Skip to main content

الفصلُ التاسِعُ رِسالَةُ بطرُس الأُولى

كتبَ بطرُس للمسيحيِّين الذين كانُوا من أصلٍ يهُودِيّ، وكانُوا مُشتَّتِينَ عبرَ آسيا الصُّغرى. كانت خدمَةُ بطرُس بشكلٍ أساسيٍّ بينَ اليهُود. حاوَلَ بطرُس أن يُشجِّعَهُم ويُعزِّيَهُم في آلامِهم. ولقد أعطاهُم بعضَ النظرات الرائعة عن السبب الذي لأجلِهِ يسمَحُ اللهُ أن يتألَّمَ شعبُهُ.

لقد كتبَ بطرُس من رُوما، حيثُ كانَ أتباعُ المسيحِ يُضطَّهَدُون. عرفَ أنَّ الإضطِّهاد سيسُوءُ وينتَشِرُ إلى المُقاطعات حيثُ يعيشُ قُرَّاءُ رسالتَيه. فلقد إختَبَرَتِ الكنيسةُ في جيلِها الأوَّل إضطِّهاداًٍ عظيماً. بالواقِع، في القُرونِ الثلاثَةِ الأُولى من تاريخِ الكنيسة، كانَ يُعتَبَرُ المسيحيُّونَ خارِجينَ على القانُون.

أعطى بطرُس وُجهَتَا نظَر حولَ ألَمِ الذين كانَ يكتُبُ إليهم. أوّلُهما، "إن كانَ يَجِب." فهُوَ يعتَقِدُ أنَّ اللهَ يسمَحُ أحياناً بأن نتألَّمَ لأنَّنا نحتاجُ الألَم. أمَّا مُلاحَظَتُهُ الثَّانِيَة عن الألَمِ فهِيَ أنَّ بعضَ الألَم هُو "يَسيراً". بكلماتٍ أُخرى، الكثيرُ من الألم هُوَ مُؤقَّتٌ.

ثُمَّ يُقدِّمُ مُلاحَظَةً ثالِثَةً حولَ الألم، عندما يُشبِّهُ إيمانَهم الثَّمين بالذهَب. فالذهبُ هُوَ معدَنٌ ثمينٌ، والذهبُ يُنقَّى بالنَّار. فعندما ينظُرُ اللهُ إلى حياتِنا، الأشياءُ الذتي تهمُّهُ بالفعل هي إيمانُهم ونُمُوُّهُم الرُّوحِيّ (1بطرُس 1: 6- 7).

عندما ركَّزَ بطرُس على موضُوعِ الخلاص، عالجَ مفهُومَي التجديد والإختِيار. فلقد تنبَّأَ الأنبِياءُ عن الخلاص الذي كُرِزَ بهِ يومَ الخمسين. ولقد قدَّمَ مُلاحظَةً مُثيرَةً للإهتِمام، أنَّهُم عندما كانُوا يكتُبُون، رُغمَ أنَّهُم كتبُوا بقُوَّةِ ووحيِ الرُّوح القدُس، فهُم لم يفهَمُوا ما كانُوا يكتُبُونَ عنهُ. يُشيرُ بطرُس إلى أنَّهُ في اليَومِ الذي عاشَ فيهِ قُرَّاؤُهُ، تُمِّمَ هذا الخلاصُ الذي كُتِبَ عنهُ في أسفارِ الأنبِياءِ في كلمةِ الله.

نحنُ نجهَلُ الكثيرَ عن وُجهَةِ النظَر التاريخيَّة التي تُقدِّرُ عددَ الناس الذين ترتَّبَ عليهِم أن يمُوتوا، لكي نحظَى نحنُ بالكثير من البَركاتِ الرُّوحيَّة التي نتمتَّعُ بها اليوم. مثلاً، فكِّرُوا بكلمةِ الله المُدوَّنة. عندما بدأنا هذه الدِّراسة، شاركتُ معكُم بضعةَ أفكارٍ عن كيفَ جُمِعَ الكتابُ المقدَّسُ. إنَّ دراسَةً بسيطَةً عن كيفَ حصلنا على الكتابِ المقدَّس ستُساعِدُنا على أن نُدرِكَ كم نحنُ مَديُونُونَ للأشخاصِ الذين ضحُّوا بِحَياتِهم لكي نحظَ نحنُ بكلمةِ اللهِ كما نراها اليومَ بينَ أيدينا.

إذ نبدَأُ بتكوينِ وُجهَةِ نظَرٍ تاريخيَّة حولَ موضُوعِ الخلاص، يُذكِّرُنا بطرُس بأنَّنا ندينُ بالكَثيرِ لِلعَديدِ من الأشخاص. فإن كانَ اليومَ هُو يومُ حِصاد، تذكَّرُوا أنَّ الكثير الكثيرَ من الأشخاص تألَّمُوا لِيَزرَعُوا البُذُورَ لكي نتمكَّنَ نحنُ من أن نحصُدَ حصادَ اليوم (يُوحنَّا 4: 36- 38).

يُذكِّرُنا بطرُس بما تعلَّمناهُ عندما درَسنا أسفارَ الخُرُوج، اللاوِيِّين، التَّثنِيَة، وراعُوث، حيثُ كتبَ أنَّ يسُوعَ كانَ "وَلِيَّنا الفادِي." تماماً كما كانَ بُوعَز لرَاعُوث، فإنَّ يسُوعَ أعادَ شِراءَنا للهِ بمَوتِهِ، وأرجعنا إلى الله من خِلالِ قيامَتِهِ بتأسيسِ علاقَةٍ معنا (1بطرُس 1: 18، 19)


أفكارٌ حولَ التجديد

 عندما تُولَدُ ثانِيَةً، ليسَ ضروريَّاً أن تفهَمَ هذا الإختِبار قبلَ أن يحدُثَ لكَ. فأنتَ لم تحتَجْ أن تفهَمَ ولادَتَكَ الجسديَّة لكي تستطيعَ أن تُولَدَ في هذا العالم. بل حدَثَت ولادَتُكَ الجسديَّة بغضِّ النظَر عن فهمِكَ لها. لقد كانت ولادَتُكَ الجسديَّة إختباراً سَلبِيَّاً بالنسبَةِ لكَ – فأنتَ وُلِدتَ بِبَساطة. الوِلادَةُ الجديدةُ أيضاً تحدُثُ لكَ، وفيما بعد عندما تنظُرُ إلى الوراء، تفهَمُ ماذا حدَثَ لكَ.

الأمرُ المُهِمُّ في أيِّ إختِبارٍ رُوحِيٍّ شَخصِيّ ليسَ التفاصيلُ بل النتائج التي تصدُرُ عن هذا الإختِبار. بهذه الطريقة يُعبِّرُ الرسُولُ بطرُس عن الولادة الجديدة لنا: "طَهِّرُوا أنفُسَكُم في طاعَةِ الحَقِّ بالرُّوحِ للمَحَبَّةِ الأَخَويَّة العَديمَةِ الرِّياء فأَحِبُّوا بعضُكُم بعضاً من قَلبٍ طاهِرٍ بِشِدَّة. مَولُودِينَ ثانِيَةً لا مِن زَرعٍ يفنَى بَلْ ممَّا لا يفنَى بِكَلِمَةِ اللهِ الحَيَّة الباقِيَة إلى الأبد." (1بطرُس 1: 22، 23).

يُقارِنُ بطرُس الوِلادَةَ الرُّوحِيَّةَ معَ الولادةِ الجَسَديَّة. يُخبِرُنا أنَّنا عندما نُولَدُ ثانِيَةً أو من جديد، فإنَّ الزرعَ (والكلمة باليُونانِيَّة تُشبِهُ زرعَ البَشَر) كانَ زرعاً لا يفنَى. يُخبِرُنا بطرُس أنَّ "الزرعَ" الذي لا يفنَى كانَ كلمة الله، وإيمانُنا كانَ مثل البُوَيضَة. فعندما نتجاوَبُ معَ كلمةِ اللهِ بالإيمان، تكُونُ كلمةُ اللهِ مثل زرع البَشَر، ولكنَّها لا تفنى، وتُلقِّحُ بُوَيضَةَ إيمانِنا. إنَّ الحَياةَ الرُّوحيَّة حُبِلَ بها فينا عندما آمنَّا بِكَلِمَةِ الله.

يُعطينا بُطرُس أيضاً بعضَ النظرات الرُّوحيَّة حولَ "كيفيَّة" الولادة الجديدة، عندما يُخبِرُنا أنَّنا وُلِدنا من جديد عندما طهَّرنا نفُوسَنا بِسماعِ كلمةِ الله، والإيمانِ بها والتجاوُبِ معَها بالطاعة.

هل سبقَ وتساءَلتَ عن العلاقة التي تَربِطُ كنيسةَ العهدِ الجديد معَ شعبِ اللهِ في العهدِ القديم؟ هُنا نجدُ مقطَعاً يجمَعُ الإثنين معاً. ففي العهدِ القديم، أرادَ اللهُ بِوُضُوح أن تكُونَ لهُ مملكة، ولكنَّ شعبَ إسرائيل جاؤُوا إلى صَمُوئيل وأخبَرُوا صَمُوئيل أنَّهُم لا يُريدُونَ أن يملِكَ اللهُ عليهم.

بعدَ كارِثَةِ المملكة هذه، وبعدَ السبي، والأربعمائة سنة من الصمت، جاءَ كُلٌّ من يسُوع ويُوحنَّا المعمدان يُبشِّرانِ بالأخبارِ السارَّة عن ملكوتِ الله، والتي كانت تقُولُ ما معناهُ، "اللهُ يُريدُ أن يكُونَ ملِكَكُم مرَّةً جديدة." فسَّرَ يسُوعُ هذا بالقول، "عندما أتكلَّمُ عن ملكوتِ الله، فإنَّ الملكوتَ هُوَ داخِلَ كُلِّ شخصٍ يخضَعُ لله، ويُتوِّجُهُ ملكاً على حياتِهِ، ويُصبِحُ تابِعاً لهُ بِوَلاء." (لُوقا 17: 21؛ يُوحنَّا 3: 3- 5).

بينما كانَ بطرُس يكتُبُ لأتباعِ المسيح من أصلٍ يهُودِيّ، الذي كانُوا مُشتَّتِينَ في أنحاءِ آسيا الصُّغرى، أخبَرَهم بطرُس أنَّهُم أُمَّة مُقدَّسة، وأنَّهُم شعبُ الله. وأخبَرَهم أيضاً أنَّهُم كهنُوتٌ مُلُوكِيٌّ (1بُطرُس 2: 9، 10). فالكاهِنُ هُوَ الذي يدخُلُ إلى محضَرِ الله ويتشفَّعُ بالآخرين. لقد كانَ هؤُلاء كهنةً أيضاً. ولقد أُرسِلُوا من قِبلِ اللهِ إلى تِلكَ الناحِيَة من العالم لكَي يُتَلمِذُوا أشخاصاً ليسُوع المسيح، ولكي يتشفَّعُوا أمامَ الله من أجلِهم.

كتبَ بطرُس أيضاً، "أنتُم شعبٌ مُختارٌ،" و "كغُرَباء ونُزَلاء في العالم." فبالإضافَةِ إلى كونِهم أُمَّةً مُقدَّسَةً، كهنُوتاً مُلُوكيَّاً، شعباً مُختاراً، كانُوا غُرباءَ ونُزلاءَ في العالم.


نمُوذَجُ الزَّواج

في الإصحاحِ الثالِث من رِسالَةِ بطرُس الأُولى، نجدُ إحدى أعظم المقاطع عن الإرشادِ الزَّوجِيّ في الكتابِ المقدَّس. فكُلٌّ من بُطرُس وبُولُس يقُولان، "أيَّتُها النِّساءُ، هل ترَينَ مِثالَ المسيح والكَنيسة؟ في هذا المِثال، أنتُنَّ الكنيسة. أيُّها الرِّجالُ، هل ترَونَ مِثالَ المَسيح والكنيسة؟ هذا هُوَ المِثالُ المُوحَى عن الزَّواج، وفي هذا المِثال أنتُم المسيح."

يُوجِّهُ بُطرُسُ إرشادَهُ الزَّوجِيّ للمَرأةِ التي لدَيها زَوجٌ لا يُطيعُ الكَلِمة. قد يعني هذا أنَّها مُتزوِّجة من رَجُلٍ غير مُؤمن لا يُطيعُ الكَلمَة، أو قد يكُونُ مُؤمِناً ولكنَّهُ لا يُطيعُ الكلمة دائماً.

في إرشادِ بُطرُس وبُولُس عن الزواج، المَطلُوبُ من المَرأَةِ أن تَكُونَ خاضِعَةً لزوجِها كما تخضَعُ الكنيسةُ للمَسيح. ليسَ من السَّهلِ الخُضُوع، ولكن ليست هذه هي المُشكَلة الكُبرى في زيجاتِ المُؤمنين. المُشكِلَة الكُبرى هي الرِّجال الذينَ لا يتحمَّلُونَ مسؤُوليَّةَ رِعايَةِ زوجاتهم وأولادهم كما يرعى المسيحُ الكنيسة.

وينصَحُ بطرُس أيضاً المَرأَة بأن تربَحَ زوجَها بدُونِ كلمة. يقُولُ بطرُس: زوجُها لا يُطيعُ الكلمة، ممَّا يعني أنَّهُ لا يأخُذُ مكانَهُ الصحيح في الزواج. وقبلَ أن يكتُبَ عدداً واحِداً لهكذا زوج، ينصَحُ بطرُس زوجتَهُ بأن تكُونَ رُوحيَّةً، خاضِعَةً، رَقيقَةً وصامِتة.

لِنُركِّزْ على كلمة "خُضُوع" بينما ننظُرُ إلى نمُوذج الزواج الذي يُقدِّمُهُ بطرُس. في نِهايَةِ الإصحاحِ الثَّاني، يُشيرُ بطرُس إلى يسُوع المسيح وإلى موتِهِ على الصليب كَعَبدٍ مُتألِّمٍ، الأمرُ الذي تُنُبِّئَ عنهُ في الإصحاحِ الثالِث والخمسين من سفرِ إشعياء.

إنَّ كَلِماتِهِ الأخيرة تُشيرُ إلى يسُوع المسيح "راعي نُفوسِكُم وأُسقُفِها." ثُمَّ يُشيرُ إلى هذا النمُوذج عن يسُوع المسيح وهُوَ يرعى الكنيسة، ويبدَأُ نصيحتَهُ إلى النِّساء بكلمة "كذلِكُنَّ." إنَّهُ يقُولُ للمرَأةِ أنَّهُ عليها أن تخضَعَ لِزَوجِها، كما تخضَعُ الكنيسةُ للمسيح.

إنَّ كلمة "تخضَع" في الإطار الذي يستخدِمُهُ بُطرُس، تعني بالحقيقة "دَعي زوجَكَ يَرعاكِ." فلقد أعطى اللهُ زوجَكِ مسؤُوليَّةً كَبيرَةً. فزَوجُكِ مطلُوبٌ منهُ أن يرعاكِ كما يرعى المسيحُ كنيستَهُ. هذا يعني أنَّ زوجَكِ عليهِ أن يُحِبَّكِ كما يُحِبُّ المسيحُ؛ وأن يُعطِيَكَ كما يُعطي المسيح؛ وأن يكُونَ لكَ كما هُوَ المسيح. يُعطي بُولُس إرشاداً مُشابِها جداً عن الزواج، وذلكَ في رسالتِهِ إلى أهلِ أفسُس (أفسُس 5: 22- 25).

في الخدمَةِ العَسكَريَّة، يكُونُ لديكَ قائدٌ واحد مسُؤولٌ عنكَ. لا يُمكِنُ أن يكُونَ لديكَ قائدانِ مسؤُولانِ عنكَ. قد يُفوِّضَ القائِدُ سُلطَتَهُ إلى أشخاصٍ آخرينَ لعدَّةِ أسباب. ولكن لا يُمكِنُهُ أبداً أن يُفوِّضَ مسؤوليَّتَهُ. وإذا حدثَ خطأ، هُوَ وحدَهُ المسؤول.

في إرشادِ بُطرُس وبُولُس عن الزواج، وعبرَ كُلِّ الكتابِ المقدَّس، يُفوِّضُ اللهُ مسؤوليَّةَ الزواجِ والمَنزِل للزَّوج، عندما يأمُرُ الرِّجال أن يرعُوا زوجاتِهم كما يرعى المسيحُ الكنيسةَ. وفي نفسِ الوقت، اللهُ يأمُرُ الزوجات أن يدعنَ أزواجَهُنَّ يتحمَّلُونَ المسؤوليَّةَ عنهُنَّ وعن أولادِهنَّ. فالمسؤوليَّةُ تعني أنَّهُ لا يُمكِنُ أن يكُونَ لكَ قائدانِ مسؤولانِ عنكَ. أحدُهم ينبَغي أن تكُونَ لهُ المسؤوليَّةُ، فيُفوَّضُهُ اللهُ بتلكَ المسؤوليَّة.

أوَّلُ كلمَةٍ يبدَأُ بها بُطرُس نصيحتَهُ للرِّجالِ في العدد السابِع، هي نفسُ الكلمة التي بدأَ بها نصيحتَهُ للنِّساء. عندما نقرَأُ نحنُ الرِّجالُ كلمة "كذلِكُم"، علينا أن نسألَ السُّؤال، "كَماذا؟ أو مثل ماذا يا بطرُس؟" يُجيبُنا بطرُس: "إرجِعُوا إلى الوَرَاء، إلى النَّمُوذَج المُوحى عن الزواج. هل ترَونَ المسيح والكنيسة في العدد الأخير من الإصحاحِ الثاني؟ أيُّها الأزواج، في ذلكَ المِثال، أنتُم المسيح. أُمكُثُوا معَ زوجاتِكُم، وكأنَّكُم المسيح. أحِبُّوهُنَّ كما أحبَّ المسيحُ الكنيسَةً. أبذُلُوا أنفُسَكُم عن زوجاتِكُم، كما بذلكَ المسيحُ نفسَهُ من أجلِ الكنيسة. كُونُوا لزوجاتِكُم كما هُوَ المسيحُ للكنيسة.

"كذَلِكُم أيُّها الرِّجالُ، أمكُثُوا معَهُنَّ بحَسَبِ الفطنة." (1بطرُس 3: 7) بطرُس لم يُخبِر الأزواج أن يفهَمُوا زوجاتِهم. فقد لا نفهَمُ نحنُ الرِّجالُ والنِّساءُ المُتزوِّجين، قد لا نفهَمُ حتَّى أنفُسَنا. بالواقِع، فإنَّ بطرُس يُخبِرُ الرِّجال، "أمكُثُوا معهُنَّ بحَسَبِ الفِطنة." قد لا تفهَم زوجتَكَ، ولكنَّكَ تستطيعُ أن تعرِفَ زوجَتَكَ.

يُعطي بُطرُس الأزواجَ بعضَ النصائح العَمَليَّة عندما يكتُبُ قائِلاً: "أُمكُثُوا معَهُنَّ." هذا يعني خُذُوا وقتَكُم معَهُنَّ. إجعَلُوا منهُنَّ أولويَّةً، وأعطُوهُنَّ الوقتَ الكافي. قد تُفكِّرُون أنَّ هذه النصيحة هي غَير ضَروريَّة، ولكنَّ الحقيقَةَ القاسية هي أنَّ الكَثيرَ من الأزواج يمكُثُونَ في أيِّ مكانٍ آخر إلا معَ نسائِهم وأولادِهم في المنزِل.


بالإختِصار

عندما هزَمَ جدعَون المِديانِيِّين، نقرَأُ أنَّهُ هُوَ وثلاثمائة رجُل "وقفُوا كُلُّ رجُلٍ في مكانِهِ"، وهذا كانَ المفتاح ليُعطِيَهُم اللهُ ذلكَ النصر العجيب (قُضاة 7: 21). هذا ما يقُولُهُ بطرُس في نصيحتِهِ العظيمة عن الزواج. فعلى كُلِّ شَريكٍ أن يقِفَ في مكانِهِ المُناسِب في الزواج. هُناكَ مكانٌ للمرأةِ لتَقِفَ فيهِ. ولديها دَورٌ، ومُهِمَّةٌ، وخدمَةٌ، ومكان. وهُناكَ مكانٌ للرَّجُلِ ليقِفَ فيهِ. لديهِ دَورٌ، ومُهِمَّةٌ، وخِدمَةٌ، وهذا هُوَ المكانُ الذي ينبَغي أن يقِفَ فيهِ. عندما يخرُجُ الرجُلُ من المكانِ المُخصَّصِ لهُ، على الزوجَةِ أن لا تُمارِسَ الضغط، ولا السحب، ولا التوبيخ، ولا الوعظ عليهِ ليرجِعَ إلى مكانِه. بل عليها أن تقِفَ في المكانِ المُعيَّنِ لها، وإذا كانَ أيُّ شيءٍ سيُحرِّكُ زوجها ويُعيدُهُ إلى مكانِهِ، فسيكُونُ مِثالُها المُحِبّ.

هل ترينَ هذا المِثال أيَّتُها النِّساء؟ أنتُنَّ الكنيسة. عليكُنَّ أن تقِفنَ في مكانِكُنَّ. كُنَّ لأزواجِكنَّ كما المسيحُ للكَنيسة.

هل ترَونَ هذا المِثال أيُّها الرِّجال؟ فِأنتُم مثل المسيح. كُونُوا لِزوجاتِكم كما المسيحُ للكنيسة. بنعمَةِ الله، على كُلٍّ منكُما أن يقِفَ في مكانِهِ. إنَّ الأدوارَ التي يُخصِّصُها بطرُس للزَّوجَين، تتطلَّبُ نعمَةً منَ اللهِ لإتمامِها. التحدِّي الأكبَر يُعطَى للأزواج، لأنَّهم ينبَغي أن يكُونُوا لزوجاتِهم كما هُوَ المسيحُ للكنيسة.


مقاطِع صعبَة من بطرُس

يختُمُ بطرُس رِسالتَهُ الثَّانِيَة بمُلاحظَةٍ تقُولُ أنَّ هُناكَ الكثير من الأُمُور التي كتبَها بُولُس الرَّسُول، والتي يصعُبُ فهمُها. أتصوَّرُ أن يكُونَ الرَّسُولُ بُولُس قد سألَ بطرُس عن بعضِ المقاطِع التي أوَدُّ أن أُعالِجَها الآن. أَبدَأُ بالنظَر إلى المقطَع الأكثر صُعُوبَةً في رِسالتَي بطرُس (1بطرُس 3: 17- 4: 2).

في مُجرَّدِ ثمانِيَةِ أعدادٍ فقط، أشارَ بطرُس إلى عشرة مواضيع أساسيَّة. أخبَرَنا أنَّهُ عندما ماتَ يسُوعُ من أجلِ خطايا العالم، رُغمَ أن جسدَهُ ماتَ، ولكنَّ رُوحَهُ كانت حَيَّةً، فذهبَ بالرُّوحِ وزارَ الأرواحَ التي في السجن وكرزَ لها – أرواحُ أولئكَ الذي رفضُوا أن يسمَعُوا إلى رِسالَةِ الإنجيل عندما أُتيحَت لهُم الفُرصَة، كما في أيَّامِ نُوح.

يبدُو أنَّهُ بعدَ موتِ المسيح على الصليب، وقبلَ صُعُودِهِ، قامَ بخِدمَةٍ في عالَمِ الرُّوح. بِحَسَبِ بطرُس، لقد قامَ المسيحُ بخدمَةِ تحريرٍ في عالَمِ الرُّوح. يَصِفُ هذا المقطَعُ أُمُوراً "تَشتَهي الملائكَةُ أن تطَّلِعَ عليها" بِحَسَبِ كلماتِ بطرُس، لهذا يصعُبُ الحسمُ فيها.

يقُولُ بطرُس الراعِي أنَّ نِهايَةَ كُلِّ شَيءٍ قدِ إقتَرَبَت، فعلى ضَوءِ هذا، أيُّ أُناسٍ ينبَغي أن يكُونوا. هُنا يُعطينا بطرُس مفاهِيمَ مُثيرَةً للإهتِمام حولَ المواهِبِ الرُّوحيَّة والخدمات التي تتوفَّرُ بواسِطَةِ هذه المواهِب.

بِحَسَبِ هذا الرسُول الرُّوحِي والعمَلِيّ للغايَة، مهما كانت موهِبتُكَ، فهذا يُحدِّدُ نمُوذَجَ خدمتِكَ. فإذا كانت موهِبَتُكَ هي الوعظ، عندها عِظْ. المَيلُ العام هُو أنَّكَ تُبَرهِنُ تواضُعَكَ برغبَتِكَ بأن تفعَلَ أيَّ شَيء. وهكذا فكُلُّ واحدٍ يُصبِحُ يفعَلُ كُلَّ شَيء. ولكن ليسَ هذا ما يُعلِّمُهُ الكتابُ المقدَّس. كُلُّ تعليمِ الكتاب حول المواهِبِ الرُّوحيَّة يُذكِّرُنا أنَّها مُتنوِّعَة وتُعطَى لِكُلِّ مُؤمِنٍ كما يَشاءُ الله. هذه المَواهِبُ تُعطَى من الرُّوحِ القُدُس لكَي تُمجِّدَ المسيح، ولتُشجِّعَ جسدَ المسيح. فأنتَ تخدُمُني من خِلالِ مواهِبِكَ الرُّوحِيَّة، وأنا أخدُمُكَ من خِلالِ مواهِبي الرُّوحيَّة.

إذ يُتابِعُ بُطرُس في العدد الرابِع، يُعطِي المزيدَ من النُّصح حولَ الألم. فإن كُنتَ تتألَّمُ، يقُولُ لكَ بطرُس مُجدَّداً، "لا تستَغرِبُوا البَلوى المُحرِقَة التي بينَكُم حادِثَة لأجلِ إمتِحانِكُم كأنَّهُ أصابَكُم أمرٌ غَريب." (1بطرُس 4: 12) نحنُ نظُنُّ أنَّ المشاكِلَ والآلام هَي دَخيلَةٌ على حياتِنا، وهي إضطراباتٌ وكوارِث ما كانَ يُفتَرَضُ بها أن تحدُثَ. ولا نستطيعُ أن نفهَمَ لماذا حدَثَت لنا. في مُعظَمِ أرجاءِ العالم، الناسُ هُم أكثرُ واقِعيَّةً. فهُم يعرِفُونَ أنَّ الألمَ هُوَ جزءٌ لا يتجزَّأُ من الحَياة. وبالحقيقة، الشيءُ الوحيدُ الذي يُميِّزُ بينَ شخصٍ وآخر هو ليسَ ما إذا كانُوا يتألَّمُونَ أم لا، بل كيفَ يتجاوبُونَ معَ الأَلَم.

أنتَ مسؤولٌ عن نفسَكَ. قد لا تكُونُ مسؤولاً عن كُلِّ الأشياء التي تحدُثُ لكَ، ولكنَّكَ مسؤولٌ عمَّا ستعمَلُ حيالَ مشاكِلِكَ، وعن الطريقة التي بها تتجاوَبُ معَها.

جَميعُنا لدينا عواصِفُ في حياتِنا، ولكنَّنا أيضاً لدينا نعمة وقُوَّة الله لكي نتجاوزها. أعطانا اللهُ كلمتَهُ، التي تُشكِّلُ نظامَ إيمانِنا. فعندما نُمرِّرُ عواصِفَنا من خِلالِ نظامِ إيمانِنا، من خِلالِ كلمةِ الله، يستطيعُ اللهُ أن يمنحنا الحكمةَ لنتحمَّلَ هذه المشاكِل. وبإمكانِهِ أيضاً أن يعُطيَنا النِّعمة لنُطبِّقَ هذه الحِكمة. هذا يُؤدِّي إلى ما يُسمِّيهِ بطرُس "شهادتُنا." فاللهُ يسمَحُ بالعواصِف لأنَّ اللهَ يُريدُنا أن نكُونَ شُهودَاً لهُ. بإمكانِنا أن نكُونَ شُهُوداً جَيِّدين، أو بإمكانِنا أن نكُونَ شُهُوداً ضُعفاء، ولكنَّنا جميعنا شُهُود.

بالنسبَةِ للتَّابعِ الأمين للمسيح، الألمُ هُوَ دَعوة. فلقد أخذتَ أنتَ الخلاص لأنَّ أحدَهُم تألَّمَ. وأنتَ دُعيتَ لتقتَفِيَ آثارَ خُطواتِه. لقد إتَّحدتَ معَهُ – كشَريكٍ في آلامِه. يقُولُ البعضُ أنَّ اللهَ لا يُريدُ أن يتألَّمَ شعبُهُ. ولكن هُنا، يقُولُ بطرُس صراحَةً أنَّهُ أحياناً تكُونُ إرادَةُ اللهِ ودعوتُنا كذلكَ أن نتألَّمَ. (1بطرُس 4: 19)


كَلِمَةٌ للشُّيُوخ

الإصحاحُ الخامِسُ مُوجَّهٌ نحوَ شُيُوخِ الكَنيسة. "والآن كَلِمَةٌ أُوجِّهُها إليكُم يا شُيُوخ الكنيسة. أنا أيضاً شيخٌ مثلُكُم." لقد كانَ بطرُس مُتواضِعاً، فاعتَبَرَ نفسَهُ شيخاً إلى جانِب باقي الشيُوخ. وإذ ننظُرُ إلى الأوجُه الثلاثة لبُطرُس كما رأيناها في مُقدِّمَةِ رِسالتَيه، نفهَمُ سببَ تواضُعِهِ. فهُوَ يُخبِرُهُم أنَّهُ عليهِم أن يتحمَّلُوا مسؤُوليَّةَ رِعايَةِ الكنيسة، ليسَ كأسياد، بل كأمثِلة.

عندما تدرُسُونَ نظامَ القِيادَةِ في الكنيسة، لن تجدوا أيَّ شيءٍ في هذا العالم يُمكِن تشبيهُهُ بالكنيسة كمُؤسَّسَة. فالكنيسةُ لا ينبَغي أن تكُونَ كشَرِكَةٍ لها رَئيسٌ، ومالِكٌ، ومُوظَّفِين. التأثيرُ الوَحيدُ الذي يستَطيعُ الشيخُ أن يُمارِسَهُ في الكنيسة هُوَ مثالُهُ. فإن كانَ مِثالُهُ يُؤثِّرُ على الناس، فسوفَ يأتُونَ إليهِ ليطلُبُوا نصيحتَهُ وإرشادَهُ. هذا هُوَ التأثيرُ الذي يُمارِسُهُ الرُّعاة في الكنيسة، وليسَ كسُلطَة عسكَريَّة ولا كإدارة شركة تجاريَّة.

قالَ الذي درَّبَ بطرُس على الخدمة: "[الناسُ] يُحِبُّونَ التحيَّاتِ في الأسواق وأن يدعُوَهُم الناسُ سَيِّدي سيِّدي. وأمَّا أنتُم فلا تُدعَوا سَيِّدي لأنَّ مُعلِّمَكُم واحِدٌ المسيحُ وأنتُم جميعاً إخوة. ولا تدعُوا لكُم أباً على الأرض لأنَّ أباكُم واحِدٌ الذي في السماوات. ولا تُدعَوا مُعلِّمين لأنَّ مُعلِّمَكُم واحِدٌ المسيح. وأكبَرُكُم يكُونُ خادِماً لكُم. فمَن يرفَع نفسَهُ يتَّضِع ومن يضَعْ نفسَهُ يرتَفِع." (متَّى 23: 7- 12)

يختُمُ بطرُس رسالتَهُ الأُولى بمُوجَزٍ لقصَّةِ حياتِه. يقُول: "وإلهُ كُلِّ نِعمَةٍ الذي دَعانا إلى مجدِهِ الأبديّ في المسيح يسُوع بعدَما تألَّمتُم يَسيراً هُوَ يُكمِّلُكُم ويُثبِّتُكُم ويُقَوِّيكُم ويُمكِّنُكُم." (1بطرُس 5: 10) بعدَ أن تألَّمَ بُطرُس لمُدَّةٍ، جعلَهُ اللهُ كامِلاً وناضِجاً. لقد قوَّى اللهُ بطرُس وثبَّتَهُ ومَكَّنَهُ. وهذا هُوَ الوجهُ الثالِثُ لبُطرُس الذي يكتُب هذه الكلمات.

هذا العدد هُوَ قصَّةُ حياة بطرُس. يقُولُ بطرُس، "هذا هُوَ القصدُ من الألم: اللهُ يُريدُ أن يجعَلَكُم تنمُون، وهكذا، فإنَّ هذه العاصِفة، وهذه الكارِثة التي تجتازُونَها، تعني بكُلِّ بساطَة أنَّهُ بعدَ مُدَّة، سوفَ يأتي اللهُ ويرفَعُكُم ويُثبِّتُكُم في مكانِكُم ويُقوِّيكُم أكثَر من ذي قبل، لأنَّكُم إجتزتُم إختِباراً مُؤلِماً."

  • عدد الزيارات: 10916