه"
فرد عليهم أصحاب القسم الآخر" ان يسوع لا يحتاج الى واسطة فقد قال "تعالوا إلي أيها المتعبين والثقيلى الاحمال وأنا اريحكم " . (متى ۱۱ : ۲۸ )
وهكذا اسرع هؤلاء ولحقوا بقافلة يسوع .
وأخذ قسم من الباقين يضيعون وقتهم بالمماحكات الغبية التي لا فائدة منها ولا طائل تحتها وآخرون سلموا مقاليد امورهم لغيرهم من بني جنسهم فلم يتقدموا قيد شعرة إلى الأمام غير أن قسماً آخر مشوا وحدهم وأخذوا يفتشون هنا وهناك عن الطريق التي ضلوا عنها ، فخدعهم الشيطان بواسطة سراب كان يظهر آونة ويختفي أخرى إلى أن كادوا يهلكوا ..
و في شدة ضيقهم صرخوا بكل قلوبهم يا رب نجنا يا رب نجنا مبارك الآتي باسم الرب"
فسمع الراعي الصالح صراخهم وأنقذهم مما هم فيه ، وردهم الى مكانتهم الاولى ، فمشوا مع القافلة بسلام واطمئنان ونسوا خوفهم واتعابهم لأن الرب ملجأهم . أما الذين سلموا مقاليد أمورهم للناس والدين تبعوا السراب الخادع فقد أنهكهم التعب وسقطوا من الإعياء وقضوا نحبهم.
ونادى ملاك الرب جميع من في الارض" ان الله يعطيكم فرصة قصيرة بعد ، ففي الوقت المعين ، وفي السنة وفي الشهر واليوم والساعة والدقيقة واللحظة المعينة والمقررة سيقفل الباب، وسيبقى في الخارج جميع الذين يكونون مشغولين بالزني والقمار والسكر وجميع الذين اتكلوا على البشر "ايها الاحباء - هل نبقى منهمكين بأمور لا طائل تحتها؟ هل يلهينا عدونا بأوراق شيطانية التى عدا عن الضرر التى
تسببه لنا ولبني جنسنا فإنها تؤخرنا عن قافلة يسوع حبيبنا ؟ هل نشرب كؤوساً مترعة بمسكرات تخرجنا عن وعينا فنضل نحن والذين وضعوا تحت قيادتنا - أولادنا وفلذات أكبادنا - فيقفل الباب دونهم ودوننا، ويبقون ونبقى خارجاً حيث البكاء وصرير الاسنان ؟
أو ليس أفضل لنا ولأولادنا بأن نحرق الاوراق الشيطانية ونكسر أقداح الوسكي والشمبانيا ونطير بقلوبنا وأفكارنا إلى الحبيب الذي ينتظر اشارة منا ليأخذنا إليه وهكذا نكون مع الرب كل حين؟
- عدد الزيارات: 20