الفَصلُ الثَّاني "وصفَاتٌ للآباء"
في هذه الدِّراسة، لديَّ وصفَةٌ أُقدِّمُها للآباء. فالآباءُ هُم المِفتاحُ لبرَكَةِ اللهِ، في تأثيرِ نامُوسِ الزواج والعائِلَة على العالم. أكبَرُ مُشكِلَة في الزواجِ اليوم ليسَت الزَّوجات والأُمَّهَات اللواتي لن يعمَلَن بالوصفَةِ المُعطاةِ للزَّوجاتِ في حلقَتِنا الماضِيَة. بَلِ المُشكِلة الكُبرَى في زيجاتِ المُؤمنين اليوم هي الزوج أو الأب الذي لا يتحمَّلُ المسؤوليَّةَ المُلقاة على عاتِقِهِ من قِبَلِ الله، لِيَكُونَ قائِدَ عائِلَتِهِ.
نجدُ وصفَةَ اللهِ للآباء إبتداءً من العددِ الأخير من إنجيلِ متَّى الإصحاح الخامِس، الذي يأتي في وسطِ الموعِظَة على الجَبَل. أعتَقِدُ أنَّ الموعِظَة على الجَبَل أُعطِيَت للرِّجالِ، لأنَّ يسُوعَ على قِمَّةِ ذلكَ الجَبَل علَّمَ أُولَئِكَ الذين سَمِعُوا كلماتِهِ عن زَوجاتِهم. فهُوَ لم يتكلَّمْ معَ مُستَمِعِيهِ عن أزواجِهِنَّ. كانَ يسُوعُ يتكلَّمُ معَ الرِّجالِ عندما قالَ: "فكُونُوا كامِلينَ، كما أنَّ أباكُم الذي في السَّماوات هُوَ كامِل."
إنَّ كلمة "كامِل" نجِدُها مرَّتَينِ في ذلكَ العدد. يقُولُ البَعضُ، "ليسَ بإمكانِي أن أكُونَ كامِلاً." وآخَرُونَ يَقُولُونَ، "أنا كامِل، والأفضَل لكَ أن تكُونَ كامِلاً أيضاً." فالشخصُ الحَريصُ على الكَمال لا يُتعِبُ نفسَهُ فحَسب؛ بل وأيضاً يُدَمِّرُ أُولئكَ الذين يتوقَّعُ منهُم الكَمَال. ولكنَّ زخمَ العدد الحقيقيّ يُمكِنُ أن نراهُ إذا تَخَلَّينا عن كَلِمَة "كامِل" فيُصبِحُ العددُ كالتَّالِي: "فكُونُوا كما هُوَ أباكُم السماوِيُّ عليهِ."
أعطَى يسُوعُ هذا العدد العَظيم لِرِجالٍ يتبَعُونَ مُباشَرَةً تعليمَهُ الأخلاقي الأكثَر تحدِّيَاً. فلقد كانَ قد علَّمَ قبلَ ذلكَ بِقَليل أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ أعداءَنا. علَّمَ ما معناهُ: "إن أحبَبتُم الذين يُحِبُّونَكُم فقط، فأيُّ فضلٍ لكُم؟ فهذا النُّوعُ من الحُبِّ هُوَ بَشَريٌّ فحسب. ولا يتطلَّبُ الأمرُ جُهداً لكَي تُحِبَّ الذين يُحِبُّونَكَ."
"فإن كُنتم بالفِعل تُريدُونَ أن تُحِبُّوا بمحبَّةِ الله، وأن تكُونُوا مِلحَ الأرضِ ونُورَ العالَم، أحِبُّوا أعداءَكُم. وإن ضربُوكُم على خَدِّكُم، قُولوا "الرَّبُّ يُبارِكُكَ،" وأديرُوا الخَدَّ الآخر لتقَبَلُوا عليهِ الصفعَةَ الأُخرى." ولقد ختمَ يسُوعُ هذا التعليم عندَما قالَ لهُؤلاء الناس: "لِهذا، عليكُم أن تكُونُوا كما هُوَ أباكُم السماوِيّ. عليكُم أن تُحِبُّوا بالطريقَةِ التي يُحِبُّ بها اللهُ؛ عَلَيكُم أن تَكُونُوا مثلَ الله."
أنا أعتَقِدُ أنَّ الكَثيرَ من هؤُلاء الرِّجال كانُوا آباءَ وأجداد. فبعدَ بِضعَةِ أعدادٍ في المَوعِظَة على الجَبَل، عندما علَّمَهُم يسُوعُ أن يُصَلُّوا صَلاةَ التَّلاميذ، علَّمَهُم أن يُخاطِبُوا اللهَ بالطريقةِ التَّالِيَة، "أبانا."
كَرَاعي كَنيسة، كانَ الناسُ يأتُونَ إليَّ ويَقُولُونَ، "يا قَسِّيس، لدَيَّ مُشكِلَة في الصلاة. فعندَما أُصَلِّي، "أبانا،" أفقُدُ سَلامي وأجدُ صُعُوبَةً بمُتابَعَةِ الصلاة." وغالِباً ما كُنتُ أطرَحُ على هكذا أشخاص السؤالَ التالي، "حسناً، كيفَ كانَ أباكُم الأرضِي؟" وكُنتُ أسمَعُ بعضَ قِصَصِ اليأسِ جواباً على سُؤالِي. وبعدَ إخبارِي عن أباهم الأرضيّ، لم يتعجَّبْ أيٌّ منَّا لماذا كانَ هكذا أشخاص يفقُدُونَ سلامَهُم عندما يُخاطِبُونَ اللهَ بكلمة "أب."
لاحِظُوا الكَلِماتِ التَّالِيَة، "أَبَانا الذي في السَّمَاوات." لهذا، عليكُم أيُّها الآباءُ أن تَكُونُوا مثلَ أبيكُم السماوِيّ، وليسَ كما كانَ أباكُم الأرضيّ. تَصِفُ إحدَى الترانيم المُعاصِرة أباً يسجُدُ إلى جانِبِ إبنهِ النائِم وهُوَ يُرنِّمُ قائِلاً، "أيُّها الآبُ، أُريدُ أن أكُونَ مثلكَ لأنَّ إبني يُريدُ أن يكُونَ مِثلِي."
فوقَ كُلِّ آلافِ الأعدادِ الكِتابِيَّةِ المُوجَّهَةِ للآباءِ والأُمَّهاتِ، يُوجدُ مقطَعٌ مُوجَّهٌ للآباءِ، الذي يَعتَبِرُهُ كُلٌّ من المُفَسِّرينَ اليَهُودِ والمَسيحيِّينَ المقطَعَ الأكثَر أهمِّيَّةً من نوعِهِ في الكتابِ المُقدَّس. إنَّهُ مقطَعٌ يعتبِرُهُ الرَّابِيُّونَ اليهُود أكثَرَ مواعظ مُوسى أهمِّيَّةً. ولقد شكَّلَ هذا المقطَعُ في الماضِي ولا يزالُ، أهمَّ مقطَعٍ إستخدَمَهُ اليهُودُ للعِبادَةِ عبرَ آلافِ السنين:
"إسمَعْ يا إسرائِيل. الرَّبُّ إلهُنا رَبٌّ واحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إلهَكَ من كُلِّ قَلبِكَ ومن كُلِّ نفسِكَ ومن كُلِّ قُوَّتِكَ. ولِتَكُنْ هذه الكلماتُ التي أنا أُوصِيكَ بها اليوم على قَلبِكَ. وقُصَّها على أولادِكَ وتكلَّمْ بها حينَ تَجلِسُ في بيتِكَ وحِينَ تمشِي في الطَّريق وحِينَ تنامُ وحينَ تَقُومُ. واربُطْها علامَةً على يَدِكَ ولِتَكُنْ عصائِبَ بينَ عينيكَ. واكتُبْها على قوائمِ أبوابِ بَيتِكَ وعلى أبوابِكَ" (تثنية 6: 4- 8).
تُسمَّى هذه العِظة "الشِّمَاعْ"، لأنَّها تَبدَأُ بكَلِمَة "إسمَعْ" والتي تُلفَظُ بالعِبريَّةِ "شِمَاعْ." فلماذا كانت هكذا عظة قَصيرة مُوجَّةً للآباءِ، لماذا كانت تُعتَبَرُ في قَلبِ ليتُوريجيا العبادة عندَ الشعبِ اليَهُودِيّ لما يُقارِبُ الأربَعة آلاف سنة؟
للجوابِ على هذا السؤال "لماذا؟" نحتاجُ أن نطرحَ سُؤالاً آخَر "لماذا؟" وذلكَ السُّؤالُ هُوَ، "لماذا ألقَى مُوسى هذه العِظة؟" لقد ألقَى مُوسى هذه العظة لأنَّ بني إسرائيل تاهُوا في البَرِّيَّةِ لمُدَّةِ أربَعين سنَةً، الأمرُ الذي كانَ ينبَغي أن يُنجِزوهُ في غُضُونِ أحدَ عشرَ يوماً. فلقد أمَرَهُم اللهُ بواسِطَةِ مُوسى أن يجتازُوا البَرِّيَّةَ ويتَغَلَّبُوا على أُمَمِ المُحارِبينَ الوَثَنِيِّين المُحَصَّنِينَ في مُدُنِ كنعان. ولكنَّ الشعبَ أعوَزَهُ الإيمانُ ليدخُلُوا أرضَ كنعان. وهكذا تاهَ بنُو إسرائيل في البَرِّيَّةِ لمُدَّةِ أربَعِينَ سنَةً، وهُم يدُورُونَ في تِلكَ البَرِّيَّةِ في حلقاتٍ مُفرَغة من عدم الإيمان.
لقد ألقَى مُوسى هذه العِظَة لأنَّهُ قرَّرَ أنَّ ذلكَ الرُّعب الذي إختَبَرَهُ الشعبُ مُؤخَّراً لا ينبَغي أن يتكرَّرَ. وكانَ الرُّعبُ الذي إختَبَرَهُ الشعبُ خلالَ تَيَهانِهم في البَرِّيَّة، هُوَ أنَّ جيلاً بكامِلِهِ ماتَ في تلكَ البَرِّيّة.
تُلقِي مَوعِظَةُ مُوسى على الآباءِ مسؤوليَّةَ إخبارِ أولادهم بالقَناعاتِ والقِيَم التي ينبَغي أن يكُونُوا قد تعلَّمُوها من كَلِمَةِ الله. هذه الخُطَّة مَبنِيَّةٌ على أربَعَةِ أُسُسٍ راسِخَة، والتي أسمَيتُها: مسؤوليَّة، علاقة، حَقيقَة، وإعلان.
النُّقطَةُ الأساسِيَّةُ التي أرادَ مُوسى التشديدَ عليها للآباء في هذه العظة هي أنَّ اللهَ أعطاهُم مسؤولِيَّةَ تربِيَةَ أولادِهم رُوحِيَّاً. ولقد وافَقَ إشَعيَاءُ أيضاً على أنَّ اللهَ يُريدُ أن يُعلِّمَ الآباءُ أولادَهُم كلمةَ الله (إشعياءُ 38: 19). فإن كانَ كُلُّ ما يتعلَّمُهُ الأولادُ عن اللهِ من خِلالِ إمرأة، فهل من العجَبِ أن يعتَقِدَ الكَثيرُ من البالِغينَ اليوم أنَّ الكنيسةَ والأُمُورَ الرُّوحِيَّةَ هي من شأنِ النِّساءِ والأطفال؟ فلدى اللهِ أسبابُهُ الهامَّة للتشديدِ على ضرورَةِ أن يُعلِّمَ الآباءُ أولادَهُم عنِ اللهِ وعن كلمةِ الله.
ليسَت هُناكَ طريقَةٌ يستطيعُ بها الآباءُ تعليمَ أولادِهم بالطريقَةِ التي بها أرادَهُم مُوسى أن يُعَلِّمُوا، بدُونِ أن يكُونَ لديهم علاقة معَ أولادِهم. فهذا التعليمُ لا ينبَغي أن يكُونَ بِشكلِ مُحاضَرَةٍ رَسميَّة، بل ذلكَ التعليمُ الذي يجري في إطارِ علاقَةٍ شَخصِيَّة. غالِباً في العهدِ القديم، أُعطِيَتِ التَّعلِيماتُ للآباء بأن يُعَلِّمُوا أولادَهم جواباً على السُّؤالِ الذي يطرَحُهُ أولادُهُم (يَشُوع 4: 6). فاللهُ وضعَ حشريَّةً في قُلوبِ الأولاد. والآباءُ عليهم أن يستخدِمُوا هذه الحِشريَّة بتعليمِهم جواباً على أسئِلةِ أولادِهم.
يتحدَّى مُوسى الآباء بأنَّهُ ينبَغي أن تَثبُتَ كَلِماتُ اللهِ تلكَ في قُلوبِهم أوَّلاً، وأن تكُونَ حقيقَةً واقِعَةً في حياتِهم، قبلَ أن يُعلِّمُوها لأولادِهم، لأنَّ النَّمُوذَجَ أوِ المِثال هُوَ الرِّسالة. فإذا أردتَ أن تعرِفَ أنَّكَ تُعَلِّمُ أولادَكَ، عليكَ أن تَقِفَ أمامَ المِرآة. أكثَرُ القِيَم التي ننقُلُها لأولادِنا، نتعلَّمُها من خِلالِ الأُمُور التي نعمَلُها أكثر من الأُمُور التي نَقُولُها.
أخيراً، كُلُّ الحقيقَةِ التي يُعَلِّمُونَها لأولادِهم ينبَغي أن تَكُونَ مَبنِيَّةً بمَتانَةٍ على أساسِ إعلانِ اللهِ الذي أعطاهُ اللهُ لمُوسى، والمعروفُ بنامُوسِ مُوسى، نامُوسِ الله، وكلمةِ الله. تطبيقاً لهذه المَوعِظَة العَظيمة لمُوسى، كانَ الآباءُ يُعَلِّمُونَ أولادَهُم كلمةَ اللهِ على مدى أكثَرِ من خمسة آلاف سنة. أعظَمُ تُراثٍ بإمكانِكُم أن تترُكُوهُ لأولادِكُم، هُوَ معرِفَة شَخصِيَّة للهِ ولكلمتِهِ. فبإمكانِكُم أن ترَوا لماذا يَقُولُ يسُوعُ للآباء، "كُونُوا كما هُوَ الآبُ السماوِيُّ."
- عدد الزيارات: 2960