Skip to main content

الفصلُ الحادِي عشَر ترفُّع الخادِم

إختِبارُ طريقِ دِمشق

من المُستَحيلِ أن نفهَمَ حياةَ الرسُول بُولُس بمَعزَلٍ عن كلمة "إختِبار." كانَ لبُولُس عددٌ من الإختِبارات غير الإعتِيادِيَّة خلالَ حياتِهِ على الأرض. فقبلَ تجدُّدِهِ ومجيئِهِ للإيمانِ المسيحيّ، إضطَّهدَ الكنيسة بِلا هَوادة. كانَ كشاوُل الطرسُوسيّ، يُركِّزُ بِما نُسمِّيهِ "الرُّؤيا من خلالِ نفق" على شيءٍ واحِد، مُلتَزِماً بتدميرِ الجيل الأوَّل من كنيسةِ يسُوع المسيح. ولكن فيما بعد، كان لديهِ إختِبارٌ معَ المسيح على طريقِ دمشق، حيثُ تكلَّمَ المسيحُ مُباشَرةً معَهُ وأعمى عينيهِ عن البَصَر ببريقِ نُورٍ شديد (أعمال 9). لقد غيَّرَ إختِبارُ طريقِ دِمشق حياةَ شاوُل الطرسُوسِي للأبد.


إختِبارُ صحراء العَرَبِيَّة

قبلَ أن يبدَأَ بُولُس خدمتَهُ العَلَنيَّة، ذهبَ إلى صحراءِ العَرَبِيَّة، وهُناكَ كانَ لهُ إختِبارٌ آخر. في العَرَبِيَّة، تعلَّمَ كُلَّ ما يحتاجُهُ للخدمة، بعدَ أن إختارَ أن لا يستَشيرَ لحماً ولا دَماً كالرُّسُلِ مثلاً، بل أن يتعلَّمَ مُباشَرَةً من المسيح المُقام نفسه. (غلاطية 1، 2). لا يتَّفِقُ عُلماءُ الكتاب المقدَّس حَولَ طُولِ المُدِّة التي يقُولُ بُولُس أنَّهُ قضاها معَ المسيح المُقام في البَرِّيَّة. يقُولُ البَعضُ أنَّهُ قضى ثلاثَ سنوات، ويعتَقِدُ آخرونَ أنَّهُ قضى فترةً أطولَ من ذلكَ بكثير. لقد قضى الرُّسُلُ ثلاثَ سنوات معَ يسُوع كمُعَلِّمِهم، ويقُولُ بُولُس أنَّهُ هُوَ أيضاً كانت لهُ سنواتُهُ معَ يسُوع الذي علَّمَهُ في بَرِّيَِّةِ صحراء العَربِيَّة. إنَّ إختِبارَ الصحراء العربِيَّةِ هذا حضَّرَهُ ليكتُبَ نِصفَ العهدِ الجديد، ولينشُرُ الإنجيل لكُلِّ العالمِ المعرُوفِ في زمانِهِ.


إختِبارٌ سَماوِيّ

تكلَّمَ بُولُس عن إختِبارٍ ثالِث في 2كُورنثُوس 12، حيثُ يُخبِرُنا أنَّهُ كانَ إختُطِفَ إلى السماء الثالِثة. لم يُعطِ تفاصِيلَ كثيرَ عن إختِبارِهِ هذا، ولكنَّهُ ذكرَ أنَّهُ "سَمِعَ كَلِماتٍ لا يُنطَقُ بها ولا يسُوغُ لإنسانٍ أن يتكلَّمَ بِها." (12: 4) شارَكَ بُولُس إختِبارَهُ السماوِيّ هذا معَ الكُورنثُوسيِّين، لكي يُبرهِنَ لهُم جدارَتَهُ كَخادِمٍ للإنجيل. لقد أقنَعَ هذا الإختِبارُ بُولُسَ أنَّهُ من المُمكِن أن نَعيشَ في المجالِ السماوِيّ، بينَما نحنُ لا نزالُ نعيشُ على الأرض. فالخادِمُ الذي يعيشُ ويتحرَّكُ كيانُهُ في المجالِ السماوِي، هُوَ ما أقصدُ بهِ "ترفُّع الخادم."


وُجهَةُ نظَرٍ سَمَاوِيَّة

إنَّ إختِبارَ بُولُس في السماءِ الثالِثة تركَ سَمَةً دائِمًة على حياتهِ. ومنذُ ذلكَ الحين، أصبَحَ بُولُس وكأنَّ إحدَى قدميهِ في السماء والأُخرى على الأرض. لهذا نراهُ يتكلَّمُ غالِباً عن شوقِهِ لمُغادَرَةِ الأرضِ ليكُونَ معَ المسيح، حاسِباً حياتَهُ على الأرض أقَلّ قيمَةً من مجدِ حُضُورِهِ معَ المسيح في السماء (فيلبِّي 1: 21- 24).

لقد أثَّرَ هذا الإختِبارُ على نظرَةِ بُولُس للحياة، التي شارَكها معَ الآخرين. عندما كتب للأفسُسِيِّين، من الواضِح أنَّهُ أرادَهُم أن يُبقُوا السماءَ في مُقدِّمَةِ أذهانِهم، فكتبَ يقُول، "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح الذي بارَكَنا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ في السماوِيَّات في المسيح." (أفسُس 1: 3) وكتبَ أيضاً للكُورنثُوسيِّين "إن كانَ لنا في هذه الحياةِ فقط رجاءٌ في المسيح، فإنَّنا أشقَى جميعِ النَّاس." (1كُورنثُوس 15: 19)


وُجهَة نَظَر مُتَواضِعة

في الإصحاحِ الثانِي عشر من هذه الرسالة، أعطانا بُولُس نافِذَةً أُخرى على سيرَةِ حياتِه. أخبَرَ الكُورنثِيِّين أنَّهُ "أُعطِيَ شَوكَةً في الجَسد" التي كانت "ملاك الشيطان ليلطِمَنِي لِئلا أرتَفِع." (2كُورنثُوس 12: 7). يختَلِفُ مُفسِّرُو الكتابِ المقدَّس حوَل ماهِيَّة هذه الشوكة في الجسد. كتبَ يقُولُ للغَلاطِيِّينَ أنَّ عينيهِ كانتا بَشِعَتَينِ لدرجَةِ أنَّ نظَرَ عينيهِ جعلَ الغلاطِيِّين يشعُرُونَ بالإشمئزاز، وأنَّهُم لو إستطاعُوا لأعطَوهُ عيُونَهم (غلا 4: 15).

يتكلَّمُ بُولُس في رسالتَيهِ للكُورنثِيِّين عن تعبِهِ المُزمِن. يُخبِرُهم أنَّهُم إعتَبَرُوا حُضُورَهُ في الجسد ضعيفاً، وذكَّرَهُم أنَّهُ كانَ بينَهُم في ضَعفٍ شديد (2كُورنثُوس 10: 10؛ 1كُورنثُوس 2: 3). وبما أنَّهُ كتبَ نِصفَ العهدِ الجديد تقريباً، وأنَّهُ أسَّسَ كنائِس في كُلِّ العالَمِ المعرُوف في زمانِهِ تقريباً، وكانت له عدَّةُ إختِباراتٍ معَ المسيح المُقام، يُخبِرُنا أنَّ اللهَ ظنَّ أنَّهُ قد يكُونُ مُتَكَبِّراً. وبِحَسَبِ بُولُس، سَمَحَ اللهُ لشوكتِهِ في الجسد أن تُبقِيَهُ مُتواضِعاً.

هَل أعطاكَ اللهُ شَوكَةً في الجَسَد؟ وهل تُواجِهُ محدُودِيَّاتٍ تجعَلُكَ تُفكِّرُ أنَّ اللهَ لا يُمكِنهُ أن يستخدِمَكَ؟ إجعَل من إختِبارِ بُولُس تشجيعاً لكَ. فاللهُ يُحِبُّ أن يستخدِمَ ضعفاتِنا، كواجِهَةِ عرضٍ يستعرِضُ فيها قُوَّتَهُ. إنَّهُ يُحِبُّ أن يستخدِمَ عجزَنا كواجِهَةٍ عَرضٍ يَعرِضُ فيها قُدرَتَهُ. فاللهُ يُحِبُّ أن يُبرهِنَ أهلِيَّتَهُ في واجِهَةِ عدم أهلِيَّتِنا. لهذا يستَخدِمُ اللهُ محدُودِيَّاتِكَ ليُظهِرَ لكَ وللآخرينَ أنَّ القَضِيَّة ليست من أو ما نحنُ، بل المُهِم هُوَ من وما هُوَ. إنَّ خدمَةَ الله ليست ما نستطيعُ نحنُ أن نعمَلَهُ، بَل ما يستَطيعُ هُوَ أن يعمَلَهُ. أشكُرُهُ على كونِهِ قَويَّاً رُغمَ ضعفِكَ. وإسمَحْ لهُ أن يُظهِرَ في حياتِكَ هذه القُوَّة التي لم تختَبِرها قبلاً.

  • عدد الزيارات: 9042