Skip to main content

نشرة الأخبار السارة

النص الكتابي: الرسالة إلى رومية 1: 1-17

إذا أخذنا على عاتقنا موضوع تحليل محتويات النشرات الإخبارية اليومية نجدها تشير في كثير من الأحيان إلى الفواجع والمآسي التي تحدث في بقاع مختلفة من الأرض: مثل سقوط طائرة ركاب كبيرة ومقتل المسافرين عليها... اصطدام بين قطارين ومصرع الركاب... زلزال قوى يقضي على الآلاف من السكان الآمنين... زد على ذلك المشاكل التي كانت ولا تزال تقض مضجع الناس مثل عدم مقدرة الإنسان على العيش بسلام مع جاره الإنسان وقلة الموارد الغذائية والغلاء والبطالة والتلوث.

وإذا ما حصرنا أفقنا الحياتي بهذه الدنيا فقط وبما نسمعه من الأخبار لخلصنا إلى القول بأن الحياة ستزداد من سيء إلى أسوأ وأن المستقبل قاتم للغاية. لكن الحياة ليست مستنيرة بنور أرضي محض – هذا إن كنا نؤمن بالله الذي تكلم ولا يزال يتكلم في الكتاب المقدس. لا تكمن الحقيقة الكبرى والنهائية بخصوص حياتنا في ما نسمعه من أخبار يومية بل في كلمة الله الحية والفعالة. ومن هذه الزاوية يمكننا النظر إلى كلمة الله وكأنها مصدر نشرة يومية للأخبار السارة. تنادي كلمة الله بالإنجيل وكلمة "إنجيل" يونانية الأصل وتعني حرفياً: الأخبار السارة أو الأنباء المسرة.

لخص الرسول بولس تعاليم رسالته إلى جماعة الإيمان في عاصمة الإمبراطورية الرومانية قائلا: "16لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإنجيل الْمَسِيحِ لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. 17لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإيمان لإيمان كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ«أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإيمان يَحْيَا". (رومية 1: 16و17).

وكان الرسول قد كتب في فاتحة الرسالة: "1بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الْمَدْعُوُّ رَسُولاً الْمُفْرَزُ لإنجيل اللهِ ". لم يكن الإنجيل من مصدر بشري ولم يخترعه بولس أو بطرس أو يوحنا أو رسول آخر. الإنجيل هو إنجيل الله بمعنى أن الله هو صاحب هذا الخبر المفرح وأن الله كان قد أوحى بمحتوياته بصورة تدريجية منذ القديم بواسطة الأنبياء الذين حفظت رسالاتهم في كتب العهد القديم (أي التوراة والأنبياء والمزامير).

إن كان الرسول متيقناً كل اليقين بأن الله هو صاحب الإنجيل فلماذا لخص رسالته قائلا بطريقة سلبية: "16لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإنجيل الْمَسِيحِ ". كان الرسول ملماً كل الإلمام بأن جماعة الإيمان في رومية كانت تعيش وسط محيط وثني معادٍ تماماً لفحوى رسالته الخلاصية. كان العديدون من الذين يعدون أنفسهم من مثقفي العالم المتوسطي آنئذ، كانوا ينظرون إلى مناداة بولس بالإنجيل وكأنه يقوم بعمل لا قيمة له وأن جميع جهوده التبشيرية كانت ستتبخر وتزول لزعمهم بأن الإنجيل كان بدون معنى ولأنه كان مخالفاً لأي منطق سليم. كان لسان حال الرسول هو: كيف أستحي بالإنجيل، بإنجيل الله وهو قوة الله لخلاص كل من يؤمن؟

كان الرسول من ألد أعداء الإنجيل والمسيح وكان ذاهباً إلى دمشق لاضطهاد أتباع المسيح فيها – عندما ظهر له السيد له المجد وأظهر له بأنه من العبث الاستمرار في محاربة بشرى رسالة الإنجيل. وبعد أن اهتدى بولس إلى المسيحية صار – بدعوة من المسيح – رسول الأخبار السارة وأسندت إليه مهمة المناداة بالإنجيل في جميع أنحاء العالم المتوسطي ولاسيما بين الذين كانوا من عابدي الأصنام.

الإنجيل هو قوة الله لخلاص كل من يؤمن. الإيمان شرط أساسي للاستفادة من عمل الله الخلاصي الذي تم في حياة وموت وقيامة المسيح. الإنجيل هو للجميع – إذ أنه ليس عند الله محاباة، لكن الذين يستفيدون من الإنجيل هم المؤمنون والمؤمنات فقط.

لماذا ذكر الرسول في خلاصته للإنجيل: "لليهودي أولا ثم لليوناني"؟ إشارة بولس إلى الحقيقة التاريخية ألا وهي أن بني اسرائيل كانوا قد منحوا في أيام ما قبل الميلاد ميزة استلام الوحي الإلهي ومعرفة الله الصحيحة. ولكن في أيام المسيح أضحت المعرفة الصحيحة عن الله للجميع. وعندما ذكر الرسول موضوع اليونانيين لم يعن وكأن الإنجيل كان لهم فقط، بل ذكرهم كممثلين لسائر الأقوام التي كانت متعبدة للأصنام وكذلك لكون حضارتهم ولغتهم منتشرتين في أكثر أنحاء العالم. وبصورة مختصرة: الإنجيل هو قوة الله لخلاص كل من يؤمن بغض النظر عن أصله وفصله.

لم يكتف الرسول بالكلام عن كون الإنجيل قوة الله للخلاص بل استمر شارحاً ومفسراً: "لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإيمان لإيمان كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإيمان يَحْيَا". وهذه الكلمات الأخيرة كانت مقتبسة من نبوة أو سفر حبقوق النبي الذي كان قد عاش في أيام النظام القديم أي أيام ما قبل الميلاد.

تشير كلمات الرسول هذه إلى أن الإنسان – كما هو الآن – جاد وراء تبرير نفسه بنفسه وبشتى الطرق والوسائل. يرغب الإنسان بأن يظهر لنفسه ولغيره بأنه بريء من كل ذنب وشر وأنه إن كان يوجد شر وضلال وظلام في الدنيا – فإن ذلك يكمن في غيره من الناس. لكنه مهما حاول وجدَّ فإن الإنسان يعلم في قرارة قلبه بأنه معذب الضمير وأن حياته ليست على ما يرام.

ما لا يتمكن الإنسان من الحصول عليه: أي السلام الداخلي وراحة الضمير، يهبنا إياه الله كعطية مجانية ويدعى هذا بلغة الوحي ببر الله أي البر الذي مصدره هو الله. ويحصل الإنسان على عطية الله هذه بواسطة الإيمان. هذا أمر لا يصدق، إنه يفوق كل عقل وتصور. كيف يمكنني أنا الإنسان الشقي والمعذب بأن أحصل على السلام والطمأنينة بدون أي عمل أقوم به للتكفير عن ذنوبي وخطاياي ومعاصي وآثامي؟ نعم الإنجيل هو خبر سار ومفرح للغاية ويفوق كل تفكير بشري المصدر.

 لم يكن بولس الرسول أول من أوحي إليه بالإنجيل أو بالخبر المفرح عن عمل المسيح الخلاصي. كان الله قد أوحى بخبر الإنجيل منذ أيام آدم وإبراهيم وموسى والأنبياء. ولابد لكل من يفكر في الموضوع ملياً بأن يتساءل: على أي أساس أنال بر الله؟ وكيف أحصل على هكذا هبة مجانية؟ ولماذا اختار الله هكذا طريقة للخلاص وهو يعلم بأننا أناس نرغب في مشاركته في موضوع خلاص نفوسنا؟ هذه الأسئلة أجاب عنها بولس الرسول في تفسيره للإنجيل في الفصول الثمانية الأولى من الرسالة والتي من المهم لنا جداً أن نعيد تلاوتها إلى أن نتعلمها جيداً. وكما كنا قد ذكرنا مراراً وتكراراً لدى دراستنا النظامية للرسالة إلى رومية، متى فهمنا تعاليم هذا السفر من العهد الجديد نكون قد حصلنا على المفتاح الذي بواسطته نفهم سائر أسفار العهد القديم والعهد الجديد.

المهم الآن وقد وصلنا إلى نهاية هذا الكتاب بأن يسأل كل قاريء نفسه هذا السؤال المصيري: هل أشعر بحاجتي إلى بر الله وغفرانه؟ أم هل لازلت أسعى للحصول على مرضاة الله بقواي الخاصة؟ آمن، آمن اليوم بالإنجيل، بخبر الله المفرح فتصبح من الخالصين، آمين.

  • عدد الزيارات: 6168