Skip to main content

الدرس التاسع عشر

"1أَقُولُ الصِّدْقَ فِي الْمَسِيحِ لاَ أَكْذِبُ وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: 2إِنَّ لِي حُزْناً عَظِيماً وَوَجَعاً فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ! 3فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ 4الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالِاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ 5وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 6وَلَكِنْ لَيْسَ هَكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ 7وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إبراهيم هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». 8أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً. 9لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هَذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ». 10وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ رِفْقَةُ أَيْضاً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا - 11لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ وَلاَ فَعَلاَ خَيْراً أَوْ شَرّاً لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو 12قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». 13كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ». 14فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْماً؟ حَاشَا! 15لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ». 16فَإِذاً لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى بَلْ لِلَّهِ الَّذِي يَرْحَمُ. 17لأَنَّهُ يَقُولُ الْكِتَابُ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي لِهَذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ». 18فَإِذاً هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ. 19فَسَتَقُولُ لِي: «لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ لأَنْ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ؟» 20بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإنسان الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هَكَذَا؟» 21أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟ 22فَمَاذَا إِنْ كَانَ اللهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ - 23وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ 24الَّتِي أَيْضاً دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضاً. 25كَمَا يَقُولُ فِي هُوشَعَ أَيْضاً: «سَأَدْعُو الَّذِي لَيْسَ شَعْبِي شَعْبِي وَالَّتِي لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً. 26وَيَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ لَسْتُمْ شَعْبِي أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ». 27وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: «وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ. 28لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْراً مَقْضِيّاً بِهِ عَلَى الأَرْضِ». 29وَكَمَا سَبَقَ إِشَعْيَاءُ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلاً لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ». 30فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ - الْبِرَّ الَّذِي بِالإيمان. 31وَلَكِنَّ إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! 32لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالإيمان بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ 33كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى" (رومية 9).

 لقد وصلنا الآن إلى القسم الثاني من رسالة الرسول بولس إلى الكنيسة المسيحية في رومية وهو القسم الذي يعالج فيه الرسول مشكلة عدم إيمان بني شعبه بالمسيح يسوع وإصرارهم على رفض الخلاص العظيم الذي أعده الله لجميع المؤمنين. وسوف يبحث الرسول في هذا الموضوع الدقيق في الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر قبل أن يأتي إلى البحث في تطبيق المباديء الإنجيلية في حياة المتبررين بالإيمان.

وهنا يجدر بنا أن نتذكر بأن الرسول كان نفسه من معاندي البشارة المسيحية وأنه كان من ألد أعداء الكنيسة المسيحية ولكنه لما رأى النور الحقيقي، واختفى ذلك الستار الذي كان يحيط بعقله وقلبه كان لابد له من التأمل في موضوع عدم إيمان اسرائيل بالمسيح. لماذا؟ لماذا رفضوا المسيح؟ ولماذا يستمرون في معاندة رسله وفي الإصرار على الحصول على برهم الذاتي بدون معونة الله وخارج نطاق تدبيره للتبرير؟

1. يبدأ الرسول بالكلام عن الحزن العميق الذي كان يشعر به عندما كان يتأمل في موقف بني جنسه من المسيح يسوع. أنه يود لو كان يحرم من المسيح لأجل أخوته حسب الجسد، الذين كانوا قد تمتعوا بمزايا عديدة لم يتمتع بها الناس في تلك الأيام. كيف يفسر فشلهم وهم قد حصلوا على الوحي الإلهي والشريعة الإلهية والطريق المقبولة للعبادة ومنهم أتى السيد المسيح حسب طبيعته البشرية؟

2. يبدأ الرسول بالجواب على هذه الحيرة التي ألمت به باللجوء إلى كلمة الله وإلى معونة الروح القدس. وهكذا يصل إلى هذا المبدأ الأساسي الساري المفعول ليس فقط في أيامه بل في سائر العصور والأجيال. ليس جميع المنحدرين من إبراهيم الخليل هم بالحقيقة أولاد إبراهيم (أي من الناحية الروحية). وكما اختار الله اسحق بن إبراهيم وكما اختار يعقوب بن اسحق وترك البقية، هكذا أيضا يختار العديدين من بني اسرائيل للمجيء بهم إلى الإقرار بالمسيح يسوع. وبعبارة أخرى أن الذي اختبره الرسول في حياته لم يكن أمراً جديداً من الناحية العقائدية. بل إن ما حدث في أيامه من رفض الكثيرين من بني شعبه للمسيح المنتظر إنما ما حدث في الماضي في أيام موسى والأنبياء.

3. وقد يوجد هنا من يعترض على تفسير الرسول هذا ويقول له: يا بولس، أنك بذلك تعني أن الله ظالم. جواب الرسول هو: حاشا. أني لست مبتدعاً لعقيدة جديدة بل إن موسى علم ذلك في حادثة فرعون والضربات التي أتت عليه وعلى شعبه. إن محاولة فهم سلطة الله المطلقة وإرادته في العالم أمر غير ممكن، إن العقل البشرى محدود ولذلك يجدر بنا أن نقبل تعليم كلمة الله بدون أن نحاول الحكم عليها بحكمتنا البشرية المحدودة. وفوق كل شيء علينا أن نذكر جيداً أن الله هو الذي صنعنا وهو يعمل بنا كما يشاء. إنه لا يقوم بأي عمل ظلم ولكنه تعالى يختار البعض للحياة ويترك الآخرين في حالتهم. من نحن حتى نتجادل مع الله؟

4. ومع أننا لا نستطيع أن نسبر غور هذه الأمور العميقة والمتعلقة بعلاقة الله مع مخلوقاته العاقلة إلا أننا نرى السبب الذي من أجله فشل بنو اسرائيل في الوصول إلى ملكوت المسيح. إنهم لم يودوا أن يقبلوا البر بالإيمان بدون أعمال الشريعة. إن هذه العقيدة أصبحت بالنسبة إليهم الصخرة التي اصطدموا بها حارمين أنفسهم من البر الذي ناله ولا يزال يناله كل من يؤمن بالله وبتدبيره الفعال للخلاص.

  • عدد الزيارات: 6724