Skip to main content

الدرس السابع عشر

"12فَإِذاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. 13لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. 14لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. 15إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!». 16اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. 17فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ. 18فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. 19لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ. 20إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعاً بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا - عَلَى الرَّجَاءِ. 21لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. 22فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى الآنَ. 23وَلَيْسَ هَكَذَا فَقَطْ بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضاً نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا. 24لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلَكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضاً؟ 25وَلَكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ" (رومية 8: 12-25).

هناك طريقتان للحياة: الطريقة الواحدة يتبع فيها الإنسان الميل الكائن في طبيعته الساقطة والتي تنتهي به إلى الموت الأبدي والطريقة الأخرى يتبع فيها الإنسان المتجدد الميل الذي يناله من الروح القدس الذي أعطي له عندما آمن بالمسيح يسوع. هذه خلاصة ما تعلمناه في درسنا السابق. وسنتابع دراستنا اليوم لقسم من هذا الفصل لنقف تماماً على نموذج الحياة التي يجب أن يحياها كل من صار باراً بإيمانه بالمخلص.

فلقد أفهمنا الرسول بأن الإنسان المتبرر لا يستطيع أن يحيا حياة الانتصار على الخطية إن اتكل على قواه الخاصة وذلك لوجود الميل القوى نحو الخطية الكائن في طبيعته الساقطة. الحياة التي ترضي الله هي الحياة التي يحياها المؤمن بواسطة الروح القدس الذي يسكن في قلبه. وهكذا يتوجب على المؤمن أن ينظر إلى حياته كدين لا يقدر أن يفيه إلا إذا عاش حسب الروح القدس. إذ أنه إن استمر على العيش حسب الجسد فليس ذلك إلا دليلاً على عدم صحة إيمانه وعلى أن نهايته الموت الأبدي. ولكنه إن استعان بقوة الروح القدس فإنه يقدر آنئذ على الانتصار على الخطية وعلى الجسد حليفها. فحياة المؤمن يمكن النظر إليها من ناحية أخرى كحياة منقادة للروح القدس. قد يصعب فهم ذلك بالنسبة للذين لم يأخذوا الخطوة الأولى للمجيء إلى المسيح مؤمنين ولكن من الناحية العملية فإن المسيحي المنتصر هو الذي قد سلم زمام حياته إلى قيادة الروح القدس. وهذا لا يعني أنه فقد بذلك حريته أو شخصيته، بل إن ذلك يعني انه قد وجد حريته الحقيقية لأنه يشعر في قرارة نفسه بأن الله قد تبناه، إذ هل هناك حرية أسمى من حرية أبناء الله؟ وهذا الشعور ليس من منبع بشري بل إنه من عمل الروح القدس الذي يشهد مع روح المؤمن بأنه من أولاد الله.

وما أتى الرسول على ذكر التبني الذي يحصل عليه المؤمن إلا وتطرق للبحث في موضوع آلام الزمن الحاضر. كيف نفهم أمر حصول المؤمن على خيرات عديدة لا يمكن أن يعبر عنها وفي نفس الوقت عدم تمكنه من التخلص من الآلام والمشقات التي تنقضّ عليه؟ جواب الرسول هو في النقاط الرئيسية التالية:

1. إن آلام الزمن الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا. وهكذا فإن الرسول لا ينكر مطلقاً بأن حظ المؤمن من الآلام ليس بالقليل ولكنه يوجه الأنظار إلى هذه الحقيقة الصارخة: مهما كثرت وتنوعت آلام الزمن الحاضر فإنها لا تقاس ولو من بعد بالمجد الذي سيظهر فينا متى عاد السيد المسيح إلى الأرض في اليوم الأخير. يعلّمنا بولس بأن نتهرب من الزمن الحاضر الذي نعيش فيه ولكنه يود أن يوجه أنظارنا إلى المستقبل اللامع الذي ينتظرنا كأبناء الله المفديين بدم ابنه الزكي.

2. إن انتظارنا لإعلان المجد النهائي هو أيضا انتظار الخليقة بأسرها. يوجه الرسول أنظارنا إلى الخليقة بأسرها التي نعيش ضمنها ويقول لنا: انظروا إلى هذه الخليقة غير العاقلة، إنها لم تخطيء ولكنها تأثرت إلى هكذا درجة من التشويش الهائل الذي أحدثته معصية آدم حتى أن الله أخضعها للبطل. ولكن ذلك لا يعني أن الخليقة ستبقى على هذه الحالة إذ أن الله سيجعلها مشاركة أيضا للانتصار النهائي على قوى الشر في نهاية التاريخ البشري لدى رجوع السيد المسيح إلى العالم. حتى نحن الذين ذقنا خلاص الرب والذين نتمتع بهبة الروح القدس نحن أيضا نئن في أنفسنا متوقعين مجيء ذلك اليوم المجيد عندما تعتق أجسادنا من عبودية الموت والفساد وتقوم للاشتراك في الاحتفال العظيم الذي سيجري متى أعلن الله نصره النهائي والتام على جميع قوى الشر والخطية والموت.

3. إن موقفنا الحالي كمؤمنين هو موقف رجاء. إن المؤمن بالرغم من الآلام العديدة التي تنقض عليه من كل حدب وصوب يظل مرفوع الرأس لا لاتكاله على قواه الخاصة بل نظراً لاتكاله التام على الله الذي سيعطيه النصر النهائي في يوم القيامة. وهكذا فإنه يعيش في الزمن الحاضر عيشة رجاء.

فالرجاء إذن عنصر هام جداً في حياة المتبرر وبدونه يكون غير متمتع بجميع امتيازات حياته الجديدة. ليس الرجاء المسيحي بالتهرب من الواقع بل على العكس هو أخذ الواقع بعين الاعتبار. فالخلاص الذي يحصل عليه المسيحي هو خلاص حقيقي ولكنه لا يتذوق إلا باكورته إذ أن ثمره التام لا يجنى إلا في النهاية. وهكذا نفهم قول الرسول بأننا بالرجاء خلصنا. لم ينبعث الرجاء إذن من رغبة العقل البشري في تفسير عدم الحصول على جميع الفوائد المتوخاة من الخلاص الموعود في الإنجيل، كلا إن الرجاء هو من العناصر الرئيسية في بشارة الخلاص. وهذا الرجاء يولد الصبر الذي على كل مؤمن أن يتحلى به وهو يخوض معارك الحياة ويتوقع برجاء حي إعلان النصر النهائي على خطيته وعلى شروره وآثامه وعلى عدوه الشيطان في اليوم الأخير.

  • عدد الزيارات: 6735