Skip to main content

الفَصلُ الخامِس "الإنضِباطُ الرُّوحِيُّ والقِيَمُ العامُوديَّة" - المَبدَأُ الرُّوحِيُّ عنِ الصَّلاة

الصفحة 3 من 9: المَبدَأُ الرُّوحِيُّ عنِ الصَّلاة

المَبدَأُ الرُّوحِيُّ عنِ الصَّلاة

يُطالِبُ يسُوعُ بهذه الذَّهنِيَّة ذاتِهِا عندما يُعَلِّمُ تلاميذَهُ كيفَ يُصَلُّون: "ومتى صَلِّيتَ فلا تَكُنْ كالمُرائِين. فإنَّهُم يُحِبُّونَ أن يُصَلُّوا قائِمينَ في المَجامِع وفي زوايا الشَّورِع لِكَي يظهَرُوا للنَّاس. الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُم قدِ إستَوفُوا أجرَهُم. وأمَّا أنتَ فمتَى صَلَّيتَ فادخُلْ إلى مُخدَعِكَ وأَغلِقْ بابَكَ وصَلِّ إلى أبيكَ الذي في الخَفاء. فأَبُوكَ الذي يرى في الخَفاء يُجازِيكَ علانِيَةً.

"وحِينما تُصَلُّونَ لا تُكَرِّرُوا الكلامَ باطِلاً كالأُمَم. فإنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ بِكَثرَةِ كلامِهِم يُستَجابُ لهُم. فلا تَتَشَبَّهُوا بِهِم. لأنَّ أباكُم يعلَمُ ما تحتاجُونَ إليهِ قبلَ أن تسألُوه.

"فَصَلُّوا أنتُم هكذا:

أبانا الذي في السَّماواتِ. ليَتَقَدَّس إسمُكَ. ليأتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ كما في السَّماءِ كذلكَ على الأرض. خُبزَنا كَفافَنا أعطِنا اليَوم. واغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نَغفِرُ نحنُ أيضاً للمُذنِبينَ إلينا. ولا تُدخِلنا في تَجرِبَة. لكن نَجِّنا منَ الشِّرِّير. لأنَّ لكَ المُلكَ والقُوَّةَ والمَجدَ إلى الأبد. آمين. فإنَّهُ إن غَفَرتُم للنَّاسِ زَلاتِهِم يغفِر لكُم أيضاً أبُوكُم السَّماوِيّ. وإن لم تَغفِرُوا للنَّاسِ زَلاتِهِم لا يَغفِرْ لكُم أبُوكُم أيضاً زَلاَّتِكُم." (متَّى 6: 5- 15)

الصَّلاةُ ليسَت وعظاً. فعندَما نُصَلِّي في إجتماعِ عبادَةٍ عامَّة، أو معَ الآخرين، علينا أن نتذَكَّرَ تعليمات يسُوع هذه، وأن نتيقَّنَ من كَونِنا نُخاطِبُ اللهَ وليسَ النَّاس. يُرينا يسُوعُ كيفَ نتأكَّدُ من كَونِنا نُكَلِّمُ اللهَ عندَما نُصَلِّي، عندما يُعطي بِوُضُوحٍ قيمَةً أكبَر لصلاةٍ المَخدَع مِمَّا يُعطيهِ للصَّلاةِ الجَماعِيَّة. فهُوَ يُعَلِّمُنا أن ندخُلَ إلى مخدَعِنا (أو إلى أيِّ مكانٍ آخر مُنفَرِد)، ونُغلِق بابَنا لأنَّهُ لا يُوجَدُ أحَدٌ هُناكَ ليُعجَبَ بنا، إلا الله.

بعدَ أن وضعَ يسُوعُ أساسَ الذَّهنيَّة التي ينبَغي أن يتحلَّى بها كُلُّ تلميذٍ من تلاميذِهِ عندما يَقتَرِبُ منَ اللهِ للصَّلاة، يُعَلِّمُهُم يسُوعُ الآنَ كيفَ يُصَلُّون. يُعطينا يسُوعُ هُنا صلاةً نَمُوذَجِيَّةً، التي ينبَغي تسمِيَتُها، "صلاة التَّلاميذ." غالِباً ما تُسَمَّى، "الصَّلاة الرَّبَّانِيَّة،" ولكن ما كانَ ينبَغي تسمِيَتُها كذلكَ، لأنَّ الرَّبَّ نفسَهُ لم يُصَلِّ أبداً هذه الصَّلاة بِنَفسِهِ. بل كان تعليمُهُ يَقُولُ، "فَصَلُّوا أنتُم هكذا."

رُغمَ أنَّ هذه صلاةٌ، والضَّمائِرُ بِصيغَةِ الجمعِ تُشيرُ إلى أنَّها تُصَلَّى معَ الجَمع، ولكنَّها صلاةٌ نمُوذَجِيَّةٌ بإمتِياز، أو نَمُوذَجٌ للصَّلاة مقصُودٌ منهُ بِوُضُوحٍ أن يُعَلِّمَنا كيفَ نُصَلِّي. يُقَدِّمُ لُوقا يسُوعَ وهُوَ يُعطي هذا التَّعليم عن هذه الصَّلاة، جواباً على طَلَبِ التَّلاميذ: "يا رَبّ، عَلِّمنا كيفَ نُصَلِّي." (لُوقا 11: 1- 4)

جَوهَرُ هذه الصَّلاة/النَّمُوذَج التي علَّمَها يسُوعُ، هي ثلاث تضَرُّعاتٍ تضَعُ اللهَ أوَّلاً، ومن ثَمَّ أربَعُ تضَرُّعاتٍ شَخصِيَّة. التَّضَرُّع الإلهي هُوَ طِلبَةُ صلاةٍ تضَعُ ما يَهُمُّ اللهَ في مرَكَزِ هذه الصَّلاة. فرِسالَةُ الكتابِ المُقدَّس يُمكِنُ تلخيصُها عادَةً بِكَلِمَتَين. هاتانِ الكَلِمتانِ هُما بِبساطَة، "اللهُ أوَّلاً." هذه التَّضَرُّعاتُ الثَّلاثة تتحدَّى التِّلميذَ بأن يُصَلِّي عمَّا يَهُمُّ اللهَ أوَّلاً، قبلَ أن يأتِيَ بمشاكِلِهِ الشَّخِصيَّة أمامَ الله. التَّضَرُّعاتُ الثَّلاثة التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً هي: "ليَتَقَدَّس إسمُكَ، ليأتِ ملَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ."

الطِّلبَةُ الشَّخصِيَّة هي طلَبُ صلاةٍ تضَعُ ما يحتاجُهُ تلميذ المسيح في وسطِ التَّضَرُّعِ أو الصَّلاة. الطِّلباتُ الأربَع هي: "خُبزَنا كفافَنا أعطِنا اليَوم، واغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نَغفِرُ نحنُ أيضاً للمُذنِبينَ إلينا، لا تُدخِلْنا في تَجرِبَة، ونَجِّنا منَ الشِّرير."

يُعَلِّمُ يسُوعُ تلاميذَهُ أن يدخُلُوا مُباشَرَةً إلى محضَرِ اللهِ ويُخاطِبُوا اللهَ بقَولِهِم لهُ: "أبانا!" كانَ هذا مَفهُوماً رادِيكالِيَّاً جَذرِيَّاً بالنِّسبَةِ للتَّلاميذ الذين سَمِعُوا يسُوعَ يُعطيهِم هذا التَّعليم. لقد كانُوا جميعاً يَهُوداً، وقد عُلِّمُوا طوالَ حياتِهِم أن ينظُرُوا إلى الله ويقتَرِبُوا منهُ كإلهٍ مَهُوبٍ، الذي لا يُمكِنُ الإقتِرابُ منهُ إلا من خلالِ الكاهِن. أمَّا يسُوعُ فيُقدِّمُ هُنا إلهاً شَخصِيَّاً يهتَمُّ بكُلِّ تفاصيلِ حياةِ التَّلاميذ اليَوميَّة. ولقد أظهَرَ داوُد أيضاً إلهاً شَخصيَّاً عندما أعلنَ قائِلاً: "الرَّبُّ راعِيَّ." (مزمُور 23).

بعدَ مُخاطَبة اللهِ كأبٍ، هُناكَ ثلاثُ طِلباتٍ تُعلِّمُنا أن نُصَلِّي على أساس "اللهِ أوَّلاً": إسمُكَ، ملكُوتُكَ، ومشيئَتُكَ. فإسمُ اللهِ هُوَ جَوهَرُ مَن وما هُوَ الله. فالتَّلميذُ يُصلِّي بالفِعل، "يا الله، أُريدُ أن أحيا بطريقَةٍ يعرِفُكَ من خلالِها الآخرُونَ ويُكرِمُونَ إسمَكَ."

ثُمَّ عليهِم أن يُصَلُّوا قائِلين، "ليأتِ ملَكُوتُكَ." هذا يعني بِبَساطَةٍ أنَّ اللهَ مَلِكٌ، وعندما يجعلُونَهُ مَلِكاً عليهِم، يُصبِحُونَ رَعِيَّةً ومُواطِنينَ في ملكُوتِهِ. فهُم يُصلُّونَ قائِلين، "أيُّها الآبُ، أنا لا أبنِي مملَكَةً لِنفسي. أُريدُ ملكُوتَكَ أن يَسُودَ على قَلبِي وأُريدُ أن أحيا حياتِي كواحِدٍ من أبناءِ رَعيَّتِكَ."

الطِّلبَةُ الإلهيَّةُ الثَّالِثَة هي بمثابَة تفسيرٍ للثَّانِيَة: "لِتَكُن مَشيئَتُكَ كما في السَّماءِ كذلكَ على الأرض." عندما كانَ يسُوعُ على وَشَكِ أن يُلقَى عليهِ القَبضُ ليُصلَبَ، كانَ عرَقُهُ يتصبَّبُ دَماً من جبهَتِهِ عندما كانَ يُصَلِّي، "أيُّها الآب، إن أمكَن فلتَعبُرْ عنِّي هذه الكأس؛ ولكن لتَكُن لا مَشيئَتي بل مَشيئَتُكَ." (متَّى 26: 39). هذه الصَّلاة هي التي ينبَغي أن نُسَمِّيَها "الصَّلاة الرَّبَّانِيَّة،" لأنَّ هذه هي الصَّلاة التي صَلاَّها يسُوع. فيسُوع لم يُعَلِّمْ فقط تلاميذَهُ أن يُصَلُّوا هذه الطِّلبَة الثَّالِثَة. بل قدَّمَ لهُم نَمُوذَجاً عنها عندما واجَهَ أعظَمَ أزَمَة.

يُخبِرُنا بُولُس أنَّ لنا كَنز المسيح المُقام حَيَّاً في آنِيَتِنا الخَزَفِيَّة (أجسادنا)، ليكُونَ واضِحاً لكُلِّ شخصٍ أنَّ مصدَرَ القُوَّة في حياتِنا يأتي من اللهِ وليسَ منَّا. يعتَقِدُ أحدُ المُفَسِّرينَ الذين أحتَرِمُهُم أنَّ هذه الطِّلبَة الإلهيَّة الثَّالِثَة ينبَغي أن تَقُولَ "في الأرض" بدلاً من أن تَقُولَ "على الأرض." وهُوَ يعتَقِدُ أنَّ يسُوعَ كانَ يُعَلِّمُ أنَّهُ علينا أن نطلُبَ من أبينا السَّماوِيّ أن يعمَلَ مشيئَتَهُ في آنِيَتِنا الخَزَفِيَّة، حتَّى كما تَكُونُ مشيئَتُهُ في السَّماء. منَ الواضِحِ أنَّهُ إذا تحقَّقَت مشيئَةُ الآبِ فينا، عندَها ستُعمَلُ على الأرضِ من خلالِنا.

هذه الطِّلباتُ الثَّلاث التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً، ينبَغي أن تبعَثَ بِرِسالَةٍ إلى كُلِّ تلميذٍ من تلاميذِ يسُوع، لكَي لا يأتُوا إلى مُخدَعِ الصَّلاةِ خاصَّتِهِم، أو إلى إجتِماعاتِ الصَّلاة الجَمَاعِيَّة، معَ "لائِحَةِ تَحَوُّجٍ" تتضمَّنُ طلباتِهم وحاجاتِهِم التي يُرسِلُونَ اللهَ ليشتَرِيَها لهُم. عِندَما يُصَلُّون، عليهم أن يأتُوا إلى مَحضَر ِاللهِ معَ ورقَةٍ بَيضاء، وأن يطلُبُوا منَ اللهِ أن يُرسِلَهُم ليأتُوا بحاجاتِهِ ويعمَلُوا مشيئَتَهُ. وفي صلاتِهِم المخدَعِيَّة والجماعِيَّة، عليهم أن يَكُونُوا كالجُنُودِ الذين يأتُونَ بتقارِيرِهم إلى قائِدِهِم وملِكِهِم.

عندما أمرَ يسُوعُ أن تسبُقَ هذه الطَّلبات الثَّلاث التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً، الطلباتِ الشَّخصِيَّة الأُخرى، كانَ يُعَلِّمُ بذلكَ أنَّ الصَّلاةَ ليسَت قَضِيَّةَ إقناعِ اللهِ بأن يعمَلَ مشيئَتَنا. فجوهَرُ الصَّلاةِ هُوَ إنسِجامٌ وإخضاع إراداتِنا لمشيئَةِ الله. الصَّلاةُ ليسَت قَضيَّةَ أن نجعَلَ اللهَ شَريكاً لنا فنُدخِلُه في مشارِيعنا. فكَما قدَّمَ يسُوعُ نمُوذجاً عن ذلكَ، جَوهَرُ الصَّلاةِ هُوَ أن يجعَلَنا اللهُ شُركاءَ لهُ وأن يُدخِلَنا في مشارِيعِهِ وخُطَطِهِ.

الطَّلباتُ الشَّخصِيَّة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14491