Skip to main content

الدرس الثاني

المقدمة

التاريخ: كتب الرسول بولس رسالته إلى الكنيسة في رومية في السنة 58 ميلادية قرب نهاية اقامته في مدينة كورنثوس ببلاد اليونان. وقد قام بهذه المهمة قرب انتهائه من رحلته التبشيرية الثالثة وقبل ذهابه إلى المدينة المقدسة.

المناسبة: كانت الكنائس التي أسسها الرسول في آسيا الصغرى وبلاد اليونان قد جمعت الأموال لمساعدة المسيحيين الفقراء في البلاد المقدسة وطلبت من الرسول بولس أن يأخذ هذه المساعدة المالية بنفسه ويسلمها إلى قادة الكنيسة في القدس. وبما أن موسم السفر البحري كان على وشك بأن يُفتتح نظراً لقدوم الربيع، عزم بولس على ترك كورنثوس بأقرب وقت ممكن والإقلاع على سفينة ذاهبة إلى شرقي البحر المتوسط. وهكذا لم يتيسّر له الذهاب إلى عاصمة الإمبراطورية الرومانية كما كان يتوق إلى القيام بذلك منذ زمن طويل. وإذ علم الرسول بأن فيبي (وهي خادمة الكنيسة في كنخريا ميناء كورنثوس الشرقي) كانت مزمعة على السفر إلى رومية اغتنم تلك الفرصة وكتب رسالته إلى الكنيسة هناك. وبهذه الواسطة التي تظهر لنا اعتيادية أعطانا الروح القدس المفتاح الأكيد لفهم الكتاب المقدس بأسره.

غاية الرسالة إلى رومية

1. إعلام الكنيسة في رومية عزم الرسول على الذهاب إليهم في مناسبة أخرى. وكان الرسول قد صمم أن يمر على رومية في سفرة مقبلة تأخذه إلى إسبانيا وذلك بعد انتهائه من مهمة تسليم المساعدة المالية إلى فقراء الكنيسة في القدس.

2. إعطاء الكنيسة في رومية فكرة شاملة عن المباديء الأساسية للديانة المسيحية. فقد كانت رومية على وشك بأن تصبح مركزاً هاماً للكنيسة المسيحية وكان من الضروري لأعضاء الكنيسة فيها أن يكونوا واقفين على معنى البشارة وضرورة نشرها في كل مكان. وهكذا أصبحت هذه الرسالة الكتاب الأساسي للعقيدة المسيحية.

3. تصحيح بعض الأخطاء العقائدية التي كانت عالقة ببعض أعضاء الكنيسة في رومية. وليس هناك طريقة أحسن للتغلب على الخطأ والجهل سوى إعلان الحق بأسره وبصورة علمية وحية.

مستلمو الرسالة

الكنيسة المسيحية في رومية: يظهر من قراءتنا لهذه الرسالة أنها لم تُؤَسَّسْ من قِبَل رسول (رومية 15: 20). يميل معظم المفسرين إذن إلى القول بأن الكنيسة في رومية تأسست من قبل أولئك الذين كانوا في المدينة المقدسة يوم الخمسين أي يوم حلول الروح القدس على الرسل والكنيسة في مدينة القدس. فقد كان قوم من أنحاء عديدة من العالم ساكنين في القدس وسمعوا بذلك الحدث الهام واعتنق الكثيرون منهم الديانة المسيحية. وبما أن الناس كانوا يسافرون بشكل مستمر إلى جميع أنحاء الإمبراطورية بدون أية عوائق أو موانع فلابد أن المستوطنين الرومانيين الذين صاروا مسيحيين في القدس عادوا إلى رومية وأسسوا الكنيسة في قلب العالم المتمدن. ومن الجائز أن يكون البعض من المؤمنين القاطنين في آسيا الصغرى قد ذهبوا إلى رومية إما لتأسيس الكنيسة فيها أو لدعمها أثناء نموها المستمر. وقد كانت هذه الكنيسة ذات أهمية عظمى نظراً لموقعها الجغرافي. وبالفعل اشتهر أعضاؤها بقوة إيمانهم وبرغبتهم في نشر إيمانهم بين مختلف طبقات سكان العاصمة.

أهمية الرسالة إلى رومية

لا يمكننا أن نغالي في أهمية الرسالة لأنها مفتاح لفهم سائر أسفار الكتاب المقدس. وقد استعمل الله هذه الرسالة للمجيء بالحركة الإصلاحية المباركة التي بدأت في القرن السادس عشر والتي أرجعت للكنيسة حيويتها وإيمانها الكتابي. إنْ فَهِمْنا هذه الرسالة كما يجب فإننا نفهم أهم مواضيع الوحي الإلهي ولذلك فإننا نبدأ دراستـنا لأسفـار الكتـاب المقـدس في رومية راجين من الله تعالى الذي أوحى بمحتويات هذه الرسالة إلى عبده ورسوله بولس أن يفتح قلوبنا لتقبل هذه التعاليم المحررة والمنيرة.

فالرسالة إلى رومية تبحث في هذه المواضيع الثلاثة التي تهم كل إنسان:

1. الشقاء والتعاسة في حياة الإنسان:

كيف وصل الإنسان وهو المخلوق العاقل إلى هذه الدرجة من الشقاء والتعاسة؟ ما هو التشخيص الحقيقي والواقعي لحالة الإنسان الكئيبة؟ جواب الرسالة إلى رومية هو أن الإنسان في حالته الحاضرة ليس في مكان يحسد عليه لأنه ثائر ومتمرد على الله خالقه وهو يبتعد عنه بشكل متواصل مفضلاً عبادة الإنسان والمخلوقات الأخرى على عبادة الله الحي.

2. الخلاص:

يتكلم الرسول في رسالته إلى رومية عن موضوع الخلاص من حالة البؤس الروحي المسيطر على الإنسان بسبب خطيته. وهذا الخلاص هو إنجيل أي خبر مسر مصدره الله إذ أنه تعالى لم يترك الإنسان في حالته التعيسة بل عمل له خلاصاً عظيماً بإرسال ابنه الوحيد يسوع المسيح إلى العالم لينتصر على الخطية وينقذ الإنسان من سيطرتها الغاشمة.

3. الشكر والامتنان:

يعلمنا بولس الرسول في رسالته إلى رومية عن واجب الشكر الذي يقع على كل إنسان قبل شروط المصالحة مع الله. لأن الله لا يخلِّص المائت في الخطية ليتركه عائشاً حياةً منكسرة وبدون غاية نبيلة بل إنه يجند الخالص ليحيا له مظهراً في حياته صحة الخلاص الذي تم فيه بواسطة عمل المسيح الفدائي على الصليب. كل ما يلزمنا في حياتنا الروحية مذكور في الرسالة إلى رومية، لنعزم إذن على دراستها والحياة بنورها.

  • عدد الزيارات: 10743