الفصلُ الثَّانِي "الإستِعارَةُ المجازِيَّةُ الرَّائِعة"
الكلماتُ الأخيرة التي نقرَأُها في الإصحاحِ الرَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا، تُخبِرُنا أنَّ يسُوعَ ورُسُلَهُ كانُوا على وَشَكِ تَركِ الغُرفَةِ العُلوِيَّة. فإنتَقَلُوا إلى حَقلٍ، حيثُ إستخدَمَ يسُوعُ إستِعارةً مجازِيَّة تُوضِحُ وتُطَبِّقُ جَوهَرَ ما علَّمَهُ لهؤُلاء الرِّجال في العُلِّيَّة. حتَّى الآن، قَلبُ هذا الحِوار الذي نُسَمِّيهِ خُطبَةً، كان عندما أخبَرَهُم يسُوعُ أن أقوالَ وأعمالَ الآبِ قِيلَت وتحقَّقت على الأرضِ من خلالِ يسُوع، لأنَّهُ هُوَ والآب واحد. فكُلُّ ما سَمِعُوا يسُوعَ يَقُولُهُ وما رأوهُ يعمَلُهُ ما هُوَ إلا فَيضٌ من الحقيقَةِ المجيدة بأنَّهُ كانَ في إنسجامٍ كامِلٍ معَ الآب.
وها هُوَ الآن يُعطِي هؤُلاء الرُّسُل واحِدةً من أعمَقِ وأبسَطِ صُوَرِهِ المجازِيَّة. أمسَكَ بكَرمَةٍ ذاتِ أغصانٍ مَليئَةِ بعناقِيدِ العِنَب، وقالَ لهُم ما معناهُ: "كما أنَّ هذه الأغصان تُنتِجُ ثماراً بِوفرة لأنَّها ثابِتَةٌ ومُنسَجِمَةٌ معَ الكرمة، هكذا أنتُم أيضاً ستَكُونُونَ مُثمِرينَ إن ثَبَتُّم فيَّ وكُنتُم في إنسجامٍ معي."
ثُمَّ وصفَ مراحِلَ حملِ الثِّمار: الذي لا يأتي بِثَمَر، الذي يأتِي بِثَمَر، والذي يأتي بِثَمَرٍ كَثير. تُوجَدٌ أربَعَةُ رُمُوزٍ في هذه الإستِعارَة التي تنضَوي على معنىً عميقٍ جدَّاً: فهُناكَ كرمَةٌ، أغصانٌ، ثِمارٌ، وكَرَّام. وبِحَسَبِ ما فسَّرَ يسُوعُ وطبَّقَ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة، فإنَّهُ هُوَ الكَرمَة، والرُّسُلُ هم الأغصان، والثِّمارُ هي مُعجِزَةُ الكرازة بكلمتِهِ، وعمَلُ ملَكُوتِهِ أو كنيستِهِ الذي يُعمَلُ على الأرض من خلالِ التّلاميذ. والكرَّامُ في هذه الإستِعارَة هُو َالله.
يُوجَدُ تَصريحانِ يُرَكِّزانِ بِوُضُوحٍ في تفسيرِهِ وتطبيقِهِ لهذه الإستِعارَة الرَّائِعة: بدُونِهِ لا يستَطيعُ الرُّسُلُ والتَّلاميذُ أن يعمَلُوا شَيئاً، وبِدُونِهِ لا يُريدُ هُوَ أن يعمَلَ شيئاً. في هذه الإستِعارَة، الثِّمارُ لا تنمُو مُباشَرَةً على الكرمة. فقط عندما يتدفَّقُ عصيرُ الحياةِ والطَّاقَةِ عبرَ جِذعِ الكرمَةِ وينتَقِلُ عبرَ الأغصان، فقط عندها نرى الثِّمار. في هذه الإستعارَة، يسُوعُ هُوَ تلكَ "الكرمة التي تبحَثُ عن أغصان."
عندما علَّمَ يسُوعُ وفسَّرَ وطبَّقَ هذه الإستِعارَة، أعطاهُم حَضَّاً يُمكِنُ إعطاؤُهُ عُنواناً: "ثمانِيَةُ أسبابٍ لأن تَكُونَ مُثمِراً." فتِّشْ وانظُرْ إن كانَ بإمكانِكَ أن تجِدَ هذه الأسباب الثَّمانِية بينما تقرَأُ الأعداد السِّتَّة عشَر الأُولى من الإصحاحِ الخامِس عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا:
"أَنَاْ الكَرْمَةُ الحَقِيْقِيَّةُ وَأَبِيْ الكَرَّاْمُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لا يَأْتِيْ بِثَمَرٍ يَنْزَعُهُ. وَكُلُّ مَاْ يَأْتِيْ بِثَمَرٍ يُنَقِّيْهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاْءُ لِسَبَبِ الكَلامِ الذِيْ كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. أُثْبُتُوْا فِيَّ وَأَنَاْ فِيْكُمْ. كَمَاْ أَنَّ الغُصْنَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاْتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيْ الكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضَاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوْا فِيَّ. أَنَاْ الكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَاْنُ. الذِيْ يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَاْ فِيْهِ هَذَاْ يَأْتِيْ بِثَمَرٍ كَثِيْرٍ. لأَنَّكُمْ بِدُوْنِيْ لا تَقْدِرُوْنَ أَنْ تَفْعَلُوْا شَيْئَاً. إِنْ كَاْنَ أَحَدٌ لا يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَاْرِجَاً كَالغُصْنِ فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُوْنَهُ وَيَطْرَحُوْنَهُ فِيْ النَّاْرِ فَيَحْتَرِقُ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلامِيْ فِيْكُمْ تَطْلُبُوْنَ مَاْ تُرِيْدُوْنَ فَيَكُوْنُ لَكُمْ. بِهَذَاْ يَتَمَجَّدُ أَبِيْ أَنْ تَأْتُوْا بِثَمَرٍ كَثِيْرٍ فَتَكُوْنُوْنَ تَلامِيْذِيْ. كَمَاْ أَحَبَّنِيْ الآبُ كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَاْ. أُثْبُتُوْا فِيْ مَحَبَّتِيْ. إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَاْيَاْيَ تَثْبُتُوْنَ فِيْ مَحَبَّتِيْ كَمَاْ أَنِّيْ أَنَاْ قَدْ حَفِظْتُ وَصَاْيَاْ أَبِيْ وَأَثْبُتُ فِيْ مَحَبَّتِهِ. كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَاْ لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِيْ فِيْكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ. هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِيْ أَنْ تُحِبُّوْا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً كَمَاْ أَحْبَبْتُكُمْ. لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَاْ أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّاْئِهِ. أَنْتُمْ أَحِبَّاْئِيْ إِنْ فَعَلْتُمْ مَاْ أُوْصِيْكُمْ بِهِ. لا أَعُوْدُ أُسَمِّيْكُمْ عَبِيْداً لأَنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَاْ يَعْمَلُ سَيِّدُهُ. لَكِنِّيْ قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاْءَ لأَنِّيْ أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَاْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِيْ. لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُوْنِيْ بَلْ أَنَاْ اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوْا وَتَأْتُوْا بِثَمَرٍ وَيَدُوْمَ ثَمَرُكُمْ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَاْ طَلَبْتُمْ بِاسْمِيْ. بِهَذَاْ أُوْصِيْكُمْ حَتَّىْ تُحِبُّوْا بَعْضُكُمْ بَعْضَاً". (يُوحَنَّا 15: 1- 16)
بمعنىً ما تدرَّبَ التلاميذُ على يدي يسُوع في كُلِّيَّةِ لاهُوتٍ إستَمَرَّت ثلاث سنوات. وما أسمَيتُهُ "الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة" يُمكِنُ تسمِيَتُهُ أيضاً "حفلَ التَّخَرُّج"، وهذا الجزء منَ الخُطاب يُمكِنُ تَسمِيَتُهُ "عِظتَهُ لتلاميذِهِ في حفلِ تخرُّجِهِم." فرِسالَتُهُ العاطِفيَّةُ هذه في حفلِ تخرُّجِهِم ما هِيَ إلا تَحَدٍّ لهُم، الذي يقَولُ أنَّهُم ينبَغي أن يَكُونُوا مُثمِرينَ لثمانِيَةِ أسبابٍ!
- عدد الزيارات: 3730