Skip to main content

الدرس التاسع

"1فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إبراهيم قَدْ وَجَدَ حَسَبَ الْجَسَدِ؟ 2لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إبراهيم قَدْ تَبَرَّرَ بِالأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ - وَلَكِنْ لَيْسَ لَدَى اللهِ. 3لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «فَآمَنَ إبراهيم بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً». 4أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. 5وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإيمانهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً. 6كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضاً فِي تَطْوِيبِ الإنسان الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرّاً بِدُونِ أَعْمَالٍ: 7«طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. 8طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً». 9أَفَهَذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضاً؟ لأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ حُسِبَ لإبراهيم الإيمان بِرّاً. 10فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ بَلْ فِي الْغُرْلَةِ! 11وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْماً لِبِرِّ الإيمان الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً الْبِرُّ. 12وَأَباً لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يَسْلُكُونَ فِي خُطُواتِ إيمان أَبِينَا إبراهيم الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ. 13فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإبراهيم أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلْعَالَمِ بَلْ بِبِرِّ الإيمان. 14لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً فَقَدْ تَعَطَّلَ الإيمان وَبَطَلَ الْوَعْدُ! 15لأَنَّ النَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَباً إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضاً تَعَدٍّ. 16لِهَذَا هُوَ مِنَ الإيمان كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيداً لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً لِمَنْ هُوَ مِنْ إيمان إبراهيم الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. 17كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَباً لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. 18فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ لِكَيْ يَصِيرَ أَباً لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ كَمَا قِيلَ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». 19وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي الإيمان لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ - وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ - وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. 20وَلاَ بِعَدَمِ إيمان ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ بَلْ تَقَوَّى بِالإيمان مُعْطِياً مَجْداً لِلَّهِ. 21وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضاً. 22لِذَلِكَ أَيْضاً حُسِبَ لَهُ بِرّاً. 23وَلَكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ 24بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ. 25الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا." (رومية 4).

لقد قادنا الرسول إلى قلب الإنجيل ألا وهو أن الإنسان لا يقدر أن يتبرر أمام الله بواسطة الأعمال لأنه لا يقدر (نظراً لسقوطه في الخطية) أن يقوم بجميع ما تتطلبه شريعة الله من أعمال. الخلاص الآن ممكن نظراً لنعمة الله المجانية التي أظهرها للملأ بإرسال ابنه الوحيد يسوع المسيح إلى العالم الذي كفّر عن خطايا العالم بموته على الصليب. ينتفع الإنسان من عمل يسوع الكفاري بواسطة الإيمان. ليس على الإنسان سوى الإيمان بما قام به يسوع على الصليب فيحسب الله ذلك براً له. التبرير هو بالإيمان أو حسب قول الرسول في الفصل الثالث من رسالته إلى رومية: " إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ الإنسان يَتَبَرَّرُ بِالإيمان بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ ".

هذا التعليم الإنجيلي الذي أعلنه الرسول كان مغايراً بشكل صريح لتعاليم المدارس اليهودية إذ أنها مع اختلافاتها على بعض النقاط كانت تؤكد أن الإنسان كان يخلص بأعمال الشريعة وأن اليهود نظراً لانحدارهم من إبراهيم ونظراً لحصولهم على علامة الختان كانوا في أمان وأن خلاصهم كان أكيداً. اختلف الرسول بولس مع معلمي بني جنسه ولكنه لم يكن بذلك قد أتى ببدعة جديدة بل كان يؤكد تعليم الكتاب المقدس. وهذا يعني أن معلمي إسرائيل كانوا قد انحرفوا عن كلمة الله وأخفوها تحت آكام التقاليد البشرية الواهية واجتهادات علمائهم الدينيين المغايرة لروح كلمة الله.

من هو الحكم الذي سيفصل بين تعليم الرسول وبين تعاليم بني جنسه؟ من سيفصل لنا في صحة تعليم الرسول بأن الإنسان يتبرر بالإيمان لا بأعمال الناموس؟ جواب الرسول هو: إلى الكتاب. نعم لنذهب إلى كلمة الله المعصومة عن الخطأ ولنسأل: كيف يتبرر الإنسان؟

ولا نكاد نصل إلى الكتاب حتى تواجهنا شخصية جبارة سمت في أفق العصور القديمة على سائر شخصيات بني البشر، نعم يستقبلنا إبراهيم الخليل الذي نقرأ عنه في سفر التكوين وهو أول سفر كتبه النبي موسى والذي يبحث في خلق العالم والإنسان ودخول الخطية إلى العالم وفساد العالم القديم والطوفان ودعوة نوح إلى بدء جيل جديد، فانحراف أبناء نوح عن الطريق المستقيم، إلى أن نصل إلى نقطة انطلاق جديدة في دعوة إبراهيم من أور الكلدانيين في جنوب بلاد ما بين النهرين. إبراهيم هو الحكم. ماذا يعلّمنا الكتاب عن إبراهيم؟ نتعلم من الكتاب أن إبراهيم لم يتبرر بالأعمال إذ أن نص كلمة الله هو " فَآمَنَ إبراهيم بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً " نال إبراهيم بره بواسطة الإيمان لا بواسطة الأعمال وذلك كاف لتعليمنا أن الخلاص لا يكسبه الإنسان بواسطة أعماله بل يناله نظراً لنعمة الله المجانية بواسطة يد الإيمان الفارغة. وهذا هو تعليم النبي داود الذي تغنى في المزمور الثاني والثلاثين قائلاً "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً ".

متى حصل إبراهيم على بره؟ أكان ذلك بعد حصوله على علامة الختان أم قبل ذلك؟ يعلّمنا الكتاب أن إبراهيم اختتن وكذلك الذين كانوا معه بعد تلك الحادثة الهامة في حياته. ولم يكن الختان سوى ختماً لبر الإيمان أو رمزاً لواقع كان قد جرى ضمن حياته. الختان لم يكن أساساً لبره بل عبارة عن رمز لبره.

هذا أن إبراهيم هو أب لجميع المؤمنين بالله بغض النظر عن كونهم من أهل الختان أو من غير أهل الختان. لعب الإيمان دوراً أساسياً في حياته إذ أنه اختبر أمراً فريداً لا يحدث في حياة الناس ألا وهو حصوله على ابن بعد اقترابه من عامه المئة وبعد كون سارة زوجته طاعنة في السن. آمن بالله برغم كل الأدلة المعاكسة وآمن أيضاً بأن المخلص سيأتي من نسله الذي به ستتبارك أمم الأرض. الإيمان إذن أساس نيلنا لتبرير الله لأن إبراهيم تبرر بتلك الواسطة. تعليم الرسول ينطبق على الكتاب وهو لذلك تعليم صحيح ومفرح.

  • عدد الزيارات: 8825