الفصلُ الخامِس ثلاثَةُ مبادِئ لِحَياةِ الإقتِداءِ بالمسيح
(الإصحاحات 8، 9 و10)
في الحَياةِ المسيحيَّة، هُناكَ عدَّةُ قضايا لا يُمكِنُ الحُكمُ عليها بالصَّوابِ والخَطأ، ولكنَّنا قد نشعُرُ حِيالَها بشُعُورٍ سَلبِيّ، بحسبِ إنعِكاساتِها الإجتِماعِيَّة داخِل حضارة مُعيَّنة. فبالنسبَةِ لبعضِ الحضارات، هذه القضايا قد تشمَلُ شُربَ الخَمرِ، أو تسريحَةُ الشعر، أو ما شابَه. في الحضارَةِ الكُورنثُوسيَّة، كانَ اللحمُ الذي يُباعُ في الملحمة، يُذبَحُ للأوثانِ. خارِجَ الكنيسة، كانَ سُكَّانُ مدينَةِ كُورنثُوس يعبُدُونَ الأوثان، ويُقدَّمُونَ لها الذبائح نيابَةً عنهم، بما في ذلكَ الذبائح الحيوانِيَّة التي كانَ يُباعُ لحمُها فيما بعد في السوق بأسعارٍ مُخفَّضَة. وكانَ الكثيرونَ منَ المُهتَدِينَ للمسيحيَّةِ قد سبقَ لهُم وقامُوا بِهذه الممارسات الوَثَنيَّة قبلَ إيمانِهم بالمسيح. وبعدَ أن عرفُوا الإيمان المسيحي، أصبَحوا في صِراعٍ ليعرِفوا ما إذا كانَ اللحمُ الذي قُدِّمَ كذبائحَ للأوثان، ما إذا كانَ صواباً أم خطأً، وشعرَ الكثيرونَ منهُم أنَّهُ خطأٌ لأنَّهُ كانَ مُختَلِطاً بعبادَةِ الأوثان.
آخرونَ في الكنيسة، عادَةً أُولئكَ الذين كانُوا مُثقَّفِينَ، أو صارَ لهُم زمانٌ أطول في الإيمانِ المسيحيّ، لم يرَوا أيَّ خطأٍ في أكلِ اللحمِ الذي قُدِّمَ للوَثَن. فبِنَظَرِهم، لم تكُنِ الأوثانُ أكثَر من معدَنِ الذهبِ والفِضَّة والخشَب والحجر، ولم يكُنْ لهذه الأوثان أيُّ معنىً في المجالِ الرُّوحِيّ. ولقد تعامَلَ بُولُس معَ هذه الذهنِيَّة ودعمَها عندما قالَ، "فمِن جِهَةِ ما ذُبِحَ للأوثانِ نعلَمُ أنْ ليسَ وَثَنٌ في العالَم وأن ليسَ إلهٌ آخَرُ إلا واحِداً." (8: 4) لم يُعطِ بُولُس أيَّ إستحقاقٍ أو قيمَةٍ لهذه الأصنام المصنُوعة من ذهبٍ وفضَّةٍ، ولهذا وافَقَ معَ المُؤمنين الأكثر نُضجاً أنَّ أكلَ اللحم المُقدَّم للأَوثان لم يكُن لهُ إنعكاسٌ سَلبِيٌّ على الإيمان.
ولكنَّ بُولُس يُضيفُ قائلاً، "ولكن ليسَ العِلمُ في الجميع." (7) أي أن بُولُس كانَ يقُولُ بكلامٍ آخر أن ليسَ الجميعُ بالضرورَةِ على مُستَوى ذكائِكَ أنت. كتبَ بُولُس هذه الإصحاحاتِ الثلاثة لكَي يُعلِّمَ المُؤمِنَ الذي لدَيهِ علمٌ بأن لا قيمَةَ للأوثان، ماذا عليهِ أن يفعَلَ عندما يلتَقي بأخٍ مُؤمن ليسَ لديهِ هذا المُستَوى من العِلم. لقد حوَّلَ بُولُس مسارَ القَضِيَّة من أكلِ اللحم المُقدَّمِ للوَثَن، إلى العلاقات بينَ الإخوةِ والأخوات في المسيح، وكيفَ ينبَغي على المؤمنين الأقوياء أن يتعامَلُوا معَ الإخوةِ الضُّعفاء. وجواباً على الإعتِراض بأنَّهُ ينبَغي أن يكُونَ لديهم الحُرِّيَّة ليأكُلُوا ما أعطاهُم الرُّوحُ الحُرِّيَّةَ ليأكُلوه، قالَ بُولُس للإخوةِ الأقوِياء، "ولكن أنظُروا لِئلا يَصيرَ سُلطانُكُم هذا معثَرَةً للضُّعفاء... لذلكَ إن كانَ طعامٌ يُعثِرُ أخي فلَنْ آكُلَ لَحماً إلى الأبَد لِئلا أُعثِرَ أخِي." (9, 13)
عرفَ بُولُس أنَّ هذا الحَلّ سَوفَ يجعَلُ المُؤمنين الأقوياء يُفكِّرُونَ بموقِفِهم حيالَ الأمر. لقد كانَ بُولُس بطل الحُرِّيَّةِ الرُّوحِيَّة، وكانَ يكرَهُ كُلَّ أشكال النَّامُوسيَّة. لم يُحِبّ أن يرى الناس يُغيِّرُونَ تعليمَهُ ليجعَلُوا منهُ قانُوناً للمسموحِ والمَمنُوع في الحياةِ المسيحيَّة. عرفَ بُولُس أنَّ الكثيرينَ من المُؤمنينَ الأقوياء كانُوا سيعتَبِرُونَ حلَّهُ كشكلٍ من أشكالِ النامُوسيَّة. فكانُوا يُجيبُونَ على حلِّهِ بالقَول، "لِماذا تُحَدُّ حُرِّيَّتِي بضعفِ أخي؟" فكتبَ بُولُس هذه الإصحاحات الثلاثة ليُعلِّمَ الكُورنثُوسيِّين، (وأنا وأنت)، أنَّهُ من المُهِمِّ لنا كمُؤمِنين أن نُفكِّرَ بحاجَةِ الإخوة والأخواتِ الضُّعفاء، بينما نستخدِمُ حُرِّيَّتَنا في القضايا التي تُسمَّى "رَمَادِيَّة" في حياةِ الإقتِداءِ بالمسيح.
- عدد الزيارات: 10709