Skip to main content

الفصلُ الخامِس رابِطُ الإنسِجام

الإنسجامُ أو التلاؤُم هو برهانُ الوحدَة التي خطَّطَ لها اللهُ للزوجِ والزوجة. إن مفهُومَ الإنسجام يجعلُ الكثيرينَ منَّا يُفكِّرُونَ بذلكَ الشعور الذي يُراوِدُنا عندما نكونُ بجانِبِ شخصٍ نشعُرُ بالجاذِبيَّة تِجاهَه. ينبغي أن نقول أن الإنسجامَ الجسدي مُهمٌّ. ولكن الإنسجام لا يعني فقط الكيمياء، بل يعني أيضاً قضايا مثل القِيَم. فهل قِيَمُكُما مُنسَجِمَة؟ هُنا تجدُ الكثيرُ من الزيجاتِ مشاكِلَها. أحياناً يتزوَّجُ الشُّبَّانُ والشابَّاتُ، دونَ أن يتكلَّموا عما إذا كانوا مُنسَجِمين روحيَّاً. ولكن بعدَ الزواج، يكتَشِفُونَ أنَّهُم غيرُ مُنسَجِمينِ في قيمَهم الروحيَّة.

مثلاً، تزوَّجَت فتاةٌ وأصبحَت حامِلاً، فطلبَ منها زوجُها الشاب أن تتخلَّصَ من الجنين بالإجهاض. فقالَت، "لن أفعَلَ ذلكَ لأنَّهُ يتعارَضُ معَ إيمانِي." فأجابَ زوجُها، "ولكن ما علاقَةُ هذا بالإيمان؟ فنحنُ لا نستطيعُ تحمُّلَ مصارِيف الطفل. تخلَّصِي من الطفل." فما كانَ منهُما إلا أن تطلَّقا. مِنطَقَةٌ أُخرى من إتِّضاحِ القِيَم، والتي تقودُ غالِباً إلى الطلاق اليوم، هي تعريفُ دَور الزوج والزوجة. من الضروري أن يُوافِقَ الشاب والشابَّة على الأدوار والمَسؤُوليَّات التي يُخطِّطُ كُلٌّ منهُما لتحمُّلِها، ويتوقَّع من الآخر الأمرَ نفسَهُ، قبلَ أن يتَّخِذا قرارَ الزواج.

ينبَغِي أن تكونَ مُنسَجِماً أو مُتلائِماً في قِيَمِكَ مع شريكةِ حياتِك. فإن كُنتُما مُنسَجِمَين، وإن كُنتُما واحِداً في المسيح وكانت قِيَمُكُما مُؤسَّسَةً على الكَلِمَة، فكِّرا بالإنسجامِ الروحي الذي سينتُجُ عن هذه الوحدَة. وسيكونُ إنسِجامُكُما الرُّوحي الأساس الذي على أساسِهِ سوفَ تُحدِّدانِ الأدوارُ والمسؤوليَّات التي تترتَّبُ على كُلٍّ منكُما في هذه العلاقة. إنَّ إنسِجامَكُما الرُّوحي سوفَ يُعرِّفُ القضايا الرُّوحيَّة والأدبيَّة، وكيفيَّة إستخدامِكُما لأوقاتِكُما ومالكُما، وما يُريدُ كُلٌّ منكُما للأولاد، وكُلَّ ناحية أُخرى في حياتِكُما معاً.

إنَّ تاريخَ كلِمَة انسجام أو تلاؤُم يرجِعُ إلى ذلكَ الوقت عندما شعرَ الناسُ كذلكَ حِيالَ الحياة. وتأتي عِبارَة إنسجام من كلِمَتين معناهُما، "مع" و "تألُّم." ففي الماضِي اعتُبِرَ الشريكانِ المُنسجِمان مُتلائمين للزواج، لأنّهما قرَّرا أن يتألَّما معاً. قد تبدُو هذه نظرة سلبيَّة للحياة، ولكن هذه كانت الحقيقة. لقد كانتِ الحياةُ صعبَةً جِدَّاً في الماضِي. هل سبقَ لكَ وزُرتَ مدفناً وتأمَّلت كم من الأطفالِ دُفِنُوا هُناك؟ في الماضِي كانت عائلاتٌ الناسُ عادةً كبيرة، وكانُوا يُنجِبُونَ الكثيرَ من الأولاد، بسببُ أنَّ هذه العائلات كانت تخسَرُ نصفَ أولادِها الذين يموتون بالأمراض.

لهذا قُلنا أنَّ الأهم بينِ كُلِّ علاقات الاتِّصال هذه، هي علاقة الإنسجام بينَ الزوج والزوجة. لأنَّك عندما تخسَرُ ولداً، فأنتُما تخسَرانِه معاً، وتختَبِرانِ هذا معاً، وتتألَّمُ معَ زوجتك. ولكن عندما تخسَرُ زوجتك، سوفَ تتألَّمُ لِوَحدِك. لقد سمِعتُ الكثير من الشُّركاء الزَّوجِيِّين يُقرُّونَ هذه الحقيقة، أنَّهم عندما يكُونُونَ في علاقَةٍ جَيِّدَةٍ معَ الربِّ ومعَ بعضِهم، يستطيعونَ تحمُّلَ كُلِّ الصُّعُوبات. إنَّ هذا لتَلخيصٌ مُوجز لمعنى كلمة "إنسجام."

لقد أصبَح المعنى المألوف اليوم لكلمة انسجام، شخصانِ مُناسِبانِ لبعضِهِما ومُتلائمان. لديهما ميزات مُتشابِهة في شخصيَّتِهما وفي قِيَمِهما، وفي أهدافِهِما. ولكن بعدَ أن يتزوَّجَ الناس يكتَشِفُونَ أنَّ كلَّ كائنٍ بشري لديهِ إيجابِياتُه وسلبياتُهُ. عادَةً في بِدايةِ الزواج أنت لا ترى السلبيات، ولكن بعدَ فترةٍ من الزواج، تبدأُ بإدراكِ أنَّكَ تتعاملُ معَ مجموعةٍ من الإيجابيَّات والسلبِيَّات. وللأسَف عندَما تظهَرُ هذه الحقيقة، يُقرِّرُ الكثير من الأزواج، "أنا أعتقِدُ أننا لم نعُد مُتلائمين. لهذا فسوفَ أُجرِّبُ حَظِّي معَ مجمُوعَةٍ أُخرى من الإيجابياتِ والسلبيات معَ شريكٍ آخر."

لقد أصبَحَ الطلاقُ والإنفِصال مألوفَين في هذه الأيَّام، لأنَّ المُجتَمَعَ المُعاصِر يقولُ أنَّ عدمَ الانسجام هو سببٌ لإنهاءِ الزواج. في الواقِع، تستطيعُ أن تجِدَ في الحضارات المُختَلِفَة، شتَّى أنواع الأسباب القانُونيَّة للطَّلاق. أمَّا الكتابُ المقدَّس فيُعطيكَ سبباً واحِداً للطلاق، وهو ليسَ عدم الانسجام، بل عدم الأمانة، أو الخِيانة الزوجيَّة. كما قُلنا، إنَّ الزواجَ مبنِيٌّ على الحصريَّة، واللهُ لا يطلُبُ منكَ أن تعيشَ معَ شريكِ حياةٍ لا يُطبِّقُ الحصريَّة ولا يستقصي الآخرين من حياتِه.


القُبُول

إنَّ فهْمَنا للإنسِجام أو التلاؤُم ينبَغي أن يشمَلَ مفهوم القُبُول. هُناكَ أمُورٌ كثيرة في الزواج عليكَ بمُجرَّدِ قُبُولِها في الشريكِ الآخر. فالشريكُ الآخرُ لن يتغيَّر. ولكنَّ الكثير من الناسِ سُذَّجٌ لدرجةِ أنَّهُم يظُنُّونَ أنَّهُم بعدَ الزواج، سيستطِيعونَ تغييرَ الخصائص الشخصيَّة التي لا يُحِبُّونَها في شُرَكاءِ حياتِهم. النساءُ بشكلٍ خاص هنَّ اللواتي يقعنَ في هذا الشرَك. إنَّهُن ساذِجاتٌ لدَرَجة أنَّهُنَّ يقُلنَ كلٌّ عن الشاب الذي ستتزوج منهُ، "بعدَ أن أتزوَّجَهُ، سأغيِّره وأجعل منهُ الشاب الذي أُريد." إنَّ الرجُل بعدَ أن يتزوَّج، سوفَ يبقَى تماماً كما هو قبلَ الزواج ولن يتغيَّر.

الكتابُ المقدَّس يهزأُ من الناس الذين يقولونَ أنَّهم سيتغيَّرُون. اسمعْ ما يقولُهُ النبيُّ إرميا ، "هل يُغيِّرُ الكُوشِيُّ جِلدَهُ أوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ. فأنتُم أيضاً تقدِرُونَ أن تصنَعُوا خيراً أيُّها المُتعلِّمُونَ الشرَّ" (إرميا 13: 23). الكِتابَ المُقدَّس واقِعيٌّ لدَرَجَة أنَّهُ لا يأمرُنا أن نتغيَّر.

ولكن الكتابَ المقدَّس يُخبِرُنا بأنَّهُ علينا أن نُطبِّقَ بعضَ الشُّروط، وعندها يُغيِّرُنا الله. فإن كُنتَ راغِباً بالتغييرِ بِشدَّة، أو إن كُنتَ مُقتَنِعاً أن شريكَةَ حياتِكَ ينبَغي أن تتغيَّر، الأملُ الوحيدُ لهذا التغيير هو إذا إختَبَرتَ أنتَ وشريكَةُ حياتِك الولادَة الجديدة. فمن خِلالِ الولادةِ الجديدة يُغيِّرُنا الله ويعمَل منَّا خلائِقَ جديدة بالمسيح (2كورنثُوس 5: 17).

فبإستثناءِ الوِلادَةِ الجديدة، الناسُ لا يتغيَّرُون. ومن غيرِ النُّضجِ أن تظُنَّ أنَّكَ تستَطيعُ أن تُغيِّرَ شريكةَ حياتِكَ، ومن غيرِ النُّضجِ أكثَر أن تظُنَّ أنَّكَ إذا أبدَلتَ شريكَةَ حياتِكَ أو شريكَ حياتِكِ بآخر، فسوفَ تحُلُّ المُشكلة. سوفَ تكتَشِفُ سريعاً أنَّكَ وحَّدتَ نفسَكَ مع مجمُوعَةٍ أُخرى من السلبيَّاتِ والإيجابِيَّات. من النُّضجِ أن تطلُبَ من الله أن يُعطيَكَ نِعمَةً أن تقبَلَ السلبِيَّات والإيجابِيَّات التي يتحلَّى بها شريكُكَ الآخر طيلَةَ حياتِك.

عندما تتأمَّلُ في انسجامِكما كزوجين، لا تُركِّز على السلبِيَّات أو مناطِقِ عدمِ الانسجام. إنَّ هكذا نوع من السلبيَّة كفيلٌ بأن يُدمِّرَ زواجَكُما. ولكن إذا ركَّزتَ على إيجابِيَّات الانسجام، فهذا سيُساعِدُ كثيراً. أصبحَ شابٌّ مُؤمِناً بالمَسِيح عندما كانَ في التاسِعَة عشرة من عُمرِه. وعندما أخبَرَ راعي كنيستِهِ الحكيم والذي قادَهُ للمسيح، أنَّهُ سوفَ يُواجِهُ صُعُوبَةً في الحفاظِ على نقاوتِهِ الأخلاقيَّة، أعطاهُ الراعي نصيحةً جيِّدَة. قال، "اللهُ لديهِ امرأة خاصَّة لكَ. هذا هو الحلُّ لكُلِّ هذه المشاعِر التي تنتابُكَ."

فأجابَ الشابُّ المُؤمِن، "ولكن كيفَ أعرِفُ متَى ألتَقِي بتلكَ المرأة." فقال الراعي، "دعنِي أُخبِرُك. خُذ ورقةً بيضاء واكتُبْ عليها لائحةً بكُلِّ  الصفات التي تُريدُ أن تجِدَها في المرأة. إكتُب هذه الصفات سواءٌ أكانت روحيَّةً أم فكريَّةً أم جمالِيَّة…والآن، أُكتُبْ لائحةً أُخرَى عن الصفات التي تظنُّ أن المرأةَ تبحثُ عنها في الرجُل الذي تُريد. ثُمَّ انظُرْ إلى هذه اللائحة بتمعُّن، واسألْ نفسَكَ، "هل أنا هذا الرجُل؟" وإن لم تكُنْ هذا الرجُل، تعلَمُ ما تحتاجُ أن تعملَهُ بينما تنتظِرُ أن تكونَ على مُستَوَى المثال الذي وضعتَهُ لنَفسِك."

إذا وضعتَ هكذا لوائِح، سوفَ تعرِفُ شريكَةَ حياتِكَ حالَما تلتَقي بها، لأنَّكَ تعرِفُ عمَّا تُفتِّش. بالنسبَةِ لي، هذا ما حدَثَ معي. وهكذا كتبتُ هاتَينِ اللائِحَتَين، ورسَّختُهُما في ذاكِرَتِي. عندما التَقَيتُ بِزوجَتِي، كانَ بإمكانِي أن أطلُبَ يدَها في نفس الساعة التي التقَيتُها بها. ولكنَّنِي انتظرتُ حتَّى المَوعِدَ الثانِي الذي خرجنا فيهِ معاً، لأنَّنِي لم أكُن أُريدُها أن تظُنَّ أنَّني مُتسرِّعٌ. بالرُّغمِ من أنَّكَ لم تكُنْ تحمِل حرفيَّاً هاتَين اللائِحَتين في يدِكَ عندما إلتَقيتَ بِشريكَةِ حياتِكَ، أو بِشريكِ حياتِكِ، لا بُدَّ أنَّكَ تصرَّفتَ بهذا المبدأ.

فعندَما تتزوَّج، اسأل نفسَكَ، ما هي الميزات التي جذَبَتكَ في زوجَتِك في البِداية، وجعلتَكَ تختارُها، أو جعلتكِ تختارينَهُ، شريكَ حياة؟ لأنَّهُ أحياناً قد يمضِي على زواجِ البعض وقتٌ طويلٌ جداً لدَرجَة أنَّهم ينسونَ ما جذبَ واحِدُهُما للآخَر. وماذا كانت لائحةُ الميزات التي كُنتَ تُفتِّشُ عنها؟ وكم من هذه الميزات لا يزالُ الشريكُ الآخرُ يتمتّعُ بها؟ ثُمَّ إسألْ نفسَكَ، ما هي الميزاتُ في حياتِكَ التي جذبَت شريكَ حياتِكَ إليك؟ وكم من تلكَ الميزات لا تزالُ لديكَ حتَّى اليوم؟ ثُمَّ اكتُبْ لائِحَةً بكُل الصِّفات التي تُعجِبُكَ وتُحبُّها وتحتَرِمُها في شريكةِ حياتِك. ثُمَّ اكتُبْ لائحةً بالصفات التي تُعجِبُ شريكَة حياتِكَ وتحتَرِمُها فيك.

لدى مُؤلِّفُ هذا الكُتيِّب، الدكتُور دِكْ وُودوُورد، قطعةٌ صخريَّة تُستَخدَمُ كَثقَّالٍ على أوراقِ المكتَب، وكانت إبنتُهُ قد أعطَتهُ إيَّاها، وقد كُتِبَ على وجهِها الأوّل، "إن لم تعُدْ قريباً من الله كما كُنتَ سابِقاً،" وعلى الوجهِ الثاني تجدُ السؤال التالي، "فمن هو الذي ابتعَدَ عن الآخر؟"

والآن طبِّقْ هذا السؤال على نفسِكَ وعلى زوجتِكَ. فإن لم تعُدْ قريباً من زوجَتِكَ كما كُنتَ سابِقاً، فمن منكُما هو الذي ابتَعَدَ عنِ الآخر؟ هل أنتَ من ابتعَدتَ؟ أم زوجَتُكَ هي التي إبتَعدَت؟ لا تنسى أبداً الميزات التي جمَعتكُما في البِدايَة.


مناطِقُ الإنسجِام

لمُساعدَتِكَ على وضعِ لوائِحِ الإنسجام، لِنَنظُرْ معاً إلى المناطِق الهامَّة في الإنسجام.

أوَّلاً هُناكَ الانسجام الجَسَدِي. ففي الزواجِ الناجِح، إن كانت العلاقةُ الجسديَّةُ في الزواج، أي الجِنس، سليمةً كما ينبَغِي أن تكون، فهي تُشكِّلُ عندَها 10 % من العلاقة. ولكن إن لم تكُنِ العلاقةُ الجسديَّةُ سليمةً كما ينبَغِي أن تَكُون، قد تصلُ أهميَّتهُا إلى 90 %. كثيرٌ من الزيجات تُفسَخُ اليوم بسبب عدم الانسجام الجَسَدِي. كم من عدم الانسجام الجَسَدِيّ سوفَ يُصحَّحُ، إن كانَ مَوجُوداً أصلاً، إذا تغيَّرتَ أنتَ من التركيزِ على نفسِكَ إلى التركيزِ على شريكةِ حياتِك؟ وإذا وضعتَ الشريكَ الآخر في وسطِ دائرةِ اهتماماتِكَ؟

إنَّ الانسجامَ لهُ علاقةٌ بالقِيَم. والقيمةُ هي "تلكَ النوعيَّة لأيِّ أمرٍ مُعيَّن التي من خِلالِها نُقرِّرُ ما إذا كانَ هذا الأمرُ أقلّ أو أكثرَ أهمِّيَّةً أومنفعةً، ومَرغُوباً به." وجميعُنا لدينا قِيَمٌ، سواءٌ إستَطَعنا تحديدَها أم لا. وبعدَ أن يرتَبِطَ إثنانِ في الزواج، فهناكَ يُمكِنُ أن يظهرَ عدمُ الانسجام. فالقِيَمُ لها علاقةٌ مثلاً بكيفَ نقضِي وقتَنا. هل سبقَ لكَ وتشاجرتَ معَ شريكةِ حياتِكَ حولَ هذا الموضوع؟

أمرٌ آخر تُحدِّدُهُ قِيَمُنا هو كيفَ نصرِفُ مالَنا؟ في حضارَاتٍ عديدة، يُشكِّلُ المال الطريقة التي بها نصرِفُ الوقت. فمالُنا ومُمتَلَكاتُنا تعكِسُ كيفيَّةَ صرفِنا لوقتِنا. فعندما نصرِفُ مالَنا، نصرِفُ أيضاً وقتَنا وحياتَنا. هل سبقَ وواجهتُما مشاكِل حولَ المال؟ فعندما يتصادَمُ الأزواجُ أحياناً حولَ كَيفيَّةِ إنفاقِ المال، يظهَرُ نموذَجٌ دقيقٌ لِقياسِ إنسجامِهما.

إن كيفيَّةَ تربِية الأولاد هي منطَقَةٌ أخرى من المناطِق التي تُعبِّرُ عن القِيَم. فينبَغي عليكُما أن تُجيبا معاً على السؤال، "ماذا نُريدُ لأطفالِنا؟ أيَّ نَوع من الثقافَةِ والتعليم نُريدُ لأولادِنا؟ وكيفَ نُؤدِّبُ أولادَنا؟" عندما يأتي كُلٌّ من الزوجَين من خلفيَّةٍ مُختَلِفةٍ جداً عن الآخر، فعلى الأرجح سوفَ يكونُ بينَهُما صِراعٌ في إجابتِهما على هذه الأسئِلة معاً.

منطَقَةُ الإنسجام الأخيرة التي تُعتَبَرُ هامَّةً اليوم هي ما يُسمَّى تعريف الدور. فكيفَ تنظُرُ إلى دورِ الزوجِ والأب؟ وكيفَ تنظُرُ إلى دورِ الزوجةِ والأُمّ؟ بينما تقوم بتعريفِ هذه الأدوار، أودُّ أن أسألكَ سُؤالَين: هل تستَقي تعريفاتِكَ من الحضارة أم من كَلِمةِ الله؟ وإن كُنتَ تستَقيها من الحضارَة، فكيفَ تجري الأُمور في زواجِكَ وعائِلتِك؟

فإن كُنتَ تُؤمِنُ بأنَّ اللهَ خلقَ  الزواج ووضعَ خُطَّةً لهُ، فينبَغي أن تكونَ طريقَةُ تعريفِكَ للأدوار في علاقتِكَ الزوجيَّة مُؤسَّسَةٌ على كلمةِ الله. تذكَّر أنَّ الأساس الذي بدأنا عليه هذه الدراسات عن الزواج والعائِلة، هُوَ أن الزواج والعائِلة هُما قانُونُ الحياة الذي وضعَهُ اللهُ عندما خلقَ الإنسانَ ذكراً وأُنثَى. لقد أعطى في كَلِمتِهِ خُطَّةً لِكيفيَّةِ عملِ الأزواج والعائِلات. فإن كُنتُما تُؤمِنانِ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو كلمةُ الله المُوحَى بها، عليكُما أن تقترِبَا من كلمةِ الله مُفتِّشينِ عن خطَّةِ اللهِ لتعريفِ الأدوار. فإذا إتَّفقَ الزوجُ والزوجَةُ على إستِقاءِ تعريفاتِهما للأدوار من خُطَّةِ الله، سيمنحُهما هذا فُرصَةً عظيمةً للإنسجامِ والتلاؤُم.


الأدوارُ الكِتابِيَّة

إن قضيَّة تعريف دور الرجُل والمرأة في الزواجِ اليوم، تُثيرُ قضِيَّةً أُخرى نُسمِّيها "حُجَّةِ الحضارة." فيقولُ الناسُ أنَّ مقطَعاً كِتابِيَّاً لا يُمكِنُ تطبيقُهُ بالضرورة اليوم، بسبب الإختِلافات الحضاريَّة التي سادَت في زمنِ كتابةِ الوحي. وهذه الإختِلافات الحضاريَّة تُبطِلُ قيمَةَ الحقيقة التي تُعلِّمُها كلمةُ الله."

صحيحٌ أنَّ هناكَ الكثير من المقاطِع الكِتابيَّة التي تحتاجُ إلى تفسيرٍ على ضوءِ الحضارة، مثلاً في كورنثوس الأولى 11، حيثُ يقولُ بُولُس أنَّهُ في كُورنثُوس، إن كانت امرأةٌ تُظهِرُ بقصِّها شعرِها أنَّها كانت مُومِساً، فإذاً على المرأة المسيحيَّة أن لا تقُصَّ شعرَها بل أن تُرخِيَهُ. وعندما لا تُوجَد هكذا عادة، فهذا يعنِي أنَّ المرأة مُمكِن أن تقُصَّ شعرَها.

ولكن هُناكَ الكَثير من المقاطع الكِتابِيَّة الأُخرَى تُسمَّى "ما فوق الحضاريَّة،" مما يعنِي أنَّها لا ينبَغي أن تُفسَّرَ على ضَوءِ الحضارة التي كُتِبَت فيها، علينا أن نُفسِّرَ حضارَتنا على ضوءِ كلمةِ الله، وليسَ أن ندعَ الحضارَةَ تُفسِّرُ كلمةَ الله. لقد أُعطِيَت كلمةُ الله لكَي تُؤسِّسَ حضارَة تقوى وعبادة الله. أحدُ هذه المقاطِع هو في تكوين الإصحاح الأول، حيثُ خلقَ اللهُ المرأةَ كمُعينٍ أو مُكمِّلٍ للرجُل. إنَّ الرجُل لم يكُن كامِلاً بِدُونِ المرأة. والمرأة لم تكُن كامِلة بدونِ رجُلٍ تُكمِّلُه. فصارَ الرجُلُ والمرأةُ واحِداً، وسُمِّيا آدم وليسَ آدميون.

فبِدونِ زوجَتِكَ أنتَ لستَ سِوَى جزء مما ستكُونهُ. فأنتَ إذاً غيرُ كامِلٍ. وبدونِ زوجٍ تُكمِّلِينَهُ، أنتَ غيرُ كامِلَة. فاللهُ يجمعُ الإثنين إلى واحد، فَيُشكِّلانِ معاً شخصيَّةً واحِدَةً مُتكامِلة، ومعاً يستطيعان إتمامَ الكثير من الأشياء. فالآن هذا هو تعريفٌ كِتابِيٌّ فَوق حضاري (أي غير مُتأثِّر بالخلفيَّةِ الحضارية) لدورِ الزوج والزوجة.


نمُوذج بطرُس للزواج

هُناكَ مقطَعٌ آخر "فوق حَضَاري" هو 1بُطُرس 3. في الإصحاح الذي يسبِقُهُ، أشارَ بطرُس إلى أنَّنا، قبلَ أن نكونَ مَسِيحيِّين، كُنَّا كغنمٍ ضَالَّة. ثُمَّ يقول "لكنَّكُم رجعتُم الآن إلى راعِي نُفُوسِكُم وأُسقُفِها." (2: 25)

ثم يبدأُ بإعطاءِ النصائح للنساءِ اللواتِي لديهنَّ أزواجٌ لا يُطيعونَ الكلمة. فتوجَّهَ إليهِنَّ بالقول، "كذلِكُنَّ أيَّتُها النساء كُنَّ خاضِعاتٍ لِرِجالِكُنَّ حتَّى وإن كانَ البعضُ لا يُطِيعون الكلمة، يُربَحون بسيرةِ النساءِ بِدُونِ كلمة." (3: 1). وللرجالِ يقول، "كذلِكُم أيَّها الرجالُ كُونوا سِاكِنِين بِحَسَبِ الفِطنَة معَ الإناءِ النسائي كالأضعَف، مُعطِينَ إيَّاهُنَّ كرامةً كالوارِثات أيضاً معكُم نعمةَ الحياة لكي لا تُعاقَ صلواتُكُم."(3: 7).

الكلمةُ المِفتاحيَّةُ هنا هي في الأعداد 1 و7 وهي، "كذلِكُنَّ وكذلكُم." بأيَّةِ طريقَة، أي بنَفسِ الطريقَة كما رجعتُم إلى يسوع، راعِي نُفوسِكُم وأُسقُفِها، فيسوعَ المسيح هو راعي نُفُوسِكُم وأُسقُفِها. في كِتاباتِ كُلٍّ من بُطرُس وبُولُس، سوفَ تَجِدُونَ أنَّ المثالَ الدائمَ للزواج هو المسيح والكنيسة.

يُشيرُ بطرُس هُنا إلى المسيح والكنيسة ويسأل الأزواج والزوجات، "هل تُريدُون أن تروا ما هي خُطَّةُ الله الفوق حضاريَّة لأدوارِ الرجُلِ والمرأة؟ أُنظُروا إلى الطريقَة التي يرعى بها المسيحُ الكنيسة. أيُّها الرِّجال، أرعُوا نِساءَكُم كما رعَى المسيحُ الكنيسة. أيَّتُها النِّساء، هل تُرِدنَ أن تعرِفنَ ما هوَ دَورُكُنَّ كزوجات؟ تأمَّلُوا بمِثالِ المسيح والكنيسة. فكما يرعاكُنَّ أزواجُكُنَّ كما رعى المسيحُ الكَنيسة، عليكُنَّ أن تكُنَّ كما هي الكنيسةُ للمسيح في علاقتِكُنَّ معَ أزواجِكُنّ.

هذه هي الروح التي كتبَ بها بطرُس هذا المقطَع. لقد كانَ يقصُدُ القول، "أيَّتُها النساء، ليَكُن أزواجُكُنَّ كما المسيحُ لكُنَّ، وكُنَّ تحتَ رِعايةِ أزواجِكُنَّ. ودعنَهُم يُحبِبنُكُنَّ كما أحبَّ المسيحُ الكنيسة." هذا ما تعنيهِ كَلِمَة خُضُوع بالنسبةِ للزوجات – أن يدَعنَ أزواجَهُنَّ يرعونهُنَّ كما يرعى المسيحُ الكنيسة.

إن سبَبٍ عدَمِ رُؤيَةِ هذا النموذَج في زيجاتِ الكثيرِ من المُؤمِنينَ اليوم إلا ما نَدَر، هو ليسَ أنَّ النساء لا يُرِدنَ أن يخضَعنَ لرِعايةِ أزواجِهِنَّ، رُغمَ أنَّ هذا المُشكِلَة موجُودَة. ولكنَّ المُشكِلَةَ الكُبرَى لمِثالِ الزواجِ هذا هي أنَّ الرجال لا يُريدونَ أن يكُونُوا كالمسيحَ لزوجاتِهِم. ولن يكونوا كهنةَ المنـزل، ولن يتحمَّلوا مسؤوليَّةَ قيادةِ ورِعايةِ الزوجةِ والعائلة.


نمُوذَج بُولُس للزَّواج

نجدُ في أفسُس 5 أن بُولُس يُقدِّمُ خطَّةِ تعريفِ أدوارِ الأزواجِ والزوجات، تماماً كما قدَّمَها بطرُس في رسالتِه الأُولى. يقولُ بولُس في أفسُس 5: 21، "خاضِعينَ بعضُكُم لِبَعضٍ في خوفِ الله." لاحظوا أنَّ بُولُس يدعو لخُضُوعٍ مُتَبادَل. فعلى الأزواجِ أيضاً أن يخضَعوا، لأنَّهم بالطبيعة يُركِّزونَ على ذواتِهم دونَ غيرِهم. عندما يقرأُ الأزواجُ المُؤمِنونَ أنَّهُ عليهِم أن يكُونُوا واحِداً، يقضُونَ السنينَ وهُم يتساءَلُون، أيُّ واحِدٍ منَّا ينبَغي أن نكون؟" لكي يكونَ الإثنانِ واحِداً، ولِكَي ينجَحَ الزواج، ينبَغِي أن يخضَعَ الزوجُ والزوجَةُ لبَعضِهِما البعض. هذا هو جوهَرُ الحُبّ.

ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس، "أيُّها النساء، اخضَعنَ لِرِجالِكُنَّ كما للربّ.لأنَّ الرجُل هو رأسُ المرأةِ كما أنَّ المسيحَ أيضاً رأسُ الكنيسة. وهو مُخلِّصُ الجسد. ولكن كما تخضَع الكنيسةُ للمسيح كذلكَ النساءُ لرجالِنَّ في كُلِّ شيء." (أفسُس 5: 22-24).

من الواضِحِ أنَّ بُولُس يعمَلُ نفس ما عمِلَهُ بُطرُس في نصيحَتِهِ المُوحى بها عن الزواج. فبطرُس وبُولُس يُقدِّمانِ نَمُوذَجاً عن المسيح والكَنيسة، وكِلاهُما يكتُبانِ تعريفاتِ دور الأزواج والزوجات، مُستَخدِمِينَ المسيح والكَنيسة كنموذَجِهما. إن نمُوذَجَ المسيح والكنيسة ليسَت لهُ أيَّةَ علاقة بحضارات آسيا الصُّغرى أو رُوما. إن خُطَّةَ الزواج هذه قَلبَت موازينَ الفساد والرذيلة رأساً على عقِب في تِلكَ الحضارات. علينا أن نتذكَّر أن يسوع لم يُعلِّم رُسُلَهُ وتلاميذَهُ بأن يتكيَّفُوا معَ قِيَمِ الحَضارات بَل تحدَّاهُم أن يبُثُّوا رُوحَ الثورَة في حضاراتِهم.

إنَّ المُهمَّةَ المُعطاة للنساء في نَصيحَةِ بُولُس الزوجيَّة تتطلَّبُ نعمةً خارِقَةً للطبيعة. وبالأكثَر فالمُهمَّة المُعطاة للرجال تتطلَّبُ أيضاً نعمةً خارقةً للطبيعة. فينبَغي علينا نحنُ الرجال أن نُحِبَّ زوجاتِنا "كما أحبَّ المسيحُ أيضاً الكَنيسةَ وأسلمَ نفسَهُ لأجلِها" (عدد 25). بنفسِ الطريقة كما أحبَّ المسيحُ الكنيسة ينبَغي على الرجال أن يُحِبُّوا زوجاتِهم وعائِلاتِهم. وكما بَذَلَ المسيحُ نفسَهُ من أجلِ الكَنيسة، على الأزواج أن يكونُوا "مثل الله...كامِلين." (متى 5: 48) لقد كتبَ بُولُس للكُولُوسيِّين أنَّ رجاءَنا الوحيد هُوَ مُعجِزَةُ كونِ المسيح يحيا فينا. فإن كانَ المسيحُ حيَّاً فينا، فمن المُمكِن، لا بل من الطبيعي لنا أن نكونَ كما هُوَ المسيح، في محبَّتِنا وبذلِنا ذواتِنا لزوجاتِنا. (كُولُوس 1: 27)

أيتُها المَرأة، إن كانَ عندَكِ زوجٌ أحبَّكَ وأحبَّ الأولاد تماماً كما أحبَّ المسيحُ الكنيسة، فهل سيكونُ صعباً عليكِ أن تجعليه يرعاكِ وأن تدعيهِ يكُونُ ربّ المنـزل، وأن تدعيهِ يتحمَّلُ مسؤوليَّة قيادةِ المنـزل، إن أحبَّكَ كما أحبَّ المسيحُ الكنيسة؟

بِطَريقَةٍ ما، عندما تُعطَى المهمَّةُ للنساء، سيجدنَ الأعذارَ بِسهولة. يقولُ بُطرُس، "أيَّتُها المرأة، ينبَغي أن تَدَعِي زوجَكِ يرعاكِ ويقودُكِ. وعليكِ أن تقبَلِي هذا بوداعة." هذا ما يتكلَّمُ عنهُ بولُس عندما يقولُ، "يُربَحونَ بِسيرَةِ النساءِ"، بالموقِفِ القلبي في زينةِ الروحِ الوديعِ الهادئ الذي هو في نظرِ اللهِ كثيرُ الثمن. أيَّتُها النساء إخضَعنَ لرجالِكُنَّ بِوداعَة. أعتقِدُ أن الكثيرَ من النساء قد يخضَعنَ خارِجياً، ولكنَّهنَّ يبقينَ على موقِفِ التمرُّدِ داخِليَّاً. أما بطرُس فيقول، "كلا، بل اخضَعنَ داخِلياً بوداعة وصِدق. وكُنَّ صامتات. فقط أُسلُكنَ في الكلمة أمامَ أزواجِكُنَّ. وإن كانَ هُناكَ ما يُشجِّعُ الرجُل على الوقُوفِ في مكانِهِ، هو عندما تقفُ المرأةُ في مكانِها."

تذكَّر أن بُطرُس يُوجِّهُ هذه الكلمات للزوجات اللواتي أزواجُهُنَّ لا يُطيعُونَ الكَلِمة. قد يعني هذا أنَّ أزواجَهُنَّ غيرُ مُؤمِنين. أو قد يعني هذا أنَّ أزواجَهُنَّ مُؤمِنُون ولكنَّهُم ليسُوا بالنسبَةِ لزوجاتِهم كما هُوَ المسيحُ للكنيسة. فهُناكَ مكانٌ لِكُلٍّ من الرجُلِ والمرأةِ في الزواج بحسبِ يسوع، بطرُس، وبُولُس. علينا أن نتذكَّرَ أن بُطرُس يُوجِّهُ هذه الكَلِمات للزَّوجات اللواتي لا يقفُ أزواجُهُنَّ في المكان المُعيَّن لهُم.

بالإختِصار

إنَّ جَوهَر ما يقولُهُ بُطرُس لهؤلاء النساء هو أن لا يدفعنَ أزواجَهُنَّ بالقُوَّةِ لأخذِ أماكِنِهم، وأن لا يعِظنَهُنَّ أو يسحَبنَهُنَّ سحباً لِيَقِفُوا في أماكِنِهم. فبنعمَةِ الله، سوفَ يقِفُونَ في أماكِنهم الصحيحة. وهُوَ لا يقولُ لهؤلاء الزوجات أنَّ نصيحتَهُ سوفَ تقودُ دائماً إلى تجديد أزواجِهنَّ وتغييرهم. ولكنَّ نصيحتَهُ هي أنَّهُ إن كانَ شيءٌ سوفَ يحُلُّ مُشكِلَتَهُنَّ، فهذا الشيء هو مِثالُهُنَّ الذي يتحدَّى أزواجَهُنَّ ليقِفُوا في موقِعِهم الصحيح.

  • عدد الزيارات: 10913