Skip to main content

الفصلُ الخامِس أمثالٌ عن الشراكَة - مَثَلُ الأشياء الضائِعة

الصفحة 2 من 5: مَثَلُ الأشياء الضائِعة

مَثَلُ الأشياء الضائِعة

يبدَأُ الإصحاحُ الخامِس عشر من إنجيلِ لوقا بإخبارِنا عن تجاوُبَين معَ عظة المسيح المُؤثِّرة. لقد تجاوَبَ العشَّارُونَ والخُطاة معَ وعظِ يسوع، وتحلًَّقُوا وشكَّلوا دائرةً داخِليَّة حولَهُ. أمَّا الفرِّيسيُّونَ والكَتَبَة ورجال الدين، فتراجعوا بعضَ الخطواتِ إلى الوراء وشكَّلوا حلقةً خارجيَّة. ولقد قدَّمَ يسُوعُ ما يُمكِنُ أن يكُونَ أعظَمِ مَثَلٍ قدَّمَهُ، لهاتين الحلقتين، اللتين واحدَةٌ منها داخِل الأُخرى، والمُؤلَّفتين من نوعَين مُختَلِفَينِ من الناس: فحول يسوع مُباشرةً كانَ هُناكَ دائِرةٌ ضَيِّقَة من العشَّارين والخُطاة الذين إختَبرُوا خلاصَهُ. ومن ثَمَّ كانَ هُناكَ دائِرَةٌ أكثَر إتساعاً تراجعَ الذي تحلَّقوا فيها مُتسائِلين، "لماذا يتعاطَى يسوعُ معَ العشَّارينَ والخطاة؟"

إنَّ هذا التعليمَ العظيم ليسُوع ليسَ كما يظُنُّ البعضُ سِلسِلَةً من الأمثال، بَل مُجرَّدَ مثلٍ واحِد مُتتَابِع هُوَ "مَثَل الأشياء الضائِعة." هذا المَثل مُوجَّهٌ بالدرجَةِ الأُولى لأولئكَ الذي يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة، أي للمُتَدَيِّنين. كانَ يسوعُ يشرَحُ لهم ما كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة. وكانَ يسوعُ يدعُوا أولئكَ الذين يقِفونَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة، ليُصبِحوا شُركاءَهُ في ما يحدُثُ في الحلقةِ الداخِليَّة.

يبدَأُ يسوعُ هذا المَثَل كالتالي:

"أيُّ إنسانٍ منكُم لهُ مئةُ خروفٍ وأضاعَ واحِداً منها ألا يترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعِين في البَرِّيَّة ويذهَب لأجلِ الضَّال حتَّى يجدَهُ. وإذا وجدَهُ يضعَهُ على مَنكِبَيه فَرِحاً. ويأتي إلى بيتِهِ ويدعُو الأصدِقاء والجِيران قائلاً لهُم إفرَحُوا معِي لأنِّي وَجَدتُ خَروفي الضَّال. أقولُ لكُم إنَّهُ هكذا يكونُ فرحٌ في السماء بِخاطِئٍ واحِدٍ يتُوبُ."

يقولُ يسوعُ لأُولئكَ المُتحلِّقين في الدائِرَةِ الخارِجيَّة: "أنظُروا إلى هذه الدائِرة الداخِليَّة، فكُلُّ الذين ترونَهُم هُمُ العشَّارون والخُطاة، والزُّناة، واللُّصُوص. ولكن دَعُوني أقولُ لكُم ما يراهُ الله. اللهُ يرى هؤلاء الناس كخِرافٍ ضالَّة. وفي كُلِّ مرَّةٍ يرجِعُ فيها خروفٌ ضائع، يكونُ فرحٌ في السماء. وهكذا تحدَّى يسوعُ المُتديِّنين المُتَحلِّقِينَ في الدائِرةِ الخارجيَّة قائِلاً لهُم: "اللهُ يُولي قيمَةً للخطاةِ الضالِّين. فلماذا لا تفرَحونَ عندما أجدُ وأُرجِعُ هذه الخِراف الضالَّة؟"

ثُمَّ أخبَرَ يسوعُ قصَّةَ الدرهَمِ المفقُود. قالَ أنَّ إمرأةً كانَ لديها عشرةُ دراهِم، فأضاعَت واحِداً منها. فأتَت بمِكنَسَة وسراج وفتَّشَت طيلَةَ النهار إلى أن وَجَدَتِ الدِّرهمَ. وعندما وجدتْهُ، قالَت لجاراتِها، "إفرحنَ معي لأنِّي وجدتُ الدرهمَ الذي أضعتُهُ." هُناكَ الكثيرُ من التفسيرات المُمكِنَة لهذا الجزء من المثل. التفسيرُ الأساسيُّ هُوَ أنَّ الدرهَم الذي كانَ مُلكاً لهذه المرأة، ضاعَ ومن ثَمَّ وُجِدَ من جديد.

لقد أضعَتُ قِطعَةً نقدِيَّةً عندما كُنتُ طِفلاً. فلقد أوقعتُ هذه القطعة النقديَّة في مصرَفِ المياه الذي كانت تُغطِّيهِ مُصبَّعَةٌ من الفولاذ. كانت القُطعَةُ النقدِيَّةُ على بُعدِ أربَعينَ سنتيمتراً منِّي، ولكنَّني لم أستَطِعْ الوُصُولَ إليها، لأنَّ فَتحَات المُصبَّعة الفُولاذِيَّة كانت ضيِّقَةً جداً، مما لم يسمَحْ لي بإدخالِ يدي لإسترجاعِها. فأصبَحتُ مَذعُوراً.

وكانَ هُناكَ رجُلٌ عجوز ينتَظِرُ الباصَ بقُربي ومعَهُ شمسيَّة، وأرادَ أن يُساعِدَني. فأخرجَ عِلكةً من فمِهِ، وألصَقَها على آخرِ الشمسيَّة، وغرزَ الشمسيَّةَ بينَ شبكِ المُصبَّعَة، وألصَقَ القطعَةَ النقديَّة بالعلكة على رأسِ الشمسيَّة، وأعادَ لي قِطعَتي النقديَّة. وأقولُ لكُم إنَّ تلكَ القطعة كانت تُساوي أضعافاً بالنسبَةِ لي، لأنَّني أضعتُها وإسترجعتُها.

أن "تفدِيَ" يعني أن تُعيدَ شراءَ شيءٍ ما وأن تستَرجِعَهُ بعدَ أن فُقِد. فأنتَ وأنا لنا قيمَةٌ أكبر في نظرِ الرَّبّ، لأنَّنا مِثْلُ ذلكَ الدرهم المفقُود، عندما يستَرجِعُنا من خِلالِ فدائِهِ الذي تحقَّقَ بمَوتِ وقيامَةِ إبنِه.

هذا هو جوهَرُ مفهومِ الفداء، ومفهومُ هذا الدرهمِ الضائِع الذي وُجِد. إنَّ هذا هُوَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ واضِحة عن الفِداء كما نجدُهُ في الكتابِ المقدَّس، في أسفارٍ مثل خُروج، تثنيَة، راعُوث، وفي كتاباتِ الرُّسُل في العهدِ الجديد (1بطرُس 1: 18، 19). كانَ يسوعُ يقولُ بوضُوحٍ للحلقَةِ الخارجيَّة المُتديِّنَة، "إنَّ هؤلاء الأشخاص ضالُّونَ ولكنَّهُم وُجِدُوا وافتُدُوا. لهذا فَرِحَتِ الملائِكَةُ في السماء. فلماذا لا تفرحُونَ أنتُم أيضاً؟"

ثُمَّ قالَ يسوع، "إنسانٌ كانَ لهُ إبنان. فقالَ أصغَرُهما لأبيهِ يا أبي أعطِنِي القِسمَ الذي يُصيبُني من المال. فقسَمَ لهُما معيشَتَهُ. وبعدَ أيَّامٍ لَيسَت بِكَثيرَة جمَعَ الإبنُ الأصغَرُ كُلَّ شيءٍ وسافَرَ إلى كُورَةٍ بعيدَةٍ وهُناكَ بذَّرَ ما لَهُ بعيشٍ مُسرِف." هذه قصَّةٌ مألُوفَةٌ جِدَّاً، قصَّة الإبن الضال. ونجِدُ إطارَ هذه القصَّة في هاتَين الحَلَقتين اللتين واحِدَةٌ منهُما داخِلَ الأُخرى. كانَ يسوعُ يُحاوِلُ أن يُخبِرَ الذينَ في الحلقَةِ الخارِجيَّة عمَّا كانَ يحدُثُ في الحلقَةِ الداخِليَّة، عندما علَّمَ مثل الإبن الضالّ. ما كانَ يسوعُ يقولُهُ لهؤُلاء الفرِّيسيِّين أصحاب البِرّ الذاتي هو التالي، "بعضُ هؤلاء الناس هُم مِثل الأبناءِ الضالِّين الذين رجعوا إلى البيت ثانيةً، ففَرِحَت بهم كُلُّ ملائِكةُ السماء. فلماذا لا تفرحونَ أنتم عندما يرجِعُ الأبناءُ الضالُّونَ إلى بيتِ الآب؟"

بإختِصار، إنَّ إطارَ هذا المثل العظيم هُوَ صُورَةٌ ليسُوع وهُوَ يقُولُ للذينَ في الحلقةِ الخارِجيَّة، "كُلُّ ما ترونَهُ هو عشَّارُونَ وخُطاة. ولكن دَعوني أُخبِرُكم بما يراهُ الله. اللهُ يرى أشخاصاً مثل الخراف الضائعة، لا يعرِفونَ يمينَهُم من شِمالِهم، ولكنَّهُم يُنقَذُونَ من ضلالِهم، فتفرحُ السماءُ بكامِلها. اللهُ يرى أشخاصاً ضالِّين مثل تلكَ القطعة النقديَّة فيفتديهم، ويسترجِعُهم من ضلالِهم. اللهُ يرى الناس الذي يبدونَ وكأنَّهُم خنازير ورائحتُهم كالخنازير، ولكنَّهم ليسوا كذلك لمُجرّدِ كَونِهم في حُفرَةِ الخنازير في هذا العالم. إنَّهُم يرجِعُونَ من حُفرَةِ الخنازير في العالم لأنَّهُم أبناء. فتفرحُ السماءُ بأسرِها عندما يُوجَدُ الضالُّ. فلماذا لا تفرحونَ أنتُم أيضاً؟"

عندما نُقدِّرُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ مَثَلُ الإبن الضالّ، علينا أن نُدرِكَ أنَّ قلبَ هذا المثَل هُو عندما رَجِعَ الإبنُ الضال. حدَثت حفلَةٌ كبيرة، احتُفِلَ فيها بالرقصِ والولائم، وذُبِحَ العجلُ المُسمَّن. وإذا بالإبنِ الأكبَر يرجِعُ من العمل. كانَ يعمَلُ بِكَدٍّ وإستِقامَةٍ كُلَّ يوم. فسألَ أحدَ أجراهُ، "لماذا يُجري أبي هذا الإحتِفال؟" فأجابَ الخادِمُ بما معناهُ، "لقد رجعَ أخوكَ إلى المنزِل، فذبَحَ لهُ أبوكَ العجلَ المُسمَّن، وهو يكادُ يطيرُ من الفَرَح."

ثُمَّ نقرَأُ أنَّ الأخَ الأكبَر غَضِبَ كثيراً ورفضَ أن يدخُلَ ويُشارِكَ بالإحتِفالِ معَ أبيهِ بعودَةِ أخيهِ الأصغَر. ولكنَّ الأب، الذي تُصوِّرُهُ القصَّةُ كشيخٍ حَنُون ركضَ وعانَقَ إبنَهُ الضَّال وقبَّلَهُ، كانَ يُحِبُّ إبنَهُ الأكبَر أيضاً. فخرجَ الأبُ إلى إبنِهِ الأكبرَ وصارَ يستَعطِفُهُ قائِلاً، "يا بُنيَّ أنتَ معي في كُلِّ حِينٍ وكُلُّ ما لي هُوَ لكَ. ولكنّ أخاكَ كانَ ضالاً، هل تفهَم هذا؟ ولقد وُجِد. كانَ ميتاً فعاش. فلماذا لا تأتي وتفرح وتُشارِكَ معنا بالإحتِفال بهذه المُعجِزة المجيدة؟"

يُوضِحُ هذا المَثَلُ العميقُ الإطار الذي فيهِ عُلِّمَ هذا المثل. فالإبنُ الأكبَرُ في هذا المثَل هوَ الحلقَةُ الخارِجيَّة وقوامُها الفرِّيسيُّونَ والكتبة، الذينَ سيغضَبُون ويرفُضُونَ الدخولَ والمُشارَكَة معَ الملائكة في الإحتِفالِ السماوِيِّ بِعودةِ الضالِّينَ وإيجادهُم. والآبُ الذي يأتي لكَي يدعُوَ الإبنَ الأكبَر للإنضمامِ إلى الإحتِفال يُشيرُ إلى يسُوع الذي يدعُو رِجالَ الدِّين لِكَي يُشارِكُوهُ بأهدافِ رسالتِهِ العظيمة، في السعيِ لِخلاصِ الضالِّين، كما نجدُ ذلكَ مُبيَّناً في الأعدادِ المِفتاحِيَّةِ لإنجيلِ لُوقا (لُوقا 4: 18؛ 19: 10).

بِمعنىً ما، كانَ يسُوعُ يعمَلُ هُنا تماماً كما عمِلَ عندما طلبَ من بطرُس أن يأخُذَهُ إلى صَيدِ السمك (لُوقا 5: 1- 11). فرُغمَ أنَّني لا أستطيعُ أن أُبرهِنَ ذلكَ، ولكنَّني أعتَقِدُ أنَّهُ من المُمكِن أن يكُونَ أعظَمَ مُرسَلٍ دعاهُ يسُوعُ على الإطلاق، لرُبَّما كانَ واقِفاً بينَ رجالِ الدِّينِ أُولئكَ في تِلكَ الحلقَةِ الخارِجيَّة – أي شاوُل الطرسُوسيّ.

فعندما تتصوَّرُ يسوعَ واقِفاً في وسطِ تلكَ الحلقَة الداخِليَّة يُحيطُ بهِ العشَّارُونَ والخُطاة، داعِياً رجالَ الدين للمُشارَكة في فرحِ خلاصِ النفُوس، فإنَّ التطبيقَ التعبُّدِيَّ الشخصي لهذا المثل الرائع هو أنَّ يسوعَ يدعونا نحنُ اليوم لكي نكونَ شُركاءَ معهُ في تطبيقِ بيانِ الناصِرة خاصَّتَهُ. بمِعنىً ما، بإمكانِنا أن نقُولَ أنَّ يسُوع يشرَحُ لكُلِّ الطوائِف الإنجيليَّة المُتنوِّعة التي تُصرِّحُ أنَّها كنيسةَ المسيح اليوم، لماذا نهتَمُّ نحنُ الإنجيليِّينَ بالتبشير – بهدَف مُشارَكةِ الأخبارِ السارَّة معَ الضَّالِّين.

مَثَلانِ عن غَنِيَّين
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14753