الفَصلُ الثَّامِن خمسُ بَصماتٍ أُخرى للكنيسةِ السَّليمة
(1كُورنثُوس 12: 12- 24)
ذَكَرتُ في الإصحاحِ الأخير أنَّ بصماتِ اليدِ اليُمنى لِلكَنيسة السليمة هي: إبهامُ الصلاة؛ سُبابَةُ التعليم؛ وُسطى الشَّرِكة؛ خِنصَرُ العبادة؛ وبِنصَرُ الصلاة.
في هذا الإصحاحِ العَميق، أجدُ خمسَ بَصَماتٍ إضافِيَّةٍ للكَنيسةِ السليمة. بحَسبِ هذا الوصفِ المُوحى بهِ من الله لكيفيَّةِ عملِ الكنيسة، فإنَّ بصمةَ الإبهامِ على اليَدِ اليُسرى للكنيسة تُشيرُ إلى الوحدة. عندما نُصغِي إلى يسُوعَ يُصَلِّي خمسَ مرَّاتٍ لكَي تكُونَ كَنيستُهُ واحداً، نتوقَّعُ أن تظهَرَ هذه البَصَمة.
أمَّا بصمَةُ السُّبابَةِ على اليدِ اليُسرى فهي التنوُّع. يقُولُ بُولُس أنَّهُ إن كانَ إثنانِ منَّا مُتَطابِقانِ تماماً، فلا بُدَّ أن يكُونَ أحدُهما شخصاً إضافِيَّاً غيرَ ضَروريّ. ويستَخدِمُ بُولُس صُورَةً مجازِيَّةً بَشِعة لكَي يُوضِحَ فكرتَهُ، وذلكَ عندما يطرَحُ السُّؤال، لو كانَ كُلُّ الجسدِ عيناً، فأينَ السَّمعُ، ولو كانَ كُلُّ الجَسَدِ سمعاً، فأينَ الشَّمّ؟ (17) هل بإمكانِكُم أن تَتَصَوَّرُوا عيناً بوزنِ خمسةٍ وسبعينَ كيلوغراماً؟ أو أُذُناً بوزنِ ثمانين كيلوغراماً؟ إنَّ جَمالَ التنوُّع يجعَلُ من الجسدِ الإنسانِيِّ جذَّاباً، والجسدُ الإنسانيُّ بدُونِ التَّنَوُّع يُصبِحُ بَشِعاً. فالوِحدَةُ بدونِ التنوُّع هي مُطابَقة. الكنيسةُ التي يُسيطِرُ عليها الرُّوحُ القُدُسُ، يكُونُ فيها وحدَةٌ بدونِ التضحيَة بتَنَوُّعِ المَواهِب والخدمات.
بَصمَةُ الوُسطى هي التعدُّدِيَّة. "فإنَّ الجسدَ أيضاً ليسَ عُضواً واحِداً بَلْ أعضاءُ كَثيرَةٌ." عدَّةُ كَنائِس لديها رُعاةٌ مَوهُوبُون، وهذا أمرٌ رائع. ولكن، عندما تجتَمِعُ الكنيسة، لا ينبَغي أن يكُونَ الرَّاعي هُوَ الشخص الوَحيد الذي يُمارِسُ مواهِبَهُ الرُّوحِيَّة. فهذا ليسَ تعدُّدِيَّة. في كُلِّ مرَّةٍ نجدُ فيها في العهدِ الجديد كلماتٍ تتكلَّمُ عن قادَةِ الكنيسة، نجدُها بِصيغَةِ الجمع. فالكنيسةُ لا ينبَغي أن تعمَلَ وكأنَّها جسمٌ لشخصٍ مُعَوَّقٍ جسديَّاً. بل ينبَغي أن تعمَلَ الكنيسة كجسدٍ سَليمٍ، فيهِ تعمَلُ كُلُّ أعضاءِ الجسدِ معاً. إنَّ جسدَ المسيح يحتاجُ إلى عملِ كُلِّ أعضائِهِ لكي يعمَلَ كما أرادَ لهُ اللهُ أن يعمَل.
وبصمَةُ الخِنصَرِ هي العطف أو التَّعاطُف والشُّعُور معَ الآخرين، أو محبَّة بعضنا البعض. فإذا تألَّمَ عُضوٌ واحِدٌ، تتألَّمُ أعضاءُ الجسد كافَّةً معَهُ. "أنظُرُوا كيفَ يُحِبُّونَ بعضُهُم بعضاً." هذا ما قالَهُ النَّاسُ عن الكَنيسةِ في القرنِ الأوَّل. فليَكُنْ هذا ما يقُولُهُ النَّاسُ بِحَقٍّ عن كنيسةِ المسيحِ الحَيّ الحقيقيّة اليوم.
وبَصمَةُ البِنصَر أو الإصبع الصّغير على يدِ الكنيسَةِ اليُمنى يمكنُ تسمِيتُها بالمُساواة. كُلُّ عُضوٍ في هذا الجسد هُوَ على قدَرِ المُساواةِ في الأهمِّيَّة معَ الأعضاءِ الأُخرى. في الأُذُنِ الدَّاخِليَّة، هُناكَ عظمَةٌ تُسيطِرُ على توازُنِ الجسد. ليسَ بإمكاِننا أن نرى هذه العظمة، ولا نُفكِّرُ بها بتاتاً، ولكن إذا نُزِعَت من مكانِها، نقعُ على الأرضِ ونُصبِحُ مثلَ سمكَةٍ خارجَ المياه. في الكنيسة هُناكَ أعضاءٌ صِغارٌ في الجسد مثل هذه العَظْمة. قد يكُونُونَ غَير مَنظُورين، ولكنَّهُم يقُومُونَ بِدَورٍ حيويٍّ دَقيق في حياةِ جسدِ المُؤمنين. كُلُّ أعضاءِ الجسد، سواءٌ أكانَت ظاهِرَةً أم خَفِيَّةً، جميعُها على قدرِ المُساواةِ في أهمِّيَّةِ عملِها في جسدِ المسيح.
الوحدَة، التَّنَوُّع، التعدُّدِيَّة، التعاطُف، والمُساواة؛ هذه هي البَصماتُ الخمس الأُخرى للكنيسة المَبنيَّة على هذا التعليم العميق للرَّسُول بُولُس، في هذا الوصفِ الدِّينامِيكيّ لطبيعَةِ وعملِ كنيسةِ المسيح الحي الحقيقيَّة.
مشاكِلُ المُحافَظة على الوِحدَةِ والتنوُّع
يُعالِجُ بُولُس بِضعَ مشاكِل بينما يُبرِزُ ويُطَبِّقُ التنوُّعَ والوِحدَةَ في الكَنِيسَةِ. المُشكِلة الأُولى التي يُعالِجُها هي ما يُمكِنُ تسميتُها "المُحاباة الرُّوحِيَّة." ففي كنيسةِ كُورنثُوس،كانَ هُناكَ أشخاصٌ قَبِلُوا مواهِبَ من الرُّوحِ، مثل موهِبَة الألسِنة. عندما قَبِلُوا مَوهِبَةَ الألسِنة هذه، ظَنُّوا أنَّهُم كانُوا أكثَرَ رُوحانيَّةً من أُولئكَ الذين لم يأخُذُوا هذه الموهِبَة.
إنَّ مُشكِلَةَ المُحاباةِ الرُّوحيَّة تُوجدُ في كنائِسِ اليوم. كثيرونَ يُؤمِنُونَ بأنَّ موهِبَةَ الألسِنة هي موهِبَةٌ تمنَحُ سُلطَةً ومِصداقِيَّة. فإن لم تكُن قد أخذتَ هذه المَوهِبَة، أُولئكَ الذين نالُوها سوفَ يُعامِلُونَكَ وكأنَّكَ لستَ شخصاً رُوحِيَّاً. هذا ما يُسمَّى بالمُحاباةِ الرُّوحيَّة. لو كُنتُ أنا مُؤمِناً شابَّاً، لكُنتُ سأُجرَحُ في الصَّميم إذا حابَى النَّاسُ رُوحِيَّاً ضِدِّي، لكَوني لم أحصُلْ على المواهِب الرُّوحيَّة التي لَدَيهم. يُعالِجُ بُولُس نتيجَةَ هذا النَّوع من التمييزِ الرُّوحيّ عندما يكتُبُ: "ولو قالَتِ الأُذُنُ: لأنَّني لستُ عيناً فأنا لستُ من الجسد، أفَلَم تعُدْ لذلكَ من الجسد؟"
المُشكِلة التالِيَة التي ركَّزَ عليها بُولُس الرَّسُول قد يُمكِنُ تسمِيتُها "فُقدان القيمة الرُّوحيَّة." فهُناكَ الكَثيرُ من المُؤمِنين غيرُ المُحَصَّنِينَ رُوحيَّاً، أي أنَّهُم لا يشعُرُونَ بالأمَان. فإن قالَ لهُم أحَدٌ، "أنتُم لا تتمتَّعُونَ بالمواهِبِ الرُّوحيَّة التي أتمتَّعُ بها أنا، وهذا يعني أنَّكُم لستُم مُؤمنينَ حقيقيِّين،" يبدَأُ أمثالُ هؤلاء بالتقليلِ من قيمةِ المواهِبِ الرُّوحيَّة التي أعطاهم إيَّاها اللهُ.
بالنِّهاية، المُشكِلَةُ التي تشغُلُ بُولُس هُنا هي مُشكِلَةُ الإنشقاقاتِ الرُّوحيَّة. وعاقِبَةُ ذلكَ هي أنَّ المُحاباة الرُّوحِيَّة تقُودُ إلى فُقدانِ القيمة الرُّوحيَّة، وهذه المُشكِلة تَقُودُ إلى تقسيمِ جسدِ المسيح. فإذا تمَّتْ مُعامَلَتي كمَسيحيٍّ من الدَّرَجَةِ الثَّانِيَة في الكنيسةِ التي أعبُدُ الرَّبَّ فيها، إن كانت هُناكَ كنائِس أُخرى مُتوفِّرة في الجِوار، لا بُدَّ أنَّني سأبحَثُ عن واحِدَةٍ منها حيثُ لا تَتِمُّ مُعامَلَتي بهذه الطريقة. الآن لدَينا مُشكِلَة الإنشقاق. أحياناً يُعَبَّرُ عن المحاباةِ الرُّوحِيَّةِ للأسَف، بينما يجتَمِعُ المُؤمنونَ معاً في مجمُوعاتٍ بِحَسَبِ المواهِب التي أُعطِيَت لهُم، مُستَقصِينَ أولئكَ الذين لم يحصُلُوا على نفس المواهب التي أخذُوها هُم.
صَلَّى يسُوعُ خمسَ مرَّاتٍ في صلاتِهِ للكنيسة، أن نكُونَ واحِداً (يُوحَنَّا 17). من المأساوِيِّ أن نرى أنَّهُ يُمكِنُ أن يسمَحَ المُؤمِنُونَ لعَدُوِّ النُّفُوس بأن يستَخدِمَ عملَ الرُّوحِ القُدُس، الذي أُعطِيَ من قِبَلِ يسُوع المسيح لتَنمِيَةِ الكنيسة وصِيانَةِ وِحدَتِها، لكي يُسبِّبَ بالأحرى شِقاقاً وكُسُوراً في الوحدَةِ التي صَلَّى المسيحُ من أجلِها.
- عدد الزيارات: 3854