الدرس الخامس والعشرون
"1فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. 2فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. 3لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ». 4لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ. 5وَلْيُعْطِكُمْ إِلَهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَاماً وَاحِداً فِيمَا بَيْنَكُمْ بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ 6لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ. 7لِذَلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا لِمَجْدِ اللهِ. 8وَأَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ. 9وَأَمَّا الأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لِاسْمِكَ» 10وَيَقُولُ أَيْضاً: «تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ» 11وَأَيْضاً: «سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الأُمَمِ وَامْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ» 12وَأَيْضاً يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: «سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ. عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». 13وَلْيَمْلَأْكُمْ إِلَهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإيمان لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رومية 15: 1-13).
لم ينته الرسول بولس من البحث في موضوع العلاقات التي يجب أن تسود بين أعضاء الكنيسة المسيحية المتكونة من أناس ذوى جنسيات وعادات مختلفة. كان الرسول قد علمنا في الفصل الرابع عشر أن واجب المؤمنين هو أن يتخذوا مبدأ التسامح والتساهل فيما يتعلق بالأمور الثانوية التي لا تمس قلب المباديء الإنجيلية.
فالذي يود التقيد ببعض التقاليد المختصة بالمآكل وبحفظ الأيام الخاصة عليه ألا ينتقد أو يدين من يأكل جميع الأشياء الصالحة والتي لا تضر بالصحة. وكذلك على هذا الأخير ألا يحتقر من قيد نفسه بقيود عديدة تتعلق بأمور هذه الحياة الأرضية. وكذلك علمنا الرسول بأنه لا يجوز للمؤمن بأن يرفع اعتقاداته الشخصية بخصوص هذه الأمور الثانوية إلى منصة الإيمان الواجب إتباعه من قبل الجميع. ولا يجوز أيضا للقوي في الإيمان أي الذي يتمتع بالحرية المسيحية التي تصدر عن فهم تام لمباديء الإنجيل السامية بأن يعيش ويتصرف هكذا حتى أن أخاه الضعيف يتقهقر في حياته الروحية إلى درجة فقدان الإيمان بأسره. رائد القوي في الإيمان هو: لن أعمل أي شيء ليصدم أخي في حياته الروحية ورائد الضعيف في الإيمان بالنسبة إلى أمور حياته الخاصة هو: إن شككت في أي أمر، في كونه حلالاً أو حراماً علي أن أتأكد تماماً قبل القيام به فيما إذا كان حلالاً أو حراماً، إذ أن كل ما ليس من الإيمان فهو خطية. إن وضع جميع المؤمنين هذه المباديء موضع التنفيذ تتلاشى الخصومات والانشقاقات الداخلية ويحل محلها السلام والوئام.
يتابع الرسول بحثه في هذا الأمر في القسم الأول من الفصل الخامس عشر من رسالته إلى رومية موجهاً كلامه بصورة خاصة إلى الأقوياء في الإيمان أي إلى الذين لا يقيدون أنفسهم بقيود لم يأمر بها الله في إنجيله المقدس. لنعمل جهدنا نحن الأقوياء لكي نحتمل مواقف الضعفاء وذلك إن جعلنا هدفنا لا إرضاء أنفسنا – مع كوننا محقين في موقفنا بخصوص المآكل المحللة – بل إرضاء الآخرين. وهذا أمر قد يغرب عن بال الأقوياء من المؤمنين وهم ينتصرون لموقفهم من الأمور التي يختلفون فيها عن الأعضاء الضعفاء. وهذا هو ضرورة التقيد دائما بشريعة المحبة التي تلخص الناموس بأسره. إن محبة القريب كالنفس هي خلاصة اللوح الثاني من الوصايا العشر ذلك اللوح الذي ينظم علاقة الإنسان بقريبه الإنسان. ولذلك فإن الرسول يوجه أنظارنا إلى ضرورة العمل بروح شريعة المحبة، الشريعة التي سار على منوالها الرب يسوع المسيح أثناء حياته على الأرض.
لم يتصرف السيد يسوع المسيح وهو رب العالمين وسيد الكون بروح الانتصار دائما لحقوقه المشروعة بل أنه لم يرض نفسه كما هو مكتوب: تعييرات معيريك وقعت علي. وكل ما كتب بخصوص المسيح يسوع في الكتب المقدسة إنما كتب من أجل تعليمنا لكي نتمثل بحياة المسيح يسوع ونقتدي بجميع خطواته. لا يجوز لمن نال بره مجاناً من الله بإيمانه بالمسيح أن يظل على حالة من الخمول والجمود أو أن يحيا حسب مباديء الطبيعة القديمة التي طلقها. يجب على كل مؤمن أن يضع نصب عينيه أن يحيا في خطوات ربه ومخلصه يسوع المسيح وإذ ذاك فإنه إنما يعمل لمجد الله ولسلام أخوته المؤمنين ولبنيانهم في الحياة المسيحية.
والحقيقة الناصعة التي يجب ألا تغرب عن بالنا ونحن نفكر بالأمور التي نختلف فيها عن بعض المؤمنين هي أن يسوع المسيح قد قبلهم هم أيضاً. إننا لا نستطيع أن نحتكر فوائد الإيمان لأنفسنا وللذين يفكرون مثلنا في جميع أمور هذه الحياة. من قبله يسوع لا يستطيع أن يرفضه أتباع يسوع. وهكذا فإن المسيح يسوع صار حسب ترتيب الله خادم الختان أي أنه أثناء حياته الأرضية عمل فقط ضمن نطاق شعب الله القديم وضمن الأراضي المقدسة. وبعمله حسب ترتيب الله الذي كان قد ذكر للآباء بواسطة الأنبياء أظهر أنه كان يقدم لهم الخلاص الذي تممه على الصليب. ولكن المسيح لم يأت فقط من أجل خلاص شعب واحد بل من أجل خلاص جميع الشعوب والأمم ولذلك فإن الكتب المقدسة أي أسفار العهد القديم من موسى إلى داود إلى إشعياء ذكرت هذا الأمر: أن الأمم أيضاً كانت ستفرح وتتهلل بخلاص الرب العجيب.
يقبل المسيح يسوع إذاً جميع الذين يأتون إليه ويؤمنون به كمخلص لهم من الخطايا والشرور التي كانت عالقة بهم. الكنيسة هي كنيسة المسيح وأعضاؤها هم أعضاء في جسد المسيح. متى أبقينا هذه الحقيقة الأساسية في عقولنا وعملنا حسب روحها ونصها لا يعود إذاً أي مسوغ للاختلافات والانشقاقات في جميع الأمور التي يعدها الكتاب المقدس أموراً ثانوية وتافهة كأمور المأكولات وغيرها من العادات والتقاليد الموروثة. ومتى قويت التجارب التي تكثر في حياة المؤمنين وحاولت أن تقسمهم بسبب الأمور الثانوية فعلى الجميع آنئذ النظر إلى الرب يسوع المسيح والإقتداء به والرضوخ إلى مشيئته. وليكن شعارنا في الأمور الأساسية الوحدة الكتابية المسيحية وفي الأمور الثانوية التساهل والتسامح وفي جميع الأمور يجب التمسك بالمحبة المبنية على مثال يسوع المسيح. متى عملنا بتعاليم الرسول هذه تتلاشى إلى الأبد كل الخصومات التي ليس لها أية علاقة بالإيمان المسيحي المبني على كلمة الله المقدسة.
- عدد الزيارات: 5818