Skip to main content

الفصلُ الخامِس أمثالٌ عن الشراكَة

عندما تقرأُ الإصحاح الخامِس عشر من إنجيلِ لُوقا، عليكَ أن تُدرِكَ أنَّكَ تقرَأُ واحِداً من أروَعِ أمثالِ المسيح التي علَّم بها. إنَّ الدافِعَ الأساسي في هذا المثل يُعلِّمُنا الحقيقَةَ ذاتَها التي لاحظناها في هذا الإصحاح في رحلةِ بُطرُس الروحيَّة. كانَ يسُوعُ يُجنِّدُ شُركاءَ سيعمَلُونَ معَهُ، بينما يُتمِّمُ أهدافَ رسالتِهِ في هذا العالم. فالإصحاحُ الرابِع عشر ينتَهي معَ يسُوع وهُوَ يُلقي إحدى أكثر عظاتِهِ تأثيراً وقسوَةً، والمعروفَة بأنَّها أقسى أقوال يسوع. في تِلكَ العظة، طلبَ يسُوعُ إلتِزاماً كامِلاً من أُولئكَ الذين أرادوا أن يكُونُوا تلاميذَهُ.


مَثَلُ الأشياء الضائِعة

يبدَأُ الإصحاحُ الخامِس عشر من إنجيلِ لوقا بإخبارِنا عن تجاوُبَين معَ عظة المسيح المُؤثِّرة. لقد تجاوَبَ العشَّارُونَ والخُطاة معَ وعظِ يسوع، وتحلًَّقُوا وشكَّلوا دائرةً داخِليَّة حولَهُ. أمَّا الفرِّيسيُّونَ والكَتَبَة ورجال الدين، فتراجعوا بعضَ الخطواتِ إلى الوراء وشكَّلوا حلقةً خارجيَّة. ولقد قدَّمَ يسُوعُ ما يُمكِنُ أن يكُونَ أعظَمِ مَثَلٍ قدَّمَهُ، لهاتين الحلقتين، اللتين واحدَةٌ منها داخِل الأُخرى، والمُؤلَّفتين من نوعَين مُختَلِفَينِ من الناس: فحول يسوع مُباشرةً كانَ هُناكَ دائِرةٌ ضَيِّقَة من العشَّارين والخُطاة الذين إختَبرُوا خلاصَهُ. ومن ثَمَّ كانَ هُناكَ دائِرَةٌ أكثَر إتساعاً تراجعَ الذي تحلَّقوا فيها مُتسائِلين، "لماذا يتعاطَى يسوعُ معَ العشَّارينَ والخطاة؟"

إنَّ هذا التعليمَ العظيم ليسُوع ليسَ كما يظُنُّ البعضُ سِلسِلَةً من الأمثال، بَل مُجرَّدَ مثلٍ واحِد مُتتَابِع هُوَ "مَثَل الأشياء الضائِعة." هذا المَثل مُوجَّهٌ بالدرجَةِ الأُولى لأولئكَ الذي يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة، أي للمُتَدَيِّنين. كانَ يسوعُ يشرَحُ لهم ما كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة. وكانَ يسوعُ يدعُوا أولئكَ الذين يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة، ليُصبِحوا شُركاءَهُ في ما يحدُثُ في الحلقةِ الداخِليَّة.

يبدَأُ يسوعُ هذا المَثَل كالتالي:

"أيُّ إنسانٍ منكُم لهُ مئةُ خروفٍ وأضاعَ واحِداً منها ألا يترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعِين في البَرِّيَّة ويذهَب لأجلِ الضَّال حتَّى يجدَهُ. وإذا وجدَهُ يضعَهُ على مَنكِبَيه فَرِحاً. ويأتي إلى بيتِهِ ويدعُو الأصدِقاء والجِيران قائلاً لهُم إفرَحُوا معِي لأنِّي وَجَدتُ خَروفي الضَّال. أقولُ لكُم إنَّهُ هكذا يكونُ فرحٌ في السماء بِخاطِئٍ واحِدٍ يتُوبُ."

يقولُ يسوعُ لأُولئكَ المُتحلِّقين في الدائِرَةِ الخارِجيَّة: "أنظُروا إلى هذه الدائِرة الداخِليَّة، فكُلُّ الذين ترونَهُم هُمُ العشَّارون والخُطاة، والزُّناة، واللُّصُوص. ولكن دَعُوني أقولُ لكُم ما يراهُ الله. اللهُ يرى هؤلاء الناس كخِرافٍ ضالَّة. وفي كُلِّ مرَّةٍ يرجِعُ فيها خروفٌ ضائع، يكونُ فرحٌ في السماء. وهكذا تحدَّى يسوعُ المُتديِّنين المُتَحلِّقِينَ في الدائِرةِ الخارجيَّة قائِلاً لهُم: "اللهُ يُولي قيمَةً للخطاةِ الضالِّين. فلماذا لا تفرَحونَ عندما أجدُ وأُرجِعُ هذه الخِراف الضالَّة؟"

ثُمَّ أخبَرَ يسوعُ قصَّةَ الدرهَمِ المفقُود. قالَ أنَّ إمرأةً كانَ لديها عشرةُ دراهِم، فأضاعَت واحِداً منها. فأتَت بمِكنَسَة وسراج وفتَّشَت طيلَةَ النهار إلى أن وَجَدَتِ الدِّرهمَ. وعندما وجدتْهُ، قالَت لجاراتِها، "إفرحنَ معي لأنِّي وجدتُ الدرهمَ الذي أضعتُهُ." هُناكَ الكثيرُ من التفسيرات المُمكِنَة لهذا الجزء من المثل. التفسيرُ الأساسيُّ هُوَ أنَّ الدرهَم الذي كانَ مُلكاً لهذه المرأة، ضاعَ ومن ثَمَّ وُجِدَ من جديد.

لقد أضعَتُ قِطعَةً نقدِيَّةً عندما كُنتُ طِفلاً. فلقد أوقعتُ هذه القطعة النقديَّة في مصرَفِ المياه الذي كانت تُغطِّيهِ مُصبَّعَةٌ من الفولاذ. كانت القُطعَةُ النقدِيَّةُ على بُعدِ أربَعينَ سنتيمتراً منِّي، ولكنَّني لم أستَطِعْ الوُصُولَ إليها، لأنَّ فَتحَات المُصبَّعة الفُولاذِيَّة كانت ضيِّقَةً جداً، مما لم يسمَحْ لي بإدخالِ يدي لإسترجاعِها. فأصبَحتُ مَذعُوراً.

وكانَ هُناكَ رجُلٌ عجوز ينتَظِرُ الباصَ بقُربي ومعَهُ شمسيَّة، وأرادَ أن يُساعِدَني. فأخرجَ عِلكةً من فمِهِ، وألصَقَها على آخرِ الشمسيَّة، وغرزَ الشمسيَّةَ بينَ شبكِ المُصبَّعَة، وألصَقَ القطعَةَ النقديَّة بالعلكة على رأسِ الشمسيَّة، وأعادَ لي قِطعَتي النقديَّة. وأقولُ لكُم إنَّ تلكَ القطعة كانت تُساوي أضعافاً بالنسبَةِ لي، لأنَّني أضعتُها وإسترجعتُها.

أن "تفدِيَ" يعني أن تُعيدَ شراءَ شيءٍ ما وأن تستَرجِعَهُ بعدَ أن فُقِد. فأنتَ وأنا لنا قيمَةٌ أكبر في نظرِ الرَّبّ، لأنَّنا مِثْلُ ذلكَ الدرهم المفقُود، عندما يستَرجِعُنا من خِلالِ فدائِهِ الذي تحقَّقَ بمَوتِ وقيامَةِ إبنِه.

هذا هو جوهَرُ مفهومِ الفداء، ومفهومُ هذا الدرهمِ الضائِع الذي وُجِد. إنَّ هذا هُوَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ واضِحة عن الفِداء كما نجدُهُ في الكتابِ المقدَّس، في أسفارٍ مثل خُروج، تثنيَة، راعُوث، وفي كتاباتِ الرُّسُل في العهدِ الجديد (1بطرُس 1: 18، 19). كانَ يسوعُ يقولُ بوضُوحٍ للحلقَةِ الخارجيَّة المُتديِّنَة، "إنَّ هؤلاء الأشخاص ضالُّونَ ولكنَّهُم وُجِدُوا وافتُدُوا. لهذا فَرِحَتِ الملائِكَةُ في السماء. فلماذا لا تفرحُونَ أنتُم أيضاً؟"

ثُمَّ قالَ يسوع، "إنسانٌ كانَ لهُ إبنان. فقالَ أصغَرُهما لأبيهِ يا أبي أعطِنِي القِسمَ الذي يُصيبُني من المال. فقسَمَ لهُما معيشَتَهُ. وبعدَ أيَّامٍ لَيسَت بِكَثيرَة جمَعَ الإبنُ الأصغَرُ كُلَّ شيءٍ وسافَرَ إلى كُورَةٍ بعيدَةٍ وهُناكَ بذَّرَ ما لَهُ بعيشٍ مُسرِف." هذه قصَّةٌ مألُوفَةٌ جِدَّاً، قصَّة الإبن الضال. ونجِدُ إطارَ هذه القصَّة في هاتَين الحَلَقتين اللتين واحِدَةٌ منهُما داخِلَ الأُخرى. كانَ يسوعُ يُحاوِلُ أن يُخبِرَ الذينَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة عمَّا كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة، عندما علَّمَ مثل الإبن الضالّ. ما كانَ يسوعُ يقولُهُ لهؤُلاء الفرِّيسيِّين أصحاب البِرّ الذاتي هو التالي، "بعضُ هؤلاء الناس هُم مِثل الأبناءِ الضالِّين الذين رجعوا إلى البيت ثانيةً، ففَرِحَت بهم كُلُّ ملائِكةُ السماء. فلماذا لا تفرحونَ أنتم عندما يرجِعُ الأبناءُ الضالُّونَ إلى بيتِ الآب؟"

بإختِصار، إنَّ إطارَ هذا المثل العظيم هُوَ صُورَةٌ ليسُوع وهُوَ يقُولُ للذينَ في الحلقةِ الخارِجيَّة، "كُلُّ ما ترونَهُ هو عشَّارُونَ وخُطاة. ولكن دَعوني أُخبِرُكم بما يراهُ الله. اللهُ يرى أشخاصاً مثل الخراف الضائعة، لا يعرِفونَ يمينَهُم من شِمالِهم، ولكنَّهُم يُنقَذُونَ من ضلالِهم، فتفرحُ السماءُ بكامِلها. اللهُ يرى أشخاصاً ضالِّين مثل تلكَ القطعة النقديَّة فيفتديهم، ويسترجِعُهم من ضلالِهم. اللهُ يرى الناس الذي يبدونَ وكأنَّهُم خنازير ورائحتُهم كالخنازير، ولكنَّهم ليسوا كذلك لمُجرّدِ كَونِهم في حُفرَةِ الخنازير في هذا العالم. إنَّهُم يرجِعُونَ من حُفرَةِ الخنازير في العالم لأنَّهُم أبناء. فتفرحُ السماءُ بأسرِها عندما يُوجَدُ الضالُّ. فلماذا لا تفرحونَ أنتُم أيضاً؟"

عندما نُقدِّرُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ مَثَلُ الإبن الضالّ، علينا أن نُدرِكَ أنَّ قلبَ هذا المثَل هُو عندما رَجِعَ الإبنُ الضال. حدَثت حفلَةٌ كبيرة، احتُفِلَ فيها بالرقصِ والولائم، وذُبِحَ العجلُ المُسمَّن. وإذا بالإبنِ الأكبَر يرجِعُ من العمل. كانَ يعمَلُ بِكَدٍّ وإستِقامَةٍ كُلَّ يوم. فسألَ أحدَ أجراهُ، "لماذا يُجري أبي هذا الإحتِفال؟" فأجابَ الخادِمُ بما معناهُ، "لقد رجعَ أخوكَ إلى المنزِل، فذبَحَ لهُ أبوكَ العجلَ المُسمَّن، وهو يكادُ يطيرُ من الفَرَح."

ثُمَّ نقرَأُ أنَّ الأخَ الأكبَر غَضِبَ كثيراً ورفضَ أن يدخُلَ ويُشارِكَ بالإحتِفالِ معَ أبيهِ بعودَةِ أخيهِ الأصغَر. ولكنَّ الأب، الذي تُصوِّرُهُ القصَّةُ كشيخٍ حَنُون ركضَ وعانَقَ إبنَهُ الضَّال وقبَّلَهُ، كانَ يُحِبُّ إبنَهُ الأكبَر أيضاً. فخرجَ الأبُ إلى إبنِهِ الأكبرَ وصارَ يستَعطِفُهُ قائِلاً، "يا بُنيَّ أنتَ معي في كُلِّ حِينٍ وكُلُّ ما لي هُوَ لكَ. ولكنّ أخاكَ كانَ ضالاً، هل تفهَم هذا؟ ولقد وُجِد. كانَ ميتاً فعاش. فلماذا لا تأتي وتفرح وتُشارِكَ معنا بالإحتِفال بهذه المُعجِزة المجيدة؟"

يُوضِحُ هذا المَثَلُ العميقُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ هذا المثل. فالإبنُ الأكبَرُ في هذا المثَل هوَ الحلقَةُ الخارِجيَّة وقوامُها الفرِّيسيُّونَ والكتبة، الذينَ سيغضَبُون ويرفُضُونَ الدخولَ والمُشارَكَة معَ الملائكة في الإحتِفالِ السماوِيِّ بِعودةِ الضالِّينَ وإيجادهُم. والآبُ الذي يأتي لكَي يدعُوَ الإبنَ الأكبَر للإنضمامِ إلى الإحتِفال يُشيرُ إلى يسُوع الذي يدعُو رِجالَ الدِّين لِكَي يُشارِكُوهُ بأهدافِ رسالتِهِ العظيمة، في السعيِ لِخلاصِ الضالِّين، كما نجدُ ذلكَ مُبيَّناً في الأعدادِ المِفتاحِيَّةِ لإنجيلِ لُوقا (لُوقا 4: 18؛ 19: 10).

بِمعنىً ما، كانَ يسُوعُ يعمَلُ هُنا تماماً كما عمِلَ عندما طلبَ من بطرُس أن يأخُذَهُ إلى صَيدِ السمك (لُوقا 5: 1- 11). فرُغمَ أنَّني لا أستطيعُ أن أُبرهِنَ ذلكَ، ولكنَّني أعتَقِدُ أنَّهُ من المُمكِن أن يكُونَ أعظَمَ مُرسَلٍ دعاهُ يسُوعُ على الإطلاق، لرُبَّما كانَ واقِفاً بينَ رجالِ الدِّينِ أُولئكَ في تِلكَ الحلقَةِ الخارِجيَّة – أي شاوُل الطرسُوسيّ.

فعندما تتصوَّرُ يسوعَ واقِفاً في وسطِ تلكَ الحلقَة الداخِليَّة يُحيطُ بهِ العشَّارُونَ والخُطاة، داعِياً رجالَ الدين للمُشارَكة في فرحِ خلاصِ النفُوس، فإنَّ التطبيقَ التعبُّدِيَّ الشخصي لهذا المثل الرائع هو أنَّ يسوعَ يدعونا نحنُ اليوم لكي نكونَ شُركاءَ معهُ في تطبيقِ بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. بمِعنىً ما، بإمكانِنا أن نقُولَ أنَّ يسُوع يشرَحُ لكُلِّ الطوائِف الإنجيليَّة المُتنوِّعة التي تُصرِّحُ أنَّها كنيسةَ المسيح اليوم، لماذا نهتَمُّ نحنُ الإنجيليِّينَ بالتبشير – بهدَف مُشارَكةِ الأخبارِ السارَّة معَ الضَّالِّين.


مَثَلانِ عن غَنِيَّين

في الإصحاح 16، نقرَأُ مَثَلَين رَهيبَين أعطاهُما يسُوعُ عن الأغنِياء. هَذَين المَثَلَين ينبَغي أن يُنظَرَ إليهِما في الإطار الذي علَّمَ فيهِ يسُوعُ بمَثَلِ الأشياء الضائِعة في الإصحاح 15. وجَّهَ يسُوعُ هذين المَثَلَين إلى تلاميذِهِ، ولكن عندما إنتَهى من مثَلِهِ الأوَّل، شعرَ الفَرِّيسيُّونَ بالإهانَة. هذا يعني أنَّهُم سَمِعُوا هذه التعاليم، وأنَّ الرَّبَّ وجَّهَ بوُضُوح هاتين القِصَّتَين للفرِّيسيِّين.

المَثَلُ الأوَّلُ عن الرجُلِ الغَنيّ، والمعرُوف بمثَل "الوكِيل غَير الأمين،" يبدُو كإيضاحٍ سَلبِيّ، ولكنَّهُ بالحَقيقَة تصريحٌ إيجابِيٌّ عن المُشارَكة معَ المسيح في بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. القصَّةُ الثانِيَة، "الغَني ولِعازار" هي تصريحٌ سَلبِيٌّ جداً عن رجُلٍ كانَ النَّقِيضَ المُطلَق للشريك الذي كانَ يسُوعُ يُجنِّدُهُ لنَفسه.

المَثَلُ الأوَّلُ يُربِكُ البَعضَ لأنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّ يسُوعَ في هذا المَثَل يُصادِقُ على تصرُّفاتٍ غيرِ مُستَقِيمَةٍ من قِبَلِ وَكيلٍ مُخادِع. ولكنَّهُم لا يُفسِّرونَ المثلَ بشكلٍ صحيح. فالمَثَلُ هو عن رجُلٍ كانَ وكيلاً، أي مُديرَ أعمالٍ أو أمينَ صُندُوقٍ لشَرِكتِه. هُنا نجدُ واحِدَةً من أهَمِّ الكَلِمات في العهدِ الجديد. فالعهدُ القديمُ يُعلِّمُ بدفعِ العُشُورِ، والتقدِمات بالإضافَةِ إلى العُشُور، ويُعَلِّمُ العهدُ القديمُ شعبَ اللهِ أن يُضَحُّوا بِذبائحَ تُكلِّفُهُم شيئاً (2صَمُوئيل 24: 24). ولكن عندما نَصِلُ إلى العهدِ الجديد، الكلمة المِفتاحِيَّة هي "وكيل." ومفهُومُ "الوكالَة" هو ليسَ أن تُعطِيَ اللهَ عشرة بالمائة ممَّا لكَ أو ممَّا تُحصِّلُهُ. بَلِ تعني الوكالَةُ أنَّ كُلَّ ما أنتَ وكُلَّ ما تَملِك يخُصُّ الله. وهكذا تُصبِحُ القَضِيَّةُ قضيَّة إدارة. فهل تُديرُ ما إئتَمَنَكَ عليهِ الربُّ؟ هذا يشمَلُ مالَكَ، ولكنَّهُ أيضاً يشمَلُ مواهِبَكَ، وقتَكَ، وطاقَتَكَ. بكلماتٍ أُخرى، كُلَّ ما أنتَ وما لديك.

تذكَّرْ أنَّ المَثَلَ يعني "أن تُلقِيَ شيئاً إلى جانِبِ شيء"، وهكذا فهُوَ يعني أن تُلقِيَ قِصَّةً إلى جانِبِ حقيقَةٍ يُريدُ يسُوعُ أن يُعلِّمَها. فالحَقِيقَةُ التي يُريدُ يسُوعُ أن يُعَلِّمَها هي الوكالة. القصَّةُ التي يُلقِيها إلى جانبِ هذه الحقيقة هي بشكلٍ أساسيّ قصَّةَ رجُلٍ غَنِيٍّ جداً كانَ عندَهُ وَكيلٌ أو مُدير أعمال. سمِعَ أنَّ وكيلَهُ لا يُحسنُ إدارَةَ أعمالِه، لا بل أنَّهُ يُبذِّرُ أموالَهُ أو يختَلِسُها. فقالَ الغَنِيُّ لوكيلِهِ أنَّهُ طلبَ تدخُّلَ مُدَقِّقي الحِسابات ليكشفوا الدفاتِر.

وإذا بالوكيل يقولُ في نفسهِ، "الآن، لدَيَّ قُوَّة، ولديَّ أموال سيِّدي. ولكن سُرعانَ ما سيطَّلِعُ هؤلاء المُدَقِّقُون على الحِسابات، حتى أُطرَدَ من عَمَلي وأفقُدَ السيطَرَةَ على أموالِ سيِّدي. فماذا أستطيعُ أن أفعَل؟" فيُفكِّرُ بالخَيارات المَوضُوعَة أمامَهُ ويقول، "الآن أعرِفُ ماذا عليَّ أن أفعَل." وهكذا يذهَبُ في رحلةِ عملٍ لزيارَةِ مَديني سيِّدهِ.

لقد كانَ وكيلُ الظُّلمِ يُفكِّرُ بمُستَقبَلِه. فكانَ يقول، "الآن لدَيَّ وظيفَةٌ وسيطَرَةٌ على هذه الأموال التي ليسَت مُلكِي. فسوفَ أستَخدِمُ هذه الأموال التي ليسَت لي، بطريقَةٍ أنَّني عندَما أُطرَدُ من عَمَلِي وأُجرَّدُ من سَيطَرَتي على مالِ سيِّدي، يكونُ قد صارَ لديَّ أصدِقاءٌ يستَقبِلُونَني بسُرور في منازِلِهم. ويُقدِّمونَ لي الضيافةَ أينما ذهبتُ."

وعندما سمِعَ سيُّدُهُ بما عمِلَهُ وكيلُهُ، لم يمدَحهُ بسببِ إختِلاسِهِ لأموالِه. بل مدحَ وكيلَ الظُّلمِ هذا لأنَّهُ فكَّرَ بمُستَقبَلِه.


التطبيقُ الشَّخصِيّ

ما هي الحقيقَة التي أرادَ يسُوعُ أن يُعلِّمَها عندما قدَّمَ هذه القصَّة؟ إنَّ تفسيرَ وتطبيقَ هذا المثَل عميقٌ جِداً. فيسوعُ يقول، "أنتُم مثل هذا الوكِيل. فكُلُّ ما لدَيكُم هو مُلكٌ لله. وأنتُم لا تقومونَ إلا بإدارَةِ ما أُعطِيَ لكُم. وكما عرفَ الوكيلُ أنَّهُ سيُطرَدُ من عَمَلِه، عليكُم أن تعرِفُوا أنَّكُم ستموتُونَ يوماً ما، وسوفَ تفقُدونَ السيطَرَةَ على كُلِّ المال والمُمتَلكات التي أوكَلَكُم اللهُ على إدارتِها. وستسمَعُونَ هذه الكَلِمات الصريحة، "لن تكونوا وُكلاءَ بعدَ اليوم. أعطُوا حِسابَ وِكالَتِكُم."

إنَّ جوهَرَ هذا المَثَل هو أنَّ الوكيلَ عاشَ في مجالَين. في المجالِ الأوَّل كانَ لديهِ سيطَرَةٌ على ثَروَةِ وأموالِ سيِّدهِ، ولكنَّهُ علِمَ أنَّهُ قريباً سوفَ يعيشُ في مجالٍ آخر حيثُ سيفقُدُ هذه السيطَرَة. فبينما كانَ لا يزالُ في المجال الأوَّل، إستَخدَمَ سيطَرتَهُ على تِلكَ الثَّروَة، بطريقَةٍ صنعَ فيها أصدِقاءَ يستَقبِلونَهُ عندما يكونُ قد وصلَ إلى المجالِ الثانِي.

تماماً كما إستخدمَ وكيلُ الظُّلمِ ثروتَهُ التي لم تكُن مُلكَهُ فصنَعَ بهذه الطريقَة أصدِقاءَ كُثُر في المَجالِ الثاني، عليكَ أنتَ أن تستَخدِمَ ما لدَيكَ بطريقَةٍ تسمَحُ لكَ عندما تصِلُ إلى المجالِ الثاني أي الأبديَّة. فعِندَما "تُطرَدُ" أو تمُوت، سيكونَ لدَيكَ أصدِقاء ينتَظِرُونَكَ لِيُرحِّبُوا بكَ في منازِلهِم الأبديَّة أو أماكِنِ سكنِهم.

"رابِحُ النُّفُوسِ حَكيم." (أمثال 11: 30) لربَّما هذا ما يقولُهُ هذا المَثَل. إستَخدِمْ ما أُعطِيَ لكَ في المَجالِ الأرضِي، بطريقَةٍ أنَّكَ عندما تموت، يكونُ هُناكَ أشخاصٌ في المجالِ الأبديّ حيثُ سيُرحِّبُونَ بكَ في مساكِنِهم الأبدِيَّة. فلربَّما سيقولونَ لكَ، "منذُ عِدَّةِ سنوات، أنتَ دَعمَت مُرسَلاً بالمال. ولقد أدَّتَ مُساعدتُكَ الماليَّة لهذا المُرسَل بأن يقومَ برحلَةٍ إرساليَّة. ومن خلالِ رحلتِهِ تِلك، أرشَدَنا لمعرِفَةِ المسيح. فلو لم تستخدِم مالَكَ بأمانَة، لما كُنَّا في الحالَةِ الأبديَّة."

بِكَلِماتٍ أُخرَى يقولُ هذا المَثَل بأنَّهُ لا يُمكِنُكَ أن تأخُذَ ثروتَكَ معَك. ولكن بإمكانِكَ، بِحَسَبِ هذا المثل، أن تُوظِّفَ أموالَكَ في السماء. إحدَى الطُرُق لكَي تُوظِّفَ أموالَكَ في السماء هي بأن تُحسِنَ إدارَةَ أموالِكَ بطريقَةٍ تُساهِمُ فيها بتوسيعِ ملكوتِ الله، وبِبُنيانِ كَنيسَةِ يسوع المسيح. فيأتي الأشخاصُ إلى معرِفَةٍ مُخَلِّصَة بيسوع المسيح بسببِ الطريقة التي أَدَرْتَ بها مالَك الذي إئتَمَنَكَ عليهِ الله.

بعدَ أن أخبَرَ يسُوعُ هذه القِصَّة، قدَّمَ هذا التَّصريحَ الحازِم. "الأمينُ في القَليل أمينٌ في الكَثير. والظالِمُ في القَليل ظالِمٌ أيضاً في الكَثير. فإن لم تكونوا أُمناءَ في مالِ الظُّلمِ فمن يأتَمنُكُم على الحقّ."

يَعني هذا التطبيق بشكلٍ أساسِيّ أنَّ اللهَ لن يُبارِكَنا رُوحيَّاً إن لم نكُن أُمَناء في وكالتِنا على المال. هذا ليسَ تركيزاً على كم ينبَغي علينا أن نُعطي، بل كيفَ ينبَغي علينا أن نُدِيرَ المالَ الذي أوكَلنا عليهِ الله. فالوكالَةُ الأمينَةُ والمسؤولَةُ هي جوهَرُ هذا التعليم.

هَل تُشارِكُ يسُوعَ في تطبيقِ بَيانِه؟ وهل أنتَ شريكٌ معَ المسيح في تطبيقِ وتنفيذِ خدمتِهِ العظيمة في هذا العالم وإليه. بإمكانِكَ أن تعمَلَ هذا كمُرسَل، كمُبَشِّر، كَراعٍ، أو كشاهِدٍ أمين للرَّبِّ يسُوع المسيح. بِحَسَبِ هذا المثل، بإمكانِكَ أيضاً أن تعمَلَ هذا بأن تستَخِدَم بأمانَةٍ ما أوكَلَكَ إيَّاهُ اللهُ لتَمويلِ أُولئكَ الذين يشتَرِكُونَ معَ المَسيحِ كمُرسَلين، مُبَشِّرين، رُعاة، وشُهُود أُمناء للمسيح.

هُناكَ عِدَّةُ طُرُقٍ بإمكانِكَ أن تُشارِكَ المسيحَ بها، ولكنَّ السؤالَ الذي ينبَغي أن أطرَحَهُ عليكَ، هل أنتَ بالفِعل وبالحقيقة تُشارِكُ معَ المسيح المُقام الحَي الذي يُنفِّذُ أهدافَ رسالتِهِ في عالمنا اليوم. الكثيرُ من تعاليمِ يسوع تُخبِرُنا أنَّنا سنَعيشُ في الحالَةِ الأبديَّة بِحَسَبِ ما يكونُ جوابُنا على هذا السؤال اليوم.

في قصَّتِهِ الثانِيَة عن رجُلٍ غَني، قالَ يسُوعُ ما فَحواهُ، "كانَ إنسانٌ غَنيٌّ وكانَ يلبَسُ الأُرجُوان والبَزَّ وهُوَ يتنعَّمُ كُلَّ يومٍ مُتَرَفِّهاً. وكانَ مِسكِينٌ إسمُهُ لِعازَر الذي طُرِحَ عندَ بابِهِ مضروباً بالقُروح. ويشتَهي أن يشبَعَ منَ الفُتاتِ الساقِطِ من مائِدَةِ الغَنيّ. بَلْ كانَتِ الكِلابُ تَأتِي وتَلحَسُ قُروحَهُ."

إذا فكَّرتَ بهذا المثل القصير وكأنَّهُ مسرحيَّةٌ بِثَلاثِةِ مشاهِد، في المشهَدِ الأوَّل سوفَ تَرى الغَنيَّ ينامُ كُلَّ ليلَةٍ مُتَرفِّهاً على الحرير، ويأكُلُ أطيبَ الأطعِمَةِ مُتنعِّماً. وفي كُلِّ يومٍ، عندما يخرُجُ خارِجاً، يرى مُتَسوِّلاً مطروحاً على بابِ بيتِهِ، والكِلابُ تلحَسُ جُروحَهُ. ولم يكُن مُمكِناً أن يكونَ لعازارُ المُتَسوِّلُ في حالٍ أردأ مما كانَ عليه. أمَّا الغَنيُّ، فما كانَ مُمكِناً أن يكونَ في حالٍ أحسن ممَّا كانَ عليه. هذا هو المشهَدُ الأوَّل.

المشهَدُ الثاني هو مَوتُ الإثنين. فكِلاهُما ماتا. فالمَوتُ هو القاسَمُ المُشتَرَكُ الأكبَر بينَ البَشَر. ماتَ الغَنيُّ في منزِلِهِ مُتنعِّماً بالحَرير، ودُفِنَ في جنازَةٍ فَخمَة. أمَّا لِعازر فماتَ مطروحاً على بابِ الغَني، ونقرأُ أنَّهُ لم يتمتَّع حتى بخدمةِ دفنٍ أو جنازَةٍ. بل لربَّما جاءَ عُمَّالُ التنظيفات وأخذُوا جُثَّتَهُ وطرحوها في وادي النفايات الذي كانَ يُسمَّى "وادِي إبن هنُّوم أو جهنَّم." فَطُرِحَ جسدُهُ فوقَ النفايات. لقد ماتا كِلاهُما. هذا هو المشهَدُ الثاني.

ولكن عندما يُفتَحُ الستارُ على المشهَدِ الثالِث، نكتَشِفُ الحقيقَةَ التي أرادَ يسُوعُ أن يُعلِّمَها من خِلالِ هذه القصَّة. هُنا وَصَلَ الرجُلانِ إلى الحالَةِ الأبَدِيَّة، ولكنَّ المُتَسوِّل كانَ على أحسَنِ حالٍ ولا يُمكِنُ أن يكون على حالٍ أفضَلُ. لقد كانَ في أحضانِ إبراهيم، مما يعني أنَّهُ كانَ على علاقَةٍ حَمِيمَةٍ بإبراهيم. أمَّا الرجُلُ الغَنِيُّ فكانَ في الجَحيم، ولم يكُن مُمكِناً أن تكونَ حالتُهُ أسوأ ممَّا كانت عليه.

نقرَأُ أنَّهُ كانَ في العذاب. هُناكَ هُوَّةٌ كبيرَة أُثبِتَت بينَ هذين الرجُلَين، ولا يُمكِن أن تُعبَر. ولا يُمكِنُ أن يُعمَلَ شيءٌ حِيالَها، ولقد تمَّ إعلامُ الغَني بذلكَ. فقال، "ولكن يا أبتِ إبراهيم، أرسِل لِعازار ليبُلَّ طرفَ إصبَعِهِ بماءٍ ويُبرِّدَ لِساني لأنِّي مُعذَّبٌ في هذا اللَّهيب." ولكن قِيلَ لهُ، "بينَكَ وبينَ لعازار هُوَّةٌ عظيمَةٌ قد أُثبِتَت، حتَّى إنَّ الذينَ يُريدُونَ العُبُور من هَهُنا إليكُم لا يقدِرون ولا الذين من هُناكَ يجتازونَ إلينا. إنَّها هُوَّةٌ ثابِتة."

عندما فهِمَ الغَنيُّ هذا الأمر، صارَ مُهتَمَّاً بإخوتِه الخمسة. فقال، "يا أبتِ إبراهيم، لو جعلتَ لِعازار يقومُ من الأموات ويذهَب إلى إخوتي الخمسة، لكي يعرِفُوا عن موضِعِ العذابِ هذا." فجاءَ الجوابُ للغَني، "عندَهُم مُوسى والأنبياء. لِيَسمَعُوا منهُم." فأجابَ الغَنيُّ، "لا يا أبي إبراهيم. بل إذا مضى إليهِم واحِدٌ من الأمواتِ يتُوبُون."

لقد وضعَ يسُوعُ قيمةً كُبرى على أسفار مُوسى والأنبِياء المُوحاة كما نرى في الجواب الذي أُعطِيَ للغَنيّ، "إن كانُوا لا يسمَعُونَ من مُوسَى والأنبياء، ولا إن قامَ واحِدٌ من الأمواتِ يُصدِّقُون." لقد تحقَّقَ هذا القولُ حرفِيَّاً، عندما قامَ يسُوعُ من المَوت ولم يُؤمِن الناسُ بإنجيلِهِ الذي كرزَ بهِ لكي يخلُصُوا من مَصيرِ الرجُلِ الغَنيّ.

إن هذا لمَثَلٌ رهيب. وهذه واحِدَةٌ من الصورِ الرهيبَة عن الحالَةِ الأبديَّة. من هُنا أخذنا مفهوم نار جهنَّم والدينُونَة الأبديَّة، والعذابِ الأبدي. ليسَ هذا هُوَ التعليمُ الوحيدُ الذي قدَّمَهُ يسُوعُ عن الجحيم. فذاكَ المكان الرهيب خارج أُورشَليم، والذي كانَ يُسمَّى "جهنَّم" يُشيرُ إلى كلمة يسُوع المُفَضَّلَة لمَفهُومِهِ عن الجحيم. الكلمةُ تُشيرُ إلى وادٍ كبير خارِجَ أُورشليم مُباشَرةً، حيثُ كانت تُلقى كُلُّ أنواعِ المُهمَلات، بما في ذلكَ أجساد الحَيوانات والفُقراء. وعندما كانت تُخَطُّ بعضُ الصفحاتِ السوداء في التاريخِ العِبريّ، كانَ بعضُ اليَهُودُ يُقدِّمُونَ أولادَهُم هُناك كذبائِحَ بَشَريَّة لآلِهَةٍ وثَنِيَّة. عندما علَّمَ يسُوعُ أنَّنا إذا نعَتنا أخينا بالأحمَق، نستَوجِبُ الجحيم، إستخدَمَ عبارَة "جهنَّم." تُشيرُ الكلمةُ إلى مفهُومِ النِّفايات. بحَسَبِ يسُوع، أن تخلُصَ من الجحيم يعني أن تخلُصَ من الحياة المتلُوفة.

ولكنَّ هذه القِصَّة عن الرَّجُلِ الغَنيّ ولِعازار هي وصفُ يسُوع الأكثَر حسماً للهَلاكِ الأبديّ لِغَيرِ المُخَلَّصين. أحدُ أسوأِ الأُمور عن هذهِ الحالةِ الأبديَّة هو أنَّ الرجُلَ الغَني لديهِ ذاكِرَة. لديهِ أبديَّة بكامِلِها لكَي يتذكَّرَ حياتَهُ، والسنوات الخمسين أو الستِّين أو السبعين التي عاشَها. فماذا فعلَ بحياتِه؟ فسوفَ يعيشُ للأبديَّةِ مُعذَّباً بهذا السُّؤال؟

يأتي هذا المَثَلُ بعدَ مثلِ وكيل الظُّلم. فاللهُ يُعطِي كُلاً منَّا حياةً، ونحنُ نُديرُ أمُورَ حياتِنا هذه. ليسَ فقط مُجرَّدَ المال، الذي هو بالحقيقة المجال الأقلّ أهمِّيَّةً في وكالتِنا، بل أيضاً حياتَنا، وقتَنا، طاقَتَنا، مواهِبنا، صحَّتَنا، وكُلَّ مُقوِّمات حياتِنا. فالسُّؤالُ الأبديّ الذي واجَهَ هذا الرجُل الغَنيّ هو، "ماذا فعلتَ بحياتِكَ؟"

في مَثَلِ وكيلِ الظُّلم، يطرَحُ يسُوعُ السؤالَ عليَّ وعليك، "هل ستُصبِحُ مُشارِكاً معي في تنفيذِ وتطبيقِ رِسالتي بإدارَةِ حياتِكَ وكُلَّ ما منحتُكَ إيَّاهُ بأمانَةٍ؟" وَمَثَلُ الغني ولِعازار هو الإيضاحُ الرهيب عن الرجُل الذي يُجيبُ بِ"لا" قاطِعة على سُؤالِ المسيح.

إنَّ تطبيقَ هذا المثل الثاني عن الرجُلِ الغَنيّ، يُرَكِّزُ على الضمير الإجتِماعِيّ ليسوع وللُوقا الطبيب العطُوف. إنَّهُ إجتِماعِيٌّ بالدرجةِ الأولى. فمُعظَمناُ عندما نقرَأُ هذه القصَّة، نُركِّزُ على تفاصيل الأبديَّة المأسَاوِيَّة المُصوَّرَة فيها، ونُغفِلُ التطبيقات الإجتِماعيَّة.

قالَ ألبرت شوايتزر أنَّ تعليمَ يسوع هذا هو الذي غيَّرَ حياتَهُ إلى الأبَد، ودفعَهُ للتَّخَلِّي عن كُلِّ الرمُوز والإمتيازات والرخاء الذي كانَ يتمتَّعُ بهِ كواحِدٍ من مشاهيرِ العازفينَ على الأُورغِن، ومن مشاهِيرِ الفلاسِفَة والأطبَّاء واللاهُوتِيِّين في أوروبَّا، لكَي يذهَبَ إلى إفريقيا ويخدُمَ الشعوب التي لم تكُن تتمتَّع بأيَّةِ عنايَةٍ طِبِّيَّة لو لم يذهَب هو إليهِم ويخدِمُهم. فعندَما نظَرَ شوايتزر إلى هذا التعليم الذي قدَّمَهُ يسوع، قالَ ، "لم يتطلَّبُني الأمرُ كثيراً لأُدرِكَ أنَّ لِعازار المَطرُوح على بابِ الرجُلِ الغَني هو ذلكَ العالم الجائع والمُتألِّم."

وعندما ذهبَ شوايتزر إلى إفريقيا، قال، "إفريقيا هي لِعازار." وقالَ أيضاً، "حياتُكَ هِيَ حُجَّتُكَ." أعتَقِدُ أنَّ هذا تصريحٌ عَميقٌ جِدَّاً. وهكذا قدَّمَ شوايتزر بِحياتِهِ تصريحاً يقُول،"إنَّ ما نُؤمِنُ بهِ بالفِعل، نفعَلُهُ. وكُلُّ ما تَبَقَّى هُوَ كلامٌ بِكلام." أتساءَلُ إن كُنَّا أنا وأنتَ نعرِفُ من هُوَ لِعازارُنا؟

أعتَقِدُ أنَّ التحدِّي الذي يُقدِّمُهُ هذا التعليمُ العظيم هو أن نَتَأمَّلَ بالصُّورَةِ المأساوِيَّةِ التي يرسُمُها لنا يسُوعُ عن حالةِ الضَّالِّين الأبَدِيَّة. إنَّ وُجهَةَ النَّظَرِ هذهِ عن الدَّينُونَة الأَبَدِيَّة ينبَغي أن تُحرِّكَنا لِكَي نُقدِّمَ الإنجيل لكُلِّ أولئكَ الذينَ لم يسمَعوا الإنجيلَ أبداً. وكالرسُول بُولُس، علينا أن نتحرَّكَ بدافعِ المُسلَّمات الإرساليَّة الثلاث: الواحِدُ ماتَ من أجلِ الجميع، الجميع ضالُّون، والجميعُ ينبَغي أن يسمَعُوا الأخبار السارَّة (2كُورنثُوس 5: 13- 6: 2).

تطبيقٌ آخَر لهذه القِصَّة، هو التطبيقُ الذي يُعتَبَرُ زُخمَ رسالةِ إنجيلِ لُوقا. وهذا التطيقُ هو التالي: هل سنُصبِحُ أنا وأنتَ مُشارِكينَ معَ يسوع في تطبيقِ وتنفيذِ أهدافِ رِسالتِهِ في هذا العالم كما هِي مُبَيَّنَةٌ في بيانِ النَّاصِرة؟ وهل ستُشارِكُ معهُ في إعطاءِ البَصَر للعُميان، والحُرِّيَّة للمأُسورين، والشفاءَ للمجروحين وللمكسُوري القُلوب في هذا العالم؟


ثلاثُ فلسَفاتٍ لِلحَياة

في إنجيلِ لُوقا، لاحِظُوا كم منَ المرَّات وفي كم من الأماكِن يتحدَّانا يسوعُ لكَي نُصبِحَ شُرَكاءَهُ في تنفيذِ بَيَانِهِ. من المُحتَمَل أنَّهُ بما أنَّ لوقا كانَ طَبيباً، كانَ الوحيد من كُتَّابِ الأناجيل الذي يذكُرُ مثل السامِري الصالِح. في لُوقا 10، يصِفُ لنا يسُوعُ رجُلاً مسلوباً ومضروباً ومطروحاً على الطريق. فبعدَ أن تمَّ سلبُهُ وتركُهُ مُجرَّحاً، مرَّ بهِ ثلاثَةُ أشخاصٍ مُختَلِفُون، ورأوهُ واقِعاً على جانِبِ الطريق (لُوقا 10: 25- 37).

الطريقُ في هذه القصَّة تقودُ من أورشَليم إلى أريحا. كانَ الكهنَةُ غالِباً ما يُسافِرونَ على هذه الطريق، لِكَي يختَلُوا في أريحا من أعمالِهِم في هَيكَلِ سُليمان. وواحِداً بعدَ الآخر، مرَّ كاهِنٌ ولاوي بجانِبِ هذا الرجُل الجريح، الذي كانَ مطرُوحاً على شفيرِ الموت، بدُونِ مُعين. فقال كُلٌّ منهُما، "أنتَ في وَرطَة، ولكنَّني لن أتدخَّلَ في هذا." ونقرَأُ أنَّهُما عبرا، أحدُهُما بعدَ الآخر، كُلٌّ إلى الجانِبِ الآخر من الطريق.

ولكنَّ سامِريَّاً مرَّ ورأى الرجُلَ في الحُفرَة مطروحاً وينزِفُ حتَّى الموت. فضمَّدَ جِراحَهُ، ووضعَهُ على حِمارِهِ، وأخذَهُ إلى فُندُقٍ وبعدَ أن أعطَى مالاً لصاحِبِ الفُندُق، قالَ لهُ، "إذا إحتجتَ أيَّ شيءٍ إضافي، سأدفَعُ لكَ عندما أرجِعُ."

إنَّ هذا المثل قدَّمَهُ يسوع جوابَاً على سُؤالٍ طرَحَهُ عليهِ أحدُ مُعلِّمي النامُوس: "من هُوَ قريبي؟" إنَّ هذا الجواب العميق الذي قدَّمَهُ يسُوع يُبَرهِنُ أنَّ هُناكَ ثلاثَة فلسفات للحَياة أو للقَريب. فبعدَ أن أخبَرَ يسُوعُ بهذه القصَّة، أجابَ على سُؤالِ النَّامُوسيّ بسُؤالٍ آخر: "مَنْ مِن هؤُلاء الثلاثة كانَ قريباً حقيقيَّاً؟"

يُجيبُ يسُوعُ أوَّلاً على سُؤالِ النَّامُوسيّ بمَثَلٍ عن اللُّصُوص الذي سرقُوا ونهبُوا وجرَّحُوا الرجُلَ حتَّى قارَبَ الموت. فلسفَةُ هؤُلاء في الحياة هي التالية: "الذي لي هو لي، والذي لكَ سيكونُ لي بأسرَعِ وقتٍ أستطيعُ فيهِ إنتزاعَهُ مِنك." هُناكَ الكثيرونَ في هذا العالَم يتبنُّونَ هذه الفلسفَة في الحَياة. لهذا هُناكَ حاجَةٌ لِوجودِ الشُّرطَة والقُوى العسكَريَّة.

الكاهِنُ واللاوي، الأشخاصُ المُتَدَيِّنُون في هذه القصَّة في لوقا 10، يُصوِّرونَ هذه الفلسفة للحياة: "الذي لي هُوَ لي؛ والذي لكَ هُوَ لكَ. لدَيَّ بركاتي، ولديكَ بركاتُكَ، لديَّ مشاكِلي، ولدَيكَ مشاكِلُكَ. لديكَ فعلاً مُشكِلَة حقيقيَّة هُناك، لأنَّكَ تنزِفُ حتى المَوت في تِلكَ الحُفرَة، ولكنَّ فلسفتي في الحياةِ تقول: عِشْ واترُكَ غيرَكَ يعيش. ما لي هُوَ لي، وما لكَ هُوَ لكَ. لهذا لن أتدخَّلَ في هذه المُشكِلَة!" كثيرٌ منَ المُتَدَيِّنين لديهم هذه الفَلسَفَة تجاهَ الحياةِ والقَريبِ اليوم.

وهُناكَ الجوابُ الثالِثُ في هذه القصَّة على سُؤالِ يسُوع عن فلسفَةِ الحياة والقَريب. فسَيِّدُ الأمثالِ المُطلَق يسُوع، ألقى هذه القصَّة إلى جانِبِ حقيقَةٍ أرادَ أن يُعلِّمَنا إيَّاها. هذه الحقيقَة مُعَبَّرٌ عنها بالطريقة التي أجابَ بها السامِريُّ على سُؤالِ يسُوع. ففلسَفَةُ السامِريِّ لِلحياة والقَريب كانت، "الذي لكَ هُوَ لَكَ والذي لي هُوَ لكَ في أيِّ وقتٍ إحتَجتَ إليهِ."

 إنَّ فلسفَةَ الحياةِ هذه لن تجعَلَ منكَ غَنِيَّاً، ولكنَّها فلسفَة يسوع في تعليمِهِ عن لعازار المَطرُوح على بابِ بيتِكَ، وعن عالَمٍ فقيرٍ رُوحيَّاً لكونِهِ أعمَى، مُقيَّد، ومجروح.

بينما تتحرَّكُ يوميَّاً بينَ الناس، تعلَّم أن تنظُرَ إلى هؤلاء الذين تلتَقي بهم في حياتِكَ كُعُميان، مُقيَّدين، مكسُورين، وهؤلاء هم الذي جاءَ من أجلِهم يسُوع. تعلَّمْ كيفَ تنظُرُ إلى الناس في هذا العالم كخِرافٍ ضائعة، كدراهِم مفقودٍ، كأبناء ضالِّين، وكلِعازار المطرُوح على بابِ كنيستِك. ثُمَّ أدرِكْ أنَّ المسيحَ الحيَّ فيكَ، يُحِبُّ أن يَصِلَ إلى هؤُلاء من خِلالِكَ، وأن يجعَلَ منكَ جزءاً من حلِّهِ وجوابِهِ لحاجاتِهم في هذا العالم والأبديَّة.

قِيلَ أنَّ الكنيسةَ اليوم هي مثل دَورة كأس العالم لكُرَةِ القَدَم. فعندما تُشاهِدُ أو تحضَرُ مُباراة كأس العالم على التلفزيُون، ترى آلاف المُشاهِدين الذين هُم بأَمَسِّ الحاجَةِ إلى التمارين الرّياضِيَّة، ولكنَّهُم يَخلُدُونَ للرَّاحة، بينما يُشاهِدونَ أحدَ عشرَ لاعِباً هُم بأمَسِّ الحاجَةِ إلى الراحة، ولكنَّهُم يُثابِرونَ في التمرين. إن تنظُرُ إلى إرساليَّات يسوع في العالَمِ اليَوم، عليكَ أن تتَّخِذَ الإلتِزامَ الواعي بالمسيح المُقام الحَيّ، بأن لا تكونَ مُجرَّدَ مُشاهِدٍ بل مُشارِكٍاً ولاعِباً فاعِلاً في تلمذَةِ أشخاصٍ جُدُد ليسُوع في كُلِّ أُمَّةٍ، مُبتَدِئاً معَ قريبِكَ.

  • عدد الزيارات: 14755