Skip to main content

الدرس السادس

"17هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيّاً وَتَتَّكِلُ عَلَى النَّامُوسِ وَتَفْتَخِرُ بِاللَّهِ 18وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ مُتَعَلِّماً مِنَ النَّامُوسِ. 19وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ 20وَمُهَذِّبٌ لِلأَغْبِيَاءِ وَمُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ وَلَكَ صُورَةُ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ فِي النَّامُوسِ. 21فَأَنْتَ إِذاً الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ أَنْ لاَ يُسْرَقَ أَتَسْرِقُ؟ 22الَّذِي تَقُولُ أَنْ لاَ يُزْنَى أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ 23الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟ 24لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.25 فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! 26إِذاً إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَاناً؟ 27وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟ 28لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيّاً وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَاناً 29بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ" (رومية 2: 17-29).

إذ كان الرسول قد وجه معظم انتقاداته في القسم الأول من الفصل الثاني إلى الناس بصورة عامة فإنه يوجه الآن انتقاداته إلى اليهود في أيامه والذين كانوا منتشرين في عدة أنحاء من العالم والذين كانوا يقومون بعبادة الله بين الأمم الوثنية. وعلينا هنا أن نتذكر أن نظامهم الديني لم يكن مبنياً على تعاليم الكلمة الإلهية فقط لأنهم كانوا قد أحاطوها بتعاليم بشرية منافية لها. وقد كان السيد المسيح له المجد قد انتقدهم بشدة أثناء حياته على الأرض لتمسكهم بتقاليد واهية ولابتعادهم عن روح الكتاب. وكان الرسول ذاته قبل اهتدائه إلى الإنجيل من أشد اليهود تحمّساً للتمسك بالحرف ونبذ الروح ولذلك فإنه عندما يتكلم الآن فأنه يتكلم عن اختبار شخصي.  

1. معرفة الله والناموس والأمور الدينية معرفة عقلية أمر غير كاف.

ما الفائدة من معرفة الشريعة الموسوية والافتخار بأن الله قد كشف عن ذاته للآباء والأجداد، ما فائدة المقدرة على التميز بين الأمور الجيدة والرديئة، ما الفائدة من المقدرة على تعليم الأغبياء والأطفال، ما الفائدة من كل هذه الأشياء إن لم تكن قلبية؟ يريد الله من الجميع أكثر من كلام وفلسفة وعلم. يريد تعالى الحياة المبنية على تعاليمه المقدسة.

2. معرفة الله معرفة عقلية لا تكفي لتغطية خطايا كبيرة ترتكب من قبل الإنسان.

إن أقرّ الإنسان الذي يعرف الله بأن السرقة خطية وأن الله ينهى عنها وأخذ يعظ الناس بالابتعاد عن كل ما يقرب إلى السرقة فهل هذا الإقرار والتعليم والوعظ كاف لتغطية السرقة التي يرتكبها المتشدق بمعرفة الله؟ الذي تقول أن لا يزني أتزني؟ الذي تستكره الأوثان أتسرق الهياكل؟

 3. كان الله قد طلب من عبده وخليله إبراهيم أن يختن الصبيان من نسله في اليوم الثامن بعد ميلادهم كعلامة وختم للعهد الذي قطعه معه ومع نسله. الرمز هام ولكن الأهم هو الشيء المرموز إليه ألا وهو وعد الله والإيمان الذي يجب أن يوجد في قلب المختون. وعلى مر السنين والأجيال صار بنو إسرائيل يفتخرون بالعلامة الخارجية ويتّكلون عليها بدون أن يقرنوا ذلك بالإيمان الحي بوعد الله. وهكذا وقعوا فيما يسمى بالحرفية تاركين الروح والحقيقة المرموز إليها. وهكذا نفهم سؤال الرسول: إذا كان الأغرل يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب غرلته ختاناً؟ الاتكال على الرمز بصورة خارجية وحرفية لا ينفع مطلقاً. لأن الأغرل الذي لم يولد يهودياً في تلك الأيام ولكن كان يعمل حسب الناموس ويضع ثقته بإله إبراهيم وبالوعد الذي قطعه مع خليله الأمين يكون بالحقيقة حاصلاً على جميع ميزات الختان. وهكذا فإن الذي لم يكن يتمتع منذ ولادته بمعرفة الله معرفة حقيقية والذي اهتدى بعد ذلك إلى المعرفة الحقيقية لله ولكتابه فإنه يدين بإيمانه وبحياته من كان قد ولد ضمن الإمتيازات الموعودة لنسل إبراهيم والذي لم يكن مؤمناً بمواعيد الله ولا عاملاً أي شيء سوى الاتكال على علامة خارجية كالختان.

4. التدين الحقيقي المقبول لدى الله هو التدين القلبي الروحي لا الحرفي الظاهر.

هذا هو المبدأ الهام الذي به ينهي الرسول الفصل الثاني من رسالته إلى رومية. الله هو فاحص القلوب والكلى وهو يعرف الذين يعبدونه من قلب صادق ولا يقبل أولئك الذين يعبدونه ظاهرياً. والتحذير الرسولي باقٍ معنا وهو أن الختان الحقيقي هو ختان القلب الذي مدْحه ليس من الناس بل من الله.

  • عدد الزيارات: 9078